العائلة الزيانية
دق التوابل في المهراس والحرص على حفظ الذكر الحكيم

- 931

المتجوّل خلال هذه الأيام بأسواق تلمسان يلاحظ حركة تجارية دؤوبة تقودها ربات البيوت قصد اقتناء التوابل، لوازم جديدة للمطبخ أو تجديد ديكوره كتقليد يتجدد سنويا لاستقبال شهر رمضان الفضيل بحلة جديدة، وهي عادات لا تزال بعض العائلات متمسّكة بها.
الحـديث عن العادات والتقاليد الاجتماعية لأهالي تلمسان في رمضان تعود إلى قرون خلت، حينما كانت عاصمة للمغرب الأوسط في عهد الزيانيين، حيث تعرضّت المدينة لحصارالجيش المريني وبعدها الحصار العثماني، وكان ملوك بني زيان ومعهم الأهالي يقيمون احتفالات كبيرة للاحتفاء بالأمراء في أولى أيام رمضان، ويتم خلالها تبادل الأطعمة على قلتها وبساطتها، وتعلّم السكان أيضا استغلال أوراق الأشجار والحشائش، وبعدها أقدموا على تجفيف العنب والبرقوق استعدادا لشهر رمضان. كان الاستعداد لرمضان يتم حسب الفصل الذي يحل فيه، بإعداد مأكولات مختلفة، مثل "الدريميمات" التي تشبه "الخفاف" أو "السفنج"، وكان التلمسانيون بارعـون في تجفيف العجائن لصناعة المخبوزات و«الثريد" (عجين رقيق يحضر مصحوبا باللحم)، وكانت المئذنة هي التي ترفع ذكر الله كإشارة للإفطار، وكان العلماء يحيون أيام الشهر الفضيل بختم القرآن ودراسة الطب والجبر والهندسة والسيرة النبوية وتشجيع الصغار على الصيام، وقـد أجمعت النسوة ممن تحدّثن إلى "الـمساء"، خاصة اللواتي فاق سنهن 80 سنة، على أن التاريخ الماضي لرمضان في تلمسان انفرد بخصوصيات جميلة تلاشت وزالت بزوال أيامها البسيطة، مستأسدة عليها مشتريات السوق وما تتوفر من شتى المأكولات الجاهزة التي طالما حضرتها الجدات والأمهات في سابق عهدهن، لكن رغم ذلك ـ يضفن ـ لوحظ عودتها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ورأت ربات البيوت، على غرار الحاجة الزهور من مغنية والحاجة ربيعة من تلمسان وغيرهما من نسوة بني سنوس، فلاوسن، ندرومة، جبالة...مناطق معروفة بعاداتها وتقاليدها في المناسبات الدينية ذلك الرجوع حتميا، يعني الأصالة والفضيلة وعدم التقصير في العادة التي تدخل البهجة والفرحة بالمناسبة وحلولها والإحساس بكينونتها، طفت بعض العادات القديمة لاستقبال الشهر على السطح، وتم اكتشافها من قبل الكثير من العائلات التي لجأت إلى طحن التوابل ودقها في المهراس، لاسيما عند اللائي يمتلكن الأحواش، وعاد "المهراس" اليدوي التقليدي ذو "المدقاق" الفولاذي الصلب الذي اعتمدت عليه بصورة متباينة وفجائية المرأة التلمسانية، ليس في الريف فقط وإنما حتى في البيوت الفخمة بالمدينة أو خارجها، بحيث تشكل ربات المنازل جلسات جماعـية في منزل واحد لطحن التوابل والبن بـ«المهراس"، ومنهن من تعـطى لها مهمة غربلة هذه التوابل التي تنبعث منها رائحة طيبة.
حفّاظ القرآن يراجعون... وبيوت الله تتزيـّن
شرعـت مديرية الشؤون الدينية لولاية تلمسان في تجهيز المساجد لاستقبال المصلين. بينت جولة قامت بها "المساء" إلى مختلف مساجد عاصمة الولاية والمدن المجاورة لها، الاستعدادات الحثيثة التي يقوم بها القيمون على المساجد لتمضية شهر رمضان في أجواء إيمانية متميزة، ففي المسجد الكبير بوسط مدينة تلمسان و«أبو بكر الصديق" بوسط مدينة مغنية... وغيرها من المساجد على مستوى بلديات الولاية، تم مع بداية شعبان فرشها بزرابٍ جديدة باهية الألوان للصلاة ورشت بمختلف العطور الزكية، لأن رمضان هذه السنة يحل في فصل "الصيف". ويتسابق المحسنون والمتطوعون للإحسان لبيوت الله والقائمون على شؤون المساجد من جمعيات دينية وأئمة، لشراء مكيّفات الهواء والمروحيات.
الجدير بالذكر أنّ أئمة صلاة التراويح الذين تمنح لهم رخص إمامة الناس في هذا الشهر الفضيل يشترط فيهم القراءة برواية ورش عن نافع، هذه الرواية المشهورة والمعتمدة في سائر أنحاء المغرب العربي الكبير، تسهر وزارة الشؤون الدينية ومختلف الهيئات المنضوية تحت لوائها على تأهيل حفظة كتاب الله وتدريبهم عليها. وفي هذا السياق تعوّد التلمسانيون بدءا من شعبان الذي يعد شهر القراءة وحفظة كتاب الله، بما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، وتشهد الزوايا في مختلف الولاية حركة واسعة تتحوّل إلى خلايا نحل للعدد الهائل من حفظة كتاب الله الذين يرتادونها من مختلف الولايات قصد المراجعة والحصول على الإجازات في تجويد القرآن وترتيله والحصول على التزكيات قصد استعمالها في الحصول على الرخص، وهذا ما أوضحه أحد الطلبة الوافدين إلى إحدى الزاويا "الطالب أحمد" الذي قال بأنه حضر إلى الزاوية قصد مراجعة القرآن الكريم والتحضير لصلاة التراويح التي يعتبرها فرصة ثمينة لا تعوض، بحكم أنه طالب بجامعة "أبي بكر بلقايد" بتلمسان.