" المساء" تفتح ملف مراجعة قانون 98- 04

حاجة ملحّة لتفعيل الدور الاقتصادي للتراث الثقافي

حاجة ملحّة لتفعيل الدور الاقتصادي للتراث الثقافي
  • القراءات: 432
نوال جاوت نوال جاوت

تنظم وزارة الثقافة والفنون، اليوم الخميس، بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، جلسات وطنية حول مراجعة المنظومة القانونية لحماية التراث الثقافي، متمثلة، في الأساس، في قانون 98- 04 الذي تضمّن قواعد عامة، تحدد الإطار القانوني لتثمين الموروث الثقافي والمحافظة عليه. وبعد ست وعشرين عاما على صدوره، جاء الوقت لمراجعته، وإثرائه، بعد أن حدثت تطورات، ولوحظت بعض الفراغات التي تستلزم مراجعته تماما.

للتراث الثقافي دور مهم في ربط حاضر الشعوب بماضيها؛ فهو إرث مشترك للأجيال، ويعبّر عن الهوية. ومع التطور الهائل والمتسارع وما تشهده الدول من تحولات تفرضها التنمية، يرى الخبراء أنه بات من الضروري مواكبة التطورات والمتغيرات، خاصة مع ظهور مبدأ التنمية المستدامة؛ بجعل التراث أساسا لتحقيق التنمية المستدامة وفق جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة.

وحسب أجندة 2030 للتنمية المستدامة، فإن التراث الثقافي يعبّر عن الهوية والذاكرة والإحساس. وله دور في تحقيق التنمية المستدامة؛ من خلال خلق التماسك الاجتماعي، وتحفيز النمو، وتعزيز النسيج الاجتماعي، إلى جانب تعزيز فوائد السياحة على المدى الطويل؛ من خلال الحفاظ على الموارد الثقافية، ومنه الحفاظ على الموارد الهشة غير المتجددة للأجيال الحالية والقادمة، ومن ثمة فإن التراث الثقافي يلعب دورا في تعزيز الاستدامة من خلال الإدماج الفعال للثقافة والتراث في التمدن المستدام، والسياحة، وغيرها من المجالات؛ مما يفرض ضرورة حمايته وتنميته.

وأصبحت مسألة حماية التراث الثقافي ضرورة، وهذا بعد تعرّض العديد من المعالم الأثرية للأخطار؛ لذا حظي التراث الثقافي باهتمام دولي، لا سيما بعد إبرام اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي لعام 1972، ولجوء الدول إلى سنّ تشريعات داخلية لحماية التراث الثقافي، وعلى غرارها الجزائر.

فراغ تشريعي عاجز عن مسايرة التغيرات

ومع التطور التكنولوجي ظهر ما يسمى بـ "رقمنة التراث الثقافي"؛ ما أسفر عن وجود فراغ تشريعي في استحداث الحماية الرقمية؛ حيث أضحت القواعد العامة لهذا القانون، عاجزة عن مسايرة التغيرات السريعة في تقنيات المعلومات، وانتقالها من المجال التقليدي إلى المجال الرقمي؛ الأمر الذي يدعو المشرّع إلى ضبط ومراجعة قانون حماية التراث الثقافي، واستحداث آليات رقمية لتعزيز حمايته، وتوثيقه إلكترونيا، وحفظه من الاندثار والزوال.

وفي هذا السياق، أعلنت وزيرة الثقافة والفنون  في ديسمبر الفارط، عن إطلاق ورشة وطنية كبرى قصد "إعادة النظر"، ومناقشة سبل تعزيز وتثمين ما جاء في قانون 98- 04 المتعلق بحماية التراث الثقافي، وتدارك "الفراغات القانونية الموجودة فيه". وقالت إن حفظ وحماية التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي، من أهم القضايا التي تتصدر اهتمامات قطاع الثقافة والفنون، مشيرة إلى أن الدولة رصدت ميزانيات معتبرة لحماية التراث، وصيانته، والتكفل به.

وسبق لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أن أعطى توجيهات بضرورة تعزيز حماية التراث الثقافي الوطني، وصون الذاكرة الجماعية، والسهر على استرجاع الممتلكات الثقافية المتواجدة في الخارج؛ بغية حفظها، وتثمينها، وعليه تعمل وزارة الثقافة والفنون على مشروع نظام المعلومات الجغرافي لقطاع الثقافة؛ ما سيمكّن من إدارة المرافق الثقافية والتراثية والأثرية عبر بوابة جغرافية، وسيسمح، أيضا، بجرد ورقمنة كل المواقع ذات الصلة؛ قصد تصميم وتطوير نظام المعلومات الجغرافي للبنى التحتية الثقافية، والمعالم التاريخية، والمواقع الأثرية، والقطاعات المحفوظة، والحظائر الثقافية؛ ما يعزّز القدرة على صون وحماية التراث الثقافي.

وفي هذا الصدد، أشارت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، إلى أن هذه الخطوة تؤكد الالتزام بحماية التراث الثقافي أوّلا، وانتهاج كل السبل التي تمكّن من تثمين التراث الجزائري في المشهد الثقافي الإنساني.

محدودية قانون 98- 04

وفي هذا السياق، اعتبر الدكتور في التاريخ وعلم الآثار عبد الرحمن خليفة، أن تنظيم جلسات وطنية حول مراجعة المنظومة القانونية لحماية التراث الثقافي، جاء بعد أن أكد قانون 98- 04 محدوديته رغم المراسيم التطبيقية التي لم يتم تطبيقها على أرض الواقع. وقال لـ"المساء" إن جودة القانون لا تكون إلا بقدر تنفيذه على أرض الواقع. وأضاف: القصبة خير مثال على ذلك؛ إذ لم يتم احترام أيٍّ من المواد المنصوص عليها في قانون 98- 04 رغم مخطط الحماية.. لا يتم احترام جميع مخطاطات الحماية على مستوى البلديات، ولا على مستوى الدوائر، ولا على مستوى الولايات.

وفي رده على سؤال يتمحور حول "فكرة سدّ ثغرات قانون 98- 04 والتي تعود إلى عدة سنوات؛ حيث نُظّمت ورشات عمل وأيام دراسية بدون أن تجسَّد مخرجاتها، وبقي القانون كما كان، أشار محدّث "المساء إلى أنّه في ماي 2020، تم اقتراح مشروع قانون أوّلي يعدّل ويتمّم قانون 98- 04 الصادر في 20 صفر 1419 الموافق لـ 15 يونيو 1998 المتعلق بحماية التراث الثقافي. وقد تم تقديم ما يقرب من ثلث أحكام القانون؛ أي 36 تعديلاً، و6 مواد جديدة، و30 مادة معدلة ومكمّلة للأحكام الحالية، للحكومة. لكن يبدو أن هناك حاجة إلى رؤية جديدة للقانون؛ لأن بعض المواد أصبحت قديمة تماما.

عرقلة آفاق البحث الأثري

وتوقف الدكتور خليفة عند بعض  النقاط التي تحتاج إلى تعزيز أو إضافة لقانون حماية التراث الثقافي. وأوضح أن قانون 98- 04 يتجاهل الجانب الأثري المهم، ويعرقل آفاق البحث الأثري، وعليه يجب أن نولي أهمية أكبر للآثار التاريخية؛ فهي ليست فقط مصدراً رئيساً لهويتنا، ولكنها، أيضا، رصيد مهم لاقتصادنا من خلال السياحة.

وفي ما يتعلق بتعزيز آليات إنفاذ القانون وتشديد العقوبات في حالة الإضرار بالتراث والممتلكات الثقافية المنقولة وغير المنقولة، أكد الخبير أن العقوبات يجب أن تكون رادعة؛ لمنع الضرر وانتهاكات القانون، وعلى السلطة أن تكون قدوة بعدم تدمير التراث. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المسؤولين عن القطاع الثقافي، أن يكونوا يقظين، ويتمتعوا بكل السلطة اللازمة في الميدان. وعَدَّ مشروع تصميم وتطوير نظام معلومات جغرافية عن البنى التحتية الثقافية والمعالم التاريخية والمواقع الأثرية والقطاعات المحفوظة والمحميات الثقافية،  أمرا ضروريا . وزاد: عندما استأنفنا الأطلس الأثري، كنا ضاعفنا، بالفعل، عدد المواقع والمعالم التاريخية المدرجة في بداية القرن العشرين؛ فالوثيقة الموضوعة في 1911 تم تجاوزها إلى حد كبير؛ من خلال عمليات الجرد التي جرت على مستوى الهياكل الثقافية على مستوى جميع الولايات. لكن هذا يعني، أيضا، أنه سيكون من الضروري تعزيز الهياكل التشريعية لحماية الآثار التي تضمن هويتنا بشكل فعال، مع زيادة انفتاح القانون .

غياب آليات دقيقة لتفعيل البعد الاقتصادي للتراث

من جهته، ثمّن البروفيسور عبد القادر دحدوح الأستاذ المختص في علم الآثار، فتح النقاش لمراجعة المنظومة القانونية لحماية التراث الثقافي، قائلا إن هذه الخطوة تستحق الإشادة والتثمين من منطلق أن قانون 98- 04 المتعلق بحماية التراث الثقافي، بحاجة ماسة جدا، للتعديل، والإثراء، ومراجعة بعض المواد التي لم تعد تخدم التراث وفق مقتضيات العصر؛ حيث هناك اتفاقيات ومواثيق دولية صادرة عن منظمة اليونيسكو صادقت عليها الجزائر، تخص حماية التراث الثقافي بعد سَنّ هذا القانون، من بينها اتفاقية صون التراث الثقافي المغمور بالمياه الصادرة في سنة 2001، واتفاقية صون وحماية التراث الثقافي غير المادي الصادرة في سنة 2003، وكذلك اتفاقية حماية وتعزيز تنوّع أشكال التعبير الثقافي الصادرة سنة 2005.

وأضاف الباحث في التراث الثقافي بالمركز الجامعي لتيبازة لـ«المساء ، أن قانون 98- 04 لم يعد يتجاوب مع هذه الاتفاقيات الجديدة وما تتضمنه من رؤية ترتبط، أساسا، بتثمين التراث الثقافي، وجعله أحد أقطاب التنمية المستدامة. وهي الرؤية التي نجد أنفسنا، اليوم، بحاجة ملحة إلى تدعيم قانون حماية التراث الثقافي ببلدنا، مشيرا إلى أن هذه الرؤية هي نفسها التي نجدها ضمن التزامات السيد رئيس الجمهورية، وفي مخطط عمل الحكومة، والتي تهدف إلى تفعيل الدور الاقتصادي للتراث الثقافي، فضلا عن دوره التربوي والاجتماعي. وتابع أن قانون 98- 04 والنصوص التطبيقية المنبثقة عنه بعد ذلك، لم تقدّم آليات واضحة ودقيقة لتفعيل البعد الاقتصادي للتراث الثقافي؛ إذ نجد أفكارا عامة عن هذا البعد بدون تفصيل أو تدقيق في الآليات والإجراءات التطبيقية لها، أفكار تخص الإيجار، والاستغلال، ودفتر شروط الاستغلال... قائلا إن هذه القضايا هي بحاجة ماسة جدا إلى تضمين فصل كامل، على الأقل، ضمن نص القانون المرتقب، يتطرق لمسألة الاستغلال الاقتصادي، ومجالات الاستثمار، والآليات المرتبطة بها.

من ناحية أخرى، تناول محدّث "المساء" التراث الثقافي غير المادي الذي لم يأخذ حقه ضمن قانون 98- 04، فضلا عن غموض آليات حمايته وصونه وتثمينه؛ ما يستدعي مراجعة المواد المرتبطة بهذا التراث، واستنباط مضامين من الاتفاقية الدولية الخاصة به لسنة 2003، مع ضرورة دعم آليات الجرد والتصنيف المحلي والوطني للتراث الثقافي غير المادي؛ على غرار آليات الجرد والتصنيف الخاصة بالتراث الثقافي المادي. والتراثُ الثقافي المغمور تحت الماء هو الآخر بحاجة إلى دعم نصوصه ضمن القانون المرتقب، خاصة أن الجزائر خطَت عدة خطوات في هذا الجانب.

 


 

6 محاضرات و4 ورشات

تتضمن الجلسات الوطنية حول مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بحماية التراث الثقافي، جلسات تشاورية مع كل الفاعلين في المجال، وفق بيان لوزارة الثقافة والفنون، لفتح النقاش والتشاور حول كل المسائل المرتبطة بالتراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي، والعمل من خلالها على "تسخير جميع الإمكانات البشرية والمادية والعلمية والمنهجية؛ من أجل حماية وصون ذاكرتنا الوطنية".

الجلسات التي يحتضنها قصر الثقافة "مفدي زكريا" وتشرف عليها وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، تؤثثها محاضرات لخبراء جزائريين وأجانب، حيث سيتحدث الخبير الدولي البروفيسور يوسف عيبش (مدير الوكالة الموضوعاتية للبحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية)، عن "التراث الثقافي في الجزائر، التحديات والآفاق"، فيما يقدّم الخبير الدولي صاليحي نامي (المدير العام للحوض الوطني الاركين موريتانيا)، عرضا عن قانون حماية التراث الموريتاني الجديد". ويستعرض الخبير الدولي التونسي فوزي محفوظ، تجربة مجلة حماية التراث التونسية".

ومن المحاضرات أيضا تلك التي تتناول فيها السيدة نادية قيراط (مديرة الدراسات والبحث بالمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة)، موضوع "مكانة التراث الثقافي في الدراسات الاستراتيجية"، فضلا عن الوقوف عند "نموذج للشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير الاقتصاد الثقافي" مع الدكتور محمد شهرة (خبير بالمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي)، على أن تثير الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم (محامية لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة)، مسألة "الوسائل القانونية لاسترجاع الممتلكات الثقافية المنهوبة خلال فترات الاستعمار".

أما الورشات فعددها أربع؛ تخصّ الأولى "حماية التراث الثقافي غير المادي"، والثانية "حماية الممتلكات الثقافية العقارية واستغلالها"، فيما تقترب الثالثة من "الأبحاث الأثرية". وتستعرض الرابعة "حماية الممتلكات الثقافية المنقولة"، على أن تُختتم الجلسات بتقديم توصيات، من شأنها إثراء ودعم مساعي مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بحماية التراث الثقافي.

نوال جاوت