واقع التكفل بالإعاقة الذهنية في عنابة

جمعيات تطرح فجوة الوعي والحاجة إلى الإدماج

جمعيات تطرح فجوة الوعي والحاجة إلى الإدماج
  • 79
سميرة عوام سميرة عوام

تواجه ولاية عنابة، اليوم، تحديات متزايدة في مجال التكفل بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى رأسهم مرضى التوحد، وذوو الإعاقة الذهنية. حيث تعكس المعطيات الميدانية فجوة واضحة بين الاحتياجات الحقيقية لهذه الفئات، والإمكانيات المتاحة داخل المؤسسات الصحية، والتربوية، والاجتماعية. تعاني الأسر من نقص الوعي، ونُدرة التوجيه في الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات من ضغط كبير، يجعل العلاج غير كافٍ رغم تزايد عدد الحالات. 

كما يواجه الإدماج المدرسي والاجتماعي عراقيل متعددة؛ بسبب نقص المرافقين، وقلة البرامج المتخصصة، بينما تبذل الجمعيات مجهودات كبيرة لتعويض النقص رغم محدودية الموارد. ونستعرض بالتفصيل واقع التكفل بكل من أطفال التوحد، والمعاقين ذهنياً في ولاية عنابة، لإبراز حجم التحديات، والحلول الممكنة. وندعو إلى رؤية شاملة لدعم هذه الفئات، وحمايتها.

ضرورة تعزيز الوعي الأسري

طرح رئيس مكتب عنابة للجمعية الوطنية لاضطراب التوحد السيد مزياني مأمون، في تصريح لـ “ المساء”، عدة مشاكل تعاني منها هذه الفئة التي تحتاج إلى إدماج في المجتمع، ومرافقة قوية. وعليه فإن أطفال التوحد في ولاية عنابة يعانون من ظروف صعبة نتيجة نقص الوعي الأسري، وعدم توفر الثقافة اللازمة لفهم السلوكيات الاضطرارية التي تميز الاضطراب.

فكثير من الأولياء خاصة في الأوساط الفقيرة، على حد تعبيره، يجدون صعوبة في التعامل مع الطفل الذي يعاني من حساسية حسية، وتشتت ذهني، ونوبات غضب، أو عزلة اجتماعية. وحتى الأسر المثقفة ومن بينهم أولياء وأطباء منخرطون في الجمعية الوطنية لاضطراب التوحد، يحتاجون إلى توجيه مستمر حول كيفية مرافقة الطفل، وتطبيق برامج يومية تساعده على التقدم.

أما في الميدان الصحي فقال مأمون إن المستشفيات تعيش ضغطاً كبيراً بسبب تزايد عدد الحالات، مما يفرض علاجاً محدوداً لا يتعدّى جلسة واحدة أسبوعياً، في حين أن التكفل المثالي يتطلب ثلاث جلسات أو أكثر للطفل. هذا النقص يجعل الكثير من الأطفال غير قادرين على تنمية مهاراتهم اللغوية، أو التحكم في سلوكهم، ما يؤدي إلى تعقيد الحالة كلما تقدّم العمر. وعلى الصعيد التربوي، تُعد عنابة من الولايات التي تعاني نقصاً كبيراً في مُرافقي الحياة المدرسية، الذين يُعدّ وجودهم ضرورياً لنجاح إدماج طفل التوحد داخل القسم. 

فمنذ 2022 حين تم تعيين أول مرافق ارتفع العدد إلى حوالي 20 مرافقاً فقط، وهو رقم غير كافٍ مقارنة بعدد التلاميذ الذين يحتاجون إلى دعم ملازم. فدون مرافق يعاني الطفل من التشتت، والخوف، وعدم القدرة على متابعة الدروس، وحتى من السلوكيات الخطرة، ما يؤدي في كثير من الأحيان، إلى الفشل الدراسي، يضيف محدثنا.

ويظل التكفل المبكر عاملاً أساسياً، حسب تصريحات مزياني مأمون، لأنه كلما تم تشخيص الطفل مبكراً، كانت فرص التحسن أكبر، وكانت التكاليف أقل، وكان الاندماج الاجتماعي أسهل. غير أن الكثير من الأسر الفقيرة غير قادرة على توفير العلاج المكثف في القطاع الخاص؛ بسبب ارتفاع التكاليف؛ ما يضع أطفالها أمام خطر التأخر الحاد.

تحديات كبيرة تواجه المجتمع المدني

تواجه جمعية رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في ولاية عنابة، تحديات كبيرة في سبيل ضمان تكفل فعّال بهؤلاء الأطفال. فالإعاقة الذهنية تختلف عن التوحد؛ إذ تتطلب برامج تربوية خاصة، وتدريباً يومياً على المهارات الحياتية، وتأطيراً مستمراً يساعد الطفل على تنمية الاستقلالية، والثقة بالنفس. ومع ذلك فإن الجمعية تعمل في بيئة تعاني من نقص في الموارد البشرية المتخصصة، وغياب الوسائل البيداغوجية الملائمة، وارتفاع عدد الأطفال المسجلين مقارنة بالقدرة الاستيعابية.

كما يعاني الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية ضعفاً في فرص الاندماج المدرسي، لأن أغلب المؤسسات التعليمية غير مهيأة لاستقبالهم، ولا تتوفر على أساتذة متخصصين في التربية الخاصة، أو أقسام مهيأة حسب درجة الإعاقة؛ لذلك تحاول الجمعية سد هذا النقص عبر توفير تعليم بسيط، مبني على الأنشطة، لكنه محدود؛ بسبب غياب التمويل الكافي. ولا يقتصر المشكل على التمدرس فقط، بل يمتد ليشمل التكوين المهني، إذ يكاد يكون منعدماً رغم قدرة كثير من الأطفال على تعلم أعمال بسيطة كالخياطة، والزراعة، والطهو، أو الأعمال اليدوية. نجاح هؤلاء الأطفال في اكتساب مهارات بسيطة يمكن أن يجعلهم عنصرا فاعلا داخل أسرهم ومجتمعهم، لكنه يظل رهين غياب برامج رسمية للتأهيل.

أما من حيث الاندماج الاجتماعي، حسب رئيس الجمعية السيد فاروق زيات، فالأطفال يعانون من نقص الأنشطة الرياضية، والفنية، والترفيهية. وهي أنشطة أساسية لتقوية شخصيتهم، وتخفيف الاضطرابات السلوكية. كما تحتاج الأسر إلى توعية مستمرة حول كيفية التعامل مع الإعاقة الذهنية، لأن الضغط النفسي عليها كبير، وغياب التوجيه يجعل التكفل داخل المنزل صعباً. ورغم هذه الصعوبات تبقى الجمعية تعمل بإصرار لتقديم ما تستطيع، لكنها بحاجة إلى دعم مؤسساتي حقيقي، وتعاون مع مديرية التربية والجهات الصحية والاجتماعية؛ لكي تتمكن من تطوير خدماتها، وتحقيق إدماج فعلي لأطفالها.

ويكشف الواقع الحالي في ولاية عنابة، أن فئتي أطفال التوحد والمعاقين ذهنياً تواجهان تحديات متشابهة في ضعف الوعي الأسري، ونقص الخدمات الصحية، وغياب المرافقة التربوية، ومحدودية البرامج التأهيلية والاجتماعية.  وعلى الرغم من الجهود المبذولة من بعض الجمعيات والمختصين، إلا أن التكفل لايزال بعيداً عن المستوى المطلوب. ويحتاج إلى رؤية استراتيجية مشتركة تشترك فيها الأسرة، والمدرسة، والمستشفى، والجمعيات؛ لضمان حق كل طفل في الرعاية، والعلاج، والإدماج والكرامة. إن دعم هذه الفئات ليس مسؤولية قطاع واحد، بل هو واجب جماعي، يحفظ مستقبل أطفال هم في أمسّ الحاجة إلى اليد التي ترشدهم، والمؤسسة التي تحتضنهم، والمجتمع الذي يعترف بحقوقهم كاملة.