المؤرخ محمد غرتيل يرافع في محكمة التاريخ:

جرائم فرنسا لا تنسى.. وبطولات الرجال في سجل من ذهب

جرائم فرنسا لا تنسى.. وبطولات الرجال في سجل من ذهب
  • القراءات: 2179
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

أكد الأستاذ الباحث والمؤرخ محمد غرتيل، نائب رئيس اللجنة العلمية لكتابة التاريخ، والذي يشتغل حاليا لإصدار كتابين حول الذاكرة الوطنية، في تصريح خص به "المساء"، أن "الكثير منا يجهل أن العدوان الفرنسي ضد بلادنا قد بدأ التخطيط له بإحكام قبل سنة 1830م، فمكان الإنزال في سيدي فرج، الذي نصح به الجاسوس الفرنسي بوتان، قبل ذلك في 1808 م، يعني قبل 19 سنة من حادثة المروحة الشهيرة في 27 أفريل 1827م.

وهي الحادثة التي اتخذت ذريعة رسمية للاعتداء، مشيرا إلى أن "المحتل الفرنسي، عمل منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر الطاهرة على تثبيت وجوده بشتى الطرق والأساليب، بهدف تركيع الشعب الجزائري وإجباره على الخضوع والاستسلام، إلا أن هذا الشعب الأبي تصدى له ودافع بكل بسالة عن وطنه وهويته"، وهو ما دفع المحتل، حسب المؤرخ، "إلى جانب القمع العسكري، إلى استخدام سلاح أقوى وأفتك، وهو نشر ثالوث الجهل والأمية والفقر بين الجزائريين".

من سيدي فرج إلى تسليم مفاتيح المدينة  

أشار المؤرخ في معرض حديثه، إلى أنه إذا كان الفرنسيون قد تمكنوا من الإنزال العسكري، فذلك لأن الأسطول الجزائري تحطم في معركة نافرين، قرب السواحل اليونانية، بعدما توجه لدعم الدولة العثمانية في حربها ضد الأسطول الإنجليزي- الفرنسي- الروسي في أكتوبر 1827 م، ليتم الإنزال العسكري في 14 جوان 1830م بأربعين ألف جندي و4500 حصان، نقلوا على متن 700 سفينة مجهزة بـ 1870 مدفع، بقيادة الجنرال دي بورمون، اصطدمت الفرق الفرنسية بالمقاومة الجزائرية في معركة اسطاوالي في 19 جوان 1830، ثم معركة سيدي خالف في 24 جوان من نفس السنة، لتسقط العاصمة ويوقع الداي حسين في 5 جويلية 1830م على معاهدة الاستسلام، ويسلم مفاتيح المدينة إلى قائد الجيش الفرنسي دو بورمون.

وقد عمل المحتل الفرنسي، حسب ما أوضح المؤرخ، منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر الطاهرة، على تثبيت وجوده بشتى الطرق والأساليب، بهدف تركيع الشعب الجزائري وإجباره على الخضوع والاستسلام، إلا أن هذا الشعب الأبي تصدى لها، ودافع بكل بسالة عن وطنه وهويته، وهذا ما دفع المحتل، إلى جانب القمع العسكري، إلى استخدام سلاح أقوى وأفتك، وهو نشر ثالوث الجهل والأمية والفقر بين الجزائريين، الذين أخذت أوضاعهم تتدهور وتنحط، فشاعت البدع والخرافات بينهم، وطمست معالم العروبة والإسلام فيهم، وغرقت الجزائر بذلك في ليل الاستعمار المظلم.

جرائم فظيعة للمستعمر ... إبادة وقطع للرؤوس

يقول المؤرخ في وصف جرائم الاستدمار: "إن الجرائم اللاإنسانية المرتكبة من طرف المستدمر الفرنسي في الجزائر، لا يزال أغلبها مجهولا، حتى وإن تم حصرها، فإنه لا يمكن أبدا أن تجد العبارات لوصف فظاعتها وبشاعتها، فقد انتهج الفرنسيون سياسة فاقت التصور والخيال لاستئصال وإبادة الشعب الجزائري بدم بارد، طيلة 132 سنة من العبودية، حتى يدرك جيل الاستقلال مدى بشاعة الاستدمار، ونذكر بعضا من تلك الجرائم التي ارتكبت في حق الأجداد؛ مذبحة البليدة في 26 نوفمبر 1830، تفنن فيها الضابط ترولي، وفي بضع ساعات، امتلأت الشوارع بجثث القتلى. مذبحة قبيلة العوفية في ليلة 5 أفريل 1832م، حيث أعطى دروفيقو، المجرم، تعليمات لجنوده بإبادة أفراد القبيلة المستقرة عند وادي الحراش عن آخرها، والحصيلة 1800 قتيل من شيوخ ونساء وأطفال، وقطعت الرؤوس ووضعت على الرماح.

أقدم الجنرال كافينياك، على إبادة قبيلة بني صبيح عام 1844 م، أما السفاح بليسييه، فقد أقدم على أكبر وأفظع الجرائم ضد الإنسانية في جوان 1845م، تمثلت في قتل جميع أفراد قبيلة أولاد رياح، بجبال الظهرة في مغارة الفراشيح، والتي عمقها 200 م، جمع كل أفرادها وجلب كميات كبيرة من الحطب والمواد القابلة للاشتعال، ثم أشعل فيها النيران بمدخل المغارة، فقتل كل من كان داخلها اختناقا، وعددهم 1200 شهيد من نساء وأطفال وشيوخ، حتى الدواب لم تسلم من تلك الوحشية، لينال الجنرال بليسييه، لقب قاهر الجزائريين، وبالنسبة له، لم يكن الأمر خطأ، بل كان عبارة عن منهج حربي لابد منه، حيث نفذ أمر المجرم الجنرال بيجو، عراب سياسة الأرض المحروقة الذي راسله بالحرف الواحد (إذا انسحب هؤلاء الأوغاد إلى كهوفهم دخنوا المداخل، عاملوهم كالثعالب)، أما بليسييه، فكتب سنة 1857 م (إن جلد أحد طبولنا أثمن من جلد هؤلاء البؤساء)"

الجنرال هيربيون ليشن ببسكرة...قطع النخيل والرؤوس والمحاصيل  

يواصل المؤرخ سرده للوقائع: "وفي سنة 1949 م، قاد الشيخ بوزيان  انتفاضة في واحة الزعاطشة ببسكرة، أين أرعب بها المحتل الذي جند له جيشا مكونا من خمسة آلاف جندي، بقيادة الجنرال هيربيون ليشن، هجوما على الواحة، قطع أشجار النخيل وأحرق المحاصيل، لينتهي الهجوم بسقوط 800 شهيد وقطع رؤوس المقاومين، حيث تباهى هذا المجرم بعمله الشنيع فقال (لم ينج سوى رجل أعمى وعدد قليل من النساء)، طالت الوحشية الشيخ بوزيان، زعيم الانتفاضة، فأمر الجنرال بقطع رأسه بعد إعدامه بالرصاص مع ابنه الطفل الحسن 15 سنة، ورفيقه موسى الدرقاوي، المقاوم المصري وعلقت رؤوسهم على أبواب المدينة، ثم نقلت إلى باريس".

التجويع من أجل التنصير... 

يقول محمد غرتيل حيال ما عاناه الشعب الجزائري: "في 1867م، حلت بالجزائر النكبات المختلفة، فمن زلزال البليدة المدمر، إلى هجوم الجراد على سهل متيجة والمناطق المجاورة له، ثم الجفاف ووباء الكوليرا والتيفيس، فانتشر الجياع في كل مكان يقتاتون على الجذور والأعشاب، وبلغ الأمر التقاتل على مزابل المعمرين في المدن، وتحول الناس إلى شبه هياكل عظمية، وهناك من كان يعتدي على الفرنسيين بنية الدخول إلى السجن حتى يقتات، وفي هذه الأجواء المظلمة، كرست فرنسا سياسة التنصير بمجيء الكاردينال لا فيجري سنة 1867م، قادما لإحياء الكنيسة الإفريقية وأمجاد الكنيسة الرومانية المقدسة، فأسس سنة 1867م، جمعية المبشرين بالجزائر، التي تعرف بالآباء البيض، وكان يهدف من خلالها إلى تحويل الجزائريين إلى الدين المسيحي، معتبرا الجزائر بوابة لإفريقيا".

أضاف المؤرخ، أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد: "النفي إلى كاليدونيا الجديدة من الجرائم التي طمست فرنسا معالمها، حيث قامت بترحيل 2166 مقاوم جزائري، بهدف القضاء على الثورات والتمردات، كان عدد الرحلات 42 رحلة إلى هذه المستعمرة الجديدة البعيدة جدا عن الجزائر، والواقعة في قارة أوقيانوسيا، جنوب المحيط الهادي، وتم استغلال الجزائريين المبعدين في الأعمال الشاقة وخدمة المعمرين، ولعل أبرز المنفيين، أولئك الذين شاركوا في مقاومة الشيخ المقراني والحداد سنة 1871م، وحسب أرشيف بلدية بوريل، فإن أول رحلة من الجزائر إلى كاليدونيا الجديدة وصلت عام 1864م، وكانت آخر رحلة سنة 1921 م، استمرت هذه الرحلات 150 يوم، في مسافة تقدر بـ30928 كلم"

تنكر فرنسا.. ومجازر شنيعة تخلف 45 ألف شهيد 

يواصل المؤرخ محمد سرد الوقائع قائلا: "وفي الثامن ماي 1945م، ارتكبت القوات الفرنسية مجازر في حق الشعب الجزائري، عشية انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية، الحصيلة كانت 45 ألف شهيد، النتيجة تنكر الفرنسيين لكل ما قدمه الجزائريون في سبيل تخليصهم من قهر الجيش الألماني النازي، وفي سنة 1957 م، أقام المجرم اندري موريس، وزير الدفاع الفرنسي، خطا مكهربا يفصل الجزائر عن تونس والمغرب، بلغت شدته 5000 فولط، ويحوي حوالي 50 ألف لغم بالحدود الشرقية، أما الحدود الغربية، فقد امتد من تلمسان، إلى جنوب بشار على طول 700 كلم أسلاكه الكهربائية بقوة 12000 فولط، ليكمل السفاح الجنرال شال موريس المشروع بإنشاء خط شال، وفق مخططه العسكري (مخطط شال سنة 1959م)، للقضاء على الثورة عسكريا، ولازالت مخلفات الألغام المزروعة، إلى يومنا هذا، تحصد أرواح الأبرياء في المناطق الحدودية"

التجارب النووية ...مخططات الإبادة 

يواصل المؤرخ المميز في فضح جرائم المستعمر قائلا: "في 13 فيفري 1960م، شرعت فرنسا في أولى تجاربها النووية في رقان (اليربوع الأزرق) استعملت السكان كفئران تجارب، تليها بعد ذلك حوالي 17 تجربة من (1960 ـ 1966) في صحرائنا الكبرى، رغم مرور السنوات إلا أن هذه التجارب لازالت تخلف ضحايا نتيجة الإشعاعات والتلوث النووي (التشوهات الخلقية للأجنة) وغيرها. في 17 أكتوبر 1962م، المجرم موريس بابون يقمع مظاهرات سلمية للمهاجرين الجزائريين بباريس، والحصيلة 300 قتيل، أغرق العشرات منهم في نهر السين"

5 جويلية عيد استرجاع السيادة الوطنية 

أضاف محمد غرتيل، الأستاذ المؤرخ قائلا: "ولقد نفدت السلطات الاستعمارية الفرنسية العسكرية والمدنية طيلة فترة الاحتلال، مخططا إجراميا لإبادة الجزائريين، وعمدت لاستعمال كل الطرق والإمكانيات لذلك، ولم يسلم من سياستها القمعية والعقابية أي أحد، حتى المدنيين العزل من أطفال وشيوخ ونساء، لكن الشعب الجزائري أظهر الشجاعة والقوة في مواجهة هذا الجبروت، وتلاحم فيما بينه ليسطر ملحمة تاريخية أسقطت كل المناورات والمخططات، ليكون يوم 05 جويلية 1962م عيدا للاستقلال والحرية، واسترجاعا لسيادة الوطن، ومن واجبنا اليوم أن نحافظ على وطننا، وأن نحميه من كل الدسائس لأعداء الداخل والخارج، ونعتز بما قدمه شهدائنا الأبرار من تضحيات جسام في أرقى المعاني للوطنية وحب الوطن".