انتعاش استثنائي للاقتصاد في 3 سنوات

تكريس حرية الاستثمار وبناء قاعدة اقتصادية صلبة

تكريس حرية الاستثمار وبناء قاعدة اقتصادية صلبة
  • القراءات: 1465
محمد . ب محمد . ب

قطعت الجزائر أشواطا معتبرة في مجال التنمية الاقتصادية، حقّقت خلالها حصيلة هامة تجسدت في عدد معتبر من المشاريع والقرارات الاستراتيجية، التي أرست الأرضية المتينة التي ينبني عليها الصرح الاقتصادي القوي والمتنوع والمستدام التي تتطلع إليه الجزائر الجديدة، ضمن مقاربة اقتصادية مدمجة بشكل تكاملي، رغم خروجها مثقلة من المتاعب الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، التي فرضت اللجوء إلى حلول استعجالية لحماية الاقتصاد الوطني.

بناء الاقتصاد المتنوع والمستدام الذي وعد الرئيس عبد المجيد تبون عند اعتلائه سدة الحكم بتحقيقه في جزائر جديدة تعمل بصدق وجدية على اللحاق بركب الدول المتقدمة، بدأ باتخاذ جملة من القرارات الجريئة والتي عمدت من خلالها السلطة العليا في البلاد إلى تخليص الاقتصاد الوطني من قبضة اللوبيات التي حوّلت الجزائر إلى سوق لمنتجات لا حاجة للمواطن بها، وحوّلت أموال الشعب إلى مورد للعبث تنفقه مجموعات الاستيراد التي أغرقت السوق بمنتجات لا يصح حتى تصنيفها ضمن الكماليات، مع ما ترتب عن ذلك من تضخيم لفي الفواتير وغش ضريبي لا متناه، وعزم الرئيس تبون مقابل ذلك على إعادة بعث اقتصاد حقيقي، قائم على تعزيز الإنتاج الوطني والخروج من التبعية للمحروقات، حيث تمّ في هذا الإطار سن قوانين جديدة لتطهير مناخ الأعمال مع التركيز على القطاعات الاستراتيجية المولدة للثروة والمستحدثة لمناصب الشغل.

وأولت الجزائر أهمية قصوى لتحريك الإنتاج الوطني، باعتباره مفتاحا للتنمية المحلية، والضامن لسيادة القرار الاقتصادي، حيث راعت الخطة الاقتصادية التي تبنتها الحكومة ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات وتوجيه الفائض في الإنتاج للتصدير، من أجل در موارد بالعملة الصعبة على البلاد، وبالتالي خلق حركية اقتصادية جديدة. تضمنت خطة الحكومة في البداية، مراجعة الواقع الاقتصادي، بالنظر للظروف المعيشية للمواطن في ظل استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية في السوق العالمية، والعمل على إصلاح القطاع العمومي تماشيا مع التحوّلات الكبرى التي يعيشها الاقتصاد الوطني، مع التشديد على ضرورة مواصلة الإصلاحات الإدارية، ورقمنة المعاملات وترشيد الإنفاق والحفاظ على القدرة الشرائية والاهتمام بالطبقة الهشة في المجتمع. وتزامنت هذه الخطة الاقتصادية مع إطلاق حزمة من الإجراءات الشجاعة التي أقرها الرئيس تبون، لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وإنقاذ الشركات من الإفلاس، من خلال إلغاء الضريبة على المداخيل التي تقل أو تساوي 30 ألف دينار، ورفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بزيادة ألفي دينار جزائري ليصبح 20 ألف دينار جزائري. كما تم رفع معاشات المتقاعدين بنسبة من%10 ، ومنح تعويضات مالية لعدد من أصحاب المهن الحرة، بالإضافة إلى تجميد دفع ضرائب الشركات بهدف تخفيف آثار إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا على الشركات العامة والخاصة.

في المقابل، عززت الجزائر انفتاحها على الأسواق الخارجية ضمن مسعى تعزيز الصادرات وتقوية الشراكات الاقتصادية مع الدول الصديقة، كما وجهت بوصلتها نحو السوق الإفريقية، وقامت في هذا السياق بالمصادقة على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية أوائل 2020، وسطرت هدفا لرفع صادراتها خارج قطاع المحروقات، وكذا تحويل بين 10 إلى 12 مليار دولار من احتياطات الصرف لفائدة تمويل الاستثمار، وإحداث تغييرات على قانون الاستثمارات لجلب رؤوس الأموال الأجنبية في عدة قطاعات، وفتح بعض القطاعات أمام الخواص، بما فيها قطاعي النقل الجوي والبحري.

كما شملت القرارات التمهيدية لبناء الاقتصاد المتين تحديث شبكة النقل عبر الطرقات، وتسريع الانطلاق في إنجاز خط للسكة الحديدية، يربط بين ولايتي تندوف وبشار. في سياق مرافقة الجهود الموجهة لدعم الاقتصاد وتحريك الجانب التنموي، مع الترخيص لشركة الخطوط الجوية الجزائرية باقتناء 15 طائرة قصد تعزيز شبكة رحلاتها، بالأخص نحو إفريقيا وآسيا وأوروبا، بالإضافة إلى اقتناء بواخر لنقل المسافرين والسلع والحبوب، وتطهير قطاع النقل البحري وإعادة هيكلته بشكل يجعله يواكب التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد الوطني.

مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية

وتضمنت خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة العربية الحرة، ومراجعة ميزان المبادلات التجارية للجزائر مع عدة دول، للحد من العجز في الميزان التجاري الذي قارب 30 مليار دولار. وباشرت الجزائر إحصاء احتياطاتها من موارد طاقوية ومعدنية أخرى غير مستغلة، بغرض الاستثمار فيها، من بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، للمرة الأولى في تاريخها، وفتح المجال أمام شراكات كبرى للمستثمرين الأجانب في معظم مناجم البلاد. وتقرر في هذا الإطار استغلال منجم الحديد بمنطقة غار جبيلات بتندوف، الذي يعد من أكبر احتياطات العالم من الحديد، وكذا منجم الزنك والرصاص بمنطقة واد أميزور ببجاية ومشروع آخر للفوسفات بتبسة، مع الترخيص للمستثمرين المحليين باستغلال مناجم الذهب بالجنوب الكبير.

وشملت القرارات أيضا، وقف استيراد الوقود والمواد المكررة خلال الربع الأول من2021 ، لتعزيز الانتاج المحلي وخفض فاتورة الواردات، بشكل يوفر نحو 3 مليارات دولار، وكذا استرجاع احتياطات الذهب المحلية، التي باتت أموالا مجمّدة على مستوى الجمارك منذ أكثر من 4 عقود في الموانئ والمطارات، وإدراجها كاحتياطات وطنية محلية. بالإضافة إلى إعداد خطة لإصلاح النظام المصرفي، والتوجه نحو الصيرفة الإسلامية بعد طرح 9 منتجات مالية بهدف جذب رؤوس أموال الجزائريين المودعة خارج البنوك العمومية، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي والسوق الموازية في النظام المالي.

قانون جديد للاستثمار.. شهادة ميلاد النجاعة والمصداقية الاقتصادية

شكل مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي أعلنت عنه الحكومة، انطلاقة حقيقية في بناء اقتصاد له كلمته في المنطقة الإفريقية والعربية، من خلال تشجيع قطاعات الصناعات الناشئة والمتوسطة لجعل الجزائر تطوي التجارب السابقة في مجال الاستثمار. وبالنظر إلى أن الواقع في الجزائر أثبت مرات عديدة أن مشكلة الاقتصاد ليست في التشريع، بل في التنفيذ، سعت السلطات من خلال قانون الاستثمار الجديد إلى تحويل المضامين النظرية إلى مشاريع اقتصادية ميدانية منتجة للثروة وموفرة لمناصب الشغل. في هذا الشأن، وقعت شركة سوناطراك على اتفاقية مع شركة إيني الإيطالية لتجديد عقد تصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإيطالية حتى عام2049، لتوريد 1,5 مليار متر مكعب على مدار 29 عاما من 3  حقول غازية.

وتعمل الجزائر من خلال القانون الجديد، على تكريس مبادئ حرية الاستثمار والشفافية والمساواة، وإعادة تنظيم الإطار المؤسساتي المتعلق بالاستثمار، ومحاربة البيروقراطية، عبر رقمنة الإجراءات المتصلة بعملية الاستثمار من خلال استحداث المنصة الرقمية للمستثمر، والتسليم الفوري لشهادة تسجيل المشروع الاستثماري، وتوسيع نطاق ضمان تحويل المبالغ المستثمرة والعائدات الناجمة عنها، إلى المستثمرين غير المقيمين.

ولتخفيف العراقيل التي يمكن أن يصطدم بها المستثمرون، تم اعتماد عديد المقاربات في القانون الجديد، من بينها تحويل الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ليكون لها بذلك بعد ترويجي، بالإضافة إلى استحداث شباك وحيد على مستوى كل ولاية، وآخر ذي اختصاص وطني للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية. ولحماية المستثمرين، نصّ القانون الجديد للاستثمار، على تسليط أقصى العقوبات على كل من يعرقل إنجاز المشاريع الاستثمارية، إضافة إلى تنصيب لجنة تابعة لرئاسة الجمهورية تتلقى شكاوى المستثمرين لحلّ العراقيل التي قد تواجههم، كما تم إقرار مزايا جبائية كالإعفاء من الضريبة على أرباح الشركات، لمدة تتراوح من 3 إلى 20 سنة حسب طبيعة المشروع، إضافة إلى الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، وتأجيل دفع الضريبة للمستثمرين.

قطع الطريق أمام الفاسدين

عرفت الجزائر محاكمات متوالية لرجال أعمال متهمين بقضايا فساد، حيث تقرّر في مرحلة الجزائر الجديدة، ألا يكون للمال الفاسد والممارسات السابقة مكانا فيها، باسم الاستثمار والاقتصاد، بالنظر إلى الحاجة الملحة إلى رجال أعمال وطنيين ونزهاء، مع تكريس الشراكة بين القطاعَين الخاص والعام ومع المستثمر الأجنبي، الذي يمكن أن يقدم قيمة مضافة ضمن مناخ اقتصادي عنوانه الشفافية والنزاهة.  وحرص الرئيس عبد المجيد تبون، في هذا الإطار، على تعزيز النظام القانوني لحماية المستثمرين من التعسفات البيروقراطية، عبر استحداث آلية مستقلة رفيعة المستوى، تضمّ قضاة وخبراء اقتصاديين وماليين، توضع لدى رئاسة الجمهورية، وتتولى الفصل في الشكاوى والطعون المقدمة من المستثمرين، مع اعتماد المعايير الدولية في استقطاب الاستثمارات.

رهان الأمن الثلاثي.. غذاء وطاقة ودواء

تتجه الجزائر، وفقا لتوجيهات الرئيس عبد المجيد تبون نحو تسجيل مداخيل خارج قطاع المحروقات تقدر ما بين 5 و7ملايير دولار، خلال السنة الجارية، مراهنة في مسعاها على عدة قطاعات استراتيجية منها قطاع الصناعة الصيدلية، الذي يقترب من تحقيق نسبة 70  % من الاكتفاء الذاتي في عدة أدوية ومنتجات صيدلانية. كما تسعى الجزائر لتعزيز الأمن الغذائي الذاتي، عن طريق التنمية في المناطق الصحراوية والغابية والهضاب العليا، مستهدفة ضمن مخططها لتطوير القطاع الفلاحي، رفع المساحات الزراعية من 200 ألف هكتار إلى 500 ألف، مع توسيع مناطق الري بالتقطير. وعملا بمبدأ "الأرض لمن يخدمها"، تقرر منح الأراضي وفق دفتر شروط يحدد نوعية الزراعات والمنتجات التي يفترض أن تخرج منها.

وقد تمكنت الجزائر من تحقيق المرتبة الأولى إفريقيا في مجال الأمن الغذائي في آخر تصنيف لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، حيث يضعها هذا الإنجاز في "الخانة الزرقاء" في نفس المستوى مع أقوى دول العالم. أما في مجال الطاقة، فقد خطت الجزائر خطوات عملاقة، ضمن مساعي الاعتماد على الاقتصاد الأخضر وتطوير الطاقات المتجددة ما يضمن لها أمنا طاقويا، يعد بمستقبل مشرق للأجيال المتعاقبة. في هذا الإطار، تعول الجزائر كثيرا على مشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية "سولار 1000 ميغاواط"، الذي أطلقته من أجل تركيب 1000 ميغاواط سنويا و15000ميغاواط بحلول عام 2035.

كما ترفع الجزائر رهان الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الذي تمتلك فيه إمكانيات هائلة حسب دراسات وتقارير خبراء في الطاقة وترغب في جعل صناعة الهيدروجين" فاعلا طاقيا إقليميا في ظل الاهتمام الدولي بـ"الطاقة النظيفة"، التي توصف بـ"طاقة المستقبل"، نظرا للتعويل عليها كوقود مستقبلي خال من الانبعثات للوصول إلى الحياد الكربوني والحدّ من التغيرات المناخية. وقد قامت في هذا الإطار بصياغة استراتيجية جديدة لتطوير الهيدروجين من خلال لجنة وزارية تضم قطاعات الطاقة والبحث العلمي والتعليم العالي. كما تشمل الأهداف المسطرة من قبل السلطات العمومية لضمان الأمن الطاقوي، زيادة الإنتاج الأولي للمحروقات بنسبة%2  سنويا قصد بلوغ 20480 مليون طن مكافئ نفطي بحلول سنة 2025. وتعمل الحكومة على رفع مستوى الاستقلالية الوطنية، من حيث تخزين وقود غاز البترول المميع واستكمال إنجاز مستودعي تخزين الوقود في سيدي رزين وغاز البترول المميع في أرزيو.