تعديل الدستور في خطابات الرئيس تبون

تقويم ركائز الممارسة السياسية لتجنيب البلاد أزمات لا تُحمد عقباها

تقويم ركائز الممارسة السياسية لتجنيب البلاد أزمات لا تُحمد عقباها
  • القراءات: 916
 مليكة.خ مليكة.خ

يعد تعديل الدستور من أبرز الورشات السياسية، التي يراهن عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في رسم معالم "الجزائر الجديدة" التي حملت شعار حملته الانتخابية، حيث تعهد فور فوزه بالاستحقاق الرئاسي، بتجسيد مطلب الحراك الشعبي الذي انتفض ضد سياسات الحكم البائد التي كرست "الفردانية" في تسيير شؤون البلاد، مما استدعى تصحيح الوضع وإعادة إرساء ركائز الممارسة السياسية على أسس قوية، تجنب البلاد الوقوع في هزات وأزمات لا يحمد عقباها.

لأن فتح صفحة جديدة من التاريخ السياسي للبلاد يقتضي بالضرورة إعادة تقويم الممارسة السياسية، فقد وضع الرئيس تبون مسألة تعديل أعلى وثيقة قانونية في البلاد، ضمن أولوياته، في سياق تعزيز الديمقراطية التشاركية وضمان التوازن بين السلطات، والأهم من ذلك "أخلقة الدولة" لتكون في خدمة الشعب، و«ليس في خدمة مجموعة من المجموعات تمارس سيطرة أبوية عليه".

تعزيز الصرح المؤسساتي للدولة

وعليه، يرى رئيس الجمهورية أن خيار مراجعة الدستور، يعد محطة أولى ضمن رؤية شاملة، ترمي إلى تعزيز الصرح المؤسساتي للدولة، كونه يصب في مسعى تمكين المجتمع من التحرر تدريجيا، والتحكم في مقاييس العصرنة في إطار القيم الحضارية، فضلا عن أنه يعد حجر الزاوية في الجمهورية الجديدة، من خلال تحديد الفترات الرئاسية بفترة قابلة للتجديد مرة واحدة، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، بما يحصن الجمهورية من الحكم الفردي. أكثر من ذلك، فإن الوثيقة القانونية الجديدة، من شأنها تحديد حصانة الأشخاص، حيث لا تمنح للفاسد أي حصانة في الملاحقة القضائية، فضلا عن أنها تحمي الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام وحق التظاهر. وتشمل الالتزامات التي أشار إليها الرئيس تبون في تصريحاته، تجريم تدخل المال في العمل السياسي وشراء الأصوات، وعدم السماح بالعبث بالمال العام.

من أجل تجاوز الوضع السياسي الراهن، يرى رئيس الجمهورية أنه من الأهمية بمكان، إعادة ترتيب الأولويات الوطنية للخوض في القضايا الجوهرية للبلاد، عبر انتهاج استراتيجية شاملة، مبنية على رؤية سياسية واضحة، تهدف إلى استعادة الشعب ثقته في دولته والالتفاف حولها لضمان استقرارها. وبما أن الحراك الشعبي الذي أبهر العالم، طالب بالتغيير الجذري السلمي، يحرص رئيس الجمهورية على أن تكون البداية بالدستور الذي هو أساس الدولة، حيث لا يكون التغيير داخل المكاتب أو بيد جماعة معينة، بل بيد الشعب الذي يقرر قبول أو رفض مسودة الدستور. وحتى في حال رفضه من قبل الشعب، فإنه "سيتم العمل بالدستور القديم، مع الإصرار على إحداث التغيير".

لذلك، كان تعديل الدستور من أولى الوعود التي أطلقها رئيس الجمهورية خلال أدائه اليمين الدستورية، باعتبارها خطوة تمهد للبت في خطوات أخرى، على غرار تغيير قانون الانتخابات، الذي تعتريه الكثير من النقائص والاختلالات، التي أثرت جليا على العمليات الانتخابية التي شهدتها البلاد، وفق شكاوى العديد من التشكيلات السياسية الوطنية. بالنسبة لرئيس الجمهورية، فإن مراجعة قانون الإنتخابات يبقى أمرا ضروريا، للخروج بمؤسسات جديدة منتخبة قبل نهاية السنة، مؤكدا أن "المصلحة الوحيدة التي يتوجب مراعاتها، هي "مصلحة الشعب والوطن"يضفي القاضي الأول في البلاد، البعد التكاملي بين مشروع التعديل الدستوري وقانون الإنتخابات، من منطلق أن الأول يوفر "كل الضمانات لنزاهة الاستحقاقات"، سواء بدسترة السلطة المستقلة لمراقبة الإنتخابات، أو بتقنين صارم للتمويل السياسي، للحفاظ على حرية الإرادة الشعبية، أو بمنح فرص متكافئة للجميع في التصويت والترشح، حتى يحترم صوت الناخب ويتعزز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين".

تسبيق التعديل الدستوري لتجديد الهيئات المنتخبة

وعليه، يرى أن "الواجب كان يقتضي تسبيق التعديل الدستوري، لأنه ليس من المعقول تجديد الهيئات المنتخبة بقوانين مرفوضة شعبيا"، كما أن تطبيق هذا التعديل الدستوري، إذا ما وافق عليه الشعب، يستلزم تكييف عدد من القوانين مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها، واستعادة هيبتها.

كما يظهر التمسك بإجراء تعديل الدستور، رغم الظرف الصحي الاستثنائي الذي تمر به البلاد، جراء جائحة "كورونا"، الأهمية التي تكتسيها هذه الورشة في أول عهدة للرئيس تبون، الذي ستمر سنة على انتخابه بعد شهر ونصف الشهر من إجراء الاستفتاء في الفاتح من نوفمبر، ليكون ذلك من أبرز الإنجازات السياسية التي يتوخى منها إزالة الغموض الذي كان سائدا في السابق، في مجال الممارسة السياسية، وما أفرزته من مظاهر الفساد، بسبب تغلغل المال في العمل السياسي. وكثيرا ما أعرب رئيس الجمهورية عن طموحه في إعداد "دستور توافقي"، حيث أمر بنشر النص المتضمن لاقتراحات مختلف الأطراف حول شتى المواد، ليتم بعدها الأخذ باقتراحات الأغلبية، من منطلق أن "الجزائر الجديدة بحاجة إلى سلوك جديد ينسجم فيه القول مع الفعل، وينسجم فيه السلوك الحميد مع العمل المخلص، وبحاجة إلى أسس متينة يرتكز عليها دستور يستمد روحه من بيان أول نوفمبر، ويجمع الشمل ويزرع الأمل في المستقبل".

دسترة بيان أول نوفمبر تجسيدا لوصية الشهداء

  أمام الجدل الذي أثاره موضوع دسترة بيان أول نوفمبر، من قبل بعض الأطراف التي انزعجت من التعديلات الجديدة، أكد السيد تبون، أن الدستور الجديد لن يحيد عن بيان الفاتح نوفمبر، الذي يكرس السيادة الوطنية ويجسد العدالة الاجتماعية، تطبيقا لوصية الشهداء، حيث قال في هذا الصدد "الطريق التي سلكناها هي الطريق الصحيحة، لأننا إذا ابتعدنا عن بيان أول نوفمبر، ذهبت ريحنا".

وقناعة منه بضرورة الحفاظ على رسالة الشهداء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل الحرية، أكد رئيس الجمهورية أهمية ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المباركة، التي "نستلهم منها روح الاستقلال، وقوة الدولة بمؤسساتها الدستورية".  تبرز أهمية التعديل الدستوري، وفق منظور القاضي الأول في البلاد، في التغييرات التي سيحققها، لاسيما ما تعلق بالتمثيل الذي سيكون هذه المرة "حقيقيا، مع توفير صلاحيات واسعة للمنتخبين"علاوة على ذلك، فإن "الفضائح" التي تكشف عنها المحاكمات الجارية، دافع قوي لتدارك ما يمكن تداركه، وتصحيح الوضع الذي عطل عجلة التنمية في البلاد، بسبب إغراءات المال الفاسد الذي كمم أصوات بعض المنتخبين على مستوى الهيئات المنتخبة. ورغم تعالي بعض الأصوات المعارضة لبعض مواد الدستور، إلا أن رئيس الجمهورية كثيرا ما أكد أنه يراهن على ثقل الشعب، الذي يظل "الفيصل" في التصويت بالإيجاب أو السلب على أعلى وثيقة قانونية في البلاد، داعيا إلى "التحلي بالواقعية والابتعاد عن الانغماس في الجزئيات والشكليات، على حساب الأمور الجوهرية ذات العلاقة بالأسس الدائمة للدولة".

في سياق سد المنافذ أمام محاولات التشويش على الجهود،  فصل الرئيس تبون في مسألة عدم المساس بالهوية، من خلال تأكيده بأن "الإسلام يبقى دين الدولة"، في الوقت الذي أشار إلى أن "الأمازيغية لا تعني منطقة معينة بحد ذاتها"كما تعهد رئيس الجمهورية، بأن تكون الدولة صاغية لتطلعات التغيير الجذري للنظام، مؤكدا أن "نجاحنا اليوم هو ثمرة من ثمرات الحراك الشعبي، الذي ظهر عندما استشعر بسريرته أنه لا بد من وثبة لوقف انهيار الدولة ومؤسساتها".

لا لدستور على مقاس الأفراد، نعم لدستور المؤسسات

يتطلع الرئيس تبون، من خلال مشروع تعديل الدستور، إلى إخراج البلاد من دستور على مقاس الأفراد والرؤساء، إلى دستور المؤسسات، دستور يكرس الحريات الفردية والجماعية، ويضمن الفصل الفعلي بين جميع السلطات، ويدعم النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والتداول على السلطة، فضلا عن إضفاء المزيد من الانسجام على سير السلطة التنفيذية، عبر إعادة الاعتبار للبرلمان في وظيفته الرقابية على نشاط الحكومة، تحسين الضمانات التي تكفل استقلالية القضاة، ضمان ممارسة فعلية لحقوق المواطنين وتعزيزها، وكذا تعزيز دور المؤسسات الرقابية. لم يغفل الرئيس تبون دور الشباب في الدستور الجديد، باعتباره قوة المستقبل، خصوصا أن هذه الفئة تمثل أكثر من 70 بالمائة  من المجتمع، حيث حرص على التأكيد بأن الوثيقة القانونية المعدلة تدمج هذه الفئة، بالإضافة إلى المجتمع المدني الذي "أضحى لأول مرة، مدسترا وشريكا حقيقيا في تسيير أموره’’، إلى جانب تمويل الدولة لحملات المترشحين من الشباب، لضمان عدم وقوعهم فريسة للمال الفاسد.