وداعا 2020 رغم قساوتك

تعلّمنا الكثير والتآزر سيد المواقف

تعلّمنا الكثير والتآزر سيد المواقف
  • القراءات: 768
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

تفصلنا سويعات قليلة عن سنة جديدة ينتظرها العالم بأسره، بأمل أن تكون مختلفة عن 2020، التي تعد أقوى سنة عصيبة في تاريخ الأجيال المعاصرة، حيث عرفت فيها فراق الأحبة بفعل الفيروس القاتل، وكذا الشدة والعوز، كما كانت أيامها ولياليها حبلى بالأمور الجديدة التي أفرزها الظرف، على غرار الحجر الصحي والمكوث في البيوت، التواصل مع الأهل بالوسائل التكنولوجيا في ظل انقطاع سبل السفر والتنقل سواء داخل الوطن أو خارجه، والذي ساهم بطريقة فعالة في إعادة بناء النسيج الاجتماعي. ورغم قساوة السنة ومرورها كعاصفة هوجاء على العالم بأسره، إلا أن أوجه التضامن التي شهدتها بلادنا بين أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وكذا المساعدات التي قدمتها الدولة للمتضررين، شكلت بصيص أمل أشرقت به الأيام، لأن الخير موجود.. ولعل أكثر ما عكس أوجه الخير الكثيرة؛ الهبات التضامنية بين أفراد العائلات وبين أبناء الحي والبلدية والولاية، والامتداد إلى الولايات المجاورة الأكثر تضررا، كما حدث مع البليدة في الهبة التضامنية الكبرى في عز البلاء والوباء، وهي سمة في الجزائريين، غذتها دعوات الأئمة للتآزر التام. كما أظهر الشعب الجزائري التلقائية في العمل التطوعي والجمعوي سواء، من حيث المساهمة بالأغذية أو توزيع الكمامات أو التوعية والتحسيس لدحر الفيروس التاجي..”المساء”، رصدت من خلال هذا الملف، التغيرات الاجتماعية التي عرفتها البلاد خلال الجائحة، والآثار المختلفة التي ترتبت عنها والتي وُصفت بالإيجابية، إذ تم التعامل معها بحكمة، كما تطرقت إلى فرض “كورونا” عادات تسوق جديدة، فرضت بدورها الاتجاه نحو المنصات الرقمية، مع عرض نموذج لعمال الصيانة الذين واجهوا “خوف العدوى” لانتقالهم بين المنازل والزبائن.


وسائل التواصل أتثبتت قوتها

الحجر الصحي يعيد بناء النسيج الاجتماعي

شهدت سنة 2020 تغيرات كثيرة أفرزتها الجائحة، بدلت الكثير من الأمور الحياتية ووضعت الأشخاص أمام الأمر الواقع، ولعل أبرز أثارها، ما كان على الفرد وعلاقته بمحيطه وعائلته، والسبل التي انتهجها للتواصل في ظل انقطاع النقل والأسفار، إلى جانب التضامن الأسري والعائلي والتقارب الكبير الذي عرفته أيام الحجر الصحي بين الأباء والأبناء، والذي وصف بالثمرة الحلوة التي حلت مر “كوفيد19”. كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي بدورها، حركة قوية في التواصل ورفع مختلف التحديات للتغلب على صدمة الجائحة، على غرار تحدي الجمال والصحة، تحدي الطبخ ومساعدة الفقراء.

لا يختلف اثنان، على أن الظروف العصيبة التي مررنا بها خلال أيام الحجر، بفعل فيروس “كورونا” الذي شل الاقتصاد الدولي، ومس كل البيوت، لاسيما بعد توقف العديد من أرباب الأسر عن العمل، ووجدوا أنفسهم قاب قوسين أمام فراغ الجيوب وغلاء الأسعار، وعدم توفر المال لتغطية حاجيات أسرهم، خاصة أصحاب المهن الحرة والمطاعم ومحلات الأكل السريع وكذا الحرفيين، التي استوجب الأمر إغلاقها لدرء الضرر عن الجميع، ومنه توقف تلبية مطالب العائلة، الذي تصدت له الأسر الصغيرة والكبيرة بالتضامن العائلي الذي امتد حتى إلى الجيران، لمحاولة تخفيف الأعباء وتقاسم الخبزة.

التآزر العائلي وصلة الرحم كان لها وقع كبير خلال هذه الأيام العصيبة، كما أوصى بعض أئمة المساجد بضرورة تفقد الأهل ومعرفة احتياجاتهم، وقد تداولتها المنابر، على غرار تفقد الأهل ومعرفة احتياجاتهم، لمساعدتهم على تخطي الأزمة بسلام، خاصة أننا نعيش أياما عصيبة ومحنة عظيمة، لكن في طياتها منح وأفضال ونعم، وهي فرصة للأجر والصبر ونيل الثواب، ودخول باب من أبواب الجنة لا يدخله إلا المتصدقون.

عمدت العائلات إلى استعمال كل سبل التضامن التي جمعتها “المساء”، على غرار التآزر، تقاسم الراتب، جمع المال من جيوب أفراد الأسرة من القادرين أو حتى البسطاء، من خلال العمل بمقولة “اصرف واش في الجيب وربي يجيب”، والتكفل بالقفة وإيصالها إلى البيت كاملة.

تقارب وفهم أعمق للآخر

شهدت أيام الحجر الصحي التي كانت طويلة جدا في بدايتها، ثم اقترانها بأيام الصيف الطويلة احتكاكا قويا بين أفراد العائلة، وقد كانت ثماره إيجابية، حيث ساهم في تقريب الآباء من الأبناء، كما شكل فرصة ذهبية لتفجير الطاقة واكتشاف الذات والتودد للوالدين أيضا، فقد أكد الآباء أنها أيام مميزة للتقرب واللعب واكتشاف المواهب والمهارات والتنفيس عن الذات من ضغوطات الحياة عامة، لاسيما أن وجود الصغار يكسر الرتابة ويبعث الراحة في النفوس، كما عمد آباء آخرون إلى تشجيع مواهب الأبناء في مجالات مختلفة، على غرار الطبخ والرسم ومطالعة الكتب وقراءة القرآن.

تلك الأيام التي جمعت الأولياء بالأبناء لوقت طويل، كما لم يحدث من قبل، منحت الأمهات العاملات فرصة البقاء في البيت مع الأبناء والاستماع إليهم واللعب معهم بأريحية، كما أن قرب المسافة سمح باكتشاف كمية الحب الموجود وقيمته في القلب.

إن أيام الحجر كانت مواتية لاكتشاف الأبناء ومهاراتهم من قبل الآباء، الذين شغلتهم الحياة ومتاعبها في وقت سابق عن ملاحظة هذه التفاصيل، من خلال تشجيعهم على استثمار الوقت في حفظ القرآن، فهناك من استطاع أن يحفظ نصفه أو ربعه، في الدراسة والتحضير للبكالوريا، وقد أعطت ثمارها، إلى جانب توسيع المعارف وإظهار المهارات في التعامل مع التكنولوجيا والرسم، مطالعة الكتب وحتى الدخول إلى المطبخ وإشراك البنين والبنات في تحضير الأكلات والحلويات.

العودة إلى الأكل الصحي وأطباق الجدات

في سياق متصل، عمدت الأمهات خلال فترة الحجر الصحي التي أغلقت فيها المطاعم ومحلات الأكل السريع، إلى تحضير الأطباق التقليدية والعصرية لتقديم تشكيلة مختلفة من الأذواق للأبناء، من أجل مساعدتهم على تقبل واقع المكوث في البيت وأيام الحجر بثقلها، وقد استعانت الأمهات والفتيات في عمليات طبعتها “الشطارة” على قنوات الطبخ على “اليوتوب”، حيث عمدت صاحباتها إلى تنزيل وصفات مختلفة، كتحضير الخبز بمختلف أنواعه، وأصبح بإمكان سيدة البيت تحضير خبز المخابز وخبز الفرينة بـ"السميد” في الفرن، إلى جانب الطرق المختلفة في تحضير “البيتزا” بعدة أشكال وأنواع. كما كانت أيام الحجر فرصة لتغيير النمط الغذائي للكثير من الشباب، الذي وجد نفسه وجها لوجه مع أطباق صحية من الخضر التي لم يتعود على  تناولها، إلى جانب التعرف على أطباق تقليدية لم تتح فرصة تناولها من قبل، لأسباب مختلفة، حيث أشار محدثو “المساء” من الشباب، إلى أن أيام الحجر كانت فرصة لإراحة المعدة من أكلات “الفاست فود”. 

وسائل التواصل الاجتماعي... مركز ثقل أيام الجائحة

عملت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام العصيبة للجائحة، لاسيما أثناء أشهر الحجر الطويلة، على التقليل من لهيب الشوق، كما ساهمت في عملية وصل الرحم، من خلال الاستعانة بتقنية التواصل المرئي التي تؤمنها الوسائل والتطبيقات، وتقرب البعيد بصورة كبيرة، حيث أكد الخبير في تكنولوجيا الاتصال يونس قرار، أن شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي نستعملها في حياتنا الإلكترونية يوميا، أصبحت معروفة لدى الكل على غرار “الفايسبوك”، “نتفليكس” و"زوم”، وأصبح الناس يرسلون الملايين من رسائل البريد الإلكتروني، وأكثر من 40 مليون رسالة في دقيقة واحدة على “واتساب”، إلى جانب أكثر من 200 ألف مشاركة عبر التحاضر عن بعد عبر تطبيق “زوم” الذي اكتشفه الجزائريون مع الوباء، والمعاملات التجارية للمرتبطين بشبكة الأنترنت، الذين يصرفون أكثر من مليون دولار في الدقيقة الواحدة.

وقد شهدت عملية التواصل بين العائلات وأبنائها المقيمين في الخارج أعلى درجاته، علاوة على التواصل الداخلي، حيث أكد الكثيرون في حديثهم مع “المساء”، أنهم وجدوا في وسائل التواصل المعروفة والمختلفة، على غرار “الفايسبوك”، “انستغرام”، “الفايبر”، “الواتساب”، “الإيمو”، “السناب شات” وغيرها، الملاذ في التواصل مع الأحبة والأهل عبر مختلف مناطق الوطن وخارجه.

تحديات.. الجمال والصحة والإحسان

كما شهد موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، موجات من التحدي التي رفعها الرواد خلال الفترة التي طبعها الخوف من الوباء، والاستفادة من مزايا الحجر الصحي، إذ اختلفت التحديات بين نشر الإيجابية من خلال الصور الخاصة للأفراد التي طبعت الصفحات، وهي مفعمة بالحياة في أماكن مختلفة، إذ عج الموقع الاجتماعي بصور تنضح بالحياة لشخصيات اجتماعية وفنانين وجمعيات وأفراد، عمد أصحابها لإظهار الجوانب المشرقة في الحياة، والتي يعيش المرء بفعلها بين انتعاش الذاكرة والأمل في غد مشرق خلال مرحلة ما بعد الوباء.

واختار آخرون تحدي التضامن مع الفقراء والمحتاجين، وهو التحدي الذي نال إعجاب الكثيرين وانتقل بقوة، حيث شهد “الفايسبوك” التحدي الذي ساهم في تقديم المساعدات والصدقات، لاسيما أنه تزامن مع شهر شعبان، تحضيرا لشهر الرحمة والغفران، فلاقى تجاوبا أيضا من المحسنين.

من جهته، شهد “انستغرام”، انتشار جملة من التحديات التي قادتها صاحبات الصفحات المعروفة أو ما يعرف بـ”المؤثرات”، في عالم الجمال والموضة والرشاقة، إلى جانب مشاركة المختصين في التغذية، بغرض مساعدة السيدات على وجه الخصوص، على الحفاظ على أوزنهن أو إنقاصها، لمن يعمدن إلى الدخول في هذا التحدي الذي مدته 15 يوما، إلى جانب إثراء الصفحات بالوصفات الخاصة بإطالة الشعر وترطيب البشرة وغيرها.


المناعة النفسية حاضرة أيضا

شهدت أيام “كوفيد 19” العصيبة تسلحا من قبل الأخصائيين النفسانيين أيضا، الذين عمدوا بدورهم إلى رفع الخوف والغبن عن النفوس، من خلال وضع أرقام هواتفهم في المتناول، لمساعدة الراغبين في ذلك والمرضى والتخفيف من وطأة راهن الجائحة على القلوب، إلى جانب تشكيل خلايا جوارية نفسية في خدمة المتصل القلق.

تمكن المواطنون أيضا من الاستفادة من النصائح النفسية الثمينة، التي قدمها الأخصائيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحاتهم، كما فعل الدكتور إبراهيم بوزيداني، أخصائي في السلوك التنظيمي ومحاضر في علم النفس بجامعة اسطنبول، ممارس بمستشفى “نرمي عالم” بتركيا، الذي صرح لـ"المساء”،  عقب مشاركته في عدة برامج وعلى صفحته الخاصة على “الفايسبوك”، أنه يمكن السيطرة على حالة القلق التي تميز هذه المرحلة، والتخلص من الفيروس “المعنوي”، حيث تطرق إلى آليات التعامل مع الاضطرابات النفسية خلال فترة الحجر، انطلاقا من الذات والمحيط الأسري والعام، مع عرض سيكولوجية الإنسان في زمن الأوبئة بين الاضطراب النفسي والتأقلم السلوكي، موضحا أن سيكولوجية الجيل الجديد تكون نتيجة للأساليب النفسية والفكرية التي يتم اعتمادها في التعامل مع هذا الوباء، ومنه فإدارة هذه الأزمة في شقها النفسي مهم جدا للتوجيه السلوكي والفكري المستقبلي لأفراد المجتمع.

أكد الطبيب المعالج، أن طريقة العلاج تتمثل في تفكيك قنبلة القلق من خلال تحطيم أساسها الفكري، مع إعطاء النفس والجسد استرخاء وراحة، موضحا أنه يستوجب على الشخص في باب التعاملات مع الحالة، جعل قرار العزل فرديا، ذاتيا، والتعامل مع الوباء المادي وتبعاته النفسية بمنطق الابتلاء، مع الحفاظ على منظومة القيم والمعايير الأصلية، أي البعد الروحي من خلال الصبر، الثبات، الاحتساب، اللجوء إلى الله تعالى والدعاء والتكافل.

أشارت منسقة الأخصائيين النفسانية فاطمة الزهراء غزالي، بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية ببرج الكيفان، في تصريح لـ"المساء”، إلى العمل الكبير الذي قامت به الخلية وفق بروتوكول نفسي محدد المعالم، وتقنيات علاجية مهنية أساسها ثلاثة مستويات، منها الإصغاء والدعم النفسي للمواطنين، مضيفة أن الحكمة مطلوبة للتعامل مع هذا الوضع الصعب الذي يستوجب التفاعل معه بإيجابية، مما يقوي المناعة النفسية التي ستقف بالمرصاد لهذا الفيروس.