موقع الصحافة الجزائرية على المستويين العربي و الدولي

تعزيز الجبهة الداخلية ضد المؤثرات الخارجية

تعزيز الجبهة الداخلية ضد المؤثرات الخارجية
  • القراءات: 1755
مليكة خلاف مليكة خلاف

تعد التجربة الإعلامية في الجزائر من أبرز المكاسب التي تفتخر بها البلاد، كونها تولدت مباشرة بعد أحداث أكتوبر 1988. وسرعان ما اتخذت الصحافة منحى فريدا ترك بصماته جلية خلال الأزمة العصيبة التي مرت بها البلاد، حيث كانت الوحيدة في العالم والمنطقة العربية التي لم تكتف بدورها في إعلام الرأي العام، بل تجاوزته لتؤدي دور الأحزاب السياسية الغائبة ودور الجمعيات المتقاعسة، وحملت على كاهلها كل هذه الأعباء وعلى رأسها العبء الوطني، لتجد نفسها خلال العشرية الأخيرة في خندق مكافحة الإرهاب. ولعل لهذه التجربة الفريدة والرائدة في مجال الإعلام العربي، من حيث النشأة ومن حيث الهامش الكبير من حرية التعبير، أثر إيجابي على المسار الحالي لقطاع الإعلام في الجزائر، لا سيما في ظل الظروف الإقليمية الصعبة التي تعيشها المنطقة العربية والعالم بشكل عام.

وبعد أن كان الجميع يعتقد أن الدور الوطني الذي لعبته الصحافة قد انتهى بتحسن الأوضاع الأمنية في البلاد بشكل كبير، بعد تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلا أنه سرعان ما عاد إلى الواجهة خلال السنوات الأخيرة، في إطار سياسة تعزيز الجبهة الداخلية ضد المؤثرات الخارجية، على ضوء التغيرات السياسية التي شهدتها بعض الدول العربية وإفرازاتها الخطيرة على المستوى الأمني، في سياق ربح رهان المستقبل في إطار العولمة ومعركة الاتصال والإعلام والأنترنت. وبذلك، عمل الإعلام الجزائري على مواكبة هذه المتغيرات من خلال التحول إلى شريك رئيسي في ترتيب أولويات الاهتمامات، والتي تأتي في مقدمتها حماية البلاد من كافة أشكال الفتن واللعب على وتر التنوع العرقي للبلاد، كما كان الحال مع أحداث غرداية التي ثبت تورط إحدى الدول الجارة فيها، إذ كانت تراهن على أهل بني ميزاب من أجل إطلاق "الربيع الجزائري" على حد تعبيرها.


تفادي متاهات التسعينيات 


كما بدا الاختلاف في التعاطي مع الأحداث الداخلية جليا بين الإعلام في الجزائر وبين إعلام الدول العربية الذي لم يكن بعيدا عن التورط في تدني الأوضاع، من خلال حمل لواء التغيير غير محسوب العواقب والذي أصبحنا نعيش إفرازاته اليوم على كافة الأصعدة. وكانت الجزائر قد فضلت اعتماد رؤية واقعية في التعاطي مع هذه الإفرازات، وهي التي أعلنت رفضها رسميا وشعبيا العودة إلى نقطة الصفر والعيش في متاهات مماثلة لتلك التي عاشتها خلال فترة التسعينات، حيث فضلت بلادنا التكيف مع التطورات الجديدة من خلال إصدار إصلاحات يأتي الإعلام في مقدمتها، بالنظر إلى أهمية الدور الذي تلعبه الإذاعة والتلفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية ومدى تأثيرها على الرأي العام. كما سجل التوجه نحو فتح قطاع السمعي البصري أمام الخواص، فظهرت قنوات فضائية خاصة وإن كان يعاب عليها الكثير من الأمور، أبرزها افتقادها للاحترافية التامة وعدم إدراك مسيريها أن منهج الإعلام المرئي غير منهج الإعلام المكتوب، وهو ما يعد أمرا طبيعيا بالنظر إلى حداثة التجربة في هذا المجال.

وبالموازاة مع ذلك ظهرت أيضا الصحافة الإلكترونية وإن كانت متأخرة نسبيا في الجزائر عن نظيراتها في الكثير من الدول العربية ولم تكن انطلاقتها أحسن من تجربة القنوات الفضائية الخاصة نتيجة انعدام التجربة وعدم الاستعانة بالخبرات الأجنبية، لكن بالرغم من هذا التأخر، فإن وسائل الإعلام الإلكترونية في الجزائر تفوقت على الإعلام التقليدي المطبوع والمسموع والمرئي، من حيث انتشار المعلومة. ولا بد هنا من الاعتراف بالدور المهم الذي لعبه الإعلام الإلكتروني في نشر المشاكل الاجتماعية عبر مختلف ولايات الوطن، إلى جانب الكشف عن قضايا الفساد والرشوة، وهو الأمر الذي كان شبه غائب في وسائل الإعلام التقليدية، لكن يبقى هذا النوع من الإعلام في الجزائر يعاني من نقائص كون الصحافة الإلكترونية في العالم مقترنة بتكنولوجيات الاتصال والأنترنت بالدرجة الأولى، حيث يتطلب نجاحها وجود الكثير من القواعد والبني التحتية للأنترنت.

كما أن خصوصية الصحافة في الجزائر تختلف عما هو موجود في الدول العربية لاسيما من حيث الحرية التي ينادي بها الكثير من الصحافيين العرب، إلى جانب إقرار الحق في الولوج إلى المعلومات والحصول على الأخبار، خصوصا تلك المتعلقة بالشأن العام، فرغم أن هناك قوانين بالمنطقة العربية تستلهم وتستوحي من القوانين الدولية، إلا أنه ليس هناك قانون ينص على حق الوصول إلى المعلومات مثلا في أغلبية هذه الدول. وكثيرا ما يبرر عدم تطبيق قوانين الإعلام الغربي في الدول العربية بعدم ملاءمتها مع الواقع العربي أمام وجود دول عربية يختلف أسلوب الحكم فيها، حيث يتنوع بين السلطنة والإمارة والجمهورية والمملكة، كما يمكن الإقرار بأن غياب سياسة إعلامية موحدة  في الدول العربية، يحول دون تطبيق النموذج الغربي بها. وفي تقييمنا لتجربة الجزائر في هذا المجال، نلاحظ أنه بالرغم من بعض النقائص، إلا أنها ضمنت إلى حد ما حق الحصول على المعلومات من أي مصدر ونقلها وتبادلها، إلى جانب الحق في نشر الأفكار والآراء وتبادلها دون قيود، في الوقت الذي يتجسد أيضا الحق في إصدار الصحف وعدم فرض رقابة مسبقة على ما تقدمه وسائل الإعلام إلا في الحدود الضيقة.

كما يتجلى السعي للارتقاء بالتجربة الإعلامية في الجزائر، واضحا من خلال إشراك أهل المهنة في استصدار القوانين الجديدة التي تضمن حرية وممارسة إعلامية أكبر، من خلال تأكيد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، فلا تستبد السلطة التنفيذية بالصحافة والإعلام فتقيدهما ولا تصدر السلطة التشريعية ما يتنافى مع روح الدستور، في تأكيد هذه الحرية ويكون من حق القضاء الدفع بعدم دستورية القوانين المخالفة. وبذلك أصبحت المكانة التي باتت تحظى بها التجربة الإعلامية في الجزائر مثار إعجاب المنظمات الدولية المختصة في هذا المجال، حيث تقر بالتطورات الإيجابية التي شهدتها خلال السنوات الماضية، كما كان الحال مع التقرير السنوي للحريات الصحافية الذي أصدرته مؤخرا منظمة "فريدوم هاوس" الأمريكية غير الحكومية، التي صنفت الصحافة الجزائر في المرتبة 135 عالميا والرابعة عربيا· وأرجعت هذا التحسن إلى الترخيص لمحطات تلفزيونية خاصة، وإنهاء احتكار الحكومة لوسائل البث، فضلا عن انخفاض الاعتداءات الجسدية والمتابعات القضائية ضد الصحفيين· ويؤكد هذا التقدم التوجه الجاد في أعلى هرم السلطة لحماية ودعم  قطاع الإعلام، في انتظار ما سيحمله الدستور التوافقي الجديد من مكاسب جديدة كان قد وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة·


إخراج الإعلام الجزائري من المعارك الوهمية


ويجمع مختصون على أن التجربة الإعلامية الجزائرية مدعاة للفخر، لكن ضرورات المنافسة الدولية تقتضي إخراج الإعلام الجزائري من المعارك الوهمية والاحتياجات الضرورية لرجال القطاع ليستطيع المساهمة في بناء جزائر أفضل، بالتوجه صوب إعلام حر ومسؤول وفاعل ترعاه مؤسسات إعلامية ديمقراطية. ويظهر هنا التركيز على ضرورة الخروج من الحسابات الضيقة والذهنيات الانتقامية والمصلحية والتوجه نحو بناء جزائر جديدة، انطلاقا من إصلاح دستوري وحوار واسع وشفاف ورؤية إستراتيجية أكبر من الأحزاب والأشخاص، ولا يكون هذا إلا في ظل تجند شعبي تساهم فيه الطبقة الإعلامية بدور رئيسي·

ويأتي ذلك في ظل القناعة الراسخة بأن الهجمات الإعلامية التي تستهدف قيم الجزائر ووحدتها وسيادتها في المحيط الإقليمي والدولي لا يمكن مواجهتها إلا بقوة إعلامية رادعة تغلب مصلحة الجزائر في كل الظروف، وهو ما يستدعي المزيد من الفعل الإعلامي والحضور الذي يضمن للجزائر سيادتها وكرامتها، من خلال رجال الصحافة الجزائرية الذين أثبتوا قوتهم في كل الظروف· وفي هذا الصدد، يرى وزير الحكومة الأسبق، السيد  رضا مالك، في تصريح أدلى به لـ"المساء"، على هامش احتفال الجزائر بيوم الدبلوماسية الجزائرية، أن دور الإعلام في الجزائر يحظى بالكثير من الأهمية، خصوصا في هذه المرحلة الحساسة، بالنظر إلى الظروف غير المستقرة التي تشهدها بعض دول الجوار وإفرازاتها على الواقع الأمني في الجزائر.

وأكد السيد رضا مالك الذي سبق له أن شغل منصب وزير الإعلام، أنه يتعين على رجال الصحافة الانخراط في مشروع تعزيز الوحدة الوطنية والتصدي لكافة محاولات التشويش على جهود التنمية، مشيرا إلى أن استعادة الأمن كلف الجزائر ثمنا باهظا، في حين دعا الجميع إلى الاستلهام من نضال السلف الذي وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار من خلال تعزيز الجبهة الداخلية أثناء الكفاح المسلح، ليستطرد بالقول بأن نجاح الثورة التحريرية كان بفضل التفاف كافة شرائح المجتمع حول هدف تحقيق الحرية والاستقلال.

بدوره، أوضح وزير الدولة، وزير الخارجية والتعاون الدولي السيد رمطان لعمامرة لـ"المساء"، على هامش الاحتفال بيوم الدبلوماسية، أن الجزائر بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات لاسيما أنها تلعب دورا رائدا في صياغة التوجهات الإقليمية في المنطقة المغاربية والإفريقية، مشيرا إلى أن الجزائر أضحت تتمركز في الصف الأول في  مجال الدفاع عن قضايا الأمن والسلم التي تهم العالم أجمع.

وإذا أشاد السيد لعمامرة بتضحيات رجال الصحافة في مواجهة الإرهاب الهمجي خلال السنوات الماضية، فإنه أكد أن أهمية الإعلام في الوقت الراهن تكمن في تحصين البلاد من المؤثرات الخارجية السلبية والمرتكزة على أجندات لفظها ومازال يلفظها الشعب الجزائري، كما أوضح أن الإعلام الجزائري بإمكانه أن يؤدي الدور المطلوب في إرساء ثقافة المواطنة وتوجيه الرأي العام وفق ما يخدم مصلحة البلاد. ويظهر مما سبق، أن التجربة الإعلامية في الجزائر رغم حداثتها، نجحت في تكريس المكانة اللائقة بها، كونها أثبتت ذاتها بفضل التضحيات الجسيمة التي قدمتها بمقتل حوالي 100 صحفي خلال العشرية السوداء، في حين يبقى المشوار طويلا أمام أهل المهنة من أجل الصبو إلى احترافية العمل الصحفي المنشود.