الدكتور عبد الله بوخلخال لـ "المساء":

تدريس العبرية يفيدنا في فهم الفكر الصهيوني المتطرف

تدريس العبرية يفيدنا في فهم الفكر الصهيوني المتطرف
  • القراءات: 1232
لطيفة داريب لطيفة داريب

أجرت "المساء" هذا الحوار "المثير" مع الدكتور عبد الله بوخلخال (نائب رئيس لجنة الدائرة الوطنية الخاصة بالملتقيات العلمية والمؤتمرات والمدير السابق لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة).  تطرق فيه إلى منطلق فكرة "تظاهرة قسنطينة"، والجوانب التاريخية والجهادية لعاصمة الشرق، ثم إلى حوار الأديان وضرورة تعلّم اللغات بما في ذلك العبرية… ودعا في حواره مع "المساء"، إلى تشكيل لجان فتاوى ولائية.

❊ كيف تبلورت فكرة تنظيم تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" 2015؟ وماذا قدمتم في هذه الفعاليات؟

— قمنا كممثلين عن الدائرة الوطنية الخاصة بالملتقيات والمؤتمرات في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، بتنظيم 16 ملتقى، آخرها ملتقى الفكر الإصلاحي الحديث وتحديات العصر الذي اختُتمت فعالياته قبل أيام. عن حيثيات هذه التظاهرة أقول إنها بدأت بفكرة بسيطة؛ حيث قامت مجموعة من أبناء قسنطينة ببعث رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية في صيف 2011 عن طريق والي المدينة آنذاك السيد نور الدين بدوي، واستجاب الرئيس لهذه الرسالة؛ حيث جاءت الموافقة بعد بضعة أشهر من خلال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنذ ذلك الحين بدأت الدولة والوزارات المعنية في التحضير لهذه التظاهرة.

❊ ماذا بقي من قسنطينة، مدينة الثقافة والمقاومة؟

— قسنطينة أو قرطن أو سيرتا، تحمل تاريخا عميقا يعود إلى أكثر من 2500 سنة، هي عاصمة الممالك البربرية والنوميدية، مدينة المقاومة منذ أن بناها الفينيقيون على صخر ويحيط بها واد الرمال. سميت عش النسر لأنها محصّنة. كما لُقب سكانها بالنسور لأن لا أحد يصل إليها. هي مدينة الجهاد والعلم والعلماء. كانت في عهد النوميديين تتعامل بأربع لغات، وهي الأمازيغية، الفينيقية، الإغريقية واللاتينية؛ أي أنها مدينة قديمة مثلها مثل روما وأثينا. كما أنها أقدم مدينة في منطقة شمال إفريقيا، وتضم تراثا كبيرا، علاوة على تعاقب ديانات وحضارات متنوعة عليها لتنضم تحت لواء الإسلام، وتتبادل العواصم مع بجاية وتونس. وإذا كانت الجزائر العاصمة سقطت خلال سبعة أيام تحت نيران المحتل الفرنسي، فإن قسنطينة قاومت لمدة سبع سنوات ولم تدخلها الجيوش إلا بعد أن سالت الدماء كالأنهار في شوارعها، كما سقطت على مشارفها مجموعة من جنرلات فرنسا. بالمقابل تُعتبر قسنطينة مدينة العلم والعلماء، فكان يرحل إليها طلبة العلم، ودرس فيها علماء أكفاء مثل ابن خلدون وعبد القادر مجاوي الذي جاء إليها وهو صغير، والذي يُعتبر من راود الحركة الإصلاحية الكبار قبل ابن باديس. كما تضم قسنطينة عدة مساجد وزوايا، وتُعرف بأنها مدينة الجسور؛ لأنها بُنيت فوق صخرة يحيط بها واد الرمال، ولا يمكن أبدا لأيٍّ كان أن يدخلها إلا بواسطة هذه الجسور، وهذا منذ العهد النوميدي. 

❊ لماذا لا يتم تدريس العبرية في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية مع العلم أنه يتم تدريس مادة المقارنة بين الأديان؟ 

— تضم جامعة الأمير عبد القادر القسم الوحيد الذي يهتم بمقارنة الأديان، وهو قسم لا يحتوي على عدد كبير من الطلبة، ولكن تشرف عليه نخبة من الأساتذة يُدرّسون الديانات السماوية وغيرها ممن تملك انتشارا كبيرا، مثل البوذية والهندوكية والزرادشتية. ومعلوم أن الدراسات في هذا المجال تعتمد على اللغة الإنجليزية. كما أن الكتاب المقدس تُرجم إلى اللغة العربية، ولهذا لسنا في حاجة إلى اللغة العبرية رغم أن أساتذتنا يتقنونها. بالمقابل، من المقرر جلب أستاذ أو أستاذين من فلسطين ممن يتقنون هذه اللغة مثل إتقاننا نحن اللغة الفرنسية، لغة المستعمر. والهدف من دراسة اللغة العبرية هو فهم الفكر الصهيوني الموجود في الصحف والكتب. وفي هذا السياق، أريد أن أوضح أن العبرية أخت العربية؛ حيث أخذ يهود الأندلس قواعد لغتهم من اللغة العربية.

❊ ما الهدف من تدريس الأديان؟

— أصبحت الكرة الأرضية تشكل قرية صغيرة، فكيف نتحدث عن حوار الأديان والثقافات إذا لم ندرسها؟ فيجب أن نقوم بذلك لنحقق سياسة التقارب.

❊ أي أننا لا ندرس الأديان الأخرى بحجة دحضها؟

— لا، فمن تعلّم لغة قوم استفاد من ثقافتهم؛ فنحن نعرف الفرنسيين أحسن من غيرنا؛ لأننا نعرف لغتهم ولا يوجد أحد يعرف الفرنسيين أحسن من الجزائريين، هم أيضا يعرفوننا أحسن من أي جهة أخرى.

❊ وهل ندرس الديانات الأخرى لإثبات أن دين الإسلام هو دين الحق؟

— نقارن بين الديانات ونرى أين التقارب والخلاف. كل الديانات جاءت لسعادة الإنسان وإخراجه من الظلمات، إلا أنها انحرفت؛ وأقصد بذلك المسيحية واليهودية، وحتى الإسلام حينما يخطئ البعض في تفسيره فلو يأتي الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ اليوم لن يرضى عن كل ما هو موجود في العالم الإسلامي.

القرآن صالح لكل زمان ومكان، خاصة أنه يتميز عن الكتب الأخرى من خلال أنه دُوّن في وقته وحُفظ ولم يتغير مثلما تغيرت الكتب السماوية الأخرى. الاختلاف حصل في التأويل والتفسير. هناك آيات محدودة بظروف نزولها، وهناك آيات صالحة لكل الأزمنة، مثل الدعوة إلى العلم واحترام الآخر وتحريم قتل النفس. وأتوقف هنا لأتساءل لماذا لا يأخذ البعض بالآية التي تحرّم قتل النفس؟ أما عن مقاتلة الكفار فتجب مقاتلة الكفار الذين يقاتلونك ويحاولون إفساد دينك وإثارة الفتن؛ فهل نسي البعض سورة قريش التي تؤكد على أهمية الأمن الاقتصادي والغذائي والاجتماعي، والتي تُعد أهم شيء في الإسلام؟! هل نسي البعض أن هناك أكثر من 800 آية تدعو إلى العلم، وعشرات الآيات التي تدعو إلى احترام الإنسان، لماذا لا نأخذ بهذه الآيات؟! أما الآيات المربوطة بزمان ومكان مثل "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملّتهم"، فهذه في حال محاصرتهم لك. وأما التعامل معهم فهو واضح في القرآن، وكان موجودا في عهد الرسول. واليهود لو لم ينقضوا العهد لما حدثت القطيعة، وهل نسي البعض سورة "الكافرون"؟! 

❊ كيف لنا أن نحارب الفكر التطرفي؟

— لا يمكن الحديث عن هذا الفكر في الجزائر؛ لأننا دفعنا أكثر من 200 ألف ضحية بفعل التطرف، وهذا الأخير لا يتعلق فقط بالمسلمين بل يمس أيضا الديانات الأخرى. بالمقابل، دفع المسلمون ومنذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان، الكثير من الأرواح بفعل فتاوى خاطئة.

❊ وكذا بفعل تلبيس الدين رداء السياسة، أليس كذلك؟

— نعم هو كذلك. وأختتم حديثي بالتأكيد على ضرورة الجمع بين العلوم العصرية وقيمنا الحضارية، وهو ما لم يحدث بعد الاستقلال؛ أي أننا لم نستطع إنشاء منظومة تربوية منسجمة مع مجتمعنا.