إشراك المجتمع المدني في التسيير

تحقيق للشفافية وترقية للقيم الوطنية

تحقيق للشفافية وترقية للقيم الوطنية
  • القراءات: 1008
شريفة عابد شريفة عابد

أعادت السلطة السياسية بعد رئاسيات 12 ديسمبر 2021 حساباتها، متأثرة بمطالب الحراك الشعبي الذي نفض يده من بعض الأحزاب السياسية، محملا إياها جزءا من مسؤولية الإخفاقات والفساد الذي عشش في دواليب السلطة طوال عقود، وهو ما جعل المشرع يقترح في مشروع تعديل الدستور الجديد، المجتمع المدني كبديل يحظى بالأولوية في بناء الجزائر الجديدة، مستحدثا له مرصدا موسع الصلاحيات، ترمي في مجملها إلى مكافحة الفساد وإرساء الشفافية عبر آلية الرقابة والشراكة في تسيير الشأن العام لترقية القيم الوطنية.

على هذا الأساس، أولت القيادة الجديدة مكانة للمجتمع المدني كبديل عن الأحزاب التي أدانها الحراك، ودشن هذا التوجه منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث اختار الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، المجتمع المدني، كسند له لخوض حملته الانتخابية،  ليرد له بعد ذلك الاعتبار في مشروع تعديل الدستور، من خلال "دسترة دوره وإنشاء مرصد له بصلاحيات واسعة"ترجم هذا الأمر في نص المادة 213 من المشروع الجديد للدستور، حيث تنص على "المرصد الوطني للمجتمع المدني هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية. يقدم المرصد أراء وتوصيات وانشغالات متعلقة بالمجتمع المدني. يساهم المرصد الوطني للمجتمع المدني في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة، ويشارك الأخرى في تحقيق التنمية الوطنية. يحدد رئيس الجمهورية تشكيلة المرصد ومهامه الأخرى".

لتحقيق هذا المسعى، استحدث رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منصب مستشار مكلف بالمجتمع المدني والجالية الجزائرية بالخارج، أوكلت له مهمة تأطير، توجيه ومرافقة المجتمع المدني، كون الكثير من ممثليه برزوا من رحم الحراك الشعبي. لعل ما عزز ثقة المواطن بالمجتمع المدني أكثر، مساندته للمواطنين خلال الأزمة الوبائية، حيث خرجت الجمعيات الفاعلة عبر ربوع الوطن في أعمال تضامنية، لتقديم يد المساعدة والعون، والمساهمة في عمليات الدعم الوطني للفئات المحرومة والأطقم الطبية. واصل المجتمع المدني نشاطه على نفس النهج، مقدما مؤشرات إيجابية في حملة الاستفتاء على الدستور، من خلال تنشيطه لها، مستنيرا بالتوجيهات والإرشادات التي يقدمها له مستشار رئيس الجمهورية، المكلف بالمجتمع المدني والجالية الجزائرية بالخارج، نزيه برمضان، خاصة أن العديد من الجمعيات تم تشكيلها منذ أشهر فقط، وليس لها باع في مجال السياسة. كما تحاول السلطات، من خلال مرافقة وإشراك المجتمع المدني لها في مرحلة البناء، مسايرة التحولات العالمية والوفاء بالتزاماتها مع المجموعة الدولية، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي وقعت عليها سنة 2003، لاسيما أن جميع عمليات الاستعراض الدوري التي تقوم بها الجزائر أمام اللجنة الأممية المكلفة بمكافحة الفساد، تتمحور أسئلتها حول نقطة "مدى إشراك السلطات العمومية للمجتمع المدني في الرأي، والاستشارة في اتخاذ القرارات الخاصة بتسيير الشأن العام، لاسيما في إنجاز البرامج" بشهادة مسؤولين كبار في الدولة، ومنهم وزير العدل حافظ الأختام الطيب زغماتي، ورجال قانون وحقوقيون.

تعتبر المؤسسات العالمية، كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وحتى المنظمات الحقوقية المختلفة كـ"الشفافية الدولية"، أن درجة إدماج المجتمع المدني في التسيير "معيار لقياس درجة الشفافية ومكافحة الفساد في أي بلاد"كما تعتبر أن ظاهرة محاربة الفساد لا تقتصر على الحكومات فقط، بل تمتد إلى المجتمع المدني، وتوصي بإشراكه في المساهمة في إعداد السياسات العمومية، في إطار ما يعرف بـ"الديمقراطية التشاركية"، وترى أنه باستطاعة المجتمع المدني الضغط على الحكومات في حالة الانحراف، لتطبيق التقارير والتوصيات التي تقدمها الهيئات الرقابية المختلفة، من أجل مساءلة ومتابعة المفسدين في مختلف الإدارات، بشكل يضع حدا لكل ما يستنزف ميزانية الدولة، وأشكال استغلال المناصب السامية للثراء وإبرام صفقات خارج القانون. تجدر الإشارة إلى أن الجزائر وقعت على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد سنة 2003، وسنت على أساسها القانون رقم 01/06 الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته.

بناء على ما سبق، سيكون للمرصد الوطني للمجتمع المدني الكلمة المسموعة مستقبلا في تسيير الشأن المحلي، من خلال إلزامية السلطات المحلية، وحتى الوطنية، استشارته (حسب طبيعة تخصص كل جمعية)، في اختيار وإنجاز ومبالغ الأموال المرصودة  للمشاريع التي تنوي إقامتها، كونه المعبر عن المواطن وممثله، لاسيما أن الفترة الماضية شهدت فرض مشاريع تنموية وأنفق على إنجازها ملايير الدينارات، رغم أنها لا تشكل أولوية للمواطن ولا ينطبق عليها صفة "المرفق العمومي الحيوي"، وقد كشفت الأزمة الوبائية مثلا، العجز الكبير الذي تتخبط فيه الجزائر في مجال القطاع الصحي، الذي برز كاحتياج وطني بامتياز. من المنتظر أن تنبثق بعد التعديل الدستوري، قوانين منظمة للمجتمع المدني، لتمكينه من تأدية دوره الدستوري على أحسن وجه، بشكل يمكّنه من فحص العمليات الإدارية وزيادة الشفافية والشراكة في اتخاذ القرارات، والحرص على تطبيق التوصيات التي تصدرها الهيئات الرقابية على جميع المستويات.