قاعات"أحمد باي"، "آل خليفة" و"حداد"

تحف تحتاج إلى عناية

تحف تحتاج إلى عناية
  • القراءات: 1209
نوال جاوت نوال جاوت

استفادت قسنطينة من عدد من المنشآت الثقافية سواء في مجال الإنجاز أو إعادة التأهيل، حيث يتزيّن الطريق الرابط بين المدينة والمطار بتحفة معمارية فريدة من نوعها، وهي قاعة العروض الكبرى "أحمد باي"، مثلما خضعت دارا الثقافة، "مالك حداد" و«محمد العيد آل خليفة" لإعادة تأهيل نتج عنها قطبان ثقافيان قائمان بذاتهما، ينتظر أن يضفيا على المدينة المزيد من التميّز ويكرّسا بها تقاليد ثقافية وفنية دائمة. ...في هذا السياق، كشف السيد عبد الله بوقندورة، مدير الثقافة لولاية قسنطينة لـ«المساء" أنّ المدينة استفادت من مؤسّسات وهياكل، وأنّ دار الثقافة "مالك حداد" مؤسسة قائمة بحدّ ذاتها بميزانيتها وموظفيها، أما قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة" فينتظر أن يكون له قانونه ومرسوم إنشاء في المستقبل.

وأضاف السيد بوقندورة أنّ قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة" يضمّ قاعات عرض من الطراز المحترف، واليوم يمكن تحضير وتقديم معرض على مستوى عالمي، يبقى فقط دعمه في الجانب البشري والعملياتي، وتابع يقول إنّه يمكن فتح المجال للمؤسّسات والحركة الجمعوية، وكشف أيضا أنّ عمله سيبدأ بعد نهاية تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وسيعمل ليبث في هذه المرافق الروح من خلال التوقّف عن العمل في الساعات الإدارية، وتنظيم نشاطات إلى ساعة متأخرة من الليل، بتكييف جدول توقيت البرنامج، على الأقل في فصل الصيف إلى غاية منتصف الليل. واستطرد أن هناك مرافق أخرى، وهي ملاحق لدور الثقافة موزّعة على مستوى المدينة الجديدة علي منجلي والخروب وحمة بوزيان وغيرها، وبلغ عددها ستة ملاحق، أربعة منها في طور الإنجاز واثنان منها سيتم استلامهما في الخروب وعلي منجلي بعد أيام، والبقية قبل نهاية السنة الجارية، وهي مرافق سيستفيد منها الشباب وسكان المناطق. وأوضح بوقندورة أنّه لإنجاح أيّ نشاط ثقافي لابدّ من خطة إعلامية جيدة، بحيث يتم توصيل المعلومة في وقتها باستعمال كلّ الوسائل التكنولوجية الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي.

"زنيت" تنتظر من يسيّرها

من بين القاعات التي دعّمت شبكة القاعات الكبرى بالجزائر عامة، قاعة "أحمد باي" (الزنيت) بحي زواغي بأعالي عين الباي التي تمتاز بهندسة معمارية متفردة تجمع بين الجمال والجودة، مؤثثة بـ3 آلاف مقعد، واجهة زجاجية وتغطية بالألمنيوم، لكن هذه القاعة عرفت عدة تجاذبات فيما يتعلّق بتسييرها، حيث فصل الوزير الأوّل في الأمر بتكليف الديوان الوطني للثقافة والإعلام بذلك خلال تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وهو ما كان حيث دعّم الديوان القاعة بالتجهيزات الصوتية والتقنية الحديثة التي يملكها، وحوّل جميع أنشطته إلى قسنطينة. لكن الأيام الأخيرة عرفت الكثير من التصريحات والخرجات التي تدور كلها حول مستقبل القاعة، بدأها المحافظ سامي بن شيخ الحسين الذي أثار على صفحات "المساء" المصير المجهول للقاعة بعد انتهاء التظاهرة، عقبها تصريح وزير الثقافة عز الدين ميهوبي حول العمل على وضع إطار قانوني للقاعة وتكليف مؤسسة محترفة بذلك، لكن الأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، حيث أكّد لخضر بن تركي، المدير العام للديوان لـ«المساء" وجود مجموعة تريد الاستيلاء على قاعة "أحمد باي"، وهي نفس الجماعة التي تعمل على عرقلة عمل الهيئة التي يديرها.

ويبقى بذلك هذا الصرح، ينتظر الفصل في هوية من يسيّرها والأكيد أنّ العمل لن يكون سهلا، لأنّ إدارة قاعة بحجم الزنيت يتطلب الكثير من التسيير الجيد، البرمجة المستمرة والحفاظ على المستوى الذي بلغته خلال تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، على أمل ألّا تتعرّض للإهمال والتسيّب. للإشارة، تعكس القاعة - كامل القوة الصينية وخبرتها - وذلك من خلال تمكّن شركة "تشاينا ستايت إنجنيورينغ كوربورايشن" المكلّفة بدراسة وإنجاز هذا المشروع من إنجاز هيكل بـ43 ألف متر مربع خلال 12 شهرا، فيما يضع تقنيون إيطاليون نظام الصوت. ويضم هذا المبنى المتربع على مساحة إجمالية بـ60 ألف متر مربع ساحة بـ13800 متر مربع ومساحة مبنية إجمالية بـ43 ألف متر مربع، حيث أنّ هيكله ثلاثي الأبعاد مع إمكانيات تمديد قد تصل إلى 24 مترا في العلو في حين تصل تغطيته الحديدية إلى 14500 متر مربع. ويبلغ ارتفاع بعض جدران المبنى 29 مترا مغطاة بالألمنيوم بشكل كلي حيث تطلّب إنجاز هذا الصرح تسخير ما لا يقل عن ألف عامل بمتابعة حوالي 60 مهندسا ومهندسا معماريا تابعين للمؤسسة الصينية ومكتب الدراسات اللبناني "دار الهندسة" ومكتب الدراسات الجزائري (مكتب دراسات الإنجاز الهندسي للمشاريع) الذي كلّف بهندسة التكييف وإطارات من مديرية التجهيزات العمومية.

وتشكّل القاعة بـ3 آلاف مقعد العنصر الرئيسي لهذا المبنى الذي صمّم على أنه فضاء مرن قادر على تغيير شكله لاحتضان مختلف العروض. وتعد بعض المقاعد قابلة للطي وألف مقعد متنقل مع فضاء مخصص للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة فيما تتربع الخشبة على 600 متر مربع. وتتوفر القاعة على الشروط الأمنية التي تستجيب لمعايير جد صارمة حيث تمّ إيلاء اهتمام كبير للراحة البصرية والسمعية وذلك بفضل مختلف الترتيبات الخاصة بالخشبة والمدرجات وبإمكانيات حجب جزء أو عدة أجزاء من الفضاء الكلي، تواجد المقاعد على شكل مدرج يسمح برؤية أفضل للجميع ويضمن غياب الصدى وترديد الصوت سمعا ممتازا. كما تتوفّر القاعة أيضا على قاعتين أخريين للعروض بـ300 و150 مقعد على التوالي وفضاء للمعارض بـ2400 متر مربع ورواق دائم للمعارض بمساحة أصغر 1400 متر مربع، فيما يتوفّر الفضاء المخصّص للفنانين على وجه الخصوص على قاعة متعددة الوسائط وقاعتين عبارة عن أستوديو للتسجيل.

"محمد العيد آل خليفة" درة ثقافية 

من بين القاعات التي تعدّ فضاء ثقافيا خالصا وسمحت عملية إعادة تأهيلها وإعادة تهيئتها بكسب مرفق هام في وسط مدينة قسنطينة، قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة" الذي من شأنه أن يغطي العجز في مجال المنشآت. وسمحت أشغال إعادة تأهيل وتجهيز وإعادة ترتيب المرأب السابق لسيتروان المتواجد بساحة أول نوفمبر 1954 (لابريش سابقا) التي أطلقت في إطار التظاهرة بميلاد فضاءات جديدة للاستقبال والمعارض والعروض والمطالعة والمحاضرات ضمن ديكور جد رائع، وهي الفضاءات التي ستمكّن قسنطينة من الآن فصاعدا من تنظيم تظاهرات ثقافية وعلمية مهما كان حجمها أو نطاقها بأريحية كبيرة. عملية إعادة تهيئة قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة" الذي كان يحتضن المقر السابق للخطوط الجوية الجزائرية وأحد الفضاءات التجارية، مكّنت المصمّمين من إنجاز عدة فضاءات للمعارض وقاعتين للمحاضرات ومكتبة وقاعة للمحاضرات وقاعة للعروض، علاوة على قاعة شرفية لاستقبال ضيوف المدينة.

«المساء" تجوّلت في القصر، ولمست الإقبال الكبير للقسنطينيين عليه، حيث تزامنت الزيارة مع تنظيم تظاهرة "قراءة في احتفال"، كما أبدى من إلتقتهم إعجابهم بهذا الصرح الذي سيضيف للمدينة لمسة خاصة تواكب ثقل قسنطينة الثقافي والفني. وقد أعيد تأهيل هذا المبنى في وقت قياسي، وحسب المعايير المطلوبة، وتم القيام بعملية تأهيل هامة على المستويين المعماري والهيكلي لهذا المبنى الذي يتربع على 8795,37 متر مربع والذي أعيد بالكامل مع تكييفه مع متطلبات الحياة الثقافية الحديثة، كما تمّ تدعيم القصر الذي شيد على شكل طابق أرضي + طابق واحد بمصعد يطلّ على وسط قسنطينة في حين أنّ الدخول يتم عن طريق سلالم صمّمت وفق نموذج مستقبلي مع درابزين من الخشب وسلالم من الزجاج.

وعند المدخل الرئيسي لهذا الصرح الثقافي، تمّ إنجاز شلال وحوض للأسماك والنباتات من أجل إضفاء النشاط والحيوية في نفوس الزائرين، وتمّ استعمال مواد نفيسة مثل الرخام والڤرانيت والخشب النقي من أجل إعطاء وجه جديد لمبنى سيخدم حتما سمعة المدينة من خلال موقعه الجغرافي وتصميمه المعماري، حيث تتواجد عند مدخله أربعة أعمدة مستوحاة من الطراز اليوناني - الروماني. ويبقى أنّ هذا القصر يحتاج إلى الكثير من العناية والمتابعة، لأنّ الأهم ينتظره بعد إسدال الستار على تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وربّما ستساعد عملية نقل مصالح مديرية الثقافة إلى القصر  في الحفاظ على الحركية الثقافية وخلق مواعيد قارة بالقصر تشكّل قيمة مضافة للمدينة ولأهلها.  

"مالك حداد" مركز للإلهام والتميّز

تمّ تجديد قصر الثقافة "مالك حداد" الذي فتح أبوابه عام 1997 والمتواجد بموقع استراتيجي بالمدينة بشكل كلي، حيث أعطت أشغال إعادة تأهيل وإعادة تهيئة وتجهيز هذه المنشأة الثقافية التي شرع فيها في إطار تظاهرة قسنطينة، طابعا جد خاص للمشهد الحضري والثقافي للمدينة. وفي هذا السياق، تمّ تحديث هذا الصرح الذي لم يكن يضم سوى بضع ورشات وقاعة للمحاضرات وبهو للمعارض بفضل عملية إعادة تهيئة واسعة أطلقت في نهاية جوان 2014، حيث أعيد تصميم القصر المتربع على أكثر من 3375 متر مربع بطريقة توفّر للزوار فضاءات تتوفّر على التهوية وجد مريحة تتلاءم ومتطلبات الوقت الحالي، حيث أنّ ورشاته وقاعته المخصصة للمحاضرات وبهوه المخصّص للمعارض تتوفّر على التهوية من أجل السماح بإجراء مختلف النشاطات الثقافية في أفضل الظروف، في حين أنّ الواجهة الرئيسية "التي أعيد النظر فيها وصححت" تتيح للمارة وللزوار أيضا نظرة أخاذة. وأصبحت قاعة المحاضرات التي تستعمل أيضا كقاعة للعروض من الآن فصاعدا أكثر بساطة، إلاّ أنّ تأثيثها تم بذوق رفيع، كما تم تدعيمها بتجهيزات فائقة الحداثة وبإنارة مسرحية ذات تأثيرات ضوئية خاصة يقال بأنّها "مدهشة".