رئيس إتحادية الرياضة المدرسية، عبد الحفيظ إيزم لـ»المساء»:

بعث الرياضة المدرسية مرهون بإستراتيجية محكمة التنسيق

بعث الرياضة المدرسية مرهون بإستراتيجية محكمة التنسيق
  • القراءات: 2201

أرجع رئيس الاتحادية الوطنية للرياضة المدرسية، عبد الحفيظ إيزم، الوضعية المتدهورة التي آلت إليها الرياضة المدرسية، إلى غياب إستراتيجية مبنية على التنسيق المحكم بين وزراتي الشباب والرياضة والتربية الوطنية. مضيفا أن الكم الهائل من المادة الخام لا تستغل بتاتا في إعداد أبطال الجزائر، حيث يقدر عددها حاليا بـ9 ملايين طفل متمدرس تتراوح أعمارهم بين 8 و18 سنة، منهم 4 ملايين على مستوى الطور الابتدائي، في المقابل 300 ألف منهم فقط يحوزون على بطاقات انخراط، وهو عدد ضعيف جدا،شدد إيزم الذي يشغل منصب مفتش التربية البدنية، في هذا الحوار، على ضرورة تدخل السلطات العليا، لإعادة بعثها وترقيتها من جديد، لاسيما أنها كانت في وقت قريب خزان المنتخبات الوطنية، والآن أصبحت مجرد مادة ثانوية.

بداية، هل أنتم راضون عن الرياضة المدرسية في الجزائر؟

❊❊ في الحقيقة، الرياضة المدرسية تعاني من تراجع ملحوظ ومستمر لاسيما عند فئة الإناث، رغم العدد الكبير للمتمدرسين والمقدر بـ9 ملايين ينشطون على مستوى 25 ألف مؤسسة تعليمية، منها 19 ألفا في الطور الابتدائي.. حسب اعتقادي، هذا التقهقر راجع إلى عدة نقاط، بداية  بالنقص في المنشآت الرياضية داخل المؤسسات التعليمية، خاصة على مستوى المدارس الابتدائية، إذ لا تتوفر واحدة منها على أي فضاء، مرورا إلى هيكلة الاتحادية المكونة من وزراتي الشباب والرياضة والتربية الوطنية، حيث العمل بينهما يفتقر إلى التنسيق والانسجام رغم أن الرابطات الولائية تترأسها مديريات التربية. ويبدو لي أن الرياضة المدرسية ليست ذات فائدة، بدليل الاعتمادات المالية الهزيلة الممنوحة للفيدرالية، دون نسيان المكانة الضعيفة التي تحتلها على مستوى سلم القيم، ما دامت المشاكل التي تعرضها دوما الاتحادية على مسؤولي الرياضة في الجزائر لا تلقى أهمية مقارنة بنشاطات رياضية أخرى، رغم أن رياضيين جزائريين كبار، على غرار البطل الأولمبي (1500م) توفيق مخلوفي بلندن، مهاجم اتحاد العاصمة أسامة درفلو، ومصارعة الجيدو سليمة سواكري، وآخرين، اكتشفوا كمواهب بفضل الرياضة المدرسية.

ذكرتم أن هيكلة الاتحادية من بين الأسباب التي أدت إلى تراجع الرياضة المدرسية، كيف ذلك؟

❊❊ الاتحادية تابعة لوزارة الشباب والرياضة، وهي تستفيد من ميزانية مالية كبقية الاتحاديات الرياضية الأخرى، لكن الطاقم المسير لشؤونها ينتمي إلى وزارة التربية الوطنية، مع تواجد  إطارات من وزارة الشباب والرياضية يتولون اللجان الفنية التي تخص تنظيم المنافسات، التحكيم، تكوين مربي الرياضة والمدربين وغيرها من الأمور، لكن للأسف،  هذا التوافق الهيكلي لم يأت بجديد للرياضة المدرسية التي تحتاج إلى إرادة سياسية، لأن البرامج المقترحة للمنظومة التربوية لم تطبق بحذافيرها، بالنظر إلى كثافة الأجندة التعليمية وتخصيص مساء كل يوم ثلاثاء في بعض المؤسسات التربوية لإجراء الدروس الاستدراكية، مما ساهم في حرمان المتمدرسين من ممارسة النشاط الرياضي.

هذا التراجع، هل يقابله تواجد قليل في الرابطات الولائية المنضوية تحت لواء اتحاديتكم؟

❊❊ هناك 48 رابطة ولائية متواجدة على مستوى كل ولايات الوطن، ما عدا ولاية الجزائر العاصمة المجمد نشاطها منذ سنة 2006، جراء مشكل إداري بين ثلاث أكاديميات عاصمية (شرق، وسط وغرب)، حيث أرادت كل منها استحداث رابطة خاصة بها، وهذا مستحيل لأن قوانين الاتحادية في هذا المجال تسمح فقط بإنشاء رابطة ولائية واحدة، مما أدى إلى هذا الانسداد الذي دام عشر سنوات.. هي وضعية مؤسفة لأنها حكمت بالإقصاء على عدة أجيال من المتمدرسين لم يعرفوا قطعا الرياضة المدرسية، بينما هم في الوقت الحالي في سن ولوج الجامعة، وعندما نحصل على موافقة إنشاء الرابطة، سنستدعي أعضاء من الأكاديميات الثلاث، ونعقد جمعية عامة لتأسيس رابطة ولاية الجزائر، وعليه يبقى الحل في يد أصحاب القرار للحد من مشاكل الرياضة المدرسية التي تعد مجالا من مجالات المنفعة العامة، والتي تفيد كثيرا المجتمع، من خلال التصدي المباشر للانحراف والمشاكل الصحية، مثل السمنة والسكري وغيرهما.

إذن، ما سبب تدني الممارسة الرياضية داخل المؤسسات التربوية؟

❊❊ هناك أسباب عديدة بشرية وتنظيمية، ومن أهمها أنه بعد إغلاق المعاهد التكنولوجية المتخصصة والمعاهد العليا للتكوين الرياضي وتكفل الجامعات بالتكوين، انحطت الرياضة المدرسية، لأن تكوين الأستاذ ضعيف جدا من الناحية البدنية والتطبيقية والنظرية، وانخراط طلبة متحصلين على شهادة البكالوريا ومعفيين في بعض الأحيان من ممارسة الرياضة وتخرجهم من الجامعة وعدم ميولهم لهذه المادة.

ألا تعتقدون أن تخلي المربين عن النشاط الرياضي المخصص أسبوعيا للمتمدرسين، وهو المشكل الرئيسي وراء مرض الرياضة المدرسية بالجزائر، راجع بالدرجة الأولى إلى نقص المناصب المالية، أم كثافة الحجم الساعي للمعلمين؟

❊❊ في الحقيقة، لقد شخصتم جيدا مرض الرياضة المدرسية، لأن المشكل الجوهري وراء حرمان المتمدرسين من مزاولة نشاطاتهم الرياضية بالقدر الكافي، وحتى بالقدر الذي يسمح للمعلمين بصقل مواهبهم، يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم ملاءمة الحجم الساعي الدراسي للحصص المخصصة للتربية البدنية والنشاط الرياضي، حيث أن التغييرات التي طرأت على المنظومة التربوية، وارتفاع عدد المواد الدراسية، وكذا فتح العديد من المؤسسات التربوية والوحدات التعليمية، قابله عجز كبير في المختصين في المجال الرياضي، كالتقنيين السامين في الرياضة المدمجين في المدارس التعليمية، وهو ما يعني أنه من الضروري فتح مناصب مالية لتغطية هذا العجز وتمكين التلاميذ من ممارستهم للرياضة في الأوقات المخصصة للتحضير البدني والنفسي.

في ظل هذا التشخيص، كيف ترون حال أستاذ التربية البدنية والرياضية؟

❊❊ بكل صراحة، حال لا يعبر بتاتا عما تصبو إليه المنظومة التربوية، رغم الوسائل المتوفرة حاليا من ملاعب، قاعات وعتاد رياضي، إلا أن حب العمل ناقص، بسبب تجاهل معظم الأساتذة قدرات التلاميذ الكبيرة للوصول إلى نتائج ممتازة وتمثيل الجزائر أحسن تمثيل.. تكون عملية مشتركة بين الرياضة المدرسية وقطاع الشباب والرياضة باعتبار الأولى خزان المواهب الشابة والثاني يعمل بدوره على اكتشاف المواهب ومواصلة عمل الأستاذ «المربي».

تستخدمون مصطلحين؛ الأول يتعلق بالتربية البدنية والثاني بالنشاط الرياضي، ما الفرق بينهما؟

❊❊ الرياضة المدرسية في الجزائر هي إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها من أجل تحقيق أهداف تربوية، وهي عبارة عن أنشطة منظمة ومختلفة في شكل منافسات فردية أو جماعية وعلى كل المستويات، تسهر على تنظيمها وإنجاحها الاتحادية الوطنية للرياضة المدرسية، مع الوضع في الحسبان أن ذلك يتم بالتنسيق مع الرابطات الولائية للرياضة المدرسية في القطاع المدرسي، ولتغطية بعض النقائص ظهرت الجمعيات الخاصة بالرياضة المدرسية في المؤسسات التربوية، للحرص والمراقبة على النشاطات وإعادة الاعتبار للرياضة المدرسية التي تنقسم إلى التربية البدنية والنشاط الرياضي. فالنشاط الأول مادة أكاديمية يشرف عليها أستاذ التربية البدينة، أو بالأحرى مربي الرياضة، بحجم ساعي يقدر بين 16 و18 ساعة في الأسبوع، وله دور فعال في تكوين وبلورة شخصية التلميذ من جميع النواحي البدنية والنفسية والاجتماعية والخلقية والمعرفية، ورغم ذلك فهذه المادة تعاني معوقات مختلفة تؤثر على رغبة التلميذ في ممارستها داخل الوسط المدرسي، في الوقت الذي تولي بعض الدول الأجنبية اهتماما كبيرا للرياضة المدرسية، من خلال تسخير كل الإمكانيات وتخصيص الإطارات من أساتذة ومختصين في النشاط البدني والرياضي لفائدة التلاميذ في المدارس الإبتدائية، بغرض الاستثمار في العنصر البشري والتخفيف من الأمراض المزمنة.

وماذا عن النشاط الرياضي؟

❊❊ هذه الممارسة تقام خارج الأوقات الرسمية للأجندة التربوية، حيث يتحوّل عمل أستاذ التربية البدنية إلى مدرب فريق المؤسسة التعليمية بتوقيت أربع ساعات في الأسبوع، والنشاط الرياضي أعطى ثماره في الحركة الرياضية الجزائرية، باكتشافه لأبطال شرفوا الراية الوطنية في أكبر التظاهرات الدولية، على غرار الأسماء -المذكورة سابقا- في ظل تحفيز المدرب بمنحة مالية وتوفير بيئة تحضيرية ملائمة، إلى جانب إنجاز المركبات الجوارية والمنشآت الرياضية، لتفعيل الممارسة الرياضية لدى جميع الشرائح العمرية.

بما أنكم المسؤول الأول عن الرياضة المدرسية، هل نقلتم اهتماماتكم إلى أصحاب القرار للاطلاع على الأوضاع؟

❊❊ في كل مناسبة نلتقي فيها بأصحاب القرار، نجدد المطلب المتمثل في إعادة النظر في سياستها واتخاذ إستراتيجية واضحة المعالم تجاه الرياضة المدرسية، التي أصبحت في السنوات الأخيرة عاجزة على إنجاب الأبطال، وغير قادرة على تموين المنتخبات الوطنية في شتى الاختصاصات.. كما نطالب بتحديث المشروع المشترك الذي وضعته الوزاران (الشباب والرياضة والتربية الوطنية) منذ قرابة 10 سنوات، بإنشاء أقسام الرياضة بالإكماليات، حيث للأسف، لم يعط ثماره بسبب فراغ قانوني فيما يخص استشارة الرابطات الولائية، وعليه فشلت مساعي المسؤولين في النهوض بهذه الرياضة.

ألا يكفي اجتهاد الدولة في تكوين ثانوية رياضية كتلك الموجودة بالدرارية، لبعث الرياضة المدرسية من جديد؟

❊❊ كفكرة جيدة تستحق الثناء، لأنها تتكفل بالتلاميذ ذوي المواهب الرياضية، من خلال صقلها وتحضيرها لفرق النخبة الوطنية، مع توفير كل الظروف المواتية لمواصلة الدراسة، لكن للأسف، لم تعمم على مستوى التراب الوطني، هذا ما جعل فائدتها محدودة، حسب عدد الرياضيين المتمدرسين فيها.. وثانوية درارية ترجمت مساعي الدولة في استغلال المواهب البارزة في الرياضة المدرسية وطنيا، تحت تأطير نوعي من التقنيين المختصين وبخدمات تدريبية ملائمة تستجيب للمعايير الدولية... فجمعهم في مكان واحد يوفق بين الدراسة والرياضة وحتما يعطي نتائج مضمونة.

كيف ذلك؟

❊❊  ثانوية درارية تتميز بخدمة نوعية، حيث تعطي تسهيلات دراسية للرياضي المتمدرس، فمثلا عند مشاركته في المنافسات الدولية التي تتزامن مع فترة الامتحانات، بإمكانه استدراكها في وقت آخر.. لكن هذه التيسيرات غير موجودة في المؤسسات التعليمية العادية التي تقصي التلميذ من الامتحان في حال غيابه، وفق القوانين المطبقة في المنظومة التربوية، وعليه ينتج العزوف عن الممارسة الرياضية.   

إذا عدنا للحديث عن الأمور الفنية للاتحادية، ما هي التخصصات الرياضية المتعمدة في برنامجكم؟

❊❊ بالنظر إلى عدد منخرطينا، قررت الاتحادية الاعتماد على ثماني ممارسات رياضية، ويتعلق الأمر بكل من الرياضات الجماعية الأربع (كرة اليد، القدم، الطائرة والسلة)، السباحة، تنس الطاولة، الشطرنج وألعاب القوى، لكن هناك مساع في سبيل توسيع الممارسة، حيث بادرت بعض الرابطات الولائية بإدخال رياضتي الدراجات والمصارعة على مستواها، على غرار ولاية عنابة.. وكمسؤول أول على الهيئة الفيدرالية، أثمن مثل هذه المبادرات، وعليه قررت منح الضوء الأخضر لكل الرابطات بممارسة الرياضة المفضلة عندها، حسب الأقطاب التطويرية.

تعدد الممارسات يحتم عليكم التعاون مع اتحاديات هذه الفروع؟

❊❊ بالفعل، هناك عمل تنسيقي بين اتحاديتنا والفيدراليات الرياضية الأخرى، حيث نقوم بالتشاور فيما بيننا، لاسيما فيما يخص إقامة التربصات والمنافسات، علما أن معظم المنتخبات الوطنية والأندية المدنية تتكون من رياضيينا، وعليه تكون الأولوية لصالح اتحاديتنا في حال تواجد تواريخ متشابهة في المواعيد الدولية.

هل هناك مشاركات دولية في الوقت الراهن؟

❊❊ نستعد لتنظيم كأس الجزائر في العدو الريفي يوم 17 فيفري الجاري، وستكون هذه البطولة محطة تأهيلية للرياضيين الذين سيحققون الحد الأدنى للمشاركة في بطولة باريس المبرمجة في مارس القادم، وعليه نعول كثيرا على المشاركين في التظاهرة الوطنية للظهور بوجه مشرف، لاسيما أن الموعد الفرنسي سيتم خلاله حجز مقعد للالتحاق بركب المتأهلين إلى «جومنزياد» المغرب في شهر ماي القادم.

هل هناك رؤية مستقبلية لإعادة الاعتبار للرياضة المدرسية؟

❊❊ التحلي بالإرادة السياسة هو مفتاح بعث الرياضة المدرسية من جديد،  مع المطالبة بإعادة النظر في القانون الأساسي للتربية البدنية، بإعادة حصص النشاط الرياضي، تتضمن إجباريا الأخذ بعين الاعتبار أربع ساعات لاكتشاف المواهب وتدعيم النخبة الوطنية، في ظل الاستفادة بالخبرة الفرنسية التي جلبتها وزارة التربية مؤخرا لنقل تجربتها واستثمارها محليا.. لكن هذه الخدمة مرهونة بإعادة فتح المعاهد المتخصصة للإشراف على الدورات التكوينية لفائدة الأستاذ بالنسبة للرياضة البدنية أو كمدرب للنشاط الرياضي.

حاورته: فروجة. ن