فنانون يؤكدون أن الرداءة تجتاح الفنون

بحث في فائدة الإبداع

بحث في فائدة الإبداع
  • 677
دليلة مالك دليلة مالك

يتكرر كثيرا في كواليس وخفايا المشهد الثقافي بالجزائر، سؤال متعلق بحال المستوى الإبداعي المقدم في مختلف الفنون، إذ تتفق الأغلبية على أن الرداءة هي السّمة الغالبة على المنتوج الموجَّه؛ سواء كان أدبيا أو مسرحيا أو سينمائيا أو موسيقيا. وفي العلن كثيرا كذلك ما نسمع عن مطالب الفنانين التي لا تتوقف في منحهم حقوقهم وتكريمهم والعرفان بأعمالهم. لكن ماذا يقدمون؟ لذلك سألت "المساء" عددا من الفنانين في مجالات متعددة حول مضمون الأعمال المقدمة وعن أسباب تدهور المستوى الفني والثقافي.

اختلفت وجهات نظر الفنانين الذين اقتربت منهم "المساء" حول أسباب تدني المستوى الإبداعي؛ حيث يعتقد أيقونة الأغنية الأمازيغية إيدير أن نوعية الأغاني المقدمة في الوقت الراهن تراوح مكانها أحيانا وتتشابه فيما بينها أحيانا أخرى، مشيرا إلى أن هناك العديد من العزائم من طرف الشباب التي تحاول أن تضع موسيقى جيدة وتواصل المسيرة. واستطرد قائلا: "إن الزمن كفيل بتصحيح الوضع".

وكشف أن سرّ نجاحه يتعلق بالعمل العفوي، وأن يؤدَّى بإحساس عميق، وأن يكون الفنان صادقا في مشاعره، والأغنية الأصيلة تبزغ بدون أدنى شك، وتابع: "أنا أعمل بهذه الطريقة".غير أن مواطنه نجم الأغنية القبائلية تاكفاريناس له رأي آخر، فهو، على حدّ قوله، لا يلوم الشباب؛ لأنهم لا يستطيعون تقديم موسيقى جيدة، بسبب غياب منتجين حقيقيين، فعندما يتقدم الشباب لتسجيل أغانيهم فإن المنتج يمنح أي مطرب واعد يومين فقط، وهو وقت غير كاف، مما يؤدي إلى تقديم أي شيء إلا منتوجا فنيا جيدا، مشيرا إلى أنه في السابق كان المنتج يبحث عن المواهب الجادة والمبدعة ليربح المال.والجمهور لا بد أن يفهم هذا، وحاليا يواجه مشاكل مالية تعرقله لإطلاق ألبوم جديد، وهو ما يحتاج إلى دعاية، وهذا أمر مكلّف.أما المطربة المخضرمة نادية بن يوسف فاختصرت تعليقها بخصوص الموضوع، بالقول: "إن كل فنان يميل إلى المستوى الذي يناسبه، فهناك مستويات عدة، وكل واحد يقدّم المردود الذي يعكس شخصية الفنان وثقافته وكذا تربيته". وشاطر مامي هذه الفكرة، وقال إن مستوى أغنية الراي اليوم يشبه المثل الشعبي "كوّر ومد للعور"، ودون أن يشمل كل الناس، أشار إلى بعض المغنين الذين يقدمون أي شيء، مشددا في قوله "إنهم عندما ينتجون ألبومات فهم بذلك سيحلون ضيوفا على البيوت الجزائرية، ولذلك عليهم أن يعرفوا ما يقولون، وهذا أمر يتعلق بالتربية".وأضاف مامي أن المغني لما يكون متحليا بالأخلاق فهو مسؤول عن الشباب؛ لأنهم عندما يسمعون أغاني رديئة سينعكس هذا على أفعالهم. أما الأغاني النظيفة فمن شأنها أن تلقّنهم تربية جيدة، لكن الواقع - بدون أن يعمّم - ينتج أشباه فنانين، وينتجون ألبومات في يومين، ومضمونها "90 بالمائة تبراح، والباقي في خاطر وفي خاطر".ويعتقد كاتب الكلمات والملحن الكبير كمال حمادي، أن الأغنية الجيدة لا بد أن يكون لها غد مزهر، فما أُنجز اليوم سيُنسى لاحقا؛ فالمستقبل سيكون حليف المبدع الحقيقي. وأضاف المتحدث أن في كل وقت هناك أغان جيدة وأغان رديئة، واليوم كباقي الأيام، هناك ما هو ناقص وهناك ما هو جيد، لذلك على الفنان أن يجتاز الحلقة المفرغة، فالفنانون الجيدون موجودون بكثرة، لكن الأبواب موصدة في وجوههم ولا يعرفون الطريق للظهور جماهريا.

أما المطرب فؤاد ومان فأكد أن المشكل يكمن في العمق، وقال: "أصلا، مفهوم الفن تغيّر، ومقاييسه تغيرت، وعمت الفوضى هذا الوسط وأصبح موبوءا"، كاشفا أن "الفنان الحقيقي مهمَّش ومحاصَر، في حين الأبواب مفتوحة على مصراعيها للمهرجين وفناني الأعراس والكباريهات! وللأسف، هذه الممارسات تأتي من طرف أجهزة الدولة، وعلى رأسها الديوان الوطني للثقافة والإعلام!".وأشار ومان إلى أن المشهد الفني أصبحت تسوده العلاقات المشبوهة؛ "لأن من  يسير وبيده الحراك الثقافي لا يملك المستوى الفكري الذي يؤهله للتحكم في آلياته والتخطيط له، وبالتالي سيتم إنتاج ثقافة وفن سطحي تهريجي وكرنفالي بدون روح وبدون عمق".قال السينوغرافي والمخرج المسرحي يحيى بن عمار، إن الجميع مقصّرون، والسبب مرتبط بالجانب الإداري، لاسيما سوء تسيير الموارد والطاقات، وتكوين أطراف ذات مصالح ضيّقة والمحاباة، ثم الجانب الآخر المرتبط بالفنانين وعلامات الاستفهام الكثيرة التي تحوم حول الكثير من السرقات الأدبية، مشيرا كذلك إلى غياب المستوى الفكري من لدن الممارسين، وعدم الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والالتزام المهني أضعف المردودية.

ويعتقد يحيى بن عمار جازما أن ممارسة المسرح من باب ملء الفراغ، وأمام هذا الواقع يجب إعادة هيكلة المسرح بخلق الفرق المحترفة. كما أن الجودة تتأتى من خلال المنافسة الشريفة. وأبدى أسفه من أن الجميع يراعون مصالحهم الخاصة على حساب الموضوعية والفائدة العامة. وأضاف أنه عندما يصبح الجاهل والمبتدئ في كفة واحدة مع المثابر والمحترف، فهذه ليست عدالة.

وعبّر الممثل المسرحي لعربي جمال عن موقفه في الموضوع، وقال إن ركود المستوى راجع إلى نقص النصوص المسرحية، التي تتمكن من استقطاب الجمهور؛ فالمواضيع التي يشاهدها في المسرحيات التي قُدمت، معظمها لا تتطرق ولا تعالج أي مشكل من المشاكل اليومية التي يعيشها الجمهور. واسترسل قائلا: "إذا كان الجمهور لا يرى نفسه ومن في العرض فهذا ما يؤدي به إلى عدم الاهتمام بالمسرح". ودعا المخرجون المسرحيون وكتّاب النصوص إلى إنجاز عروض مسرحية تشبه حياة الجزائريين، وأن يدركوا إلى أي جمهور يقدَّم العرض؛ لأن المسرح متعة؛ يجب أن نفكر في الجمهور ونقدّم عروضا لائقة، وبه يرفع مستوى الفن الرابع في الجزائر.