النظافة في العاصمة

النقطة السوداء في الجزائر البيضاء!

النقطة السوداء في الجزائر البيضاء!
  • القراءات: 3215
رشيدة بلال رشيدة بلال

 الحديث عن نظافة العاصمة حديث ذو شجون، لأنها أصبحت في عين القاصي والداني نقطة سوداء في الجزائر البيضاء!! الظاهرة التي يفترض أنها تتراجع  لصالح النظافة لاعتبارات خدماتية اجتماعية واقتصادية وأكثر من ذلك ثقافية، هاهي تتفاقم أولا لغياب التوعية والردع والمتابعة من طرف الهيئات المكلفة بالسهر على نظافة المحيط وعلى رأسها المجالس البلدية المنتخبة. وثانيا لغياب الحس المدني عند المواطن وللأسف الشديد عند السواد الأعظم منهم، الذين لا يعيرون اهتماما لهذا الحس الحضاري وأصبحوا أكبر مصدر لتلويث المحيط والشوارع والساحات العمومية، حتى تراهم يجلسون بين أكوام القمامة، أمام المقاهي والمحلات التجارية، وأصبحوا مصدر قلق لمؤسسة جمع النفايات وأعوانها. 

هو السبب الرئيس في انتشار النفايات  .....المواطن لا يقدّر جهد أعوان النظافة

أجمع عدد من عمال النظافة تحدثت إليهم «المساء» على أن المتسبب الأول في النفايات التي ترمى بصورة عشوائية في الشوارع هو المواطن بالدرجة الأولى الذي يفتقد للإحساس بالمسؤولية تجاه هذه الظاهرة الحساسة ويتهم دائما عامل النظافة بالتقصير في أداء عمله.

وحسب أحد عمال النظافة الذي كان بصدد جر عربته بحديقة الساعة الزهرية، فإن الأمر مرتبط بالتربية حيث يقول: «نجد بعض الأشخاص  يتجهون إلى الحاويات لرمي القمامة حتى وإن كانت عبارة عن تذكرة أو كيس أو حتى غلاف حلوى، غير أن البعض الآخر يتعمّد رميها على الأرض من منطلق أن هنالك من يرفعها». وما يحز في النفس ـ يضيف ـ «أن البعض يرمي مثلا  قارورة ماء أو مناديل ورقية  أو حتى سجائر بالقرب منّا ونحن نقوم بعملية التنظيف ولا يعيرنا أي احترام وبهذا التصرف يسيئون إلينا، بل أكثر من هذا نشعر دائما بالإهانة ونكون دائما محل اتهام بأننا لا نقوم بعملنا كما يجب، بدليل أن بعض الأحياء مثل أودان أو ديدوش مراد  أو السكوار ننظفها على أحسن وجه ولا تمضي إلا سويعات حتى تعود إلى سابق عهدها».

مشيرا إلى أن «العاصمة بالنظر إلى العدد الكبير من الوافدين عليها يوميا يجعل من إبقائها نظيفة أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا رغم حداثة العتاد المستعمل في عملية التنظيف اليومية والدورية».

من جهته يقول كمال الذي كان بصدد جر آلة حديثة لشفط النفايات بشارع الدكتور سعدان «الحديث عن النظافة يظهر في الواجهة دائما عمال النظافة على أنهم لا يقومون بدورهم كما يجب، ولكن عند البحث في أصل الشيء نجد أن المواطن ربما لا يحب العيش في محيط نظيف، وإلا كيف نفسر أن عمال النظافة ينظفون وآخرون يلقون نفاياتهم في كل مكان ولا يكترثون لذلك من منطلق أن هنالك دائما من ينظف».

هذا المفهوم الخاطئ ـ يعلق كمال ـ : «جعل من الصعب الإبقاء على شوارعنا نظيفة»، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بالعاصمة، فإن المسؤولين عن تلويث المحيط ليسوا السكان وإنما الزوار الذين يترددون عليها لقضاء حوائجهم». «فعن تجربة شخصية -يضيف المتحدث- نجدهم لا يكترثون فيجلسون في مكان ما نظيف كالحدائق أو المقاهي وعندما يغادرون يتركون خلفهم كومة من النفايات، وما يدعو للحيرة هو أن الحاويات وسلال رمي القمامة موجودة في كل مكان».

من جهته أرجع عمي محمد منظف، عدم تحلي البعض بروح المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالإبقاء على الشوارع نظيفة إلى التقليد ويقول: «عندما نجد البالغين من الجنسين يلقون ببعض المخلّفات في الشارع سواء تعلق الأمر بقوارير الماء،  أغلفة الحلوى أو الأكياس الورقية في الشارع ما الذي ننتظره من صغار السن».

ويضيف «رغم أن عملنا هو التنظيف فإن البعض ينظر إلينا بنظرة احتقار ونحن من يتكفل برفع نفاياتهم التي يعجزون حتى عن رميها في المكان المخصص لها، فضلا عن أن البعض الآخر يعيق عملنا بركن سيارته في أماكن  يصعب علينا تنظيفها وبعد كل هذا نتّهم بالتقصير في أداء عملنا».

نسيمة يعقوبي رئيسة قسم الاتصال والتنمية بمؤسسة «نات كوم»: رفعنا دوريات جمع النفايات  من 3 إلى 5 في اليوم

حملت نسيمة يعقوبي، رئيسة قسم الاتصال والتنمية بمؤسسة نات كوم، مسؤولية انتشار النفايات في مختلف شوارع العاصمة رغم المجهودات التي يبذلها عمال النظافة بصورة دورية ومن دون توقف إلى المواطن الذي تغيب لديه ثقافة الحفاظ على المحيط نظيفا.

وقالت في تصرح لـ«المساء: «إن مصالح (نات كوم) تعمل على مستوى 26 بلدية منها بلدية وادي قريش، عبان رمضان، المرادية، باب الوادي... بعتاد يقدر بـ360 شاحنة و5300 عامل،  غير أن ما يعيق العملية هي عدم تقيد المواطن بمواعيد إخراج النفايات المنزلية من جهة،  ويتجنب استعمال الحاويات وسلال المهملات الموجود في كل الشوارع، فنراه يلقي أي شيء على الأرض مثل قوارير ماء، مناديل، أغلفة حلوى، تذاكر وغيرها، ما يعطي دائما الانطباع بأن عمال النظافة هم من لا يقومون بعملهم كما يجب».دفع الموقف السلبي للمواطنين ـ حسب محدثتنا ـ بمؤسسة» نات كوم» إلى مضاعفة الجهد فإلى جانب العمل بالليل يتم رفع النفايات إلى غاية خمس دورات في اليوم بعدما كانت ثلاثة فقط وتتم ليلا وأصبحنا تقول محدثتنا: «نقوم بالعمل بصورة مستمرة لوقوف السلوكات السلبية ومحاربة كل  التصرفات اللامسؤولة». وفي ردها على سؤالنا حول دور العتاد العصري الذي جرى اقتناءه في تسهيل وتسريع عملية التنظيف، أكدت المتحدثة «أن المؤسسة اقتنت العديد من الوسائل الحديثة مثل المكانس الكهربائية والشاحنات التي تعمل على رفع الحاويات بطريقة ميكانيكية إلا أنه رغم كل المجهودات المبذولة إلا أن ثقافة الحفاظ على المكان نظيف تظل قليلة رغم الحملات التحسيسية، مشيرة إلى أن القانون  01/19  ينص على فرض عقوبات وغرامات على من يتسبب في تلويث المحيط، غير أن التطبيق يظل غائبا الأمر الذي جعل مؤسسة (نات كوم) تقوم ببذل جهد إضافي لتحسين صورة العاصمة.

الباحث في التاريخ محمد بن مدور  .....أعمال الترميم جعلت تنظيف القصبة مهمة صعبة

أرجع الباحث في التاريخ محمد بن مدور، انتشار النفايات في القصبة  التي تعتبر معلما سياحيا ومصنفا عالميا من طرف «اليونسكو» لأعمال الترميم المختلفة التي يعرفها المكان، وقال في تصريح خاص لـ«المساء «إنه على الرغم من أن أعمال التنظيف تجري على قدم وساق في مختلف أحياء و«زنيقات» القصبة بالاستعانة بالحمير لإخراج النفايات المنزلية للقاطنين فيها، غير أن المشكل المطروح عند الحديث عن نظافة القصبة هم السكان الذين حولوا الدويرات المهدمة الى مفرغات عمومية  وشوهوا المنظر العام لهذا المعلم التاريخي من جهة.

ويواصل قائلا، ومن جهة أخرى نجد أن النظام الذي كانت تعمل به القصبة فيما يخص إخراج النفايات لم يعد سائدا، حيث كان القاطنون الأصليون يخرجون نفاياتهم في الليل ليقوم عامل النظافة بواسطة حماره بجمعها، ولكن اليوم وللأسف الشديد بعد أن دخل إلى دويرات القصبة متطفلون احتلوا المساكن لم يأبهوا لهذا التقليد وأصبح يتم إخراج النفايات في كل وقت، الآمر الذي جعل عمال النظافة عاجزين عن القيام بعملهم على أتم وجه.

ولعل ما صعب عملية رفع النفايات أيضا في أحياء القصبة ضيق الأزقة وتهدم الجدران ووجود الركام المخلوط بالنفايات في كل مكان فضلا عن صعوبة بلوغ بعض الأزقة بسبب انقطاع الطرق.

يقترح الباحث من أجل إعادة الاعتبار إلى هذا المعلم التاريخي والسياحي إخراج كل السكان منها وتجديد الورشات الخاصة بالحرفيين لإعادة الحياة لها لاسيما وأنها تستقطب على مدار السنة اهتمام السياح من مختلف دول العالم.

القائمون على تنظيف  القصبة يعانون  ....9 عمال عدد قليل.. والأحمرة تتنقل بصعوبة عبر الأزقة

الحديث عن النظافة بالعاصمة يقودنا إلى طرح إشكالية النظافة في القصبة؛ على اعتبار أنها جزء من العاصمة، ومن أكثر الأماكن التي يحب الجميع زيارتها. ولأن عملية تنظيف هذه الأخيرة لاتزال تتم بالطريقة التقليدية، أي بالاعتماد على الحمير، حاولنا رصد الصعوبات التي يتكبدها عمال النظافة للإبقاء هذا المعلم السياحي نظيفا. 

انتقلت «المساء» إلى الإسطبل الكائن ببلدية واد قريش، حيث وقفنا على مختلف الأعمال التي يقوم بها العمال المسؤولون عن تحضير الأحمرة للقيام بعملية نقل النفايات من أزقة القصبة العريقة.

وحسب مسؤول الإسطبل السيد كمال رحماني، فإن الحمير حتى تتمكن من أداء عملها على أكمل وجه، لا بد أن تحظى بعناية، خاصة تنظيفها وتطبيبها وتنظيف إسطبلها بصورة دورية، لتكون جاهزة للعمل عند الساعات الأولى من الفجر، مشيرا إلى أن التعامل مع الحمير يتطلب الخضوع لفترة تربص حتى يتسنى لعامل النظافة التحكم فيه؛ «لأننا نتعامل مع كائن حي يتأثر بكل ما هو محيط به».

من جهة أخرى كشف محدثنا أن من بين المخاطر التي تتعرض لها الحمير التي يتم شراؤها من بعض الولايات الغربية والتي يقدر عددها بـ 51 حمارا، التسمم الغذائي بسبب تناولها النفايات التي يجري رميها بطريقة عشوائية بأزقة القصبة؛ إذ تبتلع في بعض الأحيان، الأكياس البلاستيكية والأسلاك؛ الأمر الذي يؤدي إلى وفاتها.

وللوقوف على الطريقة التي يتم اتباعها لتنظيف القصبة رافقنا صالح خنوش، مسؤول فريق العمل المكلف بتنظيف القصبة إلى مختلف الأحياء التي شملتها عملية التنظيف التي انطلقت بعد صلاة الفجر. ويؤكد صالح أن أولى العراقيل التي تجعل من عملية تنظيف القصبة صعبة بعد مسافة الإسطبل على القصبة، إذ يضطر العمال يوميا لقطع مسافة 16 كلم للوصول إلى الأزقة، فهذا الجهد في التنقل يجعل المردودية في العمل تقل بسبب التعب. وخلال هذه المسافة يتعرض العامل للكثير من المضايقات من المركبات؛ كون الحمير تستعمل الطريق الخاص بالسيارات، فضلا عن انزعاج الناس منها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يضيف المتحدث: «يواجه عامل النظافة الكثير من الصعوبات لنقل القمامة بسبب قدم الأحياء وانهيار أجزاء منها، فضلا عن أن بعض الأزقة أغلقت؛ الأمر الذي جعل تنقّل الحمير لرفع القمامة صعبا، بل مستحيلا في بعض الأحياء، وهو ما يفسر تراكم النفايات فيها».

وحسب صالح، فإن تنظيف القصبة لم يعد يتم بالطريقة القديمة وفق نظام الدوامين، أي فرقة تعمل في الصباح الباكر وأخرى في المساء، بسبب إحالة مجموعة من العمال على التقاعد. وأمام هذا أصبح تنظيفها يتم مرة واحدة في الفترة الصباحية؛ بمعدل 9 عمال مرفقين بـ 18 حمارا يقومون بتنظيف الأزقة، التي سرعان ما تُملأ من جديد بالفضلات لعدم التقيد بمواعيد الرمي.

في دردشتنا مع عدد من العمال المكلفين بتنظيف القصبة، كشفوا عن عدم رضاهم عن الطريقة التي يتم بها العمل، حيث أشار أحد العمال في معرض حديثه، إلى أن تنظيف القصبة يتحول يوما بعد يوم إلى عمل مضن وشاق، ونتائجه غير ظاهرة بسبب الانهيارات وضيق الأزقة، زيادة على المضايقات التي يتعرض لها العمال يوميا من السكان الذين يفتعلون المشاكل لأتفه الأسباب؛ بحجة أن الأحمرة تغلق الطريق وتمنعهم من المرور؛ الأمر الذي يجعلنا ـ يقول ـ «ندخل في شجارات يومية مع السكان، أو لأن الحمار احتك بهم ولوّث ثيابهم، وينسون أن لهذه الدابة الفضل في تنظيف مخلفاتهم التي أصبح يتم رميها بطريقة فوضوية»، مشيرا إلى أن «عدد العمال المكلفين بالتنظيف أصبح غير كاف، حيث يُلزم كل عامل بتعبئة حمارين بالقمامة والخروج بهما من الأزقة نحو الباب الجديد، إذ يجري تفريغ القمامة والرجوع من جديد إلى باقي الأحياء، كل هذا يتطلب جهدا لا يستطيع أن يقوم به هذا العدد القليل من العمال الذين حُرموا من حق الاستفادة من عطلتهم السنوية لعدم وجود من يخلفهم، لهذا نناشد الجهات المعنية توظيف عدد من العمال لرفع النفايات التي تغرق فيها القصبة يوميا».

عامل آخر لم يفوّت الفرصة للحديث عن بعض المشاكل التي يعانيها عمال النظافة بأزقة القبة، حيث قال: «يُفترض أن تكون لهم منحة العدوى؛ لأنهم معرضون للإصابة بالأمراض بسبب الاحتكاك الدائم بالقمامة في ظل غياب القفازات، حيث يتعرضون يوميا للعديد من الحوادث بسبب رمي الزجاج والعدوى من الأمراض التي تصيب الحمير كالجرب مثلا، ناهيك عن عدم استفادتهم من طب العمل؛ الأمر الذي يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض».

راضية حمينة .مفتش رئيسي في النظافة لبلدية الابيار  ....التحسيس رفع من درجة الوعي 

ترى راضية حمينة مفتشة رئيسية في النظافة والنقاوة العمومية والبيئة ببلدية الابيار «أن محاربة ظاهرة الرمي العشوائي للنفايات لا تتحقق إلا بالتكثيف من الحملات التحسيسية وهو ما يقوم به المكتب على مستوى بلدية الابيار والبلديات المجاورة لها مثل بلدية بني مسوس وبوزريعة في إطار حملة محاربة كل ما من شأنه الإضرار بالبيئة، مشيرة إلى أن عمال النظافة اليوم يعملون حتى أيام العطلة الأسبوعية لتنظيف الشوارع و تحسيس المواطنين بأهمية أن تظل الشوارع والأحياء نظيفة.من ناحية أخرى، أكدت المتحدثة، بأن التحسيسي بدأ يأتي بنتائج ملموسة من خلال تقيد بعض المواطنين ممن شملهم بمواعيد إخراج النفايات على مستوى مختلف بلديات العاصمة، وإلى أن يتحول إلى تقليد قار لا بد من التكثيف من العمل التحسيس الجواري بمختلف الأحياء. مشيرة إلى أن هنالك تعليمة من الوالي مفادها الحرص على تسوية واجهات المحلات، كما تتضمن التركيز على إخراج نفاياتهم بعد السابعة ليلا، حيث خصت محلات بيع الأكل السريع والملابس وينتظر أن يشرع في الأيام القلية القادمة في إعادة إطلاق حملة لفرز النفايات التي تعتبر هي الأخرى مهمة لتسهيل جمع القمامة على عمال النظافة.