عندما يكرر التاريخ صفحة مشرقة من صفحات كفاح الشعوب المضطهدة

النصر أو الشهادة.. ما أشبه الثورة التحريرية بالمقاومة الفلسطينية!

النصر أو الشهادة.. ما أشبه الثورة التحريرية بالمقاومة الفلسطينية!
  • القراءات: 499
ص. محمديوة ص. محمديوة

❊ حركات التحرر تستلهم من ثورة التحرير الوطني وعزيمة أرض الشهداء

ما أشبه غزة اليوم بجزائر الأمس التي ضحت بمليون ونصف المليون شهيد من أجل تحرير هذه الأرض الطاهرة من أيادي الإجرام الدامي والاحتلال الغاشم ضمن واحدة من أعظم ملاحم ثورات التحرر التي يشهد لها التاريخ وكتبت على صفحاته بأسطر من ذهب.

اليوم صفحة من صفحات التحرر والكفاح في التاريخ تتكرر بكل نبلها وصمودها في غزة أمام مرأى وأعين العالم أجمع، وقد أسقطت ملحمة "طوفان الأقصى" التي فجرتها المقاومة الفلسطينية في السابع اكتوبر الجاري ضد الكيان الصهيوني خداع ونفاق المجتمع الدولي الذي يتعامل بسياسة الكيل بمكيالين مع قضايا التحرر والشعوب التواقة للاستقلال والحرية.

لطالما تشدق المجتمع الدولي بمواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي وغيرها من الخطابات الرنانة في المساواة والعدالة، لكنه بدأ يفقد اليوم كل معنى لمبادئه وإنسانيته تماما كما حدث عندما كانت الجزائر تبعث بقوافل الشهداء تباعا طيلة سبع سنوات ونصف السنة من ثورة فجرها رجال آمنوا بقضية بلادهم العادلة ورفعوا السلاح بقناعة بمبدأ "ما اخد بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة" بالرغم من نقص امكانياتهم وتعدادهم في وجه جيش فرنسي كان يوصف حينها بـالقوة العظمة.

ورغم قوة جيش الاستعمار الفرنسي في تلك الحقبة من التاريخ، فقد تمكنت جبهة التحرير الوطني وجيشها الشعبي من هزيمة فرنسا الاستعمارية وطردها شر طرد من أرض الجزائر التي تحررت من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها دون أن يتمكن هذا الاحتلال من أخذ ولو شبر من ترابها.

وهو تماما ما يحدث اليوم في غزة لكن بفارق أن العالم يشاهد على المباشر المجازر المروعة والمذابح المهولة والمحارق التي يواصل الكيان الصهيوني منذ أربعة اسابيع اقترافها في حق المدنيين العزل من أبناء الشعب الفلسطيني.. ألم تفعل فرنسا الاستعمارية نفس الشيء ألم ترتكب ابادة في حق أجدادنا وآبائنا بل إبادة تواصلت ليس فقط  خلال سنوات الثورة التحريرية بل على مر 130 عاما من احتلالها للجزائر.

والفارق أن فرنسا الاستعمارية اقترفت ما اقترفته من جرائم يندى لها جبين الإنسانية وعملت على طمسها بالرغم من أن ما تسرب منها وما ظهر للعيان كاف ليؤكد مدى وحشيتها التي لا تختلف كثيرا عن وحشية الكيان الصهيوني، الذي يعمل على ارتكاب مجاور وإبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني على مرأى العالم والمنظمات الدولية التي لم تحرك ساكنا. 

وباستثناء التطور التكنولوجي الحاصل اليوم والذي سمح للعالم بتتبع لحظة بلحظة العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فيمكن تسجيل أوجه شبه كثيرة بين عملية "طوفان الأقصى" وثورة التحرير أولاها أن كلاهما تفجرتا من رحم أحزان شعبين مضطهدين وتحت إشراف حركتي تحرر رفعتا راية الاستقلال والحرية عاليا.

كما أن كلا الحالتين سعى فيهما الاحتلال بكل ما يملك من وسائل إعلام ودعاية مغرضة الى تشويه صورة المقاومين والمجاهدين وتقديمهما للعالم على أنهما "مرتزقة" و"منظمات إرهابية" تبعث الرعب والخوف في قلوب الناس ويجب القضاء عليها بشتى الطرق حتى المحرمة والمحظورة منها.

فراحت فرنسا الاستعمارية تسمي المجاهدين الجزائريين بأنهم "فلاقة" متعطشين للدماء ويقطعون الرؤوس في رواية صدقها العالم الغربي لفترة، قبل ان يتم فضحها بتضحيات رجال ونساء الجزائر الذين قدموا النفس والنفيس من أجل أرضهم وتمكنوا بإرادتهم وعزيمتهم من إرغام فرنسا الاستعمارية من الجلوس إلى طاولة المفاوضات لتخسرها هي الأخرى وتضطر مرغمة لا مخيرة لرفع الراية البيضاء في الخامس من شهر جويلية سنة 1962 وهي تنسحب من ارض الجزائر وتجر ورائها أذيال الهزيمة النكراء.

ونرى المشهد اليوم يتكرر وإن كان ببعض الفوارق، والكيان الصهيوني يسعى جاهدا وعلى مدار عقود من الزمن من احتلاله البربري لأرض فلسطين لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتقديمها على أنها "إرهاب" وانه يدافع عن وجوده من بطش "منظمة" يوازيها مع "داعش" و"القاعدة" الإرهابيتين".

لكن جاءت عملية "طوفان الأقصى" بثمن الباهض الذي يدفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي لا يزال ينزف دما، لتزعزع صمت هذا العالم الذي يتفرج على ظلم واضطهاد واحتلال الكيان الصهيوني لأرض ليست ملكا له بقوة الحديد والنار أمام تواطؤ الغرب ودعما من الولايات المتحدة الأمريكية.