ترقية جهاز تشغيل الشباب وتحسين مناخ الأعمال

المقاولاتية من الطابع الاجتماعي إلى البراغماتي

المقاولاتية من الطابع الاجتماعي إلى البراغماتي
  • القراءات: 1143
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

عرفت سنة 2020 تحولا كبيرا في مجال تشغيل الشباب وترقية المقاولاتية، كقطاع يخدم النسيج الاقتصادي، ويوفر السلع والخدمات، ويستحدث مناصب عمل، وهي المقاربة التي جاء بها برنامج الحكومة المنبثق من التوجه السياسي للجزائر الجديدة؛ إذ تم تثمين دور المؤسسات المصغرة والمتوسطة التي تُعد رافدا قويا للاقتصاد الوطني، ومكملا للمؤسسات الكبرى، التي لم تجد مناخ الأعمال المناسب لإحداث تلك القفزة الإنتاجية، التي توفر الاكتفاء الذاتي المحلي، وتتجه نحو التصدير.

رغم تميز سنة 2020 بجائحة كورونا التي خلخلت جميع القطاعات، إلا أن الشباب استبشروا خيرا بالمقاربة الجديدة التي اتخذتها الدولة للتكفل بتشغيل هذه الفئة التي تمثل ثلاثة أرباع السكان، وذلك من خلال عدة مؤشرات، تصب كلها في عملية استغلال طاقات الشباب في البناء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، وكان خير مثال إعادة النظر في جهاز أونساج “الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب”، التي كانت ملحقة بوزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، التي لم تحقق النجاعة بالشكل المأمول. والدليل على ذلك، حسب تصريح مسؤولي الوكالة، أن 70 بالمائة من المؤسسات المصغرة تعثرت ومسها الإفلاس، وصارت مهددة بالتلاشي، وهي التي كانت تعوّل عليها الدولة في توفير الثروة وامتصاص البطالة.

وقد تَحول جهاز “أونساج”، وفق التوجه الجديد، إلى “الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية”، التي جاءت بتدابير جديدة واعدة، من شأنها إعادة بعث هذا القطاع الحيوي، واستدراك جملة النقائص المسجلة في الطبعة السابقة، ومن بينها رد الاعتبار للجهاز، من خلال إلحاقه بالوزارة المكلفة بالمؤسسات المصغرة المنتدبة لدى الوزارة الأولى، وهذا له دلالة كبيرة؛ لكون الوزارة الأولى هي التي ستأخذ، مستقبلا، زمام الأمور بشأن وكالة دعم وتنمية المقاولاتية، في التنسيق مع كل الوزارات لدعم هذا القطاع الهام، وتطبيق التعليمات التي من شأنها توفير مناخ العمل للمؤسسات المصغرة؛ كي تضع موطأ قدم في عالم الإنتاج والخدمات والقيمة المضافة.

ولم تكن النظرة الجديدة التي جاءت بها الدولة لإصلاح هذا القطاع الحيوي نابعة من فراغ، بل كانت مبنية على نقاط قوة لم تجد المناخ المناسب للبروز، ونقاط ضعف كانت نتيجة حتمية للنظرة السابقة لهذا الجهاز، الذي كان يفسَّر على أنه تشغيل للشباب وفقط. كما يظهر أن الحكومة لم تعمد إلى حل الجهاز القديم “أونساج”، بل قامت بتحيينه وتغيير تسميته وتوسيع امتيازاته، إلى جانب تذليل كل العقبات التي كانت تعترض المنتسبين إليه، واتجهت نحو ترشيد عملية تسيير هذا القطاع بطريقة براغماتية، وإخراجه من طابعه الاجتماعي التضامني، وهو ما تطلّب وضع ميكانزمات جديدة جاء بها المرسوم التنفيذي الجديد، الذي سيُتبع قريبا بصدور مراسيمه التطبيقية.

وستقوم الوكالة بتحديد الوضعيات المالية والإدارية للمؤسسات المتعثرة، وتصنيفها لتسهيل التكفل بها لاحقا بعد صدور النصوص التطبيقية؛ إذ أوضحت أنه وفقا لانشغالات المؤسسات المطروحة سيتم تصنيف المؤسسات إلى 4 فئات، منها، أولا، المؤسسات المتوقفة تماما عن النشاط بسبب وفاة أصحابها، وهي التي يتم تطهيرها، والمؤسسات التي لم يستطع أصحابها مواصلة النشاط لأسباب مالية أو إدارية وغيرها؛ حيث سيتم تحديد مواقع الخلل، واقتراح الحلول المناسبة لإعادة بعثها من جديد، إلى جانب مؤسسات أخرى لم تتوقف تماما لكنها مفلسة وعاجزة عن تسديد ديونها، حيث يتم إعادة جدولة ديونها بدون فوائد ومسح غرامات التأخير، وكذا دعمها بمشاريع من خلال التعاقد مع المؤسسات العمومية بضمان 20 بالمائة من صفقاتها العمومية لفائدة المؤسسات الصغيرة. أما المؤسسات التي لم تتوقف والتي تمثل 30 بالمائة من مجموع مؤسسات “أونساج” التي تحصلت على قروض ـ يقول محدثنا ـ فإنها ستحظى بنفس الدعم وامتيازات المرافقة والتشجيع، وضمان المشاريع الاستثمارية عن طريق ضمان حصتها من الصفقات العمومية، والحرص على التزام المؤسسات العمومية بتطبيق هذا الإجراء عن طريق آليات، ستدرس الجهات الوصية كيفية تطبيقها لتفادي تملّص المؤسسات العارضة للصفقات من هذا الالتزام. ومن بين النقاط الجديدة التي جاءت بها الصيغة الجديدة لهذه الوكالة، إعداد بطاقية وطنية للنشاطات التي يمكن استحداثها من طرف الشباب أصحاب المشاريع، وتحيينها دوريا بالاشتراك مع مختلف القطاعات المعنية، واستحداث مناطق نشاط مصغرة، تضم مقرات يتم تجهيزها واستئجارها لفائدة أصحاب المؤسسات الصغيرة.

للإشارة، فإن “أونساج” تحصي 380 ألف مؤسسة صغيرة استفادت من القروض، منها 30 بالمائة مؤسسات ناجحة؛ أي ما يعادل 114 ألف مؤسسة، فيما طال 70 بالمائة من المؤسسات، الإفلاس والتوقف عن النشاط لعدة أسباب موضوعية وذاتية، منها مركزية القرار، وغياب المرافقة الناجعة، وانعدام مناخ الأعمال الملائم والمريح؛ ما استدعى تدخّل الدولة في ظل المقاربة الجديدة الذي انبثقت عن التوجه السياسي للجزائر الجديدة، حيث تم بعث استراتيجية لتنظيم هذا الجهاز وتثمينه ومرافقته، لجعله لبنة لبناء اقتصاد وطني قوي.

ومن شأن الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية أن تستقطب عددا هائلا من الشباب خريجي الجامعات ومراكز التكوين المهني، لا سيما أمام وجود “دار المقاولاتية” كنتاج شراكة بين “أونساج” سابقا والجامعة. والهدف الأساس من إنشائها هو نشر الثقافة والفكر المقاولاتي في الوسط الجامعي، وتنمية روح المقاولاتية لدى الطلبة الجامعين، والعمل على بعث الأفكار الإبداعية في الوسط الطلابي، والخروج تدريجيا من طبيعة المشاريع الكلاسيكية، والتوسيع من دائرة المشاريع الابتكارية، التي من شأنها إعطاء دفع جديد للتنمية من جهة، ومنح الشريحة الطلابية فرصة إنشاء مؤسسات مصغرة ناجحة في ميادين مختلفة من جهة أخرى، ومن ثم اقـتحام المقاولاتية؛ باعتبارها نواة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.