إصلاحات جذرية في قطاع التربية

اللغة الإنجليزية والرقمنة في التدريس

اللغة الإنجليزية والرقمنة في التدريس
  • القراءات: 804
إيمان بلعمري إيمان بلعمري

تـرسيـم 62 ألف أستاذ متعاقـد

شعبة للفنون والآداب لتنمية مواهب التلاميذ

❊ دعـم المسـار المهني لعمال القـطاع

شهد قطاع التربية خلال السنة المنقضية، إصلاحات بيداغوجية ومهنية، وصفها مهنيو القطاع بـ "التاريخية"؛ كون القرارات المتخذة شكلت مطلب الشريك الاجتماعي طيلة سنوات، ومنها، خاصة، قرار رئيس الجمهورية ترسيم 62 ألف أستاذ متعاقد، مع ترقية أكثر من 60 ألف موظف، إلى جانب تعديل القانون الأساسي لعمال لقطاع، وكذا الإجراءات البيداغوجية المتخذة في إطار الإصلاحات التربوية لتسهيل التعليم، وأبرزها التوجه نحو المدرسة الرقمية لتخفيف وزن المحفظة.

في إطار ضمان الاستقرار في قطاع التربية والتعليم وتحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للمعلم، اتخذ رئيس الجمهورية قرار الترسيم الفوري والمباشر بدون قيد أو شرط، لـ 62 ألف أستاذ متعاقد، مع ضمان مناصب خريجي المدارس العليا للأستاذة؛ قرار لقي ترحيبا واسعا من قبل منتسبي القطاع؛ حيث وصفته معظم النقابات بـ الحكيم والشجاع، سيما أنه كان مطلبهم منذ سنوات، معتبرة أن الإدماج المباشر لأساتذة خدموا القطاع لأزيد من 10 سنوات في الأطوار التعليمية الثلاثة وفي أجل أقصاه نهاية فيفري القادم، سيضفي مزيدا من الشفافية على العملية، ويضمن كرامة ومكانة الأستاذ الاجتماعية، كما سيحقق استقرار المدرسة الجزائرية. وسبق قرار إدماج الأساتذة المتعاقدين، إدماجُ المستفيدين من جهازي المساعدة على الإدماج المهني، والإدماج الاجتماعي لحاملي الشهادات في القطاع؛ من خلال فتح 56209 منصب للترقية، منها 36 ألف منصب مخصصة لسلك التعليم.

الإفراج عن مشروع القانون الأساسي لعمال التربية

ومن بين أهم القرارات المتخذة على الصعيد المهني، الإفراج عن مسودة مشروع القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين لأسلاك قطاع التربية، الذي أمر رئيس الجمهورية بتعديله؛ حيث كشفت الوصاية عن المسودة شهر نوفمبر المنصرم، بعد لقاءات مراطونية بين اللجنة التقنية المكلفة بإعادة صياغة القانون، ونقابات القطاع. واستغرقت العملية 9 أشهر؛ بمعدل 33 جلسة. ومن أهم التعديلات المدرجة في القانون الأساسي، تمكين النظّار والأساتذة المكونين، من الترقية إلى رتبة مدير مؤسسة في أحد الأطوار التعليمية الثلاثة، بعد السماح لهم بالمشاركة في الامتحانات المهنية الداخلية التي تبرمجها وزارة التربية كل سنة، بالإضافة إلى استحداث رتبة ناظر بالطورين الابتدائي والمتوسط، بعد أن كانت مقتصرة، فقط، على التعليم الثانوي، إضافة إلى إعفاء أساتذة الطور الابتدائي من المهام غير البيداغوجية.

كما تم مراعاة مختلف الاختلالات التي رفعتها النقابات الناشطة في قطاع التربية، خاصة ما تعلق بمهام الأساتذة في الطور الابتدائي على اختلاف رتبهم، بمن في ذلك أستاذ المدرسة الابتدائية، وأستاذ رئيسي، وأستاذ مكون. والأمر نفسه بالنسبة للطورين المتوسط والثانوي، إلى جانب تحديد مهام مساعدي المدرسة الابتدائية بما يتماشى مع القانون رقم 12/226.  وتضمّن القانون تحديد مهام كل رتبة من الرتب التي يضمنها القطاع، والتي جاءت إضافة إلى شرط التوظيف؛ سواء عن طريق الامتحانات المهنية، أو عن طريق التأهيل، بما يتماشى مع المستجدات الحاصلة في القطاع.

نحو تعميم المدرسة الذكية

التحق خلال الدخول المدرسي 2022 ـ 2023، قرابة 11 مليون تلميذ، بمؤسساتهم التربوية على وقع المدرسة الرقمية؛ في سابقة أولى من نوعها في الجزائر.  ورغم أن العملية مست 1629 مؤسسة تربوية فقط، إلا أن العمل جار لتعميمها على باقي المؤسسات، وهي الخطوة التي لاقت استحسانا كبيرا من قبل الأساتذة والتلاميذ وأوليائهم، سيما أن المدرسة الجزائرية عانت خلال السنوات الماضية، من غياب الوسائل والتجهيزات الضرورية في التدريس.

ويُعد التدريس باللوحات الرقمية "الطابلات"، والكتاب الرقمي الذي استفاد منه قرابة 6 ملايين تلميذ في سنوات الثالثة والرابعة والخامسة ابتدائي، تحديا رفعته وزارة التربية ضمن إجراءات تخفيف وزن المحفظة، وذلك في إطار تعليمات رئيس الجمهورية، التي تهدف إلى تطوير المدرسة الجزائرية والتعليم، وتمكينه من الالتحاق بمصاف الدول المتقدمة. وتتمثل خصائص اللوحات الرقمية في حملها جميعَ كتب السنوات الثالثة والرابعة والخامسة ابتدائي؛ ما يسمح بتخفيف وزن المحفظة، إلى جانب تزويدها بنظام تأمين، يجعلها ذات استعمال خاص بكل تلميذ، وتبقى قابلة للتطوير في حال تطلَّب الأمر ذلك.

وبعد استشارة واسعة أطلقها رئيس الجمهورية بين الفاعلين في قطاع التربية، تَقرر تزويد المؤسسات الابتدائية بأدراج، خُصصت للاحتفاظ بالكتاب المزدوج، الذي يحمل وسم كتابي، وهي الكتب التي يحتفظ بها في المدرسة عوض إحضار التلاميذ كتبهم الخاصة يوميا؛ تجنبا للمشاكل الصحية التي يسببها ثقل المحفظة. وتم، بهذا الخصوص، طبع قرابة 25 مليون كتاب لفائدة ثلاثة ملايين تلميذ في الطور الابتدائي. وعلى غير العادة، جرت عملية توزيع 70 مليون كتاب مدرسي على 11 مليون تلميذ في الأطوار التعليمية الثلاثة، بما فيها كتاب اللغة الإنجليزية الجديد، في ظروف عادية؛ حيث تم توفيرها بجميع المؤسسات التربوية مع بداية الدخول المدرسي. وتَطلّب إنجاح العملية البيعَ على مستوى المؤسسات التربوية، مع تخصيص 1400 مكتبة لنفس لغرض. كما تم استغلال دواوين المطبوعات على مستوى 21ولاية.

إدراج الإنجليزية.. نقلةٌ نوعية 

بعد دراسة عميقة من الخبراء والمختصين، أعطى رئيس الجمهورية الضوء الأخضر لتدريس اللغة الإنجليزية في مرحلة التعليم الابتدائي بداية من السنة الثالثة ابتدائي. ومست العملية كل المدارس الابتدائية عبر كامل التراب الوطني، بنسبة تغطية كاملة من حيث الكتاب المدرسي أو التأطير البيداغوجي؛ حيث دُعم القطاع بتوفير 5357 منصب مالي، وتوظيف أساتذة عن طريق التعاقد بحجم هذه المناصب، لتأطير هذه المادة، التي لقي إدراجها، للمرة الأولى في الطور الابتدائي، ترحيبا واسعا. وعُدّت الخطوة نقلة نوعية نظرا لأهمية هذه اللغة على المستوى العالمي.

ولإنجاح هذه الخطوة التي تدخل في إطار إصلاح المنظومة التربوية، اتخذت الوزارة كل الترتيبات اللازمة؛ على غرار استفادة الأساتذة الذين تم انتقاؤهم لتدريس هذه اللغة، من دورات تكوينية أطّرها مفتشون في اللغة الإنجليزية، ارتكزت على استيعاب المنهاج، والتحكم في العملية التعليمية، إضافة إلى  ضمان الكتاب المدرسي، الذي تم اعتماده من قبل المعهد الوطني للبحث في التربية.

استحداث شعبة للفنون والآداب في الثانوي

شهد الدخول المدرسي الفارط، تنصيب شعبة الفنون في مرحلة التعليم الثانوي العام والتكنولوجي، ابتداء من السنة الدراسية 2022 ـ 2023. ويرمي استحداث هذه الشعبة إلى تنمية مواهب التلاميذ الفنية، وتطويرها، وإكسابهم ثقافة، تمكنهم من فهم الأبعاد الثقافية، والتاريخية والجمالية للإبداعات الفنية، مع ترقية البعد الفني، وإعطائه مكانة في النظام التربوي الجزائري. وتضمّن قرار الاستحداث الإجراءات التنظيمية لهذه الشعبة، التي تُفتح بداية من السنة الثانية من التعليم الثانوي العام. وتتكون من جذع مشترك آداب، وجذع مشترك علوم وتكنولوجيا، على أن تستغرق مدة الدراسة فيها، سنتين، وتميزها أربعة خيارات؛ هي الموسيقى، والفنون التشكيلية، والمسرح، والسمعي البصري.

ويدرس التلميذ الموجَّه إلى هذه الشعبة، مواد تعليمية مميزة في المجال الفني، ترفَق كل واحدة منها بمعامل، وحجم ساعي، يجسدان تميُّزها، إلى جانب مواد تعليمية مشتركة مع شعب السنة الثانية ثانوي، ليتوَّج هذا المسار الدراسي بشهادة بكالوريا التعليم الثانوي، في أحد الخيارات الأربعة. ولاقت هذه الشعبة السابعة ضمن خيارات السنة الثانية من التعليم الثانوي، إقبالا كبيرا من طرف التلاميذ؛ نظرا لتوفر كل الإمكانيات اللازمة بالثانوية الوطنية للفنون على معاشي، التي تعمل بالنظام الداخلي.

اهتمام بالغ بذوي الاحتياجات الخاصة

لم تغفل وزارة التربية العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتم التكفل البيداغوجي بهم في وزارة التربية؛ سواء عن طريق الإدماج الكلي في الأقسام العادية، أو الجزئي في الأقسام الخاصة، بتأطير من وزارة التضامن الوطني، مع توفير الكتب المدرسية بتقنية البراي لتلاميذ ذوي التحديات البصرية، ومنها الكتب العلمية في مرحلة التعليم الثانوي. وتُعد الجزائر البلد الوحيد على المستوى الإفريقي والعربي، في إنتاجها هذه الوسيلة الموجهة لفئة المكفوفين؛ تأكيدا على التزام الدولة إزاء هذه الشريحة الحساسة.

 


 

نفَـسٌ جديـد للجامعة.. مدارس عليا والتأسيس لشهادة مؤسسة ناشئة

من جهته، عرف قطاع التعليم العالي حركة غير مسبوقة؛ من خلال إدراج إصلاحات جوهرية، تجسدت ملامحها في الميدان طيلة السنة الجامعية 2022 ـ 2023، وتمثلت في إنشاء مدارس عليا للطلبة المتفوقين في البكالوريا؛ إذ تم استحداث مدرستين للرياضيات والذكاء الاصطناعي، ومدرستين للفلاحة الصحراوية بولايتي أدرار والوادي؛ بهدف ترقية الفلاحة، وإيجاد حلول علمية لمختلف التحديات المتعلقة بالزراعة الصحراوية؛ من خلال تثمين الابتكارات، التي تهدف إلى ضمان الأمن الغذائي، الذي يمثل أحد الأهداف الاستراتيجية للبلاد. ولم يغفل قطاع التعليم العالي عن أصحاب التحديات البصرية؛ حيث دُشنت، شهر أكتوبر المنصرم، المدرسة العليا للصم والبكم، لتكوين أساتذة يتكفلون بالتلاميذ الصم والبكم في الطور الثانوي.

ولتكوين إطارات طبية، قادرة على التجاوب السريع والفعال مع التهديدات الصحية المحتمَلة، أطلقت الوزارة الوصية، مبادرة بدراسة مشروع مدرسة عليا لطب الغد. ولاستعادة الجامعة مكانتها الرائدة للمشاركة في صناعة القرار الاقتصادي، ركزت السلطات العليا في البلاد، على إرساء نظام قائم على الابتكار والبحث، يحفّز مختلف الفاعلين بالأسرة الجامعية، على تحويل أفكارهم المبتكرة إلى مشاريع اقتصادية ناشئة، منتجة للثروة، وخلاّقة لمناصب العمل؛ من خلال تحديد آليات إعداد مذكرة تخرج قابلة للتحويل إلى مؤسسة ناشئة، وهو المشروع الذي بدأت ملامحه تبرز في الميدان مع بداية السنة الجامعية الجارية، حيث تم التأسيس لشهادة جامعية مؤسسة ناشئة، سيتمكن، بموجبها، الطلبة في نهاية التخرج، من تحويل مذكراتهم إلى مؤسسات ناشئة؛ من خلال الحصول على دعم من صندوق دعم المؤسسات الناشئة، الذي أنشأه رئيس الجمهورية في إطار الاستراتيجية الرامية إلى تشجيع المقاولاتية، وخلق فرص عمل للانتقال بالاقتصاد الوطني؛ من نظام ريعي يعتمد على مداخيل المحروقات، إلى اقتصاد المعرفة، تكون فيه المؤسسات الناشئة القاطرة التي تقود هذا الانتقال، والذي، بدوره، لا يتحقق إلا من خلال رقمنة القطاع؛ حيث تم، في نفس السياق، إطلاق مخطط يضم 7 محاور استراتيجية، و16 هدفا، و85 مشروعا، على أن يتم تحقيقه شهر ديسمبر 2024، كأقصى تقدير. الإصلاحات التي أطلقتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لم تقتصر، فقط، على الجانب البيداغوجي، بل مست، كذلك، جانب الخدمات الجامعية؛ من خلال وضع خارطة طريق استعجالية، مست سبعة محاور رئيسة، متعلقة بالوقاية، والأمن، والإطعام، والإيواء، والنظافة، والتدفئة والنقل.