أجواء تعكس مدى ارتباط الجزائريين بموروثهم الثقافي

القسنطينيون يحيون المناسبة بنشاطات رسمية وأخرى شعبية

القسنطينيون يحيون المناسبة بنشاطات رسمية وأخرى شعبية
  • القراءات: 675
  زبير. ز زبير. ز

تحتفي العائلات القسنطينية، على غرار مختلف العائلات عبر القطر الجزائري، بمناسبة رأس السنة الأمازيغية، المصادف لـ12 جانفي من كل سنة، والذي بات تاريخا أرادت ترسيخه قيادة البلاد، يدخل ضمن الحفاظ على التراث الثقافي الجزائري، المادي والمعنوي، ويعكس امتداد جذور وحضارة هذا الشعب في أعماق التاريخ، ضمن الحضارات التي سيطرت في وقت ما على هذا العالم، عكس ما تحاول بعض الجهات طمسه. 

احتفالات رأس العام الأمازيغي، أو ما يعرف بدخول شهر يناير، في عاصمة الشرق، التي كانت في وقت معين عاصمة للدولة النوميدية، حكمت شمال إفريقيا، تتنوع بين النشاطات الشعبية التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد والنشاطات الرسمية، حيث تحافظ العديد من العائلات القسنطينية على الاحتفال برأس السنة الأمازيغي، من خلال مظاهر تشبه مظاهر الأعراس، خاصة في تنظيم وليمة الاحتفال برأس السنة، والتي تتنوع من سنة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى.

حيث تفضل بعض العائلات إعداد طبق "الشخشوخة" المعروف في أعراس القسنطينيين، ويتم تزينه بلحم الدجاج ولحم العجل، في حين تفضل عائلات أخرى إعداد طبق "الشواط"، وهو من نفس النوع، من أطباق العجائن، التي يتم إعدادها خلال الاحتفالات والمناسبات، وهو نوع من "التريد" الذي تتفنن ربات البيوت في طهيه، ويزيد من لذته اللحوم البيضاء والحمراء، التي تتربع كالملك فوق الطبق، مع إضافة الفلفل الحار والحمص، وتفضل عائلات أخرى تحضير طبق الكسكسي، أو كما يعرف عند أهل المنطقة بـ"البربوشة"، وهو طبق بات منتشرا في كامل ربوع الوطن.

وكان في وقت معين، يقوم رب العائلة بذبح ديك مربى على الطرقة التقليدية، أو ما يعرف بـ"سردوك عرب"، احتفالات بالمناسبة، قصد تحضير طبق عشاء المناسبة، كما تقوم بعض العائلات بإعداد طبق "القرصة" أو ما يعرف بـ"الغرايف" عند عدد كبير من الجزائريين، ولا تتوان العديد من العائلات في إعداد أطباق الحلوى بهذه المناسبة، على غرار "الطيمنة"، وهو طبق يحضر انطلاقا من مادة السميد أو الدقيق المحمص، تضاف إليها عجينة التمر أو ما يعرف بـ"الغرس"، حتى تكون جاهزة للأكل بطعمها الحلو، وتقوم عائلات أخرى بإعداد طبق "البسيسة"، التي تُحضر غالبا في مناسبة ازديان المولود، وهو أيضا طبق حلو المذاق، يحضر انطلقا من طحين عدد من الحبوب، على غرار القمح، الشعير، الحمص، الخروب، يضاف لها العسل والزبدة.      

التقويم الأمازيغي بين الرواية والتاريخ

يعود في كل مناسبة، النقاش حول قضية التقويم الأمازيغي الناتج عن التقويم في شمال إفريقيا، ويعرف أيضًا بالتقويم الفلاحي أو الريفي، أو حتى التقويم العجمي غير العربي، وقد تم ابتكاره من أجل تنظيم الأعمال الزراعية الموسمية، بدلاً من التقويم القمري الذي يعتمد على القمر، مما يجعله غير صالح لأمور الزراعة، ويعتبر هذا التقويم من بقايا التواجد الروماني في موريتانية الكبرى قديما، فهو من أحد الأشكال المتبقية للتقويم اليولياني الروماني الذي استعمل في أوروبا قبل إدخال التقويم الغريغوري، الذي ما يزال قيد الاستعمال لدى الكنائس الشرقية.

يرجع بعض المهتمين بالتاريخ، على غرار الدكتور الباحث بالمركز الوطني للبحوث في عصر ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، حسين طاوطاو، تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، إلى دخول الليبيين الأمازيغ، وعلى رأسهم الملك شيشناق إلى مصر، وتأسيس بها الأسرة الحاكمة 22، وتركوا من تقاليدهم، الاحتفال بالسنة الأمازيغية أو الفلاحية كما تسمى في شمال إفريقيا، حيث يحتفل السكان بهذه السنة الجديدة تحت مسميات كثيرة، منها "يناير، حاكوزة، إيض سكاس، تابورن نناير"، حيث تقام فيها بعض الطقوس المرتبطة بالفلاحة والزراعة، كتعبير عن ارتباط الإنسان الأمازيغي بالأرض، كرمز للأمومة والعطاء، ويتم الاحتفال بهذا الحدث في ليلة الثاني عشر من يناير، حسب التقويم الغريغوري، إذ أن الفاتح يناير من السنة الأمازيغية يوافق اليوم الثالث عشر من التقويم الروماني.

ويرى الباحث المصري، ناصر إسماعيل محمد، المتخصص في علم الأثار والحضارات القديمة، في دردشة سابقة مع "المساء"، أن يناير يرتبط بالتقويم الأمازيغي، وهو مسجل على معبد الكرنك بمصر، لأنه يرتبط بالملك شيشناق الأول الذي حكم مصر ما بين 925 و955 ق.م، وهو ملك فرعوني من أصل أمازيغي، استطاع أن يقوم بما يشبه المصالحة الوطنية بين كهنة آمون وراع، وتمكن الفرعون من تطوير الأمازيغية، بعد أن بات المصريون في وقته يحتفلون بها منذ العام الخامس من توليه الحكم، خاصة أنه عمل على توحيد القبائل الأمازيغية التي حكمت في ما بعد مصر، معتبرا أن الاحتفالات بالسنة الأمازيغية لم تقترن قط بانتصار الملك شيشناق على الفراعنة، باعتبار أن التأريخ لموسم الحصاد بدأ بعد حكم شيشناق لمصر بسنوات عديدة.

نشطات ثقافية وفكرية للتعريف بالمورث الأمازيغي

بمناسبة إحياء السنة الأمازيغية الجديدة يناير 2974، برمج المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية "قصر أحمد باي"، بالتنسيق مع الجمعية المهنية للتجار والصناعيين الصغار والحرفيين الجزائريين، اللجنة الوطنية للحرف والسياحة والصناعة التقليدية، معارضا تقليدية تبرز خصوصيات يناير، في الفترة الممتدة بين 13 و15 جانفي الجاري بمقر القصر، تتضمن ورشات حية ومعارض ثرية لمختلف الحرف والتقاليد الجزائرية.

من جهته، سطر المتحف العمومي الوطني "سيرتا"، برنامجا خاصا بالتظاهرة، شمل تقديم محاضرة هذا الخميس، تحت عنوان "التصاميم الزخرفية على الصناعات التطبيقية المحفوظة"، من تنشيط الأستاذة مكاس مليكة، أستاذة محاضرة بجامعة قسنطينة "2" (عبد الحميد مهري)، وبذات المناسبة، يُنظم الديوان الوطني للثقافة والإعلام بقاعة العروض الكبرى "أحمد باي" (الزنيت) معرضا للصناعة التقليدية والحرفيين، عشية يوم الجمعة، وعلى نفس المنوال سار قصر الثقافة "محمد العيد آل خلفية"، الذي يحتضن معرضا للحرف التقليدية والابداعات التراثية، تحت شعار "يناير... هوية وتراث"، يمتد من 12 جانفي إلى غاية 29 من نفس الشهر.

أما المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية "مصطفى نطور"، فقد سطرت بالمناسبة، برنامجا متنوعا، انطلق نهار يوم الأربعاء، ويدوم إلى غاية يوم السبت المقبل، ضمن نشاط منتدى الكتاب في عدده الثامن، بغرض التعريف بالأدب والكتاب الأمازيغي، يتضمن قراءات شعرية للشاعر سي محند أومحند، تقدمها الفنانة فروجة أورحمان، معرض الكتاب الأمازيغي، معرض للتحف الفنية الأمازيغية، ورشات فنية للأطفال، جلسة مع الحكواتي خاصة بالتراث الأمازيغي ومعرض للفنون التشكيلية للفنانة وئام مختاري.