"يناير رمز وتاريخ ألف سنة"

الغوص في عمق أصالة الجزائر

الغوص في عمق أصالة الجزائر
  • القراءات: 1048
❊س.ز/❊❊س. زميحي ❊س.ز/❊❊س. زميحي

أجمع المشاركون في أشغال الملتقى الوطني حول "يناير رمز وتاريخ ألف سنة" المبرمج في إطار الاحتفال برأس السنة الأمازيغية 2968 واحتضنته دار الثقافة "مولود معمري" بتيزي وزو مؤخرا، أجمعوا على أن النظر في تاريخ يناير يقودنا إلى عمق عظمة تاريخ الجزائر والذاكرة الشعبية، ما يزيد شجاعة الانتماء إلى دولة لها تاريخ عظيم، مؤكدين أن التمسّك بيناير والاحتفال به هو تمسّك بحضارة وثقافة وهوية، وأن الاعتراف الرسمي به هو لحظة تقوية للعلاقات الاجتماعية وبناء السلم، ذات أهمية قصوى في أساس الأمة.

❊❊س. زميحي

الدكتور سليمان حاشيالاعتراف بينّاير.. لحظة مهمة في أساس الأمة

أكد مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ وعلم الإنسان الدكتور سليمان حاشي، أن تمسّك الجزائري بيناير والاحتفال به، هو تمسّك بحضارته وثقافته وهويته، وأن الاعتراف الرسمي به كعيد وطني هو لحظة رسمية ذات أهمية قصوى في أساس الأمة، مضيفا أن الاحتفالات بهذا التاريخ هذه السنة "استثنائية" بفضل قرار رئيس الجمهورية الاعتراف بهذا الاحتفال وإعطاءه طابعا وطنيا ورسميا، ليندرج بذلك ضمن التقويم الوطني لنشاطات بنفس مستوى أعياد واحتفالات أخرى كالمولد النبوي، 5 جويلية، أول نوفمبر وغيرها.

وأضاف حاشي أن الاحتفال بيناير هو لحظة استثنائية ومؤسّسة وكذا احتفالية مليئة بالحماس، حيث إنّ هذا الاعتراف يخلق توافقا أكثر بين الدولة والأمة، على اعتبار أنّ الأمم هي إرادة معبّر عنها بحرية للعيش والبناء معا، وموضحا أنه عندما تعبر هذه الإرادة يكون هناك اعتراف دائم ومتبادل من قبل بعضهم البعض، وأن اعتراف الدولة بأمة توجد داخلها فهذه هي"السعادة" و«السلم الاجتماعي"، وهما عنصران يتوافقان مع لحظة الاحتفال والحديث عن المعنى المشترك ليناير.

وذكر حاشي في مداخلته في أشغال ملتقى حول "يناير رمز، تاريخ ألف سنة"، أنّ هذا "الاعتراف هو المؤسس المقبض والمقوي للعلاقات الاجتماعية ورفع التعبير والعيش معا في بناء السلم"، موضحا أنّ هذا الاعتراف يتوافق مع طلب اجتماعي معبّر عنه منذ سنوات، حيث يعبّر الأشخاص عن رغبتهم في الاعتراف بهذه اللحظة التاريخية الهامة، المؤسسة والهوياتية، ومشيرا إلى أن تسيير الوقت الكوني هو جزء من العناصر التي تحدّد الشعوب والأمم.

وذكر الدكتور أنّ شعوب الفرس تحتفل كلّ سنة بعيد "النيروز" الذي تشترك فيه العديد من الأمم، وهو لحظة هامة يحتفلون بها كبداية السنة في 21 مارس، مشيرا إلى أن الوقت ليس كيانا بريا أو غير معروف أو معروفا قليلا، إنما متحكم فيه على اعتبار أنّ الشعوب تُعرف وفقا لداورت هذا الوقت، ما يجعل وقت الزرع والحصد معروفا أيضا وكذا وقت الحرث، والذي يتوافق مع مجتمعات المغرب العربي التي لها عادات ولها تقويم شمسي، إذ نفس الأوقات تتكرر خلال نفس الفترة من السنة، ما جعل يناير 12 جانفي في مجتمعات شمال إفريقيا والمغرب العربي ومن مصر إلى غاية المحيط الأطلسي ومن البحر الأبيض المتوسط إلى التشاد، يتوافق مع تاريخ بداية السنة.

وأشار في سياق متصل إلى أن هذه المجتمعات زراعية منذ العصر الحجري الحديث، ومنذ آلاف السنين كان لها عادات زراعية، مضيفا أنه استنادا إلى التاريخ قبل التقويم الروماني، كان هناك من المجتمعات التي تنتج الحبوب، كما أكدت عملية البحث عن الآثار العثور على حبة قمح تعود إلى 5 آلاف سنة، ما يؤكد أن سكان إفريقيا الشمالية يمارسون نشاط زراعة الحبوب إلى درجة أن هذه الشعوب يمكن تحديدها، كما حدّدها ابن خلدون "أكَلة الكسكس"، بمعنى يستهلكون الحبوب، حيث قال: "إنّ هناك مجتمعات اقتصادها يدور على الأرز، وأخرى على الذرى، ونحن يدور على القمح"؛ أي اقتصاد الحبوب وهذا منذ زمن بعيد، مؤكدا أن قاموس المجتمعات مشترك في ممارسة الزراعة، فالتوارق، مثلا، لا يزرعون القمح لكن لديهم في قاموسهم اللغوي كلمة حبوب، وسكان القبائل لا ينتجون التمور لكن لديهم في قاموسهم اللغوي اسم نخلة، ما يدل على أن ليناير عمقا اقتصاديا ووسم الوقت ومعرفة بهذا الوقت والسيطرة عليه.

واعتبر حاشي أنّ هذه المجتمعات تتحكّم  في النظام المعرفي حول كيفية تسيير الوقت، وهذا قبل بداية تقويم الروم وقبل ماسينيسا، مؤكدا أنه رُتب على نطاق أوسع ما ورثه عن زراعة الحبوب. وامتداد مملكة ماسينيسا كان بالتركيز على مبدأي لا مركزية الإدارة وزراعة الحبوب، مضيفا أن الحبوب كالشعير، الأرز والذرى، تعتبر مؤسسة الثقافة والحضارات، ما يجعل التمسك بيناير والاحتفال به هو تمسك بحضارته وثقافته وهويته.

س.ز

إبراهيم تازغرت (أستاذ بجامعة بجاية):مجبَرون على إعادة التفكير في تاريخنا

أوضح إبراهيم تازرغت، أستاذ بجامعة بجاية، أنه بعد إصدار رئيس الجمهورية قرار ترسيم يناير عيدا وطنيا، يأتي الدور على المناضلين والمثقفين والجامعيين لإعادة التفكير حول تاريخ الأمازيغ، مشيرا إلى أنّ الأمازيغ لا يعرفون كيف ينظر إليهم اليهود، الأتراك، الصينيون وغيرهم ولماذا هذه النظرة؟، متأسفا لعدم وجود طبقة المثقفين التي تنتج في المعرفة، تصف وترتب التاريخ في كل لحظة، عوض خلط أفكار خرجت من مخابر الشرق أو الغرب، ما يؤكد، حسبه، ضرورة إعادة الإنتاج على اعتبار أن يناير يجمعنا كما أن العنصر الامازيغي احتفظ بلغته.

وأضاف تازغرت أنّ الحديث عن يناير يقودنا إلى الحديث عن كبار المثقفين والمناضلين من أجل الهوية والقضية الأمازيغية مولود معمري، بسعود محند أعراب وأعمر ميقادي الذي ربط بين يناير وشيشناق وغيرهم، مشيرا إلى أن ششناق لا نجده في أي جهة، لأنّ التاريخ كتبه المستعمرون، مضيفا أن الأمازيغ دخلوا في حروب وفقدوا الكثير منها؛ لأن امتداد إقليم "تمازغا" من سيوة بمصر إلى جزر الكناري، لا يسمح بدولة قوية.

وركز تازغرت على جذور الأمازيغ في الأدب الإغريقي وفي الأدب الإسلامي وغيرهما، حيث تناول الجانب الذي ذكر فيه الأمازيغ، مستدلا بحديث ابن الكثير نقلا عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أنه من أولاد أبناء نوح عليه السلام، يوجد  سام الذي أنجب العربي، الفارسي والروم، وابنه يافت أنجب الترك الصقالبة وياجوج وماجوج، وولده حام أنجب القرط والسوداني والبربر، موضحا أنه لا يجب أن تكون لدينا نظرة اليوم، لأنه في ذلك الوقت هو امتداد إفريقيا الشمالية. والحديث عن الأدب الامازيغي يقودنا إلى الحديث عن محمد شفيق، الذي ساهم في مسح الغبار عن دور الأمازيغ في تاريخ المغرب، ولعمله الجبار في الكشف عن خبايا اللغة الأمازيغية، مضيفا أن الاحتفال بيناير اليوم يمتد من سيوة إلى جزر الكناري، وششناق الذي أصبح فرعونيا ليس لأنه انتصر على رامسيس، كما هو متداول فحسب، لكن لأنّ جده استقر بمدينة مصرية كبيرة، وأبوه أصبح كاهنا كبيرا ورئيس حرس المدينة، ما منحه القوة والتحكم في الجيش المصري، وفي ذلك الوقت كان الجيش ضعيفا ومهددا من اليهود، وهي الوضعية التي سمحت لششناق بفرض نفسه والدفاع عن الشعب ضد الضرائب المفروضة عليه، ومن هذا قال أعمر ميقادي "يبدأ التقويم الأءمازيغي"، موضحا أنه ليس الرسول محمد من قرر وضع التاريخ الهجري ولا سيدنا عيسى من قرر بخصوص تاريخ الميلاد، لذلك نحن أيضا لدينا الحق في تقرير بداية التقويم، قائلا: "ششناق ذُكر بكل من بالتوراة والإنجيل والقران الكريم، لكن الجميع اتفق على عدم إعطائه المكانة"، حيث في التوراة ذكر أنه لما تثبتت وتشددت مملكة رحبوعام ابن سيدنا سليمان الذي كانت له علاقة ودية مع ششناق وكانا في علاقة منافسة جيو سياسية، منح ششناق لسيدنا سليمان حق اللجوء إلى مصر، ما يؤكد أن ششناق ليس فقط  قائدا عسكريا لكن استراتيجي كبير في العلاقات الدولية، وبعد 5 سنوات من حكم  رحبوعام تُوّج ششناق ملكا لمصر، كما ذكر في القرآن الكريم في سورة الإسراء، أن ششناق دخل القدس 950 سنة قبل ميلاد سيدنا عيسى قبل ملك بابل، لقوله تعالى: "ولتعلنّ علوا كبيرا"، وهنا يقول تازغرت: "نتساءل في أي لحظة كان اليهود أقوياء؟! واللحظة التاريخية عندما دخل ششناق القدس؛ لأن قوم اليهود خرجوا عن الطريق، والله عاقبهم بششناق الذي كان يُعتبر أداة الله، في حين أن ملك بابل دخل؛ لأن ملك القدس رفض إعطاءه الضرائب؛ ليس هناك أي علاقة بينهما من هذه النظرة".

ودعا الجامعي إلى ضرورة العمل والتعمق أكثر في هذا البحث؛ بأخذ بعين الاعتبار ذكر ششناق في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، للخروج من تاريخ الأكثر قوة، وإعادة إظهار تاريخ الصالحين، وأن تكون هناك نظرة أخرى حول الأمازيغ، كشعب كبير شارك في الحضارة العالمية، وأن تقنيات الحرب أصلها أمازيغي، لكن هذا الشعب وُضع في هامش التاريخ.

س. ز

حميد بيلاك (إطار بالمحافظة السامية للأمازيغية):لا بدّ من نزع الجانب السلبي الخاطئ

اعتبر حميد بيلاك إطار بالمحافظة السامية للامازيغية، أن من الصعب اكتشاف والكشف عن تاريخنا لمعرفتنا أنه لا يمكن إعادة التاريخ، فلقد مر بشقيه السلبي والإيجابي، لكن يمكن إعادة كتابة التاريخ بالعودة إلى الكتب التي تناولت حياة وتاريخ الأمازيغ، ومحاولة الكشف عن الجانب الحقيقي من أجل تغيير الكتابة لإظهار الحقيقة من جهة، ونزع الجانب السلبي الخاطئ.

وقال بيلاك إن ما وصلنا اليوم تناقلته الألسنة عبر الأزمنة، ليس لدينا "ترجمة هيكلية"، لكن هناك ترجمة شفوية، عبر الشعر والغناء اللذين عوّضا الكتاب الذي حرمنا منه التاريخ، موضحا أن بالدراسة والبحث في العلاقة التي تجمع الشعر والمجتمع ما بين القرن 17 والقرن 19، يمكن الوصول إلى تاريخ، من خلال البحث في أشعار يوسف أوقاسي، سي موح أومحند، شيخ محند الحسين، وغيرهم لفهم كيف بدأت حياة الأمازيغ بشكل عام. وأضاف أن قيمة يناير من قيمة اللغة الأمازيغية، مشيرا إلى أن ترسيم هذا التاريخ كعيد وطني رسمي، هو تحقيق لحلم طال أمد انتظاره، والذي يقودنا اليوم إلى تذكر كل من مات وسُجن وناضل من أجل الأمازيغية كلغة وهوية وثقافة، إلى حين أن أصبح يناير عيدا وطنيا رسميا، مشيرا إلى أنّ الاحتفال بيناير هو العرس الذي يشترك فيه الشعب الجزائري عدا الأعياد الدينية، حيث في الماضي كان الاحتفال بهذا الحدث من خلال إعداد طبق الكسكسي بالدجاج، مجرد عادة ليس له إسهامه الاجتماعي بدون معرفة ما قيمة هذا التاريخ وهذا الاحتفال، لكن، يضيف، بفضل جهود المناضلين ووجود الوعي تبين قيمة هذا الحدث، الذي أظهر أن يناير هو الذي يربطنا بتاريخنا، هويتنا وحياتنا، وأنه اليوم يجب أن نكون ضمن الذين يرون الجزء المملوء من الكأس وليس الفارغ منه.

وذكر بيلاك أنّ التاريخ كتبه المستعمرون الذين دخلوا أرض الجزائر، مثلا الاستعمار الفرنسي الذي كان عسكريوه هم الذين كتبوا التاريخ، وفقا لما يناسبهم وكما يريدون، مما صعّب اكتشاف والكشف عن تاريخنا رغم معرفتنا أنه لا يمكن إعادة التاريخ، فلقد مر بشقيه السلبي والإيجابي، لكن، يوضّح، يمكن إعادة كتابة التاريخ بالعودة إلى الكتب التي تناولت حياة وتاريخ الأمازيغ، ومحاولة الكشف عن الجانب الحقيقي من أجل تغيير الكتابة؛ لإظهار الحقيقة ونزع الجانب السلبي المزيف والخاطئ.

وأشار بيلاك إلى أنّ الحديث عن المناضلين من أجل الثقافة والهوية الأمازيغية يقودنا إلى الحديث عن الأكاديمية البربرية، التي خُلقت بفرنسا 1966، ويعود الفضل في ذلك لأعمر ميقادي الذي وضع أول تقويم في الثمانينات، مضيفا أن المنخرطين ضمن الأكاديمية بفرنسا، هم من عملوا من أجل أن تكون البداية من 950 قبل الميلاد، حيث إن الشعوب في العام لديها تاريخ خاص بها وبداية تقويهم، ولكل شعب الحق في اختيار بداية تقويمه. واختارت الأكاديمية أحد قادة الأمازيغ الذي تربى بمصر، وأصبح قائدا عظيما، أنشأ العائلة الفرعونية 22، ليقع عليه الاختيار لبداية التقويم الأمازيغي "كرمز"، لأنّ الشعوب تختار رمز العظمة والقوة الذي هو ششناق بالنسبة للأمازيغ.

وأضاف أن هذا الاختيار زاد من شأن الشعب الجزائري، حيث إن النظر في تاريخ الاحتفال بيناير يعود بنا إلى كبار القادة العسكريين، الذين صنعوا أسماء لهم في التاريخ، ما من شأنه تقوية هذا الانتماء إلى شعب وتاريخ، يزيد من الشجاعة عندما يدرك الجزائري أنه ينتمي إلى دولة لها تاريخ عظيم حتى وإن كان هذا التقويم لم يذهب بعيدا في عمق التاريخ، علما أن علاقة الأمازيغ بالفراعنة تعود على الأقل، إلى السلالة الفرعونية الأولى؛ 3300 قبل ميلاد سيدنا عيسى، حيث نجد آثار هذه العلاقة بمصر، واستقرار الأمازيغ بحواف نهر النيل، خاصة في فترة ميلاد رامسيس 2 ورامسيس 3، لتمارَس الزراعة بالقرب من نهر النيل، مضيفا أن التقويم الأمازيغي "الشمسي" يعرفه بقوة الفلاحون؛ لأنه مرتبط بالفلاحة والزراعة، حيث قسمه رشيد أولبصير إلى 45 فترة ومهما اختلفت الاحتفالات بهذا التاريخ، لكن فال يناير نفسه بكل التراب الجزائري فال خير وصحة وأمل؛ من أجل أن تكون السنة الجديدة سنة خير ووفرة وهناء.