انتشار غير مسبوق للقصدير في غياب الرقابة

الطمع والاحتيال يستبيحان العقار العمومي)2(

الطمع والاحتيال يستبيحان العقار العمومي)2(
  • القراءات: 2893
❊ ع. د/المراسلون ❊ ع. د/المراسلون

استغل الكثير من المتحايلين خلال الأشهر الأخيرة، الظرف الذي تمر به البلاد، لإنجاز بيوت قصديرية على حساب أراض زراعية ومساحات غابية، ومواقع كانت تضم هذا النوع من السكن، إثر إعادة إسكان أصحابها في سكنات جديدة، في إطار برنامج القضاء على السكن الهش.

للوقوف على ظاهرة القصدير والسكن الفوضوي التي عادت بقوة، أكدت تقارير أعدها صحفيو المساء، أن مافيا العقار عاثت فسادا، من خلال استباحة مساحات استرجعتها الدولة لإنجاز مشاريع ذات منفعة عامة، فيما باءت محاولات بعض الجماعات المحلية بالفشل في صد زحف القصدير على أراضيها، رغم برامج الترحيل التي تقابلها آلاف طلبات السكن التي لم تُلبَّ بعد، وبين هذا وذاك، تؤكد التقارير الرسمية أن الحرب على القصدير مستمرة، غير أن الواقع يشير إلى انتشار غير مسبوق للظاهرة.. فأين يكمن الخلل؟

انتشار غير مسبوق للبناء الفوضوي ... عقارات الدولة تستباح بوهران

يعد ملف البنايات الفوضوية في ولاية وهران، من أقدم وأعقد الملفات التي لا تزال مطروحة بقوة، رغم حملات الهدم وعمليات الترحيل المتتالية لسكان الأحياء الفوضوية الكثيرة بالولاية، خلال السنوات العشر الأخيرة، ومع ذلك لم يتم القضاء نهائيا على الظاهرة، مقابل عودة قوية لإنجاز البنايات والمساكن الفوضوية بكل بلديات الولاية، وبالأخص المناطق الغابية والأحياء الفوضوية القديمة التي سبق أن هدمت بالكامل، واستفاد سكانها من شقق جديدة بالأقطاب الحضرية للولاية، يحدث ذلك وسط تساؤلات عن الصمت غير المبرر لبعض المسؤولين والمنتخبين.

لا تزال عشرات المواقع في ولاية وهران، خاصة المحاذية منها للغابات والسكة الحديدية والمناطق المعزولة، تعرف نموا غير مسبوق للبنايات الفوضوية التي تنجز في ظرف قياسي، وسط حديث عن شبكات منظمة تقف وراء ترويج المساكن الفوضوية، والاعتداء على الأملاك العمومية دون حسيب ولا رقيب.

لعل منطقة الحاسي بالمندوبية البلدية بوعمامة خير دليل على ما يتم تداوله في ولاية وهران حول الظاهرة، وتعد المنطقة المذكورة أحد أكبر المواقع الفوضوية بوهران، تتوسع يوميا على حساب المنطقة الغابية، إذ تؤكد مصادر من المنطقة بأنه لا يكاد يمر يوم واحد دون تسجيل بناية فوضوية تنجز بالمنطقة، رغم حملات الهدم، حيث يستغل البعض العطل ونهاية الأسبوع لإنجاز مساكن فوضوية.

يوضح مندوب المنطقة السيد دينار بدر الدين، أن عدة عمليات هدم تمت في الآونة الأخيرة، من بينها هدم فيلات ومساكن فاخرة، ومساكن فوضوية شيدت بعد قطع الأشجار والاعتداء على الغابة، موضحا أن شساعة المنطقة وطبيعتها الغابية تحول دون متابعة المخالفين، مشيرا إلى أن عدة مراسلات وجهت لمصالح الولاية حول الظاهرة. حسب الأرقام المقدمة من طرف المندوبية الحضرية، فإن منطقة كوكا لوحدها تضم ما لا يقل عن 60 ألف مسكن فوضوي، تم إنجاز نصفها خلال السنوات الأخيرة، خاصة على مستوى الغابة المجاورة.

كما تعد دائرة السانيا ثاني أكبر منطقة للتجمعات الفوضوية، حيث تحصي مصالح الدائرة ما لا يقل عن 13 ألف بناء فوضوي، أنجز بإقليم الدائرة التي تضم 3 بلديات (السانيا، سيدي الشحمي والكرمة)، وتسعى السلطات المحلية إلى القضاء عليها، بعد أن تحولت إلى مشكل حقيقي، خاصة أن عددا كبيرا منها يوجد فوق أراض فلاحية، وأخرى ملك للدولة. في هذا الصدد، أطلقت الدائرة حملة هدم وترحيل طالت أكثر من 2000 عائلة، حولت مناطق شكلاوة والفيراج وسيدي الشحمي والحياة ريجنسي إلى شقق جديدة، فضلا عن عمليات الهدم المتواصلة للبنايات التي تنجز بعدة مناطق، والتي تتم متابعتها دوريا، غير أن الظاهرة لا تزال متواصلة. وكان رئيس دائرة السانيا السابق قد أكد لـ«المساء، أن القضاء على البنايات الفوضوية بالمنطقة يتطلب تدخلا من السلطات العليا للبلاد.

41 ألف بناية فوضوية عبر 13 بلدية

في المقابل، ذكرت دراسة، تحوز المساء على نسخة منها، أعدتها مديرية التعمير والبناء لولاية وهران، أن عدد البنايات الفوضوية بولاية وهران، يتجاوز 41 ألف بناية موزعة على 47 منطقة عبر 13 بلدية، فيما تعد منطقة حي البلانتير بأعالي بلدية وهران، أكبر تجمع للسكنات الفوضوية بالولاية، تضم حسب الدراسة، ما لا يقل عن 20 ألف مسكن فوضوي، وهي المنطقة التي استفادت منذ سنوات من برنامج ترحيل ضخم شمل 11 ألف مسكن، حيث تم إلى غاية منتصف عام 2015، ترحيل حوالي 4 آلاف عائلة، ولا تزال الأشغال جارية بـ6 آلاف مسكن في منطقة وادي تليلات، إلى جانب مئات المساكن الأخرى الموزعة على بلديتي مسرغين وعين البية.  كما كشفت الدراسة وجود ستة مناطق فوضوية ببلدية سيدي الشحمي، تضم في مجملها 1653 مسكنا فوضويا، إلى جانب بلدية السانيا بخمسة مواقع  تتوزع فوقها 2012 بناية، فيما تحتل المرتبة الثالثة بلدية مرسى الكبير بـ5 مواقع بها 931 بناية، ثم بلدية عين البية بـ3 مواقع وتضم 380 بناية.

أكدت الدراسة الميدانية أن مصالح ولاية وهران، تمكنت منذ سنة 2007 من تحقيق تقدم كبير في القضاء على المناطق الفوضوية، من خلال القضاء على 25 موقعا كان يضم 15058 بناية، وكانت أهم الدوائر التي شهدت عمليات الهدم؛ منطقة حاسي بونيف بـ 3000 بناية فوضوية، رحل سكانها إلى شقق جديدة، فضلا عن منطقة سيدي البشير ببلدية بئر الجير، التي عرفت ترحيل 1600 عائلة خلال العام الجاري، وتأتي منطقة البلانتير ضمن المناطق التي عرفت عمليات ترحيل ضخمة مست أكثر من 4 آلاف عائلة، إلى جانب القضاء على منطقة دوار الفيراج بعين البيضاء في بلدية السانيا، ودوار الدوم ببلدية حاسي بونيف، ومزرعة خميستي والحياة ريجنسي ببلدية سيدي الشحمي، تم من خلالها استعادة عقارات هامة من طرف المصالح التقنية للولاية، سيحول بعضها لاستقبال مشاريع سكنية ومرافق عمومية.

عمليات هدم واتهامات بـ«التواطؤ”!

في المقابل، كشفت حصيلة أولية أعدتها مصالح ولاية وهران، بالتنسيق مع مختلف المتدخلين من دوائر ومصالح الدرك ومحافظة الغابات لولاية وهران، عن هدم 401 بناية فوضوية وتوسعات غير شرعية منذ مطلع السنة الجارية (2019)، وهي البنايات التي تم هدمها في إطار برنامج تبنته الولاية، مع فتح تحقيق حول شبكات لا تزال تتاجر بالعقارات لصالح مواطنين يعانون أزمة السكن، خاصة أن جل نشاط الشبكات يقع بالمناطق الغابية والمناطق النائية، على غرار حي الحاسي بالمندوبية البلدية بوعمامة في بلدية وهران، ومنطقة عين البيضاء ببلدية السانيا، حاسي بونيف، حاسي عامر وبوتليليس، إلى جانب البلديات الساحلية، على غرار بلديتي العنصر وبوسفر بدائرة عين الترك التي شهدت سواحلها محاولات إنجاز بنايات فوضوية.

كان ولاة وهران السابقون، قد أكدوا أكثر من مرة عن فتح تحقيقات بخصوص ظاهرة انتشار المباني الفوضوية بعدة مناطق من الولاية، متهمين بعض المسؤولين والمنتخبين المحليين بتسهيل عمليات البناء، دون تحديد هوية المعنيين، فيما لم يتم إلى غاية اليوم، الكشف عن نتائج التحقيقات المفترضة، حيث قامت مصالح الدرك بإحالة شبكات ثبت تورطها في اعتداءات طالت عقارات عمومية بمنطقة حاسي بونيف ومنطقة لبيوض، السنة الماضية، فيما سبق لعدة جمعيات فاعلة ومنتخبين أن طالبوا بفتح تحقيقات بخصوص الاعتداءات المتواصلة على الأملاك العمومية.

رضوان. ق

بعد ترحيل قاطنيها ببومرداس ... عودة بيوت الصفيح إلى عدد من مواقع الشاليهات

أشارت بعض المصادر المحلية بولاية بومرداس، إلى أن رقعة البيوت القصديرية عرفت في الآونة الأخيرة، اتساعا ملحوظا ببعض البلديات، حيث استغلت بعض الأطراف الظرف الذي تمر به البلاد لنصب بيوت الصفيح، لاسيما ببعض مواقع الشاليهات، بعد ترحيل قاطنيها.

 

سجلت المصالح المختصة ببعض بلديات ولاية بومرداس، عودة بيوت الصفيح، على غرار ما هو مسجل ببلدية تيجلابين، وبالضبط في موقع عليلقية ”2”، حيث تم خلال الصائفة الماضية، إحصاء ثمانية أكواخ قصديرية، حسب محاضر المخالفات المحررة من طرف مصالح الأمن المختصة، والمرجح أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير، لا سيما في الظرف الحساس الذي تمر به البلاد، واستغله البعض على أكثر من صعيد.

استغل البعض هذا الظرف طمعا في أن تشملهم عمليات الترحيل المبرمجة لاحقا، يضيف مصدرنا، مع الإشارة إلى أن تلك الأكواخ شيدت على أرضية موقع شاليهات، رحل قاطنوها إلى سكنات اجتماعية مؤخرا، والأرضية في الحقيقة، موجهة لاحتضان مشروعين سكنيين من 50 و300 وحدة في صيغة العمومي الإيجاري، إضافة إلى منشآت عمومية ومدارس، لكن استيلاء بعض المواطنين على الأرضية رهن إطلاق هذه المشاريع.

في بلدية الثنية، سجل انتشار كبير لبيوت الصفيح العشوائية، لاسيما خارج المدينة بقرى تيزويغين، أولاد صالح وتامسوت، ويذكر مصدر من البلدية لـ«المساء، أن عددها يزداد بوتيرة سريعة، وتنجز ليلا، بحيث لا يمكن مراقبتها، مشيرا إلى أن الظاهرة تمت ملاحظتها أيضا في بعض مواقع الشاليهات بكل من بورنان ”1” و«2” وبموقع اللوز، حيث عمد بعض المواطنين إلى إضافة توسيعات لبعض الشاليهات، طمعا في أن يتم ترحيل أسرتين من نفس العائلة في عمليات الترحيل.

وهو ما سجل أيضا في بلدية قورصو، التي مازالت تحصي إلى اليوم، أزيد من ألف شاليه، بعض قاطنيها أضاف توسيعات بالقرب من البيت الجاهز، طمعا في الاستفادة من شقتين عند عملية الترحيل، نفس الأمر ببعض مواقع الشاليهات ببلدية بودواو، رغم أن عملية إزالة البيوت الجاهزة بعد ترحيل قاطنيها، مست أيضا تهديم الأكواخ القصديرية بجانب الشاليهات، حيث تم إحصاء 30 حالة تقطن بصفيح مشيد، كتوسعة للشاليه، منها عائلات محرومة تكفل بها محسنون إلى غاية دراسة الطعون من طرف اللجنة الإدارية المختصة، كما تم إحصاء 17 حالة أخرى بموقع الحلايمية، وحالات بمواقع أخرى في نفس البلدية.

حنان.س

استغلوا الوضع  الراهن للبلاد ... ميسورون يشيدون بيوتا قصديرية بعنابة

انتشرت البنايات غير الشرعية بشكل ملفت في الآونة الأخيرة، في عدة أحياء من بلديات عنابة، منها حي الفخارين وسيدي حرب وجمعة حسين بالبوني، وغيرها من المناطق، وهو ما أقلق الجهات المحلية بعنابة، بعد تعليمات الوالي توفيق مزهود بضرورة القضاء على السكن الهش والبناءات القصديرية، التي استحوذت على العقارات التابعة لأملاك الدولة، مع تهديم كل المباني التي لا يملك أصحابها رخص بناء منها الموجودة داخل مدينة عنابة، فيما ذكرت التقارير أن هناك من الميسورين من استغل الوضع الراهن لإنجاز بنايات فوضوية فوق العقار العمومي.

 

كشف خلال دورة المجلس الشعبي الولائي الأخيرة، عن القضاء على أكثر من 1600 سكن غير لائق وفوضوي خلال سنة 2017 ومنتصف 2019، موزعة بين الأحياء الشعبية، على غرار بني محافر، سيدي حرب وغيرها.

لمواجهة هذه الظاهرة، تم توجيه، خلال الأشهر الأخيرة، توجيه أكثر من 80 إعذارا لأصحاب هذه السكنات التي عادت من جديد، الأمر الذي شوه المنظر العام لمدينة عنابة. في سياق متصل، تعتبر بلدية البوني ثاني بلدية بعد عنابة من حيث الكثافة السكانية، حيث تعاني هي الأخرى من مشكل التزايد المستمر للبناء الفوضوي والقصديري، وحسب مصالح البلدية، فإنها ستتعامل بصرامة مع الظاهرة، خاصة في حي جمعة حسين، من خلال تهديمها وإعداد قائمة خاصة لطالبي السكن، حيث طالب الوالي مؤخرا، بإحصاء البيوت القصديرية في كل البلديات، مشيرا إلى أن هذا الأمر لا يعني أن من يبني بيتا فوضويا سيحصل على سكن عمومي إيجاري”.

من جهتهم، طالب عشرات مواطني عنابة، بوضع حد لمثل هذه الممارسات، إثر إقدام العديد من المواطنين الوافدين الجدد على هذه المواقع، من أجل إنجاز سكنات فوضوية، مؤكدين أنها انعكست سلبا على حياة العائلات القاطنة بجوار هذه المواقع الفوضوية، حيث زادت نسبة السرقات والفوضى، معلنين أن أصحاب هذه السكنات الفوضوية يدخلون معهم في مناوشات وعراك دائم، يصل إلى حد استعمال السلاح الأبيض.

من هذا المنطلق، أكد المواطنون على ضرورة تدخل الوالي لمنعهم من البناء غير الشرعي، وأكد بعض سكان حي سيدي حرب، أن أغلب الذين شيدوا بيوتا فوضوية من ميسوري الحال، الذين يريدون انتهاز الفرصة للاستفادة من سكن، رغم أن لديهم سكنات خاصة، وهم في غنى عن مثل هذه الممارسات.

من جانب آخر، تحصي مديرية البناء والتعمير 2500 سكن قابل للتسوية، وفق القوانين المعمول بها، وقد تم خلال سنة 2019، تسوية نحو 500 ملف، في حين بلغ عدد السكنات التي تنجز كل سنة في ولاية عنابة دون مخططات، وعدم احترام معايير ومقاييس البناء، خاصة منها التي لا تتوفر على شهادة المطابقة بـ 900 مسكن.

أما فيما يخص السكنات التي بنيت دون ترخيص، فقد فاقت 10 آلاف مسكن، بما فيها البناءات القصديرية، مما زاد في اتساع رقعة القصدير، ومعه الفوضى الكبيرة في العمران على مستوى كامل تراب ولاية عنابة، التي أنجز بها الكثير من السكنات دون مراعاة المعايير المطلوبة في غياب الرقابة.

تتصدر المقاولات والمشاريع السكنية قائمة المخالفات للمخطط التوجيهي للعمران بعنابة، حسب مديرية البناء والتعمير، نظرا للطلب الكبير على السكنات، فيما شكلت المصالح الولائية لجانا خاصة لإحصاء البناءات الهشة والبيوت القصديرية، التي تستحوذ على العقارات التابعة لأملاك الدولة، حيث أسفرت التحريات الأولية عن إحصاء أكثر من 14 ألف بناية غير لائقة، عطلت نشاط 16 مشروعا تنمويا جديدا.

سميرة عوام