إعلاميون يعترفون:

الصحافة مهنة المتاعب .. شاقة وشيّقة

الصحافة مهنة المتاعب .. شاقة وشيّقة
  • القراءات: 3717
حنان. س حنان. س

"الصحافة بقدر ما تعطيها تعطيك، وبقدر ما تخلص إليها تخلص لك، فالعلاقة بين الصحفي ومهنته هي الالتزام"، هذا ما أجمع عليه إعلاميون تحدثوا إلى "المساء" عن مهنتهم، وقالوا بأن الصحافة وإن كانت حقيقة مهنة المتاعب التي أبعدتهم طوال سنوات عن الكثير من الالتزامات الاجتماعية، إلا أنها أكسبتهم نظرة أخرى للواقع المعيش والحياة بوجه عام، واعترفوا بكونها من أنبل المهن التي لو عاد بهم الزمن إلى الوراء لكانوا اختاروها مجددا دون أدنى تردد...

بداية، الحديث لـ"المساء"، كانت مع الإعلامي رشيد حمودي من جريدة "أوريزون" الذي أمضى أكثر من 20 سنة كصحفي، قال بأن الصحافة تشده كمهنة غير مملة، وقد سمحت له بالتعرف على مختلف أطياف المجتمع، ورغم حبه لمهنته إلا أنه يعترف أنه كان لها بالغ الأثر على حياته الاجتماعية، يقول: "الذي أطلق عليها مهنة المتاعب لم يخطئ، لأن الصحفي لا يعمل عمل الإداري الذي يؤدي سويعات عمل محدودة يوميا، إنما الصحفي مطالب بأداء عمله في أي وقت وعلى مدار الـ24 ساعة في اليوم"، ويضيف؛ "نعم الصحافة منعتني من الاستمتاع بحياتي الاجتماعية، منعتني من أن أكون موجودا مع أولادي.. من متابعة دراستهم.. منعتني من التواجد في الكثير من المناسبات الاجتماعية التي تستوجب الحضور، أقلها العزاء، فالصحفي لا يملك وقته بل هو ملك عمله، فحتى في العطل والمناسبات الدينية التي تكتمل فرحتها مع العائلة تكون بالنسبة لنا كصحفيين فرحة ناقصة لأننا مطالبون بالعمل"، قال ذلك وهو راض عن عمله ولم يبد من كلامه أنه نادم على اختياره لهذه المهنة، تماما مثلما أبداه الإعلامي بقناة "الخبر كي بي سي"، كريم كالي الذي أكد أنه اختار مهنته عن قناعة، رغم أن "العمل الصحفي أفقدنا جانبا كبيرا من إنسانيتنا"، يقول المتحدث ويشرح بقوله: "المهنة أخذت كل وقتنا.. ليس لدينا الوقت لأداء الواجبات العائلية، إذ أن أيام راحتنا تصادف أيام دراسة أبنائنا، بالتالي قلما نتمتع بعطلة حقيقية، بل لا نستمتع حتى بعطلتنا السنوية التي ليس بوسعنا أخذها كاملة (أي 30 يوما)، بسبب التزامات العمل، زيادة على أن العمل في مختلف الأعياد الوطنية والدينية يشكل لنا ضغطا من نوع آخر، فحتى الأفراح نادرا ما نحضرها، بل حتى واجب العزاء قد نتجاوزه أحيانا بسبب التزاماتنا المهنية". 

من جانبه، يقول الإعلامي عثمان لحياني، مراسل صحفي، بأن الصحافة تعطي للصحفي بحسبما يعطيها، قائلا: "إنها كمهنة لها خصوصياتها أكيد.. فلقد أتعبتنا وأرهقتنا على أكثر من صعيد، خاصة أن البيئة الإعلامية عموما في الجزائر لا تساعد الصحفي على العيش بكل تركيز وتفرض عليه الخيار بين المهنة والتزامات أخرى، وهذا هو أكبر تأثير للصحافة على حياتنا بشكل عام".

ومن يومية الخبر، تحدثنا الإعلامية صورية بورويلة لتؤكد هي الأخرى أن المهنة التي اختارت منذ أكثر من 20 سنة، قد أتعبتها كثيرا وجعلتها تتجاوز الكثير من المحطات المهمة في الحياة الاجتماعية لكل شخص، حيث فرضت عليها المهنة إهمال تواجدها بين عائلتها الكبيرة في مناسبات كثيرة قد لا تتكرر مجددا بسبب وتيرة العمل، لكن إصرارها في إكمال مشوار مهنة لطالما أحبتها جعلها تتأقلم وتتعايش السنة تلو الأخرى مع هذا الريتم.

ومن يومية "المجاهد" حدثتنا الإعلامية آمال زموري التي فاقت تجربتها في الصحافة الـ24 سنة، فأكدت أنها لا تنكر أبدا فضل مهنتها على حياتها عموما،"فحتى وإن فرض علينا عملنا التواجد بالجريدة نهارا وليلا وخلال أيام العطل والأعياد، إلا أنني لا أنكر أنه بفضل مهنتي طفت الجزائر قاطبة وسافرت إلى العديد من الدول، حتى أنني تمكنت من دخول قصر الملك السعودي وملاقاته شخصيا، فمن كان يسمح لي بذلك لولا مهنتي". ومن جهتها، تقول الإعلامية بنفس اليومية حورية أكرم ذات الـ26 سنة في الصحافة، أن هذه المهنة رغم أنها مرهقة اجتماعيا ونفسيا بالنظر لواجباتها الكثيرة ومسؤوليتها تجاه أبنائها، إلا أنها تمسكت بها وتعلق بقولها: "إنها مهنة علمتني الالتزام وإذا عاد بي الزمن إلى الوراء لكنت اخترتها مجددا رغم كل صعوباتها".

ومن المؤسسة العمومية للتلفزيون، حدثتنا الإعلامية رشيدة ابراهيمي التي تصل تجربتها الإعلامية إلى 22 سنة، لتقول: "أنا لا أنكر فضل المهنة علي أبدا، فبفضلها توسعت دائرة معارفي، كما ساهمت الصحافة في تقويم الاعوجاج في شخصيتي لأكون قدوة للآخرين، يعني الصحافة زادتني أخلاقا وأدبا وتربية ومعاملة طيبة للمحيطين بي"، وبنبرة الممتنة تضيف؛ "على الصعيد النفسي شعرت بالمسؤولية تكبر عندي لأكون المرآة العاكسة لفئات المجتمع بمختلف شرائحها التي كنا نتعامل معها يوميا، أما على الصعيد الاجتماعي، فأصبح لي موقعي في المساهمة ولو بالشيء اليسير في إيجاد حلول لمختلف مشاكل المواطن الاجتماعية". ولم تنس التأكيد على أنه لو عاد بها الزمن، بل لو عاشت أعمارا أخرى لاختارت نفس المهنة بكل سلبياتها وإيجابياتها".

أما الإعلامي من يومية الفجر نبيل بوحودة، فيقر هو الآخر بالتأثير الكبير لمهنته على حياته من جميع مناحيها، لكنه لا يرى في ذلك سلبيات وإنما: "أحاول تلطيف الأمور أكثر حتى وإن أكلت المهنة كامل وقتي"، يقول مضيفا؛ "الصحافة مهنة شاقة وشيقة، وهذا ما جعلني أضحي بوقت كبير على حساب راحتي وراحة أسرتي الصغيرة، لدرجة أنني ألغيت في العديد من المرات المواعيد العائلية، وأجلت زيارات أسرية بسبب ارتباطات مهنية، خاصة أن المهنة تقتضي تنافسا في نقل المعلومة"، ولارتباطه بمهنة يمارسها قبل أكثر من عقد وحتى ينّفس قليلا من ضغوطات العمل الكبيرة، يقول بأنه ولج عالم الفن الرابع من بابه الواسع، وقدم عملا مسرحيا عبارة عن مونولوج بعنوان "كاتب المقال" الذي قال بشأنه بأنه بمثابة تأشيرة أدخلته المسرح كأول صحفي يكتب ويؤدي عملا مسرحيا في طابع المونولوج، يروي فيه متاعب مهنة المتاعب،"وهي فكرة انطلقت على أساس أن الصحفي ينقل معاناة المواطن من خلال مرافقته اليومية له، فلما لا أكون أنا هو أول من ينقل معاناة ومتاعب هذه المهنة للترويح عن نفسيتي وزملائي الذين هم بحاجة ماسة إلى راحة نفسية مثلي أنا".

أما الإعلامي الأستاذ مختار سعيدي، الذي أمضى ما يزيد عن 30 سنة في الممارسة الإعلامية والتي عايش خلالها مختلف التغيرات التي عرفها قطاع الإعلام بالوطن عموما، فيقر هو الآخر ببالغ الأثر الذي خلفته مهنته على حياته الاجتماعية لدرجة أنه لم ير أولاده يكبرون أمامه، فالمسؤوليات الكثيرة التي تقلدها في مؤسسات إعلامية كثيرة كانت تفرض عليه التواجد لساعات طويلة في اليوم في مقر عمله،"وهكذا كبرنا وكبر أولادنا ولكني ممتن أشد الامتنان لمهنتي التي فتحت أمامي آفاقا كثيرة ما كنت مدركها لو لم أكن صحفيا، وقريبا سأصدر مذكراتي لتكون ثمرة سنوات عملي كصحفي".