أحمد راشدي لـ"المساء":

السينما صناعة وعلينا أن نخرج من "المناسباتية"

السينما صناعة وعلينا أن نخرج  من "المناسباتية"
  • القراءات: 716
 حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

طالب المخرج والمنتج الجزائري أحمد راشدي السلطات المختصة، من خلال حديثه لـ«المساء"، بضرورة خلق صناعة ثقافية تدر أرباحا على البلد، وكذا مساعدة القطاع الخاص في تمويل السينما، إضافة إلى سن قانون يجبر التلفزيونات المحلية على بث الأفلام الجزائرية.

❊ استفاد المنتجون والمخرجون السينمائيون من تمويل ضخم لأعمالهم بمناسبة احتضان الجزائر للتظاهرات الثقافية الكبرى، آخرها تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، ومع ذلك كثُر الحديث عن نوعية هذه الأفلام المشكوك فيها، ما قولك في ذلك؟

— المال الذي يضخ من أجل صنع أفلام بمناسبة التظاهرات الثقافية الكبرى لا يدخل في إطار تمويل قطاع السينما في الجزائر،  بل متعلّق بهذه التظاهرات، وحينما يسدل الستار عليها، تنتهي السينما لتُقتل ببطء. في المقابل، ينتظر المخرجون والمنتجون الجزائريون مناسبة ثقافية أخرى لكي تموّل أعمالهم، وإلى ذلك الحين، ماذا سيقدمون من إنتاج سينمائي يا ترى؟. حقا لا يوجد تفكير جدي وعميق حول تحديد ميكانزمات خاصة بتمويل الأفلام، سواء من الدولة أو حتى من القطاع الخاص. وأضيف أن ما تقدمه الدولة لقطاع السينما لا يصل إلى نسبة 2 بالمائة لما تمنحه لرياضة كرة القدم.

❊ هل يجب أن تساهم الدولة في زمن الاقتصاد الحر، في تمويل الأفلام؟

— نعم.. تساهم الدولة في جميع دول العالم في تمويل قطاع الفن السابع، لكن لا توجد ميكانزمات تحدد هذا التمويل في الجزائر. مثلا يمكن التصريح بقدرة الدولة في تمويل ستة أفلام في السنة، وهكذا سيقدم المخرجون والمنتجون مشاريعهم، وهم على دراية  باختيار ستة منها لتجسيدها لا أكثر، ولكن هذا لا يحدث. لهذا أقول إن الدولة يجب أن تضع ميكانزمات وتنشئ مؤسسات كي تساعد القطاع الخاص على تمويل السينما، خاصة أن الخاص لا يضع أمواله إلا في مجال مربح، ولن يتحقّق ذلك إلا بوجود سوق، لكن الجزائر لا تتوفر على سوق للسينما، بل يقوم المخرجون الجزائريون بصنع أفلام ثقافية، أي غير تجارية. لهذا أطالب الدولة بترك الخواص يستثمرون في الفن السابع وفتح قاعات للسينما، باعتبار أن البلد لا تتوفر فيه قاعات كثيرة، وهنا يبدأ مشكل السينما. في المقابل، حينما كنت مديرا للديوان الوطني للسينما الجزائرية لمدة تزيد عن عشر سنوات، لم نطالب يوما ما من الدولة تمويل الأفلام، فقد كانت لدينا أفلام عديدة وقاعات سينما وجمهور أيضا، هذا الأخير لم يعد يذهب إلى قاعات السينما الغائبة بدورها.

❊ لماذا لا يتم الاهتمام بالسينما في الجزائر؟

— لأن الثقافة بصفة عامة ليست من أولويات حكومتنا. ونلاحظ أنه في كل ولاية توجد دار للثقافة، لكن ما دور هذه الدور في حال عدم امتلاكها لقاعات عرض؟ لهذا يجب أن تهتم دولتنا بتخصيص تجهيزات متعلقة بمجال الثقافة وميكانزمات تسيرها، وسنصل في يوم من الأيام إلى مرحلة يموّل القطاع الثقافي بنفسه.

❊ لا نشاهد الأفلام الجزائرية المنتجة مناسباتيا في التلفزيون الجزائري، إلى ماذا يعود ذلك؟

— الأفلام الجزائرية إما أن تشارك في المهرجانات أو تظل حبيسة الأدراج، لا أدري لماذا لا يعرض التلفزيون الجزائري أفلامنا واندهشت حينما عُرض مؤخرا فيلم "طاحونة السيد فابر" بعد ثلاثين سنة من إنجازه. كما أن القنوات الخاصة لا تعرض الأفلام الجزائرية والعديد منها يعرضها مقرصنة ولا يطلب حتى الإذن من أصحابها. وفي هذا السياق، أطلب من السلطات المختصة سن نص قانوني يجبر القنوات التلفزيونية على عرض الأفلام المحلية، مثلما يحدث على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي سن قانونا ببث البرامج الأوروبية في 26 دولة أوروبية بنسبة 40 بالمائة. نعم، فالتلفزيون الجزائري لا يمول الأفلام ولا حتى تلك التي تعنى بالثورة الجزائرية،  بالتالي لا يساهم في تخليد الذاكرة الجماعية.

❊ كيف يجابه المخرج والمنتج أحمد راشدي كل الظروف الصعبة التي تحيط بعملية صنع الأفلام؟

— نقوم بالاتصال بكل المؤسسات الوطنية التي يمكنها تمويل مشاريعنا، كما نقدم أكثر من مشروع لهذه الجهات، وننتظر الرد، فأحيانا نصيب في مشروع واحد وأحيانا تخيب آمالنا. فمثلا نتلقى أكبر تمويل من وزارة المجاهدين التي تموّل الأفلام وصناعة الكتب أكثر من وزارة الثقافة لإدراك مسؤوليها وكذا مسؤولي وزارة الدفاع  بأهمية تخليد الذاكرة من خلال إبراز تاريخنا، خاصة ثورتنا المجيدة التي تعد من أعظم الثورات العالمية، وأضيف أنه خلال عرض أفلامي الثورية في الجامعات، فوجئت بطلاب يكتشفون معالم الثورة من خلال الأفلام السينمائية. 

❊ ألا يعد صنع الأفلام في الجزائر عملية خاسرة ماديا بالنسبة للمنتجين والمخرجين؟

— هذا لو حسبنا العملية من الناحية المالية فقط، لكن صناعة الأفلام هو إنتاج للتاريخ وهذا لا يقدر بثمن. يمكن أن نطرح السؤال التالي: "لماذا نموّل نهائي كأس في رياضة كرة القدم"؟ و«لماذا نمول مشاركة الجزائر في أولمبياد البرازيل" رغم أننا لا يمكن أن نجزم بفوز رياضيينا؟. وهكذا أقول بأننا نستفيد ثقافيا من عملية صنع الأفلام، بل لا بد أن نصل إلى مرحلة صناعة الأفلام، أي أن نستثمر في صنع الأفلام، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون لدينا صناعة ثقافية من خلال توفير الميكانزمات والمؤسسات والأموال في سبيل تحقيق هذا الغرض. وأقدم مثالا عن المغرب الذي يوفر الخدمات وفضاءات التصوير للشركات الأجنبية ويجني بذلك 850 مليون دولار في العام،  يقوم بضخها في عدة مجالات، من بينها تمويل الأفلام المغربية. 

❊ وماذا عن الجزائر؟

— في الجزائر، لا بد للمخرج أن يتوقف عن عملية صنع الفيلم في مرحلة معينة لأن بلدنا لا يتوفر على استديوهات ومخابر، وأقول بأن تكلفة صنع أربعة أفلام في الجزائر تضاهي تكلفة إنشاء مرّكب يضم كل المنشآت الخاصة بالفن السابع. وفي هذا السياق، طالبنا العديد من الوزارات بشراء أرضية من الدولة باعتبار أن معظم الأراضي تملكها الدولة، إضافة إلى غلاء أراضي الخواص، بغرض إنشاء مرّكب لصناعة الأفلام، لكن بدون جدوى.

❊ هل من مشروع فيلم جديد؟

— أقوم بعملية تركيب فيلمي الجديد "الأسوار السبعة للقلعة" عن كتاب محمد معارفية، وهو فيلم خيالي طويل يحكي الأسباب التي أدت إلى قيام الجزائريين بالثورة المجيدة لاستعادة الأرض التي نزعها منه المستعمر، حيث يُعرف عن الجزائري تعلقه بالأرض. والفيلم من بطولة مجموعة من الشباب الموهوب من 14 ولاية.

❊ هل تؤمن بالإنتاج المشترك، خاصة مع شركات الإنتاج الأجنبية؟

— نعم، بشرط استفادة الطرفين، وسبق لي أن قمت بالإنتاج المشترك وأذكر فيلم "زاد" الذي قمت بإنتاجه مشاركة وتحصل على أوسكار في هوليود، المهم هو أن نتفق معا على موضوع العمل وعدة نقاط أخرى.

❊ هل يجب أن يكون المنتج ثريا حتى يساهم بماله الخاص في إنتاج الأفلام؟

— لا ليس كذلك، حيث يقوم المنتج بتحديد ميزانية الفيلم، كما لا يجب أن تتجاوز مساهمته المالية 10 بالمائة، يجنيها من الإشهار ومساهمة التلفزيون والتوزيع وقوانين دعم السينما. كما أنه لا يمكن معرفة مدى نجاح فيلم أو العكس خسارته، فمثلا كادت شركة أمريكية أن تعلن إفلاسها بعد الخسارة الكبيرة التي جنتها من فيلمها "العراب" الذي استثمرت في إنتاجه 200 مليون دولار، لكن الفيلم لم يحقق أدنى نجاح، في المقابل حققت الشركة نجاحا باهرا بإنتاجها فيلم "قصة حب" الذي مولته بـ30 مليون دولار، ساهم في إنقاذها من الإفلاس.