عبد الكريم قادري/ناقد سينمائي:

السينما الجزائرية لم تخرج من قوقعة الماضي

السينما الجزائرية لم تخرج من قوقعة الماضي
  • القراءات: 944

عندما نتحدث عن السينما الجزائرية الحديثة، لا بد أن ننظر للمرآة ونسأل أنفسنا سؤالا جوهريا، وهو؛ ما الذي حققته هذه الأفلام على المستوى المحلي والعربي وحتى العالمي؟ الإجابة ستكون بسيطة وهي لا شيء.. نعم لا شيء، إنه الجواب الصحي والحقيقي لما وصلت إليه السينما الجزائرية الحالية التي تستند على تاريخ سينيماتوغرافي مشرق، حين كان المخرج يشتغل على الجمالية والقيمة الفنية والرؤى الفلسفية، بدل الاشتغال على الميزانية التي تقدمها المؤسسات الحكومية، والبحث عن طريقة لتبرير المصروفات وتضخيم الفواتير، واللعب على القيمة المادية بدل القيمة الجمالية، وحين تحضر هكذا "معادلة قبيحة" في السينما، فمن المؤكد بأن القيمة الجوهرية للفيلم ستغيب، لأن الإيمان بالعمل والسينما غائبان. المخرج الجزائري لم يعد يحمل هما ثقافيا وفنيا، من هنا تحولت السينما الجزائرية الحديثة إلى فديوهات مصورة لأشخاص يتحركون يمينا وشمالا بدون هدف، كل شيء في الفيلم بات اعتباطيا وغير مقنع؛ الحوار مبتذل، السيناريو مشتت، الفكرة ساذجة وبسيطة، أي أن هناك استسهال في كل شيء تقريبا.

وهذا الأمر طبعا هو نتيجة اهتراء منظومة سينمائية ككل، لم نستطع أن نخلق فعلا سينمائيا ونقاشا دائما حول ما يُنتج، لم نستطع أن نخلق تقاليد سينمائية أو نُعيد إحياء القديمة منها التي كانت حاضرة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. لم يعد هناك وهج وبريق للسينما، وكما قلت سابقا، الوضع العام مهترء، القاعات السينمائية مغلقة، المهرجانات لا تعتمد على مبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب"، والمؤسسات الداعمة لا تحاسب المخرج على ما حققه فيلمه وما لم يحققه، لجان القراءة إقصائية وغير حيادية وتُغلّب جهة على أخرى، التركيز على الدعم المناسباتي لدعم الأفلام، التوجه نحو سينما محلية والانغلاق في الداخل، عدم خلق مناشير ومجلات تواكب ما ينتج، عدم التشجيع على خلق أندية سينمائية وجمعيات ونقابات لصُناع السينما، كلها معطيات ساهمت في تدني وضع السينما الجزائرية، في حين هناك نهضة كبيرة في البلدان المغاربية الشقيقة، ونستدل بالمغرب الذي بات ينتج بين 20 و30 فيلما في السنة، وينظم حوالي 40 مهرجانا سينمائيا، ويصدر على الأقل مجلتين ورقيتين مختصتين في السينما، إضافة إلى العديد من المواقع الإلكترونية المختصة في السينما، وعشرات الكتب التي تصدر بشكل دوري حول السينما، مع تحويل مدينة صحراوية إلى وجهة عالمية لعرض  الأفلام، والتي باتت تدر ملايين الدولارات، أي هناك نقاش دائم وحركة دؤوبة ترصد كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما تسعى إليه تونس أيضا التي خلقت مئات الأندية السينمائية، مع إنتاج العديد من الأفلام المشرفة، إلى جانب مشاركتها في العديد من المهرجانات، وحصولها على جوائز، وحضور دائم، فأين نحن من كل هذا..؟

سيتهمني البعض بالتشاؤم، وكوني عدو السينما الجزائرية، وهي تهمة جاهزة يمكن إطلاقها بسهولة على كل من يوجه نقدا حقيقيا، ويُشخص الوضع العام للسينما الجزائرية بعيدا على كل مزايدة، وستكون إجابتي بسيطة، وهي أنه لا يمكن لأحد أن يزايد عن حبي للسينما الجزائرية، وفخري الكبير بالذين صنعوا أمجادها، وسينمانا لا يمكن أن تتطور إلا إذا نظرنا للمرآة، ورأينا الحقيقة بدون مساحيق. 

من جهة أخرى، هناك تجارب فردية ونادرة صنعت الفارق وشرفت السينما الجزائرية، لكنها للأسف حالات نادرة لا تصنع توجها. السينما الجزائرية بحاجة إلى ركوب "موجة جديدة" يقودها شباب يؤمن بالسينما كقيمة جوهرية، وإحداث قطيعة مع الجيل الذي صنع ثروة مادية على حساب السينما.