رئيس الجمهورية نجح خلال 3 سنوات في رسم أولوياتها

الدبلوماسية الجزائرية.. استباقية وتفوق في القضايا العادلة

الدبلوماسية الجزائرية.. استباقية وتفوق في القضايا العادلة
  • القراءات: 1484
مليكة. خ مليكة. خ

بمرور ثلاث سنوات على انتخابه رئيسا للبلاد، نجح رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في رسم أولويات الدبلوماسية الجزائرية في سياق استعادة دورها الإقليمي كقوة اقتراح في النزاعات الإقليمية والدولية، من خلال الإعلان عن وفائه لنهج ومواقف الآباء الأولين في مجال السياسة الخارجية التي ولدت من رحم ثورة التحرير الكبرى. فقد حافظت الدبلوماسية الجزائرية على مواقفها الثابتة حيال القضايا العادلة في العالم، منها حق الشعوب التي ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار وحقها في تقرير المصير مثلما هو الحال بالنسبة للشعبين الفلسطيني والصحراوي وفق سياسة الالتزام التي تتسم بها مواقفها، من خلال انتهاج مقاربات سلمية في حل الأزمات ودعم الجهود والمبادرات الرامية لإحلال الأمن والسلم في المنطقة.

تعد العودة اللافتة للدبلوماسية الجزائرية كجزء من مخرجات إعادة ترتيب السلطة السياسية في الجزائر للبيت الداخلي، وانتقال السلطة بعد الحراك الشعبي وانتخاب الرئيس  تبون في ديسمبر 2019، إذ من المتعارف عليه في أدبيات العلاقات الدولية، أن السياسة الخارجية مرتبطة بشكل جوهري بالرجل الأول في الدولة ومؤسساتها التنفيذية عموما. لذلك، فإن غياب رئيس الجمهورية في السنوات السابقة عن المشهد السياسي انعكس بشكل واضح على الدبلوماسية الجزائرية، إلا أن عودة مؤسسة الرئاسة مكّن من تفعيل السياسة الخارجية على المستوى الدولي.

ويرى مراقبون، أن الحركية للدبلوماسية الجزائرية تعد استجابة حتمية فرضتها التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية التي اعتمدتها البلاد، في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة في المحيط الإقليمي، فضلا عن التحدّيات السياسية والاقتصادية التي أفرزتها المتغيرات الدولية. فقد عادت الدبلوماسية الجزائرية الى الواجهة من جديد للعب دور الوساطة ولاسيما في عام 2021 من خلال إعادة انتشارها على المستويين الإفريقي والعربي، وتعزيز دورها في المساهمة في حل الأزمات، لاسيما في ليبيا ومالي.

فبخصوص الملف الليبي، جدّدت الدبلوماسية الجزائرية، مرارا، موقفها المؤيد للتسوية السياسية للأزمة في هذا البلد الجار، من خلال الحوار الليبي -الليبي ورفضها أي تدخل أجنبي، في حين لعبت في مالي دورا رائدا في الوساطة الدولية، حيث لم تتوقف أبدا عن الدعوة إلى تسريع تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، بهدف تحقيق الاستقرار المستدام في البلاد. أما فيما يتعلق بالأزمة في اليمن، فقد دعت الجزائر إلى الحوار بين الأطراف اليمنية، مع التذكير بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية.

نجاح القمة العربية تذكير بالمخزون النضالي الكبير للجزائر

كما نجحت الدبلوماسية الجزائرية في عقد القمة العربية في ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية، ليكون ذلك حافزا إضافيا يذكّر القادة العرب بالمخزون النضالي الهائل للجزائر، ويكفي أن هذه القمة عقدت بعد نحو ثلاث سنوات من الغياب بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة العربية وكذلك ظروف جائحة كورونا التي ضربت البشرية كلها. وتعتبر قمة الجزائر من أكثر القمم العربية نجاحا وحضورا وتنسيقا وترتيبا، غير أن هذا النجاح لم يكن سهلا بالنظر للعراقيل التي أريد لها أن تكون في الطريق، لاعتبارات باتت معهودة في العلاقات بين الأقطار العربية. وإذ لم تتخلف أي دولة عربية عن المشاركة في قمة الجزائر، إلا أن درجة التمثيل اختلفت من دولة إلى أخرى، ومثل هذه الاعتبارات تبقى حاضرة دوما في مثل هذه المواعيد والاستحقاقات، حيث تتحكم فيها بعض الظروف التي تخص الدول العربية،

وتعد قمة الجزائر أول قمة عربية تعقد بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولم يكن غريبا في سياق كهذا، أن تعقد تحت شعار "لم الشمل"، فهي الدولة التي تتمتع بثقل حضاري وتاريخي وثوري وتحمل هموم أمتها. وقد تم مناقشة الكثير من الملفات الرئيسية خلال هذه القمة، كالقضية الفلسطينية وأزمة المناخ، الإرهاب والأمن الغذائي والطاقة والتضامن العربي في مواجهة الأزمة الاقتصادية، فضلا عن الأزمات في سوريا واليمن وليبيا.

وانطلاقا من موقفها الثابت والداعم للقضية الفلسطينية العادلة، جاءت مبادرة رئيس الجمهورية بجمع كلا من رئيس دولة فلسطين، محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية في لقاء تاريخي بعد فتور دام لسنوات وذلك في الخامس من جويلية الماضي، على هامش مشاركتهما في الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر. وأفضت هذه الجهود الى توقيع الفصائل الفلسطينية المجتمعة برعاية الجزائر، بالأحرف الأولى على وثيقة إعلان الجزائر، حيث تلتزم تلك الفصائل، المتناحرة منذ 15 عاما بموجب هذه الوثيقة، بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام لوضع حد للانشقاق الذي يمزق صفوفها. يأتي ذلك بعد أشهر من قيادة الجزائر لحملة إقليمية لطرد الاحتلال الإسرائيلي من عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، التي كان قد حاز عليها بقرار إداري منفرد أصدره مفوض الاتحاد موسى الفقي.

واللافت للنظر أن قمة  الجزائر تميزت بكونها أول قمة رقمية بعيدا عن الأوراق وهو ما يؤسّس لمرحلة جديدة ويفتح باب إصلاح الجامعة العربية الذي تسعى إليه الجزائر بقوة، كما ستسعى الجزائر إلى استغلال فترة قيادتها للقمة العربية للقيام بعملية إصلاح حقيقي وشامل لمؤسسات العمل العربي المشترك. ولأنها قمة عقدت في ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية التي قدّمت أكثر من مليون ونصف مليون شهيد من أجل الاستقلال ونيل الحرية، فقد تمنى كثيرون أن يشكّل ذلك حافزا إضافيا يذكّر القادة العرب بالمخزون النضالي الهائل للشعوب العربية، وبقدرة الأمة العربية على مواجهة أعتى التحدّيات حين تتسلح بالعزيمة وبإرادة الثورة.

كما أن قمة لم الشمل عقدت في وقت يتهيأ فيه النظام الدولي الحالي، الذي مازال يتسم بالهيمنة الأمريكية المنفردة عليه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، للدخول في مرحلة جديدة يرجّح أن تسفر عن تغيير كبير في بنيته وعن إعادة تشكيل منظومة القيم السائدة فيه. فقد نجحت الدبلوماسية الجزائرية في حل النزاعات التي تثور في الدول المحيطة بها، معتمدة في ذلك على مجموعة أسس ومبادئ يتمثل أهمها في الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والحث على التعاون بين دول الجوار خصوصا وحل النزاعات بطرق سلمية، وكذا دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وتخليصها من سيطرة الاستعمار، وفي هذا الخصوص، شهدت الجزائر مواقف عديدة طبقت فيها هذه المبادئ وحافظت فيها على مواقفها الداعية للحلول السلمية، حيث بقيت ثابتة في القضايا التي ساهمت في حلها أو كان لها موقف منها، على غرار الأزمات التي عصفت ببعض الدول الإفريقية أو دول الجوار. وبخصوص الصحراء الغربية، لا تزال الجزائر تفضّل دائما السبل السلمية لتسوية النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليزاريو، عبر تنظيم استفتاء لتقرير المصير للشعب الصحراوي، وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، في ظل تصعيد عدواني غير مسبوق يقوم به نظام المخزن بين الفينة والاخرى، بهدف الالتفاف على مبدأ تقرير المصير بالقوة العسكرية والاستقواء بالخارج.

لا للنزعة التوسعية والاحتلال غير الشرعي لأراضي الغير

حرص وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، على تأكيد الموقف الثابت لرئيس الجمهورية حيال هذا الملف بالقول: "الجزائر لن تقبل أبدا النزعة التوسعية وإرهاب الدولة والاحتلال غير الشرعي لأراضي الغير..، لاسيما في منطقتنا وفي جوارنا المباشر، مضيفا في هذا الصدد: وقد وجب التذكير بهذه المواقف الثابتة للجزائر في وقت نشهد فيه، وبكل أسف، تدمير المغرب العربي مع أن مصير شعوبنا يملي ضرورة تعزيز هذا التوجه النفعي".

يأتي ذلك في الوقت الذي اتسمت فيه علاقات نظام المخزن بالعدائية وافتعال الأزمات مع الجزائر منذ الاستقلال، وصل به الأمر إلى جلب الكيان الصهيوني إلى منطقة المغرب العربي لتعزيز موقفه التفاوضي بشأن النزاع في الصحراء الغربية. وفجأة، صار الكيان يرابط على حدود الجزائر، التي تحولت فجأة من دولة ممانعة إلى دولة مواجهة مع هذا الكيان الغاشم.

بالموازاة مع ذلك، رفع نظام المخزن درجة التصعيد السياسي ضد الجزائر وصدرت تصريحات لسفيره لدى الأمم المتحدة تعدى فيها على سيادة الجزائر، وعندها، تحركت الجزائر عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة لطلب توضيحات من الرباط، غير أن النظام المغربي التزم الصمت. وعرفت هذه الاستفزازات جرعة إضافية بمناسبة زيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني للرباط، حيث  أطلق خلالها، وبإيعاز وتحريض من نظيره في نظام المخزن، تصريحات باطلة، هاجم فيها ما وصفه بـ"دور الجزائر في المنطقة و"تقاربها الكبير مع إيران وكذا المسعى الجزائري، بالتعاون مع عدد من الدول الإفريقية والعربية، لمنع ترسيم مشروع قرار يقضي بمنح الكيان الإسرائيلي "صفة مراقب" داخل الاتحاد الإفريقي.

وفي سياق ذي صلة بهذه المناورات المخزية، أفضت التحقيقات الجارية في الجزائر عن وجود تعاون لنظام المخزن مع حركتين مصنفتين إرهابيتين، ويتعلق الأمر بحركة الماك وحركة رشاد، إذ أفادت التقارير الأمنية الميدانية، بأن المخزن تحول، بالفعل، إلى قاعدة خلفية لأنصار الحركتين الإرهابيتين واللتين ثبت تورطهما في حرائق الغابات التي شهدتها الجزائر خلال الصائفة ما قبل الماضية.

وردا على هذه المواقف العدائية والمتزامنة مع حملات إعلامية مسعورة في المغرب ضد مؤسسات الدولة، سارعت الجزائر إلى اتخاذ إجراءات ردعية واستباقية دفاعا عن النفس وجاءت بصفة تدريجية لحماية أمنها القومي وشملت قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام المغرب، ثم فض  الشراكة الاقتصادية مع نظام المخزن بعد انتهاء صلاحية الاتفاقية الخاصة بتزويد السوق الإسبانية بالغاز عبرأنبوب المغرب العربي والذي يمر عبر التراب المغربي. فضلا عن دورها في الوساطة الدولية، فإن السياسة الجديدة التي اعتمدتها الدبلوماسية الجزائرية تتماشى مع الأولويات التي حدّدتها خطة عمل الحكومة لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، الذي قرّر استحداث سبعة مناصب لمبعوثين خاصين من أجل قيادة العمل الدولي للجزائر وتنشيطه في سبعة مجالات رئيسية، تعكس مصالحها وأولوياتها.

وتتعلق مناصب المبعوثين بعديد الملفات الدولية التي تخص: قضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي، وقضايا الأمن الدولي والقضايا الإفريقية خصوصا المسائل الجيوإستراتيجية في منطقة الساحل والصحراء إضافة الى رئاسة لجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر. كما تم تعيين مبعوث خاص مكلف بالجالية الوطنية المقيمة في الخارج ومبعوث خاص مكلف بالدبلوماسية الاقتصادية وآخر مكلف بالدول العربية، وأخيرا مبعوث خاص مكلف بالشراكات الدولية الكبرى. ويأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر لتفعيل علاقاتها الدبلوماسية لصالح تعزيز مصالحها الاقتصادية، حيث أعلن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في شهر جويلية الماضي، اهتمام الجزائر للانضمام الى مجموعة "بريكس" بالنظر لكونها قوة اقتصادية وسياسية، معتبرا أن الالتحاق بهذه المجموعة سيبعد الجزائر عن تجاذب القطبين. وأعلنت الجزائر، منذ شهر، عن تقديم طلب رسمي للانضمام إلى المنظمة التي تضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا. وقد رحبت روسيا والصين بانضمامها الى هذا التكتل الاقتصادي الهام.