إنجازات إقليمية ودولية تحفظ مكانتها الطاقوية
الجزائر ممون موثوق برؤية استشرافية للطاقات المتجددة
- 108
حنان. ح
❊ غارا جبيلات والخط السككي المنجمي من حلم إلى إنجاز تاريخي
❊ السوق الجزائرية تستقطب شركات عالمية في قطاع المحروقات
حافظت الجزائر خلال سنة 2025، على مكانتها الطاقوية الرائدة على المستويين الإقليمي والعالمي، كما عززت مشاريعها المهيكلة داخل الوطن وفتحت أبواب الاستثمار على مصراعيه لصالح الشركات الوطنية والأجنبية، لاسيما من خلال استكمال إصلاحاتها التشريعية والتي تم إثراؤها في العام الذي نودعه بإصدار قانون مناجم جديد، يحمل رؤية أكثر براغماتية تتوافق والتوجهات الدولية الراهنة.
سجل إنتاج الجزائر من الغاز على مدار سنة 2025 مستويات إيجابية، ظهرت منذ الأشهر الأولى، حيث استهلت الجزائر العام بأداء استثنائي في شهر جانفي بنحو 9.74 ملايير متر مكعب، بزيادة قدرها 530 مليون متر مكعب، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، ورغم بعض التراجع في منتصف العام وبالضبط في شهر ماي، استعاد الإنتاج زخمه واستمر المنحنى التصاعدي.
ومكنت هذه المعطيات الجزائر من أن تحافظ على مكانتها كممون رئيسي للغاز، حيث واصلت تزويد شركائها الأوروبيين بالغاز الطبيعي المار عبر الأنابيب وكذا الغاز المسال، بمعدلات قاربت 5 ملايير متر مكعب شهريا. وتعد الجزائر أكبر دولة منتجة للغاز في إفريقيا والتاسعة عالميا، وتتجاوز احتياطاتها التقليدية 4.5 تريليون متر مكعب. وتجاوز إنتاجها من الغاز الطبيعي 95 مليار متر مكعب في عام 2024، من بينها 50.5 مليار متر مكعب موجهة للاستهلاك الداخلي.
ومازالت الجزائر نموذجا يحتذى به في مجال البنية التحتية الطاقوية، حيث تعد من بين البلدان القلائل الذين تمكنوا من توفير شبكة أنابيب ناقلة للغاز داخل وخارج حدودها، مما أهلها لأن تكون ضمن متصدري قائمة أكبر الدول الإفريقية من حيث حجم هذه الشبكات التي تعد ضرورية لتمكين الأسر والصناعات من الحصول على مصدر طاقة أنظف وأكثر موثوقية وذي أسعار معقولة. وتمتلك الجزائر 24.7 ألف كيلومتر من خطوط نقل الغاز الى أوروبا، إضافة إلى 170.7 ألف كيلومتر من خطوط التوزيع داخل البلاد، حسب بيانات الاتحاد الدولي للغاز.
وفي مجال النفط، أظهرت بيانات منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، ارتفاع إنتاج الجزائر من النفط الخام في 2025 إلى نحو 965 ألف برميل يوميا، وهو أقل من المستوى المخصص لها بمقدار 2000 برميل يوميا، ومن المتوقع ارتفاع إنتاج الجزائر النفطي إلى 971 ألف برميل يوميا بنهاية العام 2025، ليظل ثابتا عند هذا المعدل حتى مارس 2026، مع العلم أن الجزائر تبقى ملتزمة بسياسة الخفض الرسمية المعلنة من تحالف "أوبك+"، التي بدأت في نوفمبر 2022 وتستمر حتى نهاية عام 2026 بإجمالي مليوني برميل يوميا.
واستقطب قطاع الغاز والنفط الجزائري خلال 2025 اهتمام العديد من الشركات العالمية الكبرى، حيث توافد مسؤولو شركات عملاقة من ضمنها "شيفرون" و"ايكسون موبيل" و"إيني" وغيرها إلى الجزائر من أجل بحث فرص الاستثمار في مجال الاستكشاف والإنتاج، لاسيما بعد النجاح الذي وصفت به جولة المناقصات الدولية التي أطلقتها بلادنا هذه السنة وتوّجت بتوقيع عقود هامة مع شركات بعضها تستثمر لأول مرة في الجزائر.
ومن خلال هذه الأهمية التي تحتلها في قطاع المحروقات، عملت الجزائر طيلة سنة 2025 على استغلال ثقلها من أجل دعم الطاقة في القارة الإفريقية وفي منطقة المتوسط عموما، حيث تم القيام بنشاطات مكثفة على المستوى الإقليمي من أجل تطوير قطاع الطاقة في القارة السمراء وإحداث توازن بين المستهلكين والمنتجين، كما رسخت علاقاتها مع شركائها في أوروبا الذين أجمعوا على أن الجزائر تبقى شريكا طاقويا موثوقا.
من هذا المنطلق باشرت الجزائر مشاريع تعاون هامة مع أوروبا في مجال الطاقات المتجددة ولاسيما الهيدروجين الأخضر، حيث ينظر إلى الجزائر على أنها المصدر المستقبلي الرئيسي لتزويد الاتحاد الأوروبي باحتياجاته الطاقوية في ظل القوانين الجديدة التي يتم التحضير لها لاحترام المعاهدات المتعلقة بحماية المناخ والتي ستعرف تسارعا في وتيرة النفيذ ابتداء من 2030 لتفرض منطقا جديدا يستجيب لمسار الانتقال الطاقوي. وشهد 2025 طفرة غير مسبوقة بقطاع الطاقات النظيفة بدليل الصفقات التي تم توقيعها خلال هذه السنة وتشمل الصفقات تصنيع الألواح الشمسية، تطوير محطات ضخمة للطاقة الكهروضوئية، بناء منظومات لتخزين الكهرباء بالبطاريات ومبادرات أوروبية لتمويل مشاريع الهيدروجين.
ومن أبرز الاتفاقيات المسجلة، يمكن الحديث عن مشروع الممر الجنوبي للهيدروجين الأخضر الذي عرفت تطوّرا هاما خلال السنة بفضل مذكرة التفاهم الموقعة بين الأطراف المعنية به وهي الجزائر وتونس وإيطاليا وألمانيا والنمسا، كما يتعلق الأمر باتفاق مع شركة "لونغي" الصينية تتم دراسة جدوى توطين صناعة الخلايا الكهروضوئية بالجزائر، ومشروع محطة حاسي دلاعة بقدرة إنتاجية تبلغ 362 ميغاواط، ضمن برنامج الـ1000 ميغاواط الذي أطلقته الحكومة لتعزيز قدرات البلاد في توليد الكهرباء النظيفة وتتولى شركة أوزغون التركية تنفيذه.
فضلا عن ذلك وقعت وزارة الطاقة والمناجم اتفاقية تعاون مع البروفيسور كريم زغيب، بالتعاون مع الديوان الوطني للبحث الجيولوجي والمنجمي ومجمع سونارام، بهدف تأسيس قاعدة علمية وصناعية لتصنيع بطاريات الليثيوم داخل الجزائر، يضاف اليه مشروع "طاقاتي2" الذي أحد أهم محاور الدعم الأوروبي في إطار أكبر صفقات الطاقة المتجددة بالجزائر.
من جهة أخرى، تضع أوروبا ودول أخرى مثل روسيا والصين نصب أعينها القدرات الهامة للجزائر في قطاع المناجم، الذي شهد خلال 2025 انطلاقة جديدة بعد إصدار قانون للمناجم يتضمن أحكاما تشريعية غير مسبوقة تتجه نحو تسهيل الفعل الاستثماري في هذا المجال وتشجيع استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وكذا الخبرات والتكنولوجيا لاستكشاف واستخراج الثروات المعدنية التي تكتنزها الاراضي الجزائرية، من أجل تأمين احتياجاتها من سلاسل الإمدادات الضرورية لمختلف الصناعات، لاسيما وأن الجزائر تراهن على تطوير مجموعة من المعادن الحيوية، مثل الزنك والفوسفات والحديد والألماس واليورانيوم والنحاس، إلى جانب عديد المعادن الأرضية النادرة، لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
ويعد مشروع استخراج خام الحديد من منجم غارا جبيلات من ضمن أبرز المشاريع المنجمية المهيكلة والتي بدأ العد التنازلي لتشغيلها، حيث يرتقب الشروع في الاستغلال المحلي للخام خلال الثلث الأول من العام 2026، كما يوجد خط السكة الحديدية المنجمي في مرحلة متقدمة من الإنجاز ليسهم في ربط مناطق الإنتاج بوحدات المعالجة بغرب البلاد، تمهيدا لمرحلة الإنتاج الصناعي المتكاملة.
وأعطى الرئيس تبون تعليمات بالشروع في الاستعمال المحلي للخام المستخرج من المنجم مع بداية 2026، حيث أكد على ضرورة وصول أول شحنة من خام الحديد إلى مركب توسيالي في وهران في العام المقبل. ووافق مجلس الوزراء مؤخرا على إنشاء مصانع جديدة لمعالجة الخام في تندوف وبشار والنعامة.
على صعيد آخر، تعمل الجزائر على تعزيز مكانتها في مجال التموين بالكهرباء، وهو ما تجلى في الصفقات الهامة الموقعة خلال العام 2025، الذي بدأ بتدشين محطة كهرباء ضخمة في ولاية وهران، كما تم توقيع اتفاقا مبدئيا بين الجزائر وألمانيا بشأن إدخال خلايا الوقود في توليد الكهرباء، فضلا عن العمل على إنجاز المشروع المدمج "ميدلينك" والمتمثل في إنجاز حوالي 5000 ميغاواط من الطاقة المتجددة مع إنجاز شبكة نقل عبر خط بحري بقدرة 2000 ميغاواط من التوتر العالي المستمر الذي يربط الجزائر بإيطاليا.
وتنتج البلاد أكثر من 96.3 تيراواط/ساعة سنويا، وهي قادرة على تلبية ذروة استهلاك تجاوزت 20 ألف ميغاواط، بفضل قدرة مركبة تصل إلى 27.33 ألف ميغاواط. كما خطت صناعة توربينات الغاز في الجزائر خطوة هامة بتوسيع صادرات البلاد من هذه التجهيزات خلال 2025، بفضل شركة "جنرال إلكتريك- الجزائر" للتوربينات التي أعلنت عن دخول أسواق جديدة في منطقة الشرق الأوسط ومفاوضات مع سوريا ودول إفريقية.