إمكانيات وثروات هامّة تضمن لها الريادة الاقليمية

الجزائر قطب اقليمي جهوي وشريك استراتيجي

الجزائر قطب اقليمي جهوي وشريك استراتيجي
  • 145
 حنان حيمر حنان حيمر

 ❊ قاطرة لتنويع الاقتصاد ورفع حجم الصادرات خارج المحروقات

 ❊ استراتيجية مناقصات "طموحة"

❊ تنمية كلّ أشكال الطاقات المتجدّدة

 ❊ تطوير التقنيات والحلول التكنولوجية والتكيّف مع المتطلّبات البيئية

❊ خطط تطويرية جريئة لصناعة النّفط والغاز

تملك الجزائر كلّ المؤهلات للحفاظ على مكانتها الجهوية والدولية في مجال الطاقة، رغم التحوّلات المتوقّعة في هذا القطاع مستقبلا، والنّاتجة خصوصا عن متطلّبات الانتقال الطاقوي والتوجّه أكثر فأكثر نحو استخدام الطاقات المتجدّدة. فكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ لبلادنا القدرة على التكيّف مع المتغيّرات بفضل تنوّع ثرواتها، الذي يسمح لها بأن تستمر في لعب دور محوري لتظل قطبا ضامنا للأمن الطاقوي على المستويين الداخلي والخارجي.

يعدّ قطاع الطاقة رافدا أساسيا للاستقلال الاقتصادي للبلاد، حيث اتّجهت الدولة في السنوات الأولى من استرجاع السيادة الوطنية إلى استكمال ثورتها الاقتصادية بتطبيق مبدأ تأميم المحروقات ثم المناجم، لتباشر بذلك سيطرتها على الثروات الوطنية الباطنية التي أكّدت السنوات أهميتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

ومازال قطاع الطاقة اليوم بعد 63 سنة من الاستقلال، يمثّل ركيزة صلبة للنّمو الاقتصادي، حيث يعدّ المموّل الأساسي لميزانية الدولة، وهو كذلك الضامن للأمن الطاقوي المحلي والجهوي، إذ تعدّ الجزائر المموّن الرئيسي لأوروبا من الغاز الطبيعي منذ عقود ما أهّلها لتكون الشريك الأوثق بالنّسبة لبلدان القارة لاسيما في فترة الأزمات.

والتطلّع في الوقت الراهن متوجّه نحو التحوّلات الحاصلة في هذا القطاع، حيث تعمل بلادنا على مواكبة التطوّرات التي تسمح بالاستمرار في لعب أدوار أولى في مجال الطاقة الذي يسير نحو آفاق جديدة تراهن على الطاقات المتجدّدة والنّظيفة، وتجعل من البصمة الكربونية المعيار المستقبلي لدخول الأسواق الخارجية من جهة، وتطمح من جهة أخرى إلى جعل قطاع الطاقة قاطرة لتنويع الاقتصاد ورفع حجم الصادرات خارج المحروقات.   

تطلّعات القطاع في 2025

ووفقا لما خطّط له قطاع الطاقة لسنة 2025، يتم العمل على تحقيق زيادة بنسبة 2.5% في الإنتاج الأوّلي من المحروقات من أجل الوصول إلى 206 ملايين طن مكافئ نفط، مع تعزيز القدرة الإنتاجية للطاقة وتحقيق مشاريع جديدة في مجالات المناجم والبتروكيماويات وتحلية مياه البحر، بما يعزّز الاستقلالية الاقتصادية وتنويع الصادرات الجزائرية.

إذ تخطّط الجزائر لتنفيذ "استثمارات كبيرة" في القطاع من هنا إلى غاية 2028، تشمل خصوصا تعزيز طاقات الإنتاج وتحويل المحروقات، من خلال تعزيز شراكاتها مع الشركات الكبرى المالكة للتكنولوجيات الحديثة، بالاعتماد على المزايا التي يضمنها قانون المحروقات الجديد، والتي أكّدت نتائج آخر مناقصة دولية أنّها جذّابة للمستثمرين الأجانب.حيث فازت خمسة مواقع من بين ستة بعقود استثمار، بعضها من طرف شركات طاقة أجنبية تدخل الجزائر لأوّل مرة، وهو ما جعل القائمين على المناقصة يصفونها بالنّاجحة ويعتبرونها عاملا محفّزا للعروض القادمة في مناقصة 2025.   

ووضعت الجزائر استراتيجية مناقصات "طموحة" لاستكشاف المحروقات تمتدّ على فترة خمس سنوات، تتضمّن إصدار دعوة واحدة سنويا حتى عام 2029. ويضمن هذا الإطار طويل الأجل تدفّقا ثابتا من فرص الاستثمار في قطاع الطاقة، ما يتيح للجزائر أن تكون لاعبا موثوقا واستراتيجيا في المشهد العالمي.

بالموازاة مع تعزيز إنتاج المحروقات تواصل الجزائر مساعيها لتطوير كلّ أشكال الطاقات المتجدّدة في إطار استراتيجيتها الخاصة بالانتقال الطاقوي والتي تتضمّن البرنامج الوطني للطاقات المتجدّدة، الذي تصل قدرته الإجمالية إلى 15 ألف ميغاواط من الطاقة الكهروضوئية بحلول عام 2035، حيث تم الشروع من قبل سونلغاز في إنجاز 3200 ميغاواط كمرحلة أولى، فضلا عن الاهتمام المتزايد بتطوير مجال البيتروكيماويات بمشاريع ضخمة مع عدد من الشركاء، إضافة إلى استكشاف قدراتها من الهيدروجين الأخضر الذي أصبح محل اهتمام بالغ من طرف المستثمرين الأوروبيين.

إقليميا.. الجزائر مركز رئيسي للطاقة

تهدف الجزائر إلى التحوّل إلى مركز رئيسي للطاقة على المستوى الإقليمي، ومفترق طرق لتبادل الطاقة بفضل العديد من المشاريع العملاقة الطموحة على غرار المشروع الضخم لربط شبكة كهرباء الجنوب الكبير بالشبكة الشمالية باستثمار يتجاوز 3 ملايير دولار، حيث ستعمل هذه الشبكة على تعزيز إمدادات الكهرباء المحلية وفتح آفاق التصدير إلى أوروبا، مع إنشاء طرق جديدة لتزويد البلدان المجاورة والمرور نحو العمق الإفريقي.

ويعدّ المشروع المدمج "ميدلينك" والمتمثّل في انجاز حوالي 5 آلاف ميغاواط من الطاقة المتجدّدة مع إنجاز شبكة نقل عبر خط بحري بقدرة 2000 ميغاواط من التوتر العالي المستمر الذي يربط الجزائر بإيطاليا مثالا حيا على ذلك. 

وشكّل التوقيع على الإعلان المشترك للنّوايا السياسية لتعزيز التعاون في مشروع الممرّ الجنوبي للهيدروجين بداية العام الجاري، بين الدول الأوروبية والجزائر خطوة هامة في مسار تجسيد أحد أهم المشاريع الطاقوية في منطقة المتوسط. 

وإضافة إلى الإنتاج باشر القطاع برنامجا واسعا للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة وخفض الحجم الإجمالي للغاز المحترق إلى أقل من 1 بالمائة بحلول عام 2030، بالإضافة إلى الانضمام إلى عدّة مبادرات مثل مبادرة التخلّص من الحرق الروتيني بحلول عام 2030، وهدف الوصول إلى "صفر غاز الميثان" للحدّ من انبعاثات غاز الميثان المرتبطة بعملياتها.

ويتم في السياق، تطوير الشراكات لاستكشاف التقنيات والحلول التكنولوجية التي تهدف إلى تجسيد هذه الأهداف والاستخدام الأمثل للغازات المسترجعة، بالاستعانة بالبلدان التي لها باع في هذا المجال مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تركّز الجهود الحالية على التكيّف مع المتطلّبات البيئية بهدف الحدّ من آثار التغيّرات المناخية مع تعزيز مكانة الجزائر كمورد موثوق للطاقة على الساحة الدولية. وتؤكّد الجزائر في هذا الإطار على دور الغاز الطبيعي باعتباره طاقة "محورية" للتحوّل الطاقوي العالمي.

إجماع على المكانة الريادية للجزائر

تجمع التقارير المنشورة على عدّة مستويات على ريادة الجزائر للمشهد الطاقوي الجهوي، وعلى قدراتها الهامة في التحوّل نحو الطاقات المتجدّدة وتجسيد الانتقال الطاقوي، ذلك ما أكّده مؤخّرا تقرير الغرفة الإفريقية للطاقة الذي أبرز أنّ الجزائر مورّد رئيسي لأوروبا بفضل امتلاكها لأكبر احتياطيات الغاز في منطقة شمال إفريقيا، مشيرا إلى أنّها تمكّنت من تعزيز صادراتها لتلبية الطلب المتزايد في أوروبا، حيث توفّر بنيتها التحتية الحالية بما في ذلك خطوط الأنابيب التي تربطها مباشرة بجنوب أوروبا، أساسا متينا لتوسيع دورها كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي.

كما أشار التقرير، إلى مكانة الجزائر في سوق الغاز الطبيعي المسال بفضل توفّرها على قدرة تمييع وكميات تصدير كبيرة، والقدرة على نقله بسرعة وكفاءة إلى أوروبا ما يمنحها ضمن منطقة شمال إفريقيا "ميزة تنافسية"، خاصة في أوقات الطلب المرتفع أو انقطاع العرض من مناطق أخرى.

وأكّدت الغرفة الإفريقية للطاقة، كذلك أنّ الجزائر نفّذت خططا تطويرية جريئة لصناعة النّفط والغاز سعيا منها لترسيخ مكانتها كمركز تصدير دولي، مشيرة إلى أنّ بلادنا تواصل جذب رأس المال الأجنبي من خلال تعزيز الشراكات وتحسين شروط العمل، وتعمل على تنويع مصادر طاقتها ما يؤهّلها لأن تكون نموذجا يحتذى به في إفريقيا.من جهتها، توقّعت المنصّة الاستثمارية العالمية "إنرجي كابيتال أند باور" تعزيز مكانة الجزائر في سوق الطاقة العالمية، بفضل انجاز العديد من المشاريع الكبرى التي ستظهر أولى ثمارها ابتداء من العام الجاري، وتشمل الغاز الطبيعي والكهرباء والطاقات المتجدّدة.

وتحدّثت بالخصوص عن مشروع تعزيز الغاز في حاسي الرمل بتكلفة 2.3 مليار دولار، ويتضمّن إنشاء ثلاث محطات تعزيز للغاز وترقية نظام تجميع الغاز وسيوفّر 188 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا، إضافة إلى مشروع تطوير حقل الغاز ببركين، الذي يتضمّن حفر 24 بئرا جديدا وإنشاء مرافق إضافية لمعالجة الغاز، ومشروع إنجاز كابل كهرباء تحت البحر يربط الجزائر بإيطاليا، وكذا إنتاج الهيدروجين الأخضر ونقله عبر الممر الجنوبي بقدرة 4 ملايين طن سنويا، ومشروع توليد الطاقة ذات الدورة المركّبة بكلّ من بسكرة وبلارة في جيجل.

إعانة الدّول الصديقة والشّقيقة

إذا كانت مكانة الجزائر الطاقوية واضحة المعالم اقتصاديا، فإنّها توظّف أيضا في المجال الإنساني من خلال استغلال القدرات الوطنية لدعم بعض البلدان الشّقيقة والصديقة، وهو ما ظهر على سبيل المثال لا الحصر، في منح كميات من الفيول اللازمة لتشغيل محطات توليد الكهرباء في لبنان، التي عاشت أزمة طاقة حادة العام الماضي، وكذا الشروع في استثمار سونلغاز بالنيجر، من خلال إنشاء محطة لتوليد الكهرباء إضافة إلى دراسة مرافقة مشروع تطوير شبكة نقل وتوزيع الكهرباء بهذا البلد المجاور والدعم في مجال التكوين.

وأعطى رئيس الجمهورية السيّد عبد المجيد تبون، مؤخّرا، توجيهات تم بموجبها إيفاد فريق من الإطارات والخبراء والتقنيين التابعين لمجمع سونلغاز إلى سوريا، بهدف الوقوف ميدانيا على وضعية قطاع الكهرباء وتشخيص التحدّيات واقتراح خطة عمل مفصّلة لدعم قدرات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، وكذا صيانة الشبكات والمعدات الكهربائية الحيوية التي تعرّضت لدمار كبير.

المناجم.. مشاريع هيكلية ضخمة وقانون جديد

تعطي الحكومة، أهمية بالغة لمجال المناجم الذي ينتظر أن يكون موردا كبيرا للمداخيل ومخلّصا للبلاد من تبعيتها للاستيراد، حيث تراهن الحكومة على إنتاج المعادن وتحويلها وطنيا حتى تكون في خدمة الاقتصاد المحلي، ووسيلة لتعزيز الصادرات خارج المحروقات، وهو ما يظهر في إطلاقها لمشاريع مهيكلة ضخمة تتعلّق خصوصا بإنتاج الحديد في غارا جبيلات والفوسفات في شرق البلاد والرصاص والزنك ببجاية، كما شُرع في دراسة تطوير إنتاج بطاريات الليثيوم باستغلال القدرات المعدنية الموجودة.

وانطلاقا من هذا المبدأ تم وضع مشروع قانون جديد منظم للنّشاطات المنجمية لا يحصر النّظرة إلى هذا القطاع من زاوية الجدوى الاقتصادية فقط، بل يولي أهمية كبرى إلى البعد البيئي وضمان استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، كما يولي أهمية بالغة لتعزيز المحتوى المحلي في جميع مراحل النشاط المنجمي.

وهو إطار قانوني يقوم على "الواقعية" لإعادة الثقة للمستثمرين، وإطلاق ديناميكية تنموية جديدة من قلب ثروات البلاد الطبيعي وله أبعاد استراتيجية وحاسمة، تتمحور حول تطوير القدرات الوطنية على الاستكشاف والتقييم الجيولوجي والانطلاق الفعلي في الاستغلال وضمان عائدات معتبرة للدولة.

فالجزائر إلى غاية الآن، ورغم ما تختزنه من موارد هامة ومتنوّعة لم تصل بعد إلى المكانة التي تجعلها قطبا معدنيا إقليميا أو عالميا، وهو ما يؤكّد الحاجة الماسّة إلى استثمارات مكثّفة في الاستكشاف المنجمي باستخدام تكنولوجيات حديثة تتطلّب شراكات مع شركات عالمية تملك الخبرة والتقنيات والموارد المالية اللازمة.

تعاون مكثّف.. ووفود من كلّ البلدان

تبرز أهمية قطاع الطاقة ببلادنا في الزيارات المكثّفة لمسؤولين ورؤساء شركات عالمية في هذا المجال إلى بلادنا. من أبرزها الزيارة الأخيرة لوفد من شركة "شيفرون" الأمريكية ولقائه مع رئيس الجمهورية، حيث تم الاتفاق المبدئي من أجل التفاوض ومباشرة العمل، إضافة إلى استقبال الرئيس تبون، لوفد من شركة "إيكسون موبيل" الأمريكية الذي أكّد ممثلها التطلّع للمضي سريعا في الاستثمار بالجزائر والتعاون في تطوير إنتاج المحروقات.

وكان لوزير الدولة وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة محمد عرقاب، خلال العام الجاري، لقاءات متعدّدة لا يمكن حصرها مع مسؤولين في القطاع، من بينهم سفير كازاخستان لدى الجزائر أنوربك أخمتوف، حيث تمّ الاتّفاق على تشكيل فريق عمل من خبراء البلدين يتولى تحديد ومتابعة مشاريع التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة.

كما استقبل الوزير، مؤخّرا، رئيس الشركة الروسية "جيوتاك" رومان بانوف، حيث تم تقديم عرضين تقنيين مفصلين حول قدراتها في ميدان البحث والاستكشاف عن المحروقات برا وبحرا، ونشاطها في الاستكشاف المنجمي العميق.

واستقبل وزير الدولة، الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، جمال عيسى اللوغاني، حيث تم التشديد على دعم الجزائر الثابت والدائم لمساعي تطوير آليات العمل المشترك داخل المنظّمة وتوسيع مجالات التعاون العلمي والتقني في القطاعات النّاشئة، لاسيما ما يتّصل بتخزين الطاقة من خلال تطوير سلسلة القيمة الخاصة بمعدن الليثيوم وصناعة البطاريات.

كما تمّ مؤخراـ بحضور مفوّضة الطاقة والبنية التحتية بالاتحاد الإفريقي، ليراتو دوروثي ماتابوجي، تدشين المقر الرسمي للجنة الإفريقية للطاقة بالجزائر العاصمة، وهي مناسبة تم خلالها تجديد تأكيد الجزائر حرصها على دعم التعاون الإفريقي.

وتم التأكيد على ذلك أيضا خلال الدورة السابعة عشرة لقمة الأعمال الأمريكية ـ الإفريقية المنعقدة بالعاصمة الأنغولية لواندا، من طرف ممثل رئيس الجمهورية، وزير الطاقة محمد عرقاب، الذي تحدّث عن ضرورة تكثيف التعاون بين الدول الإفريقية الأعضاء في المنظمة الإفريقية للدول المنتجة للبترول من أجل تحقيق استغلال أمثل للموارد النّفطية والغازية، بما يساهم في ضمان الأمن الطاقوي وتنمية اقتصادات القارة.