مختصون في علوم الإعلام والاتصال يؤكدون:
التنوع في المادة الإعلامية يفتقر إلى استراتيجية وطنية موحدة

- 1977

انقسمت أراء الأساتذة المختصين في علوم الإعلام والاتصال، حول مدى تأثير التنوع الكبير في المادة الإعلامية اليوم على المواطن إلى رأيين، فهناك من يرى بأن هذا التنوع لم يخدم المواطن بقدر ما شوش عليه وأزعجه، في حين يرى آخرون أن هذا التنوع بقدر إيجابيته لم ينعكس على ما يجري تداوله أو تناوله كمادة تهم القارئ وتفيده.
كانت البداية مع حسين صفوان، أستاذ في الإعلام بجامعة الجزائر "3"، الذي قال ردا على سؤالنا حول مدى تأثير التنوع الإعلامي الكبير، اليوم على المواطن: "إن المادة الإعلامية شحيحة، لأن ما يجري تداوله اليوم سواء في الصحف أو في مختلف القنوات عبارة عن أخبار بسيطة، وفي بعض الأحيان مركبة، غير أن المادة الإعلامية الجيدة التي تأخذ شكل التحقيق أو الروبورتاج أو التقارير قليلة أو تكاد تكون غائبة، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، الربط بين وسائل الإعلام والمصدر التكنولوجي للمادة الإعلامية، أي أن ما يتم تناوله كمادة إعلاميا عبارة عن نقل وإعادة صياغة للمادة التي تأخذ من الأنترنت، حيث يجري إعادة صياغتها وإضافة عنصر التشويق إليها، بالتالي ما يفتقر له الإعلام الجزائري هو عدم محاولة استقطاب الرأي العام وقيادته.
ويرجع الأستاذ حسين عدم تأثير المادة الإعلامية في المواطن، رغم الوفرة، إلى افتقار هذه الأخيرة لعنصر الاستقطاب، بمعنى أن يشرح المختص في علم الإعلام "أن المادة الإعلامية في الجزائر فقدت خاصية التأثير على اتجاهات وآراء المواطنين وتبنت مسار الإخبار الجاف، ومنه نصل إلى قناعة مفادها أن الزخم في المادة الإعلامية لم يشتت الرأي العام ولم يقيده، وفي اعتادي، السبب الرئيسي هو غياب إستراتيجية إعلامية وطنية واضحة المعالم، ومن ثمة أعتقد أن التنوع في المادة الإعلامية بالجزائر يأخذ شكل قوة إزعاج للمواطن، لأن هدفها الأساسي الوصول إلى اتخاذ القرار السياسي كشريك".
من جهته، يرى الأستاذ عمر بداوي مختص في الدراسات الإعلامية بجامعة الجزائر 3"، أن تطور الصحافة في الجزائر من حيث الكم شيء إيجابي في حد ذاته، لكن لا يعني أن ما تقدمه من عناوين يكون أيضا إيجابيا، لأن الملاحظ ومنذ الانفتاح الإعلامي، بروز العديد من العناوين، غير أن المواد التي تتناولها مرتبطة بما يمكن لها أن تجلبه من ربح، بدليل أن أغلب العناوين تختار تناول المواضيع ذات طابع تهويلي أو تلك المرتبطة بالجريمة التي تجلب الكثير من القراء، خاصة الشباب. بالتالي الصحافة رغم التنوع، ـ ساهمت في تضليل القارئ خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض المفاهيم والمصطلحات الجديدة التي ظهرت في الساحة كالتعددية والديمقراطية وحقوق المرأة، ولم تساهم الصحافة في توضيحها بقدر ما ساهمت في إضفاء نوع من الضبابية على هذه المفاهيم.
الوفرة في المادة الإعلامية بقدر ما هي إيجابية سلبية، يقول الدكتور في علم الاتصال، الأستاذ حسان حيمران، فهي من جهة تلعب دورا بارزا في اطلاع الجماهير العريضة على ما يجري حولها بطرق مختلفة، إلا أن أكثر ما يعيبها، هو أنها لا تختلف عن بعضها البعض من حيث المادة التي يجري تناولها، لأن الأخبار والبرامج المستهلكة تكاد تكون نفسها، ومن ثمة هذا التناسق لا يعطي إضافة للقارئ الجزائري، مما يعني أن الزخم الكبير في المادة الإعلامية ليس بالإضافة الهادفة، وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند الأستاذة أسماء حسناوي، مختصة في علم الاتصال التي تؤكد أن الإعلام اليوم في الجزائر، على قدر التعدد في العناوين الذي يعتبر إنجازا إيجابيا، غير أنه لم يحقق الشفافية المطلوبة، مما يجعنا نقول بأن التعدد لم يخدم المواطن، كما كان يفترض بسبب ضعف تكوين الصحفي وكذا مصادر الخبر.
في حين يعتقد الأستاذ عثمان بالقاسم، مختص في الإعلام أن أول المساوئ التي يجري تسجيلها عند الحديث عن الكثرة في المادة الإعلامية، هي التماثلية بالمادة في حد ذاتها، إذ نلاحظ يقول: "أن العشرات من العناوين، في حقيقية الأمر ما هي إلا نموج حصري عن يومية واحدة أو موحدة المصدر كالاعتماد، مثلا، في المصدر على وكالة الأنباء الجزائرية أو على ما يجري تناوله بالوكالات العالمية، مما يوحي للقارئ الجيد بأن السياسات التحريرية لهذه المؤسسات توجه بجهاز واحد على حساب الاستثمار في بعض الأنواع الصحفية المهمة، كالتحقيقات والروبورتاجات الميدانية".