فيما يتحكم مرصد البيئة في النفايات الصناعية

التلوث الجوي خارج مجال المراقبة

التلوث الجوي خارج مجال المراقبة
  • القراءات: 4756
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

يلعب المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة دورا هاما في حماية البيئة والمحافظة على المحيط، غير أن نشاطه يركز على مراقبة المصانع وما تفرزه من نفايات خاصة تلك السائلة. ورغم أن من مهامه كذلك الاهتمام بمراقبة التلوث الجوي إلا أن هذا الجانب لم يرق إلى المستوى المطلوب، حيث يبدو أنه صار خارج مجال المراقبة، لاسيما بعد توقف كل محطات مراقبة التلوث الجوي التي أحدثتها؛ سواء الثابتة أو المتنقلة عبر ثلاث ولايات؛ مما يطرح أكثر من سؤال.

أكدت المكلفة بالإعلام بالمرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة سهيلة فاطمي لـ «المساء»، أن مؤسستها تتعامل مع الوحدات الصناعية، وتحارب التلوث الصادر عن هذه الوحدات، لكونه يمسّ بصحة وحياة المواطن، لاسيما إذا تعلق الأمر بتدفق المياه الملوثة التي تفرزها المصانع في مجاري الوديان أو قنوات الصرف الصحي بدون معالجتها وتطهيرها من المواد الكيماوية التي تؤثر على المحيط بما فيها المياه الجوفية. وترى محدثتنا أن الاهتمام بهذا الجانب مهم؛ لأن نفايات المصانع أخطر من النفايات المنزلية، والتي تتكون من مواد عضوية وأخرى يمكن استرجاعها كالورق والبلاستيك وغيرهما. إلى جانب ذلك فإن نتائج التلويث الناتجة عن الوحدات الصناعية يمكن أن تمس عددا أكبر من الساكنة.

تقول السيدة فاطمي إن أصحاب المصانع ملزمون بالتعاقد مع المخابر لإعداد كشف تحاليل النفايات السائلة بصفة دورية، وتقديمها لمديرية البيئة على مستوى الولاية، وأن المرصد باعتباره مؤسسة ذات طابع صناعي وتجاري، يقوم بهذه المهمة لفائدة المصانع، فيما تقوم مديرية البيئة بمراقبة مدى التزام هذه المصانع بذلك، وفي حالة التجاوزات يتم ردعها وفقما ينص عليه القانون، قائلة: «عندما يتم تسجيل حالة تلويث للمحيط من طرف مصنع في بلدية ما، نقوم تبحسيس صاحبه، وننصح بضرورة الالتزام بمواثيق حماية المحيط، وفي حالة الامتناع نقوم بإشعار مديرية البيئة التي تنفّذ مهمة الردع».

وذكرت محدثتنا أنه يستوجب تكثيف عملية التحسيس مادامت الوضعية البيئية لا تبعث على الارتياح؛ «المرصد غير راض عن الوضعية البيئية؛ لأن الثقافة البيئية غائبة»، والمشكل أن القوانين لا تطبَّق مائة بالمائة، حيث يستلزم التنسيق بين القطاعات، واستغلال الإعلام في عملية التوعية والتحسيس».

ولم تُخف المسؤولة أن المرصد يهتم بالتلوث الجوي في المناطق الحضرية، من خلال مخطط «سماء صافية»؛ «ثلاث محطات بالجزائر، سكيكدة وعنابة توقفت، كنا نرقب يوميا حالة الجو؛ كانت محطة متنقلة واحدة، توقفت المحطات، بها نظام حساس توقفت منذ 2010، كنا ننشر المعلومة بالعاصمة لكن توقف».

وعن التلوث الصناعي الجوي تعترف محدثتنا بأن مصانع الإسمنت لاتزال تهدد صحة المواطنين، ومنها مصنع الرايس حميدو الواقع وسط التجمعات السكنية بغرب العاصمة، حيث لم تتمكن الجهات الوصية من حل مشكل الغبار المتطاير من المصنع، وكذلك الأمر بالنسبة لمصنع مفتاح بولاية البليدة، إلى جانب مصنع التبغ بباب الوادي، الذي تتأسف ممثلة المرصد لبقائه مدة طويلة من دون تحويله خارج المنطقة الحضرية، قالت: «من المؤسف أن مؤسستنا (أي المرصد) محاطة بأربعة مراكز لمصنع التبغ، تبعث بدخانها في الجو بدون احترام قوانين البيئة»، مؤكدة أن هيئتها تعمل بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، وتساعدها في تنفيذ برامجها التحسيسية والتوعوية، مشيرة من جهة أخرى، إلى ضرورة التركيز على تربية النشء، من خلال دعم المناهج التعليمية بدروس كافية في مجال المحافظة على البيئة.

للإشارة، تم إنشاء المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 02-115 المؤرخ في 03 أفريل 2002، تحت وصاية وزارة البيئة، وهو هيئة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري ويدار من قبل مجلس الإدارة برئاسة مدير تنفيذي ويساعده لجنة علمية. وتتلخص مهام المرصد في وضع شبكات الرصد وقياس التلوث وحراسة الأوساط الطبيعية وتسيير ذلك، وجمع المعطيات والمعلومات المتصلة بالبيئة والتنمية المستدامة لدى المؤسسات الوطنية والهيئات المتخصصة، ومعالجة المعطيات والمعلومات البيئية قصد إعداد أدوات الإعلام، والمبادرة بالدراسات الرامية إلى تحسين المعرفة البيئية للأوساط والضغوط الممارسة على تلك الأوساط وإنجاز هذه الدراسات أو المشاركة في إنجازها، ونشر المعلومة البيئية وتوزيعها، كما يتوفر المرصد على 4 مخابر جهوية: الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة ورقلة، و10 محطات مراقبة بكل من عين الدفلى، سعيدة، مستغانم، الجلفة، النعامة، تيارت، سكيكدة، عنابة، باتنة وبرج بوعرريج. كما يجري تجهيز 5 محطات ببسكرة، غرداية، المسيلة، تمنراست وتبسة، ومحطتان في طور الإنجاز: بإيليزي وتلمسان.

ممثلة الوكالة الوطنية للنفايات لـ «المساء»: أحياء نجحت في الفرز الانتقائي وبلديات تبحث عن الحل

تقوم الوكالة الوطنية للنفايات التي أنشئت بمرسوم تنفيذي 02-175 مؤرخ في 20 ماي 2002 خاص بتيسير النفايات ومراقبتها وإزالتها، تقوم بتقديم المساعدة للجماعات المحلية في ميدان تسيير النفايات، من خلال المبادرة بإنجاز الدراسات والأبحاث والمشاريع التجريبية أو المشاركة في إنجازها، خاصة تلك المتعلقة بالمخططات التوجيهية للقطاع. كما تقوم بنشر المعلومات العلمية والتقنية وتوزيعها، إلى جانب معالجة المعطيات والمعلومات الخاصة بالنفايات، وتكوين بنك وطني للمعلومات حول النفايات وتحيينه، فضلا عن برامج التحسيس والإعلام والمشاركة في تنفيذها.

وقد فضلت «المساء» الخوض في مهام هذه الهيئة ذات الطابع الصناعي والتجاري، ومناقشة بعض النقاط ذات الصلة بمسؤولية تدهور المحيط، وعدم قدرة البلديات على التكفل الأحسن بهذا الملف، حيث التقينا مديرة تطوير الاقتصاد الأخضر بالوكالة الوطنية للتفايات، أسماء آمال، التي شرحت لنا دور الوكالة ومجال تحركاتها وعلاقاتها بمختلف الهيئات، ومنها البلديات والجمعيات. وأكدت محدثتنا أن الوكالة المذكورة سجلت تحسنا في عملية الفرز الانتقائي داخل الإدارات، حيث وفّرت حاويات خاصة بجمع الأوراق التي تستعملها الإدارات بكثرة.

تحسن في اهتمام البلديات بتسيير النفايات

ترى السيدة أسماء آمال مديرة تطوير الاقتصاد الأخضر بالوكالة الوطنية للتفايات، أن تسيير هذا القطاع في الميدان يعرف نوعا من التحسن، انطلاقا من القضاء على عدد هائل من المفرغات العشوائية، واستحداث مراكز للردم التقني للتفايات، في إشارة إلى إزالة 2000 مفرغة عشوائية منذ سنة 2000، ودراسة مشاريع إنجاز عدد آخر من المراكز للقضاء نهائيا على المفرغات الفوضوية، وإحصاء 164 مركز ردم تقني بمختلف بلديات الوطن. وفي هذا الصدد ذكرت محدثتنا أن هذا لم يتأت إلا بفضل المخطط التوجيهي الوطني لتسيير النفايات، الذي يلزم كل البلديات بإعداد مخططاتها المحلية. وفي هذا الصدد أكد المصدر أن الوزارة أخذت على عاتقها منذ سنة 2000، مساعدة البلديات في إعداد المخطط التوجيهي لتسيير النفايات، الذي يقوم بجرد المعلومات الخاصة بالإمكانيات الموجودة بالبلدية والتوزيع العمراني؛ إذ إن لكل بلدية خصوصياتها من حيث الإمكانيات المادية والتجهيزات والعمال وحجم السكان وطبيعة الأحياء وغيرها لتضمينها في إعداد المخطط.

أحياء نموذجية نجحت في تطبيق طريقة الفرز الانتقائي

أكدت السيدة أسماء أن الوقت كفيل بغرس ثقافة المحافظة على البيئة، من خلال القيام بفرز مختلف النفايات التي يمكن تدويرها كالزجاج، البلاستيك، الورق وغيرها، وأن الوكالة ساهمت في هذا المسعى من خلال استحداث 27 حيا نموذجيا للفرز الانتقائي عبر الوطن. وأعطت نتائج جيدة، حيث تتكفل الوكالة بتوفير الحاويات البلاستيكية لكل نوع، مما جعل أحياء أخرى مجاورة تطالب بتوفير هذه الخدمات. وكشفت المسؤولة أن العملية نجحت في منطقة القبائل بتيزي وزو خاصة بالقرى التي تسيَّر بفضل الأعيان «تاجماعت»، وأن عدة قرى بهذه الولاية تمكّن أعيانها من توفير أماكن لفرز النفايات وبيعها الوحدات الصناعية، ومن ثم تحصيل أموال يتم استغلالها لفائدة سكان القرى. وتعتبر محدثتنا هذا النموذج البدايةَ الصحيحة في مسيرة التأسيس لنشر ثقافة بيئية، تنطلق من مبدأ المشاركة الواسعة التي لا تقصي أحدا في المجتمع.

البلديات تبحث عن الحل واهتمامها بالقطاع يتزايد

وعن مسؤولية البلديات في المحافظة على البيئة وحسن تسيير قطاع النظافة، ذكرت محدثتنا أن الأمور تسير نحو التحسن، وأنه يكفي للتدليل على مستوى الوعي، أن البلديات صارت تستشير الوكالة الوطنية للنفايات لكنها تبحث عن الحل، وتطلب التعاون معها والاستفادة من خدماتها التقنية، وكذلك الحال بالنسبة للجمعيات على مختلف تخصصاتها، التي بدأت تدرك أهمية العمل المنظم مع المؤسسات المتخصصة، مثل وكالة النفايات التي تملك كل التقنيات والبرامج والتجهيزات التي تساهم في إنجاح هذا القطاع الهام.

من جهة أخرى، ذكرت محدثتنا أن عملية التحسيس وحدها لا تكفي إذا لم تكن مرفقة بالردع والتغريم؛ فليس بإمكان كل الناس الاستجابة الطوعية والتحلي بثقافة حماية المحيط والمحافظة على البيئة. وفي هذا المجال يتوجب تحديد إطار قانوني لا يمكن الخروج عنه وإلا فلن تكون هناك نتيجة. كما لم تُخف السيدة أسماء دور المجتمع المدني المحوري في العملية التحسيسية، وأن أبواب الوكالة مفتوحة لمؤسسات المجتمع المدني للتعاون وتطبيق مختلف البرامج ذات الصلة بحماية البيئة، وانخراط المجتمع في هذا المسعى، وأن أبسط ما يمكن أن يساهم به المواطن البسيط هو التبليغ عن التجاوزات التي تطال المحيط، وطرح مختلف الانشغالات من خلال الرقم الأخضر 07 30.