في الذكرى الثانية لتولي الرئيس تبون الحكم

التزامات وعهود تحققت خلال 24 شهرا فقط

التزامات وعهود تحققت خلال 24 شهرا فقط
  • القراءات: 3114

❊ الرئيس: سأدافع عن كلّ جزائري حيثما كان عبر العالم

❊تكريس دبلوماسية جديدة.. والاستماع لانشغالات الجالية بالخارج

تمر اليوم سنتان على انتخاب رئيس الجمهورية عبد السيد المجيد تبون، رئيسا للبلاد في ظل تحديات ميزت هذه الفترة التي عرفت إصدار الكثير من القرارات شملت الجانب السياسي والاقتصادي والدبلوماسي إرساء لركائز "الجزائر الجديدة"، التي اقترنت بشعار الحملة الانتخابية للرئيس، الذي تعهد بتجسيد التزاماته 54 لبناء الصرح المؤسساتي عبر إصلاحات هيكلية جذرية. 

ورغم أن السنة الأولى من حكم الرئيس تبون، تميزت بظروف صحية استثنائية ومعطيات اقتصادية عالمية صعبة جراء تفشي وباء "كوفيد ـ 19"، إلا أنها نجحت في مسايرة المعطيات الدولية من خلال تحقيق رهان الاستقرار السياسي الذي سمح بمباشرة تغييرات أساسها دستور جديد زكاه الشعب في الفاتح نوفمبر من العام الماضي، ليكون أكبر ورشة استندت إليها باقي الإصلاحات التي تعهد رئيس الجمهورية بتجسيدها من بين التزاماته 54. ونجح القاضي الأول في البلاد، في تخطي الأصعب خصوصا بعد المخاض العسير الذي مرت به الجزائر اثر انطلاق الحراك الشعبي الذي أزاح النظام السابق بعد مطالبة الشعب بالتغيير ووضع قطيعة مع ممارسات النهب والفساد التي ألحقت أضرارا بالاقتصاد الوطني وهزت ثقته بمؤسساته، حيث سرعان ما أبدى الرئيس تبون، تضامنه التام مع مطالب الحراك الأصلي إثر انتخابه رئيسا للبلاد، لدرجة أنه أدرج "الحراك المبارك الأصيل" في ديباجة الدستور الجديد.

التزام بتلبية التطلعات المشروعة للشعب

وتحولت التزامات رئيس الجمهورية، إلى مشروع وطني رافع من أجله في أول خطاب للأمة عقب أدائه لليمين الدستورية بتاريخ 19 ديسمبر 2019، حين أعطى أبرز ملامح الجزائر الجديدة التي "ستلبي التطلعات المشروعة للشعب نحو التغيير الجذري لنمط الحكم وفق ترتيب دقيق للأولويات من خلال  "طي صفحة الخلافات ووضع اليد في اليد"، لبناء جمهورية "قوية ومهابة الجانب" واسترجاع "مكانتها بين الأمم" عبر انتهاج "استراتيجية شاملة" تهدف إلى "استعادة الشعب لثقته في دولته والالتفاف حولها" من خلال "مكافحة الفساد وإعادة بعث النمو الاقتصادي"

وتكريسا لمبدأ "الصوت المسموع" حرص رئيس الجمهورية، على إعطاء الفرصة لكل مواطن  جزائري مهما كان اختصاصه ومجاله وانشغاله لكي يسهم بقدر استطاعته في مرحلة إعادة البناء، تجسد ذلك من خلال إشرافه الشخصي على عدة لقاءات ومناسبات جمعت ممثلي السلطات العمومية والإدارة والطبقة السياسية والاقتصاديين ورجال الأعمال والحركة الجمعوية، أفضت إلى تبنّي توصيات عملية حرص عبرها على ضرورة تجسيدها على أرض الواقع بفعالية.

تكريس التوافق الوطني

وأولى رئيس الجمهورية، منذ البداية في سابقة هي الأولى من نوعها، اهتمامه بالورشات السياسية بطريقة مغايرة ورؤية جديدة، باعتبارها ركيزة انطلاق الإصلاحات الأخرى في سياق تكريس التوافق الوطني، ورسم معالم "الجزائر الجديدة" التي تهدف إلى استعادة ثقة المواطن بمؤسسات دولته، بغرض تحصين البلاد من الحكم الفردي وانزلاقاته، فضلا عن تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية لتعزيز الجبهة الداخلية. ولأجل ذلك جعل الرئيس تبون، مسألة تعديل الدستور بمثابة حجر الزاوية في بناء  الجمهورية الجديدة، وأول ورشة يفتحها مباشرة بعد أدائه اليمين الدستورية والتي أسفرت عن تنظيم الاستفتاء في الفاتح من نوفمبر 2020، تزامنا مع الاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع الثورة التحريرية.

وأجمع المتتبعون على شفافية الاستفتاء إذ لأول مرة لم تشتك التشكيلات السياسية من التزوير، في الوقت الذي كثف فيه الرئيس تبون، لقاءاته مع قادة مختلف الأحزاب والشخصيات الوطنية في اطار الحوار ضمانا للتوافق الوطني. كما يرى متابعو الشأن السياسي في البلاد أن هذا التعديل يحمل مجموعة من الآليات الدستورية الكفيلة بإحداث قطيعة نهائية مع الممارسات السابقة، فضلا عن تكريس التداول السلمي على السلطة، والفصل الفعلي بين السلطات وإحداث التوازن بينها، إلى جانب إضفاء مزيد من الانسجام على سير السلطة التنفيذية وإعادة الاعتبار للبرلمان، خاصة في وظيفته الرقابية لنشاط الحكومة.

ويتذكر الجزائريون يوم خاطبهم  الرئيس تبون، بالقول "شجعوني إذا أصبت وقوموني إذا جانبت الصواب"، ليقوم مباشرة بإطلاق عدة قنوات للحوار المباشر مع مختلف أطياف الطبقة السياسية والحركة الجمعوية التي أدلت بدلوها في دستور 2020، وفي تشكيل أول حكومة في إطار التغيير الشامل الذي مس تركيبة المجلس الشعبي الوطني عقب تشريعيات جوان الماضي، ثم انتخابات المجالس الشعبية البلدية والولائية في نوفمبر الأخير، وبعدها ترقية المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية مستقلة بصلاحيات موسعة. وتأتي رؤية رئيس الجمهورية،  في سياق إضفاء صبغة أخلاقية على الحياة السياسية، وإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة من خلال اقتراح وضع قانون انتخابات جديد يحدد شروط الترشح للمناصب، مع التزام الدولة بتمويل حملات المترشحين من الشباب لضمان عدم وقوعهم فريسة للمال الفاسد، حيث تشمل الالتزامات تجريم تدخل المال في العمل السياسي وشراء الأصوات وعدم السماح للعبث بالمال العام.

ويجمع متابعون على أن طي الورشات السياسية من شأنه أن يفسح المجال أمام الرهانات الاجتماعية، خصوصا وأنه وضع نصب عينيه انشغالات المواطن البسيط التي أخذت حيزا من محاور مخطط عمل الحكومة، في سياق الحفاظ على المكاسب الاجتماعية للدولة عبر عقلنة الدعم الموجه حصرا للفئات المعوزة، واستحداث منحة للشباب البطال وتسوية وضعية المستفيدين من جهاز الإدماج. وتأتي هذه التدابير التي تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطن، تدعيما لقرارات سابقة للرئيس تبون، شملت إعفاء أصحاب الدخل الذي يقل عن 30 ألف دينار جزائري من الضريبة على الدخل الإجمالي، والرفع من الأجر الوطني الأدنى المضمون من خلال إجراءات معلنة في اجتماعات مجلس الوزراء أو في لقاءات بين الحكومة والولاة، الذي تشكل منابر لتشريح الوضع العام وإسداء الأوامر والتوجيهات للنهوض بمناطق الظل التي تشتكي من أبسط ظروف الحياة الكريمة.

لا تراجع عن الطابع النوفمبري للدولة

والتزم رئيس الجمهورية، بالحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة ودعم الطبقات الهشة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن رغم الوضع الاقتصادي وتداعيات الجائحة العالمية، حيث وضع ملف "جيوب الفقراء" في صدارة أولويات الحكومة، بل عين مستشارا خاصا لهذا الغرض لمتابعة المشاكل الموجودة على مستوى هذه المناطق التي تتوزع على أكثر من 15 ألف منطقة.واتخذت الحكومة إجراءات للقضاء على الفوارق التنموية والاختلالات الموجودة بين ولايات الشمال وولايات الهضاب العليا والجنوب وبين المناطق الحضرية والريفية والجبلية، حيث شدد رئيس الجمهورية، على ضرورة إيجاد الحل لهذه المناطق عبر توفير الخدمات الضرورية من ماء شروب وكهرباء وطرق، حتى يشعر سكانها بأنهم مواطنون كاملي الحقوق كغيرهم من المواطنين. وعبّر رئيس الجمهورية في لقاء للحكومة بولاة الجمهورية ورؤساء المجالس الشعبية الولائية والبلدية عن رفضه لمناظر "مأساوية ومذلة لمواطنين يعيشون في القرون الوسطى خلافا لمواطنين آخرين يعيشون في القرن الواحد والعشرين، في ظروف مريحة"، مبرزا ضرورة التركيز على الحاجيات الحقيقية لسكان البلديات المحرومة، وإعلان الحرب على التبذير والإنفاق المشبوه.

وبناء على معاينات ميدانية تم تنفيذ مئات العمليات التنموية الخفيفة التي أسهمت في تخفيف معاناة هؤلاء السكان من خلال اعتمادات مالية بسيطة، غير أنها تبقى دون المستوى المأمول لرئيس الجمهورية، الذي توعد في حال الإخلال مرة أخرى بالتعليمات باتخاذ اجراءات صارمة، تفاديا لتكرار ممارسات العهد البائد، خصوصا وأن محاكمات بعض المسؤولين السابقين كشفت عن حجم الفساد الهائل الذي كان ينخر جسد الأمة، ومدى التلاعب الكبير بمقدرات الشعب الجزائري. فقد تم حصر أهم أولويات مناطق الظل بـ14 قطاعا، تتعلق أساسا بشبكات الطرق والمسالك التي تربط القرى بشبكات النقل و الكهرباء والغاز والصرف الصحي، إضافة إلى التغطية الصحية، وتوفير مياه الشرب، وتحسين ظروف الدراسة وأماكن الترفيه. وشكل اهتمام رئيس الجمهورية، بالمناطق المحرومة والنائية ارتياحا كبيرا في الأوساط الشعبية، واعتبرته مؤشرا حقيقيا للإرادة التي تحدو القيادة السياسية للبلاد، لتحقيق تنمية مستدامة وفق عدالة اجتماعية حسب مقتضيات دولة الحق والقانون.

تعزيز الترسانة القانونية لمحاربة الفساد

من جهة أخرى، يواصل الرئيس تبون، سعيه الدؤوب لتعزيز الترسانة القانونية الخاصة بمحاربة الفساد وضمان الشفافية ونشر ثقافة التقييم والمساءلة، وقرن ذلك بالحرص على الالتزام بحماية المسؤولين النزهاء، حيث جسد ذلك بتعليمات مكتوبة وأعلن عن دعمها بنظام قانوني خاص.

من أجل عدالة مستقلّة وقوية

وخلال افتتاحه للسنة القضائية 2021-2022، وذلك للمرة الأولى منذ 2012، جدد رئيس الجمهورية، تعهده باستكمال بناء دولة الحق والقانون وتكريس دعائم سلطة قضائية "قوية، مستقلة وناجعة"، مع إعطاء السلطة القضائية "المكانة المميزة التي تستحقها". وفي المجال الاقتصادي، فإن حصيلة سنتين من رئاسة الرئيس تبون،  تعتبر إيجابية مثلما تعكسه الأرقام المسجلة، حيث يرى متابعون أن الإصلاحات الهيكلية التي شهدها مجال الاستيراد، سمحت للجزائر بتحقيق توازنها المالي والحفاظ على احتياطاتها من الصرف الأجنبي دون تسجيل أي عجز في الميزان التجاري.

ولأول مرة منذ 20 سنة، بلغت قيمة الصادرات خارج المحروقات 2,3 مليار دولار، مع توقعات لأن تتجاوز مع نهاية السنة الجارية 2,4 مليار دولار، فيما يتوقع قانون المالية نسبة نمو تقدر بنسبة 3,3 بالمئة خلال السنة المقبلة. وظهر الأثر المباشر لهذه المعطيات في تعزيز استقلالية القرار السياسي ودعم المواقف السيادية للدولة الجزائرية وتحقيق الندية في علاقاتها الدبلوماسية مع باقي الدول ومختلف الهيئات والتحالفات الدولية. وعلى هذا الأساس، فإن الاستراتيجية التي رسمها رئيس الجمهورية، لتعزيز دور الجزائر إقليميا وعالميا حققت طفرة في عمل الآلة الدبلوماسية الجزائرية وساهمت في استرجاع الجزائر مؤخرا لـ"مكانتها الحقيقية" بعد "التقهقر" الذي عرفته لعدة سنوات، حيث فرضت الجزائر وجودها في عدد من الملفات الإقليمية المطروحة بصفة معلنة أو سرية.

عودة قوية للدبلوماسية الجزائرية

ومكنت العودة القوية للجزائر على الساحة الاقليمية والدولية من تسجيل حضورها الدبلوماسي عبر المنابر القارية والدولية، حيث لم تدخر جهدا في المرافعة عن القضايا العادلة على غرار قضيتي فلسطين والصحراء الغربية، فضلا عن متابعة الأوضاع في الساحل والتأكيد على مواقفها الثابتة تجاه انتهاج المقاربات السلمية في حل الأزمات ودعم الجهود والمبادرات الرامية لإحلال الأمن والسلم في المنطقة، حيث أفضت جهود الجزائر بخصوص الأزمة الليبية إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع. 

وبخصوص القضية الصحراوية أكدت الجزائر على موقفها الثابت والصريح الداعي إلى ضرورة استرجاع الشعب الصحراوي سيادته وفق مقتضيات الشرعية الدولية ولوائح الأمم المتحدة، مستنكرة الانتهاكات الخطيرة لوقف إطلاق النار التي وقعت في منطقة الكركرات.

فلسطين وقضايا التحرر.. مسألة مبدأ ووفاء

وبالنسبة لقضية فلسطين فقد جدد الرئيس تبون، صراحة موقف الجزائر المطالب بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، خصوصا  بعد إقدام دول عربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث أكد في هذا الصدد "أن القضية الفلسطينية مقدسة بالنسبة لنا وللشعب الجزائري برمته وهي أم القضايا"، معربا عن أسفه بشأن "الهرولة للتطبيع والتي لن نشارك فيها ولن نباركها".

وتأكيدا لموقفها الثابت من القضية الأم، أعربت الجزائر عن استعدادها لاحتضان لقاء للفصائل الفلسطينية قصد تكريس المصالحة بينها، وذلك بمناسبة زيارة رئيس دولة فلسطين، محمود عباس، حيث منحت الجزائر مساهمة مالية  بقيمة 100 مليون دولار، حفاظا على سنة التضامن والتآزر مع القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تستعد فيه لاحتضان القمة العربية، أواخر شهر مارس الداخل، حيث تتطلع الجزائر لأن تكون قمة للم الشمل بين الاشقاء العرب. وفيما يتعلق بالملف الليبي فقد احتضنت الجزائر اجتماعا وزاريا ناجحا  لمجموعة دول جوار ليبيا، نهاية شهر أوت، بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة التي تعيشها البلاد، وذلك في الوقت الذي أكد فيه الرئيس تبون، أن الجزائر تبقى  رهن إشارة ليبيا وجاهزة لمساعدتها في حلحلة مشاكلها.

وبغرض تكريس التقارب بين الاطراف الليبية فقد استقبلت الجزائر شخصيات من هذا البلد ، من منطلق تمسكها بإيجاد حل ليبي- ليبي ووقوفها على مسافة واحدة مع كل الاطراف. كما شهدت الجزائر خلال السنتين الماضيتين زيارات لوفود أجنبية كثيرة على أعلى مستوى، على غرار زيارة الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا ، التي تعد  الأولى من نوعها منذ 18 عاما، وكذا زيارة الرئيس التونسي قيس السعيد وزيارات لوفود أوروبية و إفريقية وعربية أخرى. وبفضل السياسة الخارجية "الواضحة" التي كرستها الدولة الجزائرية مع شركائها الدوليين، فإن العلاقات الدبلوماسية التي كانت تشوبها التعقيدات مع بعض الدول على غرار المغرب وفرنسا، أصبحت واضحة المعالم وغير قابلة للمساومات، استنادا لما تنص عليها مبادئ بيان أول نوفمبر.

لا تنازل عن الذاكرة.. والندّية مع فرنسا

وفي ذات الإطار، فإن السنتين الماضيتين كانتا سنتي الذاكرة بامتياز، حيث شهدتا عملية تاريخية لاسترجاع جماجم شهداء المقاومة وإقرار رئيس الجمهورية يوم 8 ماي يوما للذاكرة الوطنية وترسيمه والوقوف دقيقة صمت سنويا، ترحما على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر 1961 بباريس وإنشاء قناة تلفزيونية للذاكرة. كما ترأس رئيس الجمهورية، ندوة دبلوماسية جمعت ممثلي البعثات الدبلوماسية، وتم خلالها إلزامهم بتحسين صورة الجزائر بالخارج والتكفل بانشغالات الجالية الوطنية، وقال الرئيس "سأدافع عن أيّ جزائري في أيّ مكان كان من العالم"، وهي الرسائل التي لقيت ترحيبا وارتياحا وسط المغتربين.