الدكتور الباحث أحمد قريق:

الترميم وحده لا يكفي إذا لم يكمّله التنشيط

الترميم وحده لا يكفي إذا لم يكمّله التنشيط
  • القراءات: 1233
 مريم. ن  مريم. ن

يتحدّث الدكتور أحمد قريق احسن المختص في الحضارة الإسلامية عن مقام سيدي عبد الرحمن، مسجلا إعجابه وتثمينه لعملية ترميمه التي يصفها بالرائعة، لكنه يأمل، في المقابل، أن يرافق ذلك، التنشيط المستمر لهذا المعلم التاريخي المهم من خلال المحاضرات واللقاءات والخطب المسجدية، واستعادة العادات والتقاليد وإبراز تراث العلامة الفكري والديني، وغيرها من الأمور التي تحيي المكان كي لا يبقى جدرانا هامدة بدون روح. 

كيف وجدتم مقام سيدي عبد الرحمن الثعالبي بعد ترميمه؟

وجدته رائعا في ترميمه وليس فيه ما يقال خاصة بالنسبة للضريح، علما أنه تم استرجاع الألوان القديمة فيه أثناء ترميمه الرائع وذلك عن طريق الدراسات والتحاليل التي أجريت، لكن ذلك لا يكفي إذا لم يكن هناك نشاط، لقد أحسست أن المقام تم تفريغه من الجانب الروحي والحضاري ليصبح مجرد مركب سياحي، حيث تغيب عنه الصلوات وقراءة القصائد التي كانت تؤدى فيه لقرون، كما أتمنى أن تكون به مكتبة خاصة بالنشاط الثقافي تلقى فيها المحاضرات وغيرها.

يغيب عن المقام أيضا المرشد أو الدليل (السياحي مثلا) الذي يعرّف الزوّار بهذا المعلم وصاحبه، فالعاملون فيه لا يعرفون كلّ ذلك، كما لا يوجد منشور أو كتيب في مدخل المقام يعرّف بذلك..نقص أراه كبيرا في حق هذا العالم وهذا التراث، وفيما مضى كان "الوكيل" هو من يقوم بهذه المهمة لأنه يعرف كل شيء عن المكان، لكن ذلك غائب اليوم، ولا يوجد سوى إمام من مسجد آخر يأتي مرة في الأسبوع ثم يذهب أو يستبدل وذلك لا يفي بالغرض.

نرى قيمة هذا العلامة الذي يأتيه الناس من كل مكان والذين لا يمكنهم أن لا يأتوا، والسؤال المطروح هل نحن اليوم في مستوى من سبقونا وعرفوا مكانته؟، وعلينا أن نعرف أيضا ماذا نريد بالضبط من كل ذلك.

معنى ذلك أنّ الجانب الروحي والاجتماعي لا يزال غائبا عن المكان؟

بالضبط.. علينا اليوم إحياء تراث الثعالبي من خلال تقديم الكتب التي ألّفها في حياته خاصة في الحديث والتفسير ليتعرّف عليها الناس، ولعلّ من أهم ما كتبه سيدي عبد الرحمن هو "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" وهو كتاب معروف ومنتشر في العديد من دول العالم العربي والإسلامي منها تركيا وإفريقيا وبالمكتبات العالمية الكبرى، وكذا "جامع الأمهات في أحكام العبادات" و«روضة الأنوار ونزهة الأخيار".

كما ارتبط هذا المعلم بالعادات الشعبية الجزائرية المستمدة من ديننا الحنيف منها قيمة التكافل الاجتماعي، وقد كان بالمقام مطبخ كبير يحضر فيه الطعام (وليمة) كلّ خميس، حيث تذبح كباش أو عجل يدفع ثمنها الميسورون ضمن جمعية خيرية ويدعى لها الفقراء ليأكلوا في رحاب الأب الروحي لمدينة "الدزاير".

ماذا عن الجانب العلمي والتاريخي للعلامة الثعالبي؟

قبل سيدي عبد الرحمن لم تكن الجزائر عاصمة البلاد ولم تكن بالأهمية التي عرفتها بعدها، ومع استقراره بها أصبحت مركزا علميا ومقصدا لطلاب العلم ولإيجازاته، فجاءه المريدون لعلمه من تلمسان ومن الشام وغيرها، وبعد 50 سنة جاء الإخوة بربروس لتصبح الجزائر عاصمة المغرب الأوسط بعدما أعطاها سيدي عبد الرحمن مكانتها العلمية المشهورة، علما أنّ هذا التاريخ يتطلّب منا المزيد من البحث والتوثيق والقراءة عنه أيضا.

مما يذكر أنّ العلامة من منطقة يسر سافر إلى مدينة بجاية ثم إلى دول أخرى ولم يعد إلاّ بعد20 سنة، وقد درس بالقاهرة على يد ولي الدين العراقي أكبر عالم حديث في زمانه وأعطاه الإجازة العلمية، ليرجع إلى تونس والتقى بتلاميذ العالم الشهير ابن عرفة الذين شهدوا للثعالبي بالعلم .ذات مرة وفي طريقه إلى تلمسان دخل مدينة الجزائر ووجد بها طفلا يقرأ في لوحه بالكتّاب الآية "بلدة طيّبة وربّ غفور" فاعتبر ذلك فأل خير وقرّر الإقامة هنا بالعاصمة.

هل كتبه متوفّرة اليوم؟

كما سبق الذكر فإنّ للعلامة الكثير من كتب التفسير والحديث وكتب كثيرة في الوعظ من تقوى وورع وتوبة وكان له العشرات من الطلبة، وله نسخة في التفسير كتبها بخط يده وأهداها للجامع الكبير الذي كان إمامه، إضافة لمنصب القضاء والفتوى، وهذه النسخة دُرّست للطلبة لمدة قرون أي إلى غاية الأربعينيات من القرن الفارط، كما شهد بذلك العلامة عبد الرحمن الجيلالي الذي درّسه إياها مع زملائه الشيخ مفتي الجزائر بن سماية لكنها اختفت ولا أثر لها، أما بعض الأغراض فبقيت من ذلك عصاه التي كان يحملها في خطب الجمعة، كما يقال إنّ ابنته تزوجت من العلامة المغيلي ودفنت بتوات.

❊ يوجد بالمقام الكثير من الأضرحة لأسماء مهمة في تاريخنا تستحق بدورها الاهتمام أليس كذلك؟

طبعا ومن هؤلاء الولي دادا وسيدي منصور وسيدي واضح وسيدي خليف، وكذا حكّام الجزائر وبشواتها منهم أحمد باي ومصطفى وابراهيم باشا وعلماؤها وعائلاتها منها عائلة ردوسي وصولا إلى ابن شنب وأحمد توفيق المدني وغيرهم. 

ما هو المأمول اليوم ؟

أتمنى أن يتم تدارك الأمور وإعطاء روح ونفس جديدة لهذا المعلم الديني والحضاري، فللعلامة الثعالبي دور مهم في تاريخ المغرب العربي لا بدّ من احيائه زيادة على تاريخ المكان المرتبط بتاريخ الجزائر، والبداية بدأت بالترميم وعليها أن تستمر بالتنشيط، فالجدران وحدها لا تكفي كما كان الحال مع قصور ومعالم أخرى رممت ولم تكتمل صورتها بالديكور والقطع الأثرية ووسائل زمانها.