كتابة تاريخ الجزائر بعد الاستقلال

التاريخ الرسمي ليس تهمة والمهمة بين يدي المؤرخين

التاريخ الرسمي ليس تهمة والمهمة بين يدي المؤرخين
  • القراءات: 2514
مريم . ن مريم . ن

تتهم الجزائر على أنها درّست تاريخا «رسميا» لأجيال الاستقلال بعيدا عن مصادر وجهات أخرى لها ما توثقه فيما يتعلق بتاريخ المقاومة والثورة بشكل أساسي، مما لم يحصن جزائريي ما بعد 62، ويجعلهم عرضة لرياح التشكيك والبلبلة وهشاشة الانتماء، وكيف قرأت أجيال ما بعد الاستقلال تاريخ الثورة؟ وهل حقا كانت «ضحية» لما كتبه المؤرخون الأوائل ليظل هذا التاريخ الرسمي المهيمن، في حين يرى البعض ممن تحدثوا إلى»المساء» أن الجزائر قدمت ما عليها ولا تزال تجتهد للإلمام أكثر بهذا التاريخ، ووضعه بين أيدي الأكاديميين خاصة وأن جيل الثورة يرحل يوما بعد الآخر ويرحل معه تاريخنا.

الدكتور مصطفى بيطام مدير المتحف الوطني للمجاهدالتاريخ الرسمي ليس عيبا

أكد الدكتور بيطام، في حديثه إلى «المساء» على أن التاريخ الرسمي ليس عيبا، مضيفا أن كل أمر أو موضوع لا يرضي المستعمر ولا يرضي اتجاه قناعات الضفة الأخرى يطلق عليه «رسمي» وبالتالي لن يعترف بهذا التاريخ كونه يقلق بحقيقته ويجعل المستعمر صغيرا أمام العالم، ولا يزال هذا الضيق موجودا وتعكسه المواقف التي تحاول أن تمجد الاستعمار وتكافئ رجاله منهم الحركى الذين يتوشحون بنياشين الاستحقاق.

التاريخ الرسمي الذي يحارب اليوم لأنه يمثل الذاكرة الوطنية ولا يرضى عنه الآخر يستلزم ـ حسب المتحدث ـ العمل من الداخل من خلال بذل الجهد بالعمل المستمر من حيث استكمال عملية التأريخ بجمع الشهادات والوثائق وإحياء المناسبات والذكريات الوطنية، وتخليد مواقع وشواهد الثورة والترجمة، إذ لا بد على كل جزائري أن يكون سفير ثورته.

بالنسبة للتاريخ الرسمي الذي كان في زمن الشرعية الثورية قال الدكتور بيطام: «سمعنا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، منذ 10 سنوات يؤكد على أن الشرعية الثورية تنتهي مع رحيل جيل الثورة، والدور معطى لجيل الاستقلال وللأكاديميين والجامعات «وهو ما يدل على أن البرامج التاريخية يعدها ذوو الاختصاص وبالتالي لفرنسا أن تقول ما تشاء وتبرر ما تراه لنفسها وهذا لا يخيفنا لأن الشعب صانع الملحمات».

المجاهد الدبلوماسي صالح بن قبيتاريخنا مجيد ونحن نعكره

يرى المجاهد والديبلوماسي الكبير صالح بن قبي، أنه على قدر ما كان تاريخنا الوطني مجيدا على قدر ما نعكر فيه، مؤكدا أن الشعب الجزائري أدى دوره كاملا في كل مرحلة تاريخية، وأضاف أن كل ما يضر الجزائر يجب التحقيق فيه، كما ألح على دور الذاكرة والأرشيف في كتابة التاريخ.

الدكتور عامر رخيلةالدولة لا تقبل من يملي عليها تاريخ الجزائر

أكد الدكتور عامر رخيلة، أن عبارة «التاريخ الرسمي» كلام يقوله أناس يحملون قراءات سياسية للتاريخ ويمثلون تيارات مختلفة وهي لا ترقى لأن تكون موقف دولة، مضيفا أن التاريخ شأن الجزائر مثلما هو الحال مع باقي الدول، وبالتالي لا مجال لأحد أن يملي على الجزائر مضمون تاريخها، أما بالنسبة لسلامة التاريخ فهي ـ حسبه ـ من اختصاص جمهور المؤرخين.

من جهة أخرى أشار الدكتور رخيلة، إلى ضرورة غربلة وتمحيص التاريخ للاقتراب أكثر من الحقيقة التاريخية لأنها الحاضر الغائب وهذه من مهمة المؤرخين وحدهم.

يرى المتحدث أن مسألة التاريخ مهمة وإذا لم نكتب تاريخنا فإننا لا نستطيع منع الآخرين من كتابته، وقد استشهد رخيلة، بمقولة نابوليون القائلة إن «التاريخ هو الفلسفة الصحيحة»وبالتالييجبكتابةالتاريخكاختصاصعلمي.

وزير المجاهدين الأسبق محمد كشودالجزائر لم تزوّر تاريخ الثورة

أشار السيد كشود، أن هناك اعتبارات مهمة ميزت مراحل كتابة تاريخنا الوطني منذ الاستقلال الذي كان ثمنه باهظا، وفي 1962 خرجت الجزائر إلى النور بشعب أغلبه من الأميين أي بنسبة أكثر من 97 بالمائة، و2.5 يحملون شهادة الابتدائي وأضاف: «بنينا دولة من لا شيء، وعلاقتنا بالتاريخ كانت محدودة أمام تحديات الراهن والأولويات، فلقد كنّا المستعمرة الوحيدة بينما كان الاستعمار عند باقي الشعوب في شكل حماية، وبعد الاستقلال غادر المعمّرون لنتكفّل نحن ببناء الدولة».

أما بالنسبة لما يعرف «بالتاريخ الرسمي» فيقول بأنه ليس تهمة والجزائر سجلت تاريخها الوطني الذي يستحق أن يفصل أكثر، وأن يلتزم بالعلمية كي تستصيغه الأجيال وهنا أعطى مثالا حيا قائلا: «كنّا نرى في الجبال مجاهدين بسطاء استطاع بعضهم أن يوقع طائرة، وعندما يحكي أحدهم الحادثة للشباب قد لا يصدقونه ويعتبرونها مبالغة ولكنها الحقيقة التي يعلمها جيلنا، فالمجاهد في رأس الجبل تمر الطائرة فوق رأسه وقد يوقعها ببندقيته وحدث ذلك أكثر من مرة في الجبال، وهكذا في قضايا أخرى مما يتطلب التوضيح أكثر من المختصين».

استحضر المتحدث مقولة الراحل بلقاسم نايت بلقاسم، حينما قال «البترول هل هو نقمة أو نعمة؟» ليسقطها في عبارة أخرى «موقعنا الجغرافي هل هو نعمة أو نقمة؟»، حيث كان مطمعا للطامعين عبر التاريخ، ومن يقارن اليوم بين جزائر الـ50 سنة استقلال وبين مستعمر تجاوز الـ5 قرون هو غير منصف، والعمل اليوم في حقل التاريخ لا يقتصر فقط ـ حسب المجاهد كشود ـ على تاريخ الثورة، بل يتعداه إلى فجر التاريخ كي تتوضح السيرورة التاريخية لشعبنا الذي كان البطل، وبالنسبة للثورة فقد لاقت الأهمية نتيجة كونها فريدة بين ثورات الشعوب، والجزائر من 14 جوان 1830 حتى 19 مارس 1962، لم تتوقف فيها المقاومة أي بمعدل ثورة كل 10 سنوات، كما أضاف السيد كشود، أن ثورة 54 امتازت ببعض الخصائص ومن أسرار نجاحها هو تجنبها لأخطاء الثورات التي سبقتها، وقد عبّر عن ذلك الشاعر الكبير مفدي زكريا، في إلياذة الجزائر:

جمعنا لحرب الخلاص شتاتا ... سلكنا به المنهج المستبين

ولولا التحام الصفوف وقانا ... لكنّا سماسرة مجرمين.

خلص المتحدث إلى أن التاريخ الرسمي شارك فيه مجاهدون ومثقفون جزائريون وهو ليس محل شبهة أو تشويه، كما أن الدولة اهتمت بالتاريخ ويذكر أن الكثير من الملتقيات التاريخية أقيمت لأجل هذا التاريخ، منها من أشرف أو ساهم هو فيها أو كان مقررا فيها وكانت على التوالي سنة 1981، وفي 83 و86 وشاركت في بعضها شخصيات تاريخية مهمة منها الراحل بيطاط، ليؤكد هذا المجاهد الكبير أن الجزائر لم تحرف تاريخها.