قدماء المسرح بقسنطينة يعودون من دار الثقافة ‘’مالك حداد’’

التأكيد على فتح الأحضان للجيل الجديد

التأكيد على فتح الأحضان  للجيل الجديد
  • القراءات: 2045
زبير زهاني زبير زهاني

احتضنت قاعة "حليمة تواتي" بدار الثقافة "مالك حداد" بقسنطينة، مؤخرا، عددا من الوجوه المسرحية القديمة التي مدت جسور التواصل مع الجيل الجديد، بحضور شبان مدرسة المسرح بقسنطينة، بمبادرة من المخرج المسرحي والتلفزيوني علي عيساوي، الذي أبى إلا أن ينفض الغبار عن طبقة ساهمت ولو بالقليل، في تغيير المشهد الثقافي بعاصمة الشرق سنوات الستينات والسبعينات، وكان لها شرف صناعة مشهد مسرحي قسنطيني، ساهم، بدوره، في تطور المسرح الجزائري في فترة ما بعد الاستقلال.

اللقاء كان حميميا أكثر من شيء آخر، خاصة أن بعض الفنانين لم يلتقوا منذ قرابة أربعة عقود، حيث كانت المناسبة فرصة لاستذكار العديد من الوجوه التي نشطت بالفرق المسرحية القسنطينية وغادرت إلى دار الحق، حيث تم بالمناسبة، الوقوف دقيقة صمت على أرواحهم قبل عرض شريط مصور لم يتجاوز 10 دقائق، تناول أهم الأسماء التي فارقت الحياة، ونشطت عبر 14 فرقة مسرحية، على غرار فرق المركز الجهوي للتنشيط الثقافي، وفوج العمل الثقافي، والقوال، وناس الغيوان، و"3 تي أو التاءات الثلاثة"، ليالي سيرتا، وفرقة المسرح لحي المنصورة.

وخلال هذه الفعالية التي ساهمت بشكل كبير إدارة دار الثقافة "مالك حداد" في تجسيدها، تم الاتفاق بعد التشاور بين المسرحيين القدماء بقسنطينة، على تأسيس نادي المسرحيين، ليكون فضاء لتبادل الأفكار والآراء؛ خدمةً للمسرح، والالتقاء بين الوجوه الفنية، والاستماع لانشغالات أسرة المسرح، مع التأكيد في نفس الوقت، على استرجاع المقر القديم الكائن بشارع "عبان رمضان"، وتكليف لجنة مشكّلة من مسرحيين قدامى، بتوثيق كل ما دار خلال هذه الجلسة، خاصة أنها تحمل شهادات حية لمن صنعوا المشهد الثقافي بقسنطينة، وحملوا مشعل المسرح خلال السنوات التي عقبت الاستقلال.

كما تم خلال هذه الجلسة التي ميّزها تقديم "قهوة العاصر"، إحدى أقدم العادات بعاصمة الشرق، تكريم أبي المسرح الهاوي بقسنطينة، وهو الفنان عبد الله حملاوي، نظير المجهودات التي بذلها طوال عقود من الزمن في سبيل إنجاح المسرح الهاوي، الذي كان، بدوره، مطية للمسرح المحترف الجزائري، وهي المبادرة التي لاقت استحسانا كبيرا بين الحضور من فنانين قدامى، وحتى من الشباب.

وأكد المخرج المسرحي والتلفزيوني علي عيساوي، صاحب المبادرة، في دردشة مع "المساء" على هامش اللقاء، أن هذه الفعالية كانت فكرة قدّمها الفنان بوبكر حمداني المعروف باسم "بوب"، تم تطويرها وترجمتها إلى لقاء بين أسرة المسرح. وبرزت الفكرة منذ عام، لكن جائحة كورونا عطلت تجسيدها إلى غاية شهر جوان الحالي، بعدما أبدت إدارة دار الثقافة "مالك حداد"، استعدادها لاحتضان الفعالية، مضيفا أنه تفاجأ بالعدد الكبير من الفنانين، الذين لبوا الدعوة. وأوضح أن هذا اللقاء كان يهدف بالدرجة الأولى، إلى لمّ شمل أسرة المسرح القسنطيني، خاصة أن المدينة كانت تضم 14 فرقة مسرحية هاوية، بالإضافة إلى 5 فرق من المؤسسات التربوية الثانوية والجامعية.

وحسب المخرج علي عيساوي، فإن هذا اللقاء سمح بمعرفة أخبار الفنانين القدماء. كما سمح بمد جسور التواصل بين الجيل القديم والجيل الجديد، في ظل تواجد مدرسة المسرح بقسنطينة التي يشرف عليها الفنان صلاح الدين ميلاط، والتي تقدم للشباب دورات تكوينية في المسرح لمدة ثلاث سنوات وهي تجتهد لإرجاع عهد المسرح الذهبي لقسنطينة. وقال إن هناك فكرة لتجسيد عمل فني مسرحي، يربط بين الوجوه القديمة وبعض الوجوه الجديدة من الشباب المتحمسين لاعتلاء الخشبة ودخول مجال "أبي الفنون" .

ومن جهتها، أكدت السيدة أميرة دليو، مديرة دار الثقافة "مالك حداد" بقسنطينة، أن مؤسستها تفتح، دوما، الأبواب، وتشجع مثل هذه المبادرات الحسنة؛ في خطوة لتنشيط الفعل الثقافي بعاصمة الشرق الجزائري، مضيفة أن دار الثقافة منفتحة على كل النشاطات للمثقفين والفنانين بمختلف أطيافهم، من أجل خلق فرص للإبداع، واحتضان كافة المواهب.

وحسب السيدة أميرة دليو، فإن المميز في هذا اللقاء، وجود جيلين مختلفين، جيل مسرح قسنطينة خلال سنوات الستينيات والسبعينيات من العمالقة، الذين صنعوا أمجاد المسرح بعاصمة الشرق بشكل خاص، والمسرح الجزائري بشكل عام، وجيلا بدأ يرسم أولى خطاه على خشبة المسرح، مضيفة أن أبواب المؤسسة ستبقى مفتوحة في وجه هذه المبادرات، من أجل ترقية الأعمال الهادفة، والأخرى التي لها صلة بالفن والثقافة.

قالوا عن المبادرة 

عبد الله حملاويتكريمي شرفٌ كبير

"شرف كبير أن أحظى بتكريم وسط أسرة المسرح. وأشكر كل القائمين على هذه المبادرة الجميلة التي جمعتنا، وأعادت لنا ذكريات قديمة، امتزج فيها الفرح بألم الفراق للأصدقاء والزملاء الذين فقدناهم. تذكُّر أسرة المسرح وجمعهم في جلسة مثل هذه، هو، في حد ذاته، عرفان بالمجهودات التي بذلناها خلال عقود من الزمن، والتي ساهمنا من خلالها، في بعث المسرح الجزائري بعد الاستقلال.

أظن أن الفرق الهاوية لمسرح قسنطينة ساهمت، بشكل كبير، في ظهور فعالية مسرح مستغانم المحترف. كما كان له دور كبير في إثراء المشهد الثقافي والفني بالوطن خلال حقبتين من الزمن، حيث عرف المسرح ازدهارا كبيرا، قبل أن يتم تحطيمه، سواء بجهل أو بسوء نية، في خطوة أثرت على المشهد الثقافي الوطني، وحرمت المجتمع الجزائري، بشكل عام، والطبقة المثقفة، من الاستمتاع بالأفكار والرسائل النبيلة التي ينير بها أبو الفنون عقول الناس".

عنتر هلالمبادرات افتقدناها

"هي مبادرة جميلة وجيدة، ونتمنى أن لا تكون الأخيرة. نشكر كل الذين ساهموا من بعيد أو من قريب، في إنجاح هذا اللقاء. هي مبادرات افتقدناها بشكل كبير كعائلة المسرح القسنطيني. الجلسة كانت فرصة لاجتماع أعمدة مسرح الهواة؛ من ممثلين، وكتّاب ومخرجين. ولا نستطيع وصف هذه المبادرة إلا بالمبادرات الساعية لنفض الغبار عن المسرح الهاوي بقسنطينة، الذي أسس لظهور المسرح المحترف".

حقيقة، لقد غمرتنا السعادة بعدما تم دعوتنا إلى هذه الجلسة. وأتقدم بالشكر الجزيل إلى المخرج علي عيساوي، الذي ساهم، بشكل كبير، في تجسيد الفكرة، وهو ما يدل على أن قسنطينة لاتزال تضم رجالا يعملون على ترقية المسرح والعمل الفني والثقافي. كما لا أنسى أن أشكر دار الثقافة "مالك حداد" التي فتحت لنا الأبواب، واحتضنت جيلين من المسرحيين في جلسة أقل ما يقال عنها إنها عائلية بامتياز".

جمال دكارلقاء جميل والفن رسالة صادقة

"أثمّن هذه البادرة. وأظن أنها جاءت في وقتها، خاصة لفنان في مثل عمري، وصل إلى خريف العمر. وكان اللقاء مع الجيل الجديد بمثابة فرصة لنا، لتقديم خبرتنا وتجربتنا في هذا الميدان. كان فرصة، أيضا، لرؤية وجوه من الذين عملوا معنا على خشبة المسرح لمدة فاقت 30 سنة. هذه المبادرة ستسمح بتواصل الأجيال في المسرح المحترف أو المسرح الهاوي. وبقدر ما فرحنا بهذا اللقاء بقدر ما آلمنا وفتح الجروح رؤية صور بعض الزملاء الذين تقاسموا معنا نجاحات وخبرات، وغادروا هذه الحياة، لكنها سنّة الله في خلقه. ندعو لهم بالرحمة والمغفرة. وأوجّه رسالة من هذا المنبر، إلى الشباب الراغبين في اعتلاء خشبة المسرح بالصدق في أعمالهم، والابتعاد عن الغش الذي امتلأت به الساحة، فالفنان، حسب رأيي، رجل مثقف، ويجب أن يملك وسائل تحليل للظواهر التي يعيشها المجتمع".

الطيب دهيميفرصة لإعادة ربط العلاقات الإنسانية

"حقيقة، هي مبادرة حسنة فكرة الفنانين الذين أسسوا فرقة (3 تي) وجسّدها المخرج والفنان علي عيساوي، الذي اتصل بالفنانين. والهدف من هذا اللقاء هو إعادة بناء وربط العلاقات الإنسانية مع أصدقاء فقدناهم منذ 30 أو 40 سنة، وهي فرصة لتبادل الآراء، والتعرف على أحوال الفنانين الذين ساهموا، بشكل كبير، في إثراء المشهد الفني والثقافي خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بقسنطينة أو بالجزائر.

وبخصوص النقاش الذي دار خلال الجلسة حول تاريخ المسرح بقسنطينة، أظن أن اللقاء لم يخصص لمثل هذه النقاشات التي تحتاج إلى مختصين ومؤرخين، يمكنهم العمل وفق منهجية علمية منظمة، حتى تقدم مادة في المستوى. ربما بعض الشهادات من هنا وهناك، تدعم هذا العمل، لكن ليست بالضرورة هي التاريخ، لأن كل فنان يقدم معلومات من وجهة نظره ومن رأيه، والتأريخ يحتاج إلى التجرد من الذاتية".