"المساء" تقف عند ذكرى اكتشاف العدوى

البليدة "الوريدة" تتذكّر أول "شوكة" لكورونا

البليدة "الوريدة" تتذكّر أول "شوكة" لكورونا
  • القراءات: 702
رشيدة بلال رشيدة بلال

تَحوّل شهر مارس عند البليديين، إلى ذكرى مؤلمة يصعب عليهم نسيانها بالنظر إلى ما حملته من مآس بعد تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا مطلع شهر مارس من سنة 2020. وعلى الرغم من مرور سنتين عصيبتين وما أعقبها من قرارات الإغلاق الكلي وبعده الجزئي وتوقف كل الأنشطة وتسجيل عدد كبير من الوفيات خاصة من الأطقم الطبية، ها هي مدينة الورود تسترجع اليوم عافيتها بعد تسجيل تراجع ملموس في عدد الإصابات، وهو ما أكده المختصون في القطاع الصحي، الذين يقرون بالتوجه نحو تسجيل صفر إصابة بالوباء، فيما يبقى شهر مارس شاهدا على ذكرى أليمة لا تمحى من الذاكرة.

تسجل ولاية البليدة منذ أسابيع، على غرار عدد من ولايات الوطن، استقرارا في الوضعية الوبائية، بعد تسجيل تراجع ملموس في عدد المصابين بفيروس كورونا، وهو ما يؤكد عليه العاملون في القطاع الصحي، حيث خلّف ذلك للبليديين نوعا من الراحة النفسية، ما يعكسه العودة إلى ممارسة الحياة العادية، والقيام بمختلف الأنشطة بشيء من الحذر، الذي يعكسه عدم التخلي النهائي عن التدابير الوقائية، خاصة ما تعلق منها بوضع الكمامة، إذ إن الموجات السابقة كانت في كل مرة، تعيد إحياء الذكريات الأليمة بعد تسجيل أول حالة إصابة، وما نتج عن ذلك من إغلاق وخوف، مما أرعب قاصدي بعض المصالح الاستشفائية، على غرار مستشفى بوفاريك والعاملين فيه من الأطقم الطبية، حذرا من انتقال العدوى.

مارس محطة حزينة تحيي ذكرى شهداء المهنة

وحسب البروفيسور عبد الحفيظ قايدي، مختص في الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك، فإن شهر مارس الذي كان من أجمل الفصول لاقترانه بالربيع، تحوّل عند البليديين، إلى ذكرى أليمة، لارتباطه ببداية الوباء، بعد تسجيل أول حالة بولاية البليدة، حيث سجل عمال الصحة على مستوى مستشفى بوفاريك، وفاة سائق سيارة الإسعاف، الذي تكفل بنقل العائلة الأولى التي أصيبت بفيروس كورونا، مشيرا إلى أن شهر مارس أصبح بمثابة شهر لاستذكار شهداء الواجب في القطاع الصحي من الجيش الأبيض، الذين وافتهم المنية جراء الإصابة بالفيروس التاجي.

وفي السياق، أشار المختص في الأمراض المعدية، إلى أنه بعد مضيّ سنتين على الوباء، ها هي مدينة الورود تسجل نوعا من الاستقرار في الوضعية الوبائية، على غرار عدد من ولايات الوطن، ما يبعث على الارتياح، مشيرا إلى تسجيل تحسن في الوضعية الصحية على مستوى مستشفى بوفاريك، بما فيه مصلحة الاستعجالات، التي إصبحت تستقبل حالات قليلة جدا. كما تستعد المصالح الاستشفائية الجراحية، حسب المتحدث، بعد الإغلاق الذي دام سنتين، لاستئناف عملها من جديد. أما في ما يخص مصالح الطب الداخلي، فهي الأخرى أعادت فتح أبوابها للتكفل بمرضى السكري والقلب، لافتا إلى أن حالة الاستقرار التي تسجل حاليا، “تتطلب عدم التهاون، خاصة في ما يتعلق بالتدابير الوقائية، لأن الوباء لم ينته بعد. كما إن العاملين في القطاع الصحي في حال ترقب وتأهب إن حدث وظهر ـ لا سمح الله ـ متحور آخر، قد يقلب كل الموازين، وهو ما لا نتمناه”.

ومن جهة أخرى، نهى المختص في الأمراض المعدية، عن التخلي عن الإجراءات الوقائية، حاثا بالتقيد باللقاح، خاصة أن مصالح الصحة وكذا منظمة الصحة العالمية، لم تقدم معطيات حول انتهاء الوباء، وبالتالي فإن اتخاذ أي قرارات عشوائية قد يأتي بنتائج عكسية، “وهو ما لا نتمناه”.

تسجيل حالتين فقط، والطاقم الطبي يتنفس الصعداء

أعرب مدير مستشفى بوفاريك سمير دغبوش، عن ارتياحه الكبير لاستقرار الوضعية الوبائية على مستوى ولاية البليدة، وهو ما تعكسه الحالات الوافدة على هذا المرفق الصحي، حيث تم، حسبه، تسجيل على مستوى مصلحة “كوفيد 19”، حالتين فقط، فيما تم تسجيل شغور في باقي الأسرّة.

وسيستعد المستشفى لاستئناف باقي نشاطاته العلاجية في ما يتعلق ببعض التخصصات كالجراحة، والطب الداخلي، مشيرا إلى أن الطاقم الطبي العامل بمستشفى بوفاريك يعيش مرحلة من الراحة النفسية، بعدما تراجع معدل الضغط المسجل عليه خلال الموجة الرابعة، التي سجلت ارتفاعا كبيرا في عدد المصابين بالعدوى، وهي فرصة ـ يقول ـ “ليجددوا طاقتهم البدنية والنفسية”.

كما أشار المتحدث إلى أن شهر مارس من سنة 2020 الذي تم فيه تسجيل أول حالة على مستوى مستشفى بوفاريك، حوّل المصلحة إلى مكان مرعب، لا يتمنى أي مريض دخوله، بسبب الخوف من العدوى، غير أن هذه الفكرة سرعان ما تراجعت بعدما تم فتح مصالح خاصة بـ “كوفيد 19” في جل المؤسسات الاستشفائية، لافتا في السياق، إلى أن شهر مارس تحوّل، بشكل فعلي، إلى محطة تاريخية، يتم فيها استرجاع الذكريات الأليمة التي عاشتها الولاية بكل ما تحمله الكلمة من معان، خاصة في الموجة الأولى، حيث عاشت حالة إغلاق كلي، ومُنع التجول فيها. كما تَرتب عن ذلك ألم نفسي كبير للمرضى المصابين وعائلاتهم.

... وذكرى أليمة لا يمحوها الزمن

يعيد شهر مارس 2020، خاصة 24 منه من كل سنة، بالنسبة لياسمين طالحي، تفاصيل إصابة والدها جمال ـ رحمه الله ـ بالوباء، والتي تَرتّب عليها، وفاته بعد أن فشل جسده والطاقم الطبي المعالج، في مقاومة الفيروس التاجي.

وفي معرض حديثها إلـى “المساء” بكثير من الحزن قالت: “لم يعد شهر مارس ذلك الشهر المحبب، الذي يعكس البهجة والسرور بالنسبة لنا، وإنما هو محطة مؤلمة وذكرى سيئة، تعيد، في كل مرة، فتح جراحنا بعدما فقدنا أعز ما نملك، وهو والدنا عن عمر يناهز 55 سنة”، مردفة: “كان يعمل سائق سيارة إسعاف. وتَكفّل بنقل أول عائلة ـ وهي عائلة بورحلة التي أصيبت بالوباء ـ إلى مستشفى بوفاريك، الأمر الذي نتج عنه إصابته بالعدوى”. وكانت مهمة نقل المصابين بالوباء ـ حسبها ـ من مهام سيارة الإسعاف، قبل أن تشارك فيها مصالح الحماية المدنية، التي لعبت، هي الأخرى، دورا بارزا في نقل المصابين إلى مختلف المصالح الاستعجالية خلال فترة الجائحة.

وقالت المتحدثة رغم حالة الاستقرار التي تعيشها الولاية في هذه المرحلة ـ وهو ما يعكسه التراجع في عدد الحالات الوافدة ـ إلا أنها لا تثق في الجائحة، التي تسببت لها في صدمة نفسية، بعدما كانت سببا في وفاة والدها، معلّقة: “الأعمار بيد الله”.

وبدوره، أكد المكلف بالإعلام بالحماية المدنية بالبليدة، الملازم الأول عادل الزغايمي، أن شهر مارس تحوَّل بالنسبة لهذا السلك النظامي، إلى محطة للوقوف على حجم ما عانته البليدة وسكانها جراء الوباء، خاصة في السنة الأولى من ظهوره، حيث كانت البليدة الولاية الأولى الموبوءة، وما تَرتب عن ذلك من إغلاق وخوف وهلع أصاب السكان، مشيرا: “مصالح الحماية المدنية لم تفقد أي فرد من أفرادها رغم أنها كانت حاضرة في الميدان لنقل المصابين بالفيروس، غير أن التكوين الذي يتمتع به عون الحماية المدنية، مكّنه من حماية نفسه، والتواجد، دائما، في الميدان لمحاربة هذا الوباء”.

وعلى صعيد آخر، قال المتحدث: “رغم ما عانته الولاية، إلا أنها، اليوم، تعيش نوعا من الاستقرار بعد تسجيل تراجع في عدد المصابين”، مضيفا أن مصالح الحماية المدنية كانت تتلقى ما يزيد عن 20 مكالمة هاتفية في اليوم، لنقل المصابين إلى المصالح الاستشفائية. وأصبحت الاتصالات التي يتم تلقّيها، تُعد على الأصابع، حيث يتم تلقي اتصالين خلال أسبوع، وهو عدد قليل، يعكس استقرار الوضعية الوبائية بإقليم الولاية.