سفير التشاد بالجزائر يثمّن منتدى الجزائر ويصرح / لـ «المساء»:

البلدان الإفريقية لم تتحرر من «الهياكل الاقتصادية الاستعمارية»

البلدان الإفريقية لم تتحرر من «الهياكل الاقتصادية الاستعمارية»
  • القراءات: 1573
 حوار: مليكة خلاف / صبرينة محمديوة حوار: مليكة خلاف / صبرينة محمديوة

يراهن سفير التشاد بالجزائر السيد باهار الدين هارون إبراهيم، على أن يكون المنتدى الإفريقي للاستثمار الذي تحتضنه الجزائر لمدة ثلاثة أيام، بداية متميزة لتحقيق الاندماج الاقتصادي للقارة. سعادة سفير التشاد الذي خص جريدة «المساء» بهذا اللقاء، أكد أن إفريقيا لم تستطع التحرر من وصاية المستعمر، الذي أرسى منذ أكثر من 50 عاما هياكل اقتصادية تستجيب لخياراته وتخدم مصالحه بالدرجة الأولى، وأن على البلدان الإفريقية استغلال هذه الفرصة الكبيرة (منتدى الجزائر) لتغيير واقعهم والتخلص من أساليب التسيير الاقتصادي الكلاسيكي الذي لا يخدم أهدافهم ومصالحهم. علينا جميعا كأفارقة فرض استراتيجيتنا واختياراتنا للدفاع عن مصالحنا بقوة، والحديث بصوت واحد؛ من خلال تنظيم أنفسنا والانضواء تحت منظمات شبه إقليمية على المستوى القاري، لتحقيق الاندماج الاقتصادي الوطني والإفريقي، وتطوير مبادلاتنا البينية وتقليص تبعيتنا  للخارج، ومن ثم تحسين حجم الميزان التجاري لاقتصادياتنا.

❊ تفتح القارة الإفريقية شهية أكبر الشركات متعددة الجنسيات الأقل اهتماما بالتنمية البشرية، ما يجب فعله في رأيكم لترقية الاندماج الاقتصادي الإفريقي الذي يجمع بين التنمية الاقتصادية ومصلحة الشعوب؟

❊❊تتقاسم الدول الإفريقية الماضي الاستعماري؛ حيث لم يكن لديها حرية الخيار

والتصرف  في شتى المجالات، مثلما هو الشأن في الجانب الاقتصادي بالرغم  من حصولها على الاستقلال. بعد مرور نصف قرن لم تستطع التحرر من وصاية المستعمر الذي أرسى منذ أكثر من 50 عاما هياكل اقتصادية، تستجيب لخياراته وتخدم مصالحه بالدرجة الأولى.

هذه الهياكل التي تعد الأسس الأولى للدول حديثة الاستقلال، ظلت تخدم القوى الاستعمارية القديمة في إطار علاقات غير عادلة، وفي ظل عدم قدرة الدول المستقلة على  التحرر من التبعية بالنظر إلى الصعوبات التي تعترضها في مجال الحفاظ على سيادتها السياسية والاقتصادية خلال العشريات الأولى من استقلالها. أكثر من ذلك فإن العولمة حاليا لا تخدم مصالح الدول الأقل تطورا.

الاندماج الاقتصادي الإفريقي هو الحل للخروج من «هيمنة الأقوياء»

في ظل هذا السياق القاسي حيث يطبق قانون السوق بدون رحمة، نلاحظ سيطرة قوى   المال ذات التأثير على المبادلات الدولية وحركة رؤوس الأموال وفرض إملاءاتها على الموارد الأولية للقارة الإفريقية.

لا بد لدول القارة أن تدرك هذه الحقيقة من أجل الوقوف عند هذه الوضعية والدفاع عن مصالحها وترقيتها، في ظل نظرة الشفقة التي تبديها الدول القوية تجاه إفريقيا. لا بد لدول القارة أن تتكاتف من أجل الارتقاء بقضاياها المشتركة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تنظيم أنفسها في تجمعات في إطار منظمات شبه إقليمية على المستوى القاري في سياق إدماج اقتصادياتها الوطنية وتطوير مبادلاتها البينية وتقليص تبعية القارة للخارج، ومن ثم تحسين حجم الميزان التجاري لهذه الاقتصاديات. لا بد من التأكيد على أنه لا يمكن تصور النمو الاقتصادي لإفريقيا بدون تحقيق هذه الشروط.

❊ على الرغم من أن الجزائر هي رابع قوة اقتصادية في إفريقيا فإن حضورها يُعد هامشيا، ما هي، في رأيكم، العوامل التي منعت انتشاراتها في القارة بما يتلاءم مع قدراتها ؟

❊❊ نتطلع في المستقبل لتحقيق أفق أوسع في مجال الاندماج الاقتصادي الإفريقي في إطار الشروط التي ذكرناها سابقا، وعليه يشكل انعقاد المنتدى الإفريقي للاستثمار في الجزائر بداية متميزة لتحقيق هذا الاندماج. 

تطوير اللوجيستيك والبنى التحتية أولوية لاقتصاد بينيّ

❊نجد في الجزائر مؤسسات غربية وآسيوية وشرق أوسطية... في وقت تغيب المؤسسات الإفريقية كلية على الرغم من أن البلد يعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ما هي التحديات التي تعرقل عملية الاندماج الإفريقي؟

❊❊ مازالت العراقيل تفرض نفسها بقوة أمام تحقيق الاندماج الاقتصادي في القارة، والتي يرتبط معظمها بحركة رؤوس الأموال والإطار القانوني وضعف الموارد البشرية المؤهلة كمّا وكيفا. هناك أيضا غياب الاتصال بمفهوم الربط البري عبر الطرق السيارة والسكك الحديدية، التي تسمح بتعزيز المبادلات الاقتصادية، فمثلا إذا وُجد مصنع للنسيج في الجزائر كيف يمكن تزويده بألياف القطن المستورد من التشاد في الوقت المناسب في غياب قنوات الربط الفعالة؟ هذه الصعوبات القديمة تزايدت خلال السنوات الأخيرة أمام تنامي التهديد الإرهابي العابر للحدود في منطقة الساحل؛ حيث دفع التشاد فاتورة ثقيلة في محاربته خلال السنوات الأخيرة. 

البلدان الإفريقية لا تتحكم في خيراتها

❊القارة الإفريقية غنية غير أن شعوبها فقيرة، هل هذه المفارقة راجعة إلى غياب إرادة سياسية إفريقية متناسقة أم إلى عوامل خارجية؟

❊❊إذا كان سؤالكم يعني وجود تناقض بين ثروات القارة والفقر الشديد لسكانها فإن إجابتنا هي كالتالي : إلى غاية اليوم القارة الإفريقية لا تسيطر إلا بنسبة ضعيفة جدا على خيراتها ومقوماتها الهامة التي تمثلها احتياطاتها من المحروقات والمناجم أو المواد الأولية الأخرى؛ سواء مواد زراعية أو حيوانية أو غابية.  

هذا التناقض يتواصل مادامت إفريقيا لا تملك قدرة التحكم في حركة رؤوس الأموال للتمويل، واليد العاملة المؤهلة القادرة على التحكم في التكنولوجيات الضرورية في التمويل وعمليات استخراج الثروات المنجمية وتحويلها بكيفية تمكّن دول القارة من استغلال أفضل لخيراتها.

إن مصالحها لن تزدهر إذا لم تتمكن هذه الدول من دخول المنظمة العالمية للتجارة «أو أم سي» وفضاءات خارجية، حيث يتم مناقشة المعاهدات الدولية المتعلقة بالمبادلات التجارية لتشكيل قوة قادرة على الحديث بصوت واحد وفرض نفسها بقوة، للوقوف في وجه المصالح الأخرى.

❊ما هي القطاعات التي تهم متعامليكم في الجزائر؟

❊❊في إطار توجيهات رئيس الجمهورية إدريس ديبي أتنو فإن بلادنا وضمن مساعي تنويع واسع لاقتصادها المرهون حاليا بتذبذب أسعار النفط، وجّهت اهتمامها لقطاعات التجارة في المنتجات الفلاحية؛ من خلال دراسة المشاريع: بحث وتنظيم التمويل، إنتاج وتوزيع الأسمدة، المكننة، إنتاج وتوزيع منتجات الصحة النباتية والحيوانية.

هناك أيضا قطاع السياحة؛ حيث تتوفر التشاد على قدرات كثيفة جدا ومتنوعة وفريدة على مستوى التراب الإفريقي. وأخيرا في إطار ربط مختلف الاقتصاديات الإفريقية فإن التشاد الذي يُعد نقطة التقاء بين إفريقيا الشمالية وإفريقيا الاستوائية على غرار إفريقيا الغربية وإفريقيا الشرقية، يولي اهتمامه الكبير للبنى التحتية في مجال النقل (سكك الحديد والطرق)، التي من شأنها رفع العزلة عنها داخليا وخارجيا بما يسمح لها بربط مختلف مناطق القارة الإفريقية. كما أنها تبدي الاهتمام بمجال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال. 

❊ ما هي في رأيكم التحديات الحقيقية التي تحول دون تعزيز العلاقات الثنائية بين بلدكم والجزائر؟

❊❊كما سبق وشرحنا آنفا، فإن هذه التحديات تم تحديدها. وفي إطار مهمتنا كسفير للتشاد لدى الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية الجزائرية، نعمل على تجسيد فرص التعاون المتاحة أمام البلدين، على أن تكون الأفضلية في إطار شراكة ثلاثية الأبعاد؛ خدمةً لمصلحة الشعبين.

❊ما هو تعليقكم على القاعدة الاقتصادية 51/49 التي تعتمدها الجزائر؟

❊❊ ليس من صلاحياتنا التعليق أو التحفظ على قوانين بلد جار كامل السيادة، سنقوم بدراستها ضمن حالات خاصة متى توفرت لنا الفرصة، خاصة ما يتعلق بآثارها على اتفاقياتنا الثنائية بالتنسيق مع السلطات الجزائرية.

منتدى الجزائر فرصة جدية للإقلاع في إفريقيا

❊ماذا ينتظر بلدكم من المنتدى الجزائري الإفريقي؟

❊❊هذا اللقاء يشكل في نظر الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي الرئيس إدريس ديبي إيتنو، تقدما ملموسا في المسيرة المأمولة؛ باعتباره زعيم العمل التضامني الإفريقي، 

وهو كثيرا ما يطالب بأن يكون احتواء مشاكل الدول الإفريقية عبر الحل السياسي. الأفارقة مسؤولون بالدرجة الأولى عن تسوية مشاكلهم الأمنية والاقتصادية بأنفسهم، في حين يبقى إشراك الأطراف الأخرى يندرج فقط في إطار استكمال أو دعم الالتزامات.

نحن ننتظر من هذا المنتدى أن يكون إطارا يعكس الواقع الاقتصادي للتشاد عبر المشاريع المنجزة في السنوات الأخيرة لصالح تنمية البنى التحتية، وأهمية المشاريع الجارية في مجال تنمية الفلاحة وتربية المواشي والسياحة والتكنولوجيات الجديدة.

نأمل أن يقدم المنتدى دولة التشاد على أنها حقا أرض للوعود وبلد صاعد، ويستحق باعتباره واحة للسلام ويقع في منطقة مضطربة، اهتمام رجال الأعمال الذين يعرضون عليه شراكات تقنية أو مالية. 

في الوقت نفسه فإن التشاد تُعد طرفا فاعلا في مجال الحكامة، ومن ضمنها الحكامة الاقتصادية وتلك الخاصة بالمؤسسات في إطار الالتزامات الدولية، من ضمنها المبادرة من أجل تحويل الصناعات المنجمية والآلية الإفريقية للتقييم من طرف النظراء. 

إذا كان انهيار أسعار النفط خلال العامين الماضيين قد أثر سلبا على غالبية اقتصاديات الدول المصدّرة للمحروقات، فإن ذلك كان له الأثر أيضا على ميزانيات البلد، وعليه فإن الحكومة التشادية عملت بنجاح على إعادة التوازن لمواردها المالية، وهو ما يترجم تجديد الثقة بينها وبين المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي للتنمية. 

❊ما هو عدد المؤسسات والمتعاملين الذين يمثلون بلدكم في المنتدى؟ وما هي القطاعات الممثلة؟

❊❊في حال عدم حدوث تغييرات اللحظة الأخيرة، فإن الوفد التشادي المشارك في المنتدى يضم 10 أعضاء من موظفين ورؤساء المؤسسات وممثلي منظمة أرباب العمل،  فضلا عن ممثلي غرفة التجارة ومساعديهم، وهم يمثلون قطاعات النقل والمحروقات والمناجم والصناعة الفلاحية والحيوانية والتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال والسياحة وغيرها.