الدكتورمحمد أرزقي فراد لـ"المساء":

"الانفصال" فكرة ولدت في مخبر كولونيالي وترعرعت نتيجة انغلاق سياسي

"الانفصال" فكرة ولدت في مخبر كولونيالي وترعرعت نتيجة انغلاق سياسي
  • القراءات: 934
مريم. ن مريم. ن

ينادي المؤرخ والناشط الدكتور، محند أرزقي فراد، بضرورة تبني خطاب معرفي يؤسس لموقف ثابت وإيجابي من مسألة الأمازيغية ومن الوحدة الوطنية بعيدا عن الإيديولوجيا والشعبوية، كما يندد ببعض التصرفات الفردية التي تضرب دعاة تأصيل الأمازيغية ضمن ركائز الهوية الوطنية، منوّها من جانب آخر بقرار الترسيم الذي سيساهم في لم شمل أبناء الوطن الواحد.

كباحث أكاديمي كيف تقيمون دور الخطاب المعرفي في المسألة الأمازيغية ؟ 

أرى أن الخطاب المعرفي حوصر في الماضي (على امتداد 30 سنة) مما مكّن من بروز ظاهرة التطرف، كما أننا لم ننتج خطابا معرفيا نواجه به الآخر (الأجنبي) واكتفينا بالحلول السهلة والجاهزة ونرد على من ينتقد إما بسبه أو برود فعل سريعة مبنية على الإيديولوجيا والخطاب الشعبوي. أعتقد أن ما نعانيه هو نتيجة هذا التراكم وهذا الإقصاء ونتيجة العرقلة التي ليس لها معنى.

هل ترون أن الحال تغير الآن أو ما زال على ما كان عليه ؟ 

أكيد أن الأمور تغيرت وظهر بصيص من نور وبالتالي تبدلت الأحوال نحو الأحسن وأقول هذا من باب أنني من الناس الذي يرون الجزء الممتلئ من الكأس. كما أنني أنوه وأشكر المؤسسات التي تثمن الخطاب المعرفي وعلى رأسها وزارة الشؤون الدينية من خلال إعطاء البعد الروحي في الثقافة الأمازيغية وكذا وزارة المجاهدين ممثلة في المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة 1 نوفمبر والتي تخدم الخطاب الموحد للأمة الجزائرية. وأيضا المجلس الأعلى للغة العربية علما أن كل تلك المؤسسات أعطتني فضاءات لأنشط وأتحدث، لكن عموما تبقى المساهمات محتشمة.

لاقيت بعض التضييق بسبب مواقفك السياسية فكيف واجهت الوضع؟ 

إنه لمن دواعي الأسف أن بعض الجامعات تقدم لي دعوات لأحاضر بها وألتقي طلبتها ثم أمنع من ذلك كما كان الحال مع معهد الإعلام والاتصال وهو أمر أعتبره خطأ فادحا يرتكبه بعض المسؤولين عندنا ذلك لأنهم يختزلون شخصي أنا العبد الضعيف في كوني ناشط سياسي معارض ويتناسون الدكتور فراد الباحث وصاحب المقاربة المعرفية المتخصص في الثقافة الأمازيغية والمدافع عن البعد الوطني في الأمازيغية.

تعتبرون الخطاب المعرفي أداة لصيانة الوحدة الوطنية كيف ذلك؟

إن غياب خلية تفكير سواء بالوزارات أو بمختلف المؤسسات وكذا وجود مركز دراسات مستقبلية في مجال العلوم الإنسانية جعلنا نتمادى في إهمال الخطاب المعرفي الكفيل بالمحافظة على الوحدة الوطنية عوض الخطاب السائد الآن بالمنطقة والمنظر لفكرة الانفصال الذي أصبح هو المسيطر على الساحة لأسباب كثيرة لا وقت لنا لذكرها. بالنسبة لي فإني أحاول مع كوكبة من الباحثين والأساتذة منهم الدكتور بلعيد صالح والراحل أحمد ساحي وزين الدين قاسمي بذل جهود معرفية تعمل من أجل تثمين اللحمة الوطنية. وأعتبر حاليا ألد عدو للمشروع الانفصالي لذلك أشتم بكل الشتائم وأوصف بالبعثي والحركي والإسلاموي وأطلقت دعوات صريحة لتصفيتي (اغتيالي) وذلك من طرف دعاة الانفصال والسبب هو أن مقارباتي المعرفية تفضح أكاذيبهم وأن خلاصة أعمالي العلمية تؤكد أن منطقة القبائل لم تكن يوما جزيرة معادية للبعد الوطني وهو ما يؤكده المثل الصيني القائل "مجنونة هي الجزيرة التي تعادي المحيط".

في نظركم ما هي العوامل التي عززت ذهنية الانفصال؟

دعيني أوضح أولا أن الانفصال فكرة أنجزت في المخبر الكولونيالي وترعرعت في ظل النظام السياسي الذي أقصى المكوّن الأمازيغي، ونذكر كيف كان يمنع الحديث بالأمازيغية وكذا النشر والعروض المسرحية وحتى في مباشر "ما بين الثانويات"، كان حينها القمع هو الغالب فنتج عن ذلك التطرف وتولدت الأحقاد بين الجزائريين والتي للأسف لا زلنا نعاني منها حتى في شطب اللافتات المكتوبة بالعربية بمنطقة القبائل وهذا يعتبر رد فعل وليسا فعلا.

تراكم كل ذلك عبر 30 سنة وترسبت سلبياتها أي أن الإقصاء ولد الضغينة، والكارثة التي قد تحدث في 2016 والأمر الغريب الذي لا يعقل هو ذلك القرار من المسؤولين المحليين بولاية تيزي وزو الذين منعوا احتفالات الربيع الأمازيغي داخل الجامعة وكأن تاريخ 20 أفريل يعيد نفسه فكيف يعقل أن القاضي الأول في البلاد وهو رئيس الجمهورية يرسم اللغة الأمازيغية ومسؤول محلي يمنع الاحتفال في عز فترة الترسيم. أعتقد أن هناك مسؤولين يقدمون مصالحهم على حساب المواقف فيبالغون في قمع الرأي الآخر دون أن يتلقوا تعليمات فوقية بذلك.  

واسمحوا لي أن أقدم نماذج من هذا الإقصاء منها مثلا إقصاء الفنان الراحل سليمان عازم من طرف بني جلدته بطريقة غير قانونية ودون أن يتلقى المسؤول في القناة الثانية أي قرار بذلك وكذلك الحال حصل معي فأنا ممنوع من الظهور في القناة التلفزيونية الرابعة بدون أية تعليمات بذلك؟ أتذكر أن صحفيا من هذه القناة التلفزيونية طلب مني أن أحضر معه في حصة عن الراحل أبو القاسم سعد الله باعتباري كنت تلميذه وفي آخر المطاف اعتذر بحجة أن الحصة ألغيت، لكن في المقابل فإن أرزقي فراد مرحب به في القناة الأولى الإذاعية والقناة الدولية والثقافية إذن فما معنى أن يتصرف بعض المسؤولين تصرفا أخرق وهو الذي يخلق البلبلة.

كلمتك بهذه المناسبة؟ 

بمناسبة حلول الذكرى الـ36 للربيع الأمازيغي أنحني أمام نضال أجيال عديدة وتحضرني بالمناسبة بعض الأسماء وتغيب عني الأخرى منها اعمر بوليفة ومولود معمري وبلعيد ناث علي ومحمد هارون وموحيا... وبنفس المناسبة أنوّه بالمسؤولين السياسيين الذين تجاوبوا مع هذا النضال فدستروا الأمازيغية ورسمّوها، ورجائي أن يسرع المسؤولون عندنا إلى تأسيس الأكاديمية الأمازيغية وما يتبعها من مصالح من أجل التكفل السريع بقضية ترقية الأمازيغية. وبهذه المناسبة، أيضا سأنشط بعد غد الجمعة بنادي الترقي بالعاصمة ابتداء من الثالثة زوالا محاضرة هي عنوان كتابي الأخير بعنوان "الأمازيغية وسؤال الإنتماء".