لحمايتهم من مختلف الآفات وتحديدا الاختطاف

الأولياء يتحولون إلى حراس ملازمين لأبنائهم

الأولياء يتحولون إلى حراس ملازمين لأبنائهم
  • 1058
رشيدة بلال رشيدة بلال

تحوّل الخوف إلى هاجس يرافق الأولياء بصورة دائمة في الآونة الأخيرة بعد تفشي ظاهرة اختطاف الأطفال والاعتداء عليهم في مجتمعنا، فلا تكاد تفارق صورة الطفلة شيماء وهارون وإبراهيم وأنيس بن رجم وغيرهم مخيّلة الأولياء، الذين تحوّلوا، على حد تعبير البعض ممن تحدثت إليهم "المساء"، إلى مرافق شخصي، فقط من أجل الشعور بالقليل من الأمن على فلذات أكبادهم. من يرغب في قياس درجة خوف الأولياء على فلذات أكبادهم ما عليه إلا بالتوجه صوب أي مدرسة ابتدائية في موعد دخول المتمدرسين أو خروجهم، فبعدما كانت الساحة المقابلة لباب المدرسة تعج بالأطفال أضحت اليوم تعرف تواجد أعداد كبيرة من الأولياء يكاد عددهم يفوق عدد الأطفال، ولا يغادر الأولياء المدرسة إلا بعد التيقن من أن أبناءهم قد دخلوا وأُغلق الباب، ليعاد نفس المشهد عند حلول موعد خروجهم، حيث يصطف الأولياء لحظات قبل موعد دق الجرس لترقّب خروج أبنائهم، وهكذا دواليك، يتكرر المشهد يوميا. 

ولرصد درجة الخوف والاطلاع على أهم الترتيبات التي اتخذها الأولياء اقتربت "المساء" من بعضهم عقب الجولة التي قامت بها ببعض المؤسسات التعليمية، على غرار المدرسة الابتدائية "مولا هنين" بالأبيار ومدرسة "ورك عثمان" وكذا ابتدائية  "عمرون" ببوزريعة، حيث كانت البداية مع مجموعة من النسوة اللواتي اجتمعن حول باب المؤسسة لانتظار أبنائهن وكن يدردشن بعد أن كوّنّ علاقة صداقة بحكم التردد الدائم على المؤسسة؛ حيث حدثتنا أم وهيبة ـ وابنتها تلميذة بالصف الثالث ابتدائي ـ قائلة: "خوفي الدائم على طفلتي حوّلني إلى متمدرسة  من دون مئزر ولا محفظة، حيث أقصد المؤسسة يوميا، وعندما يتعذر عليّ القدوم لسبب ما يتكفل جدها بالمهمة، المهم بالنسبة لي، أن ابنتي لا تذهب إلى المدرسة بمفردها؛ فمجتمعنا لم يعد آمنا".

وتعلّق: "فيما مضى كان يجري اختطاف أبناء الأثرياء من أجل المال، واليوم لا فرق؛ المهم عند الجاني أن يجد في طريقه طفلا بريئا ليفرغ فيه نوباته أو غرائزه الحيوانية!"، لتقاطعها أم علاء الذي يدرس بالصف الرابع بالقول: "على الرغم من أني لا أسكن بعيدا عن المدرسة، إلا أني لا أدع طفلي يلتحق بالمؤسسة بمفرده، وحتى لا أشعر بالتعب لأن مرافقته يوميا تشغلني عن الكثير من الأمور اليومية، أتقاسم هذه المهمة مع جارتي، فتارة أرافقهم أنا وتارة أخرى جارتي، المهم أن يكون في صحبة شخص بالغ إلى غاية دخوله أو خروجه من باب المدرسة"، مرجعة السبب إلى الخوف من أن يقع ضحية سهلة لمخمور أو مدمن أو شاذ، لتتدخل سيدة أخرى ـ وهي عاملة ـ معلّقة: "من جراء خوفي الدائم على طفلتي التي تدرس بالقسم الخامس، كدت أفقد عملي بسبب التأخر الدائم. ولمساعدتي تدخلت والدتي للتكفل بالمهمة، حيث أودعها طفلتي عند الساعة السادسة والنصف، ومن ثمة أغادر إلى عملي، لتتكفل هي باصطحابها". وتضيف: "بعدما انتشرت المخدرات لم يعد شبابنا يعون ما يفعلون؛ الأمر الذي ألقى على عاتقنا عبءا كبيرا عنوانه الخوف"، مشيرة إلى أنها لا تكفّ عن نصح ابنتها وتوجيهها بعدم الحديث أو مرافقة أيٍّ كان إلى أي مكان". 

وإذا كان هذا رأي النسوة فماذا عن رأي الرجال من الأولياء؟ كمال موظف في مرفق إداري يقول: "أنا مجبر يوميا على مرافقة ابنتي إلى المدرسة ولا أغادر حتى أتأكد من أنها دخلت المدرسة،ولحظة خروجها أضطر يوميا لطلب إذن بالخروج من العمل لتبقى معي إلى غاية حلول موعد عودتها مساء". ويعلّق: "مرافقة الأبناء تحولت إلى التزام دائم بالنسبة لنا كأولياء،  بل أكثر من ذلك، خلقنا لأبنائنا حراسا شخصيين للأسف الشديد، وكل ذلك بسبب الخوف لا غير. ولا نشعر بالراحة إلا بعد حلول موعد العطلة، وهي بالنسبة لنا أيضا الفرج لنرتاح"، مشيرا إلى أنه لا يكفّ يوميا عن تلقين طفلته بعض النصائح لتحسن حماية نفسها، ولتكون أكثر وعيا".

أما الحاج أحمد الذي أحيل مؤخرا على التقاعد فقال: "للأسف لم نكن نشهد مثل هذه الظواهر فيما مضى. حقيقةً الاختطاف كان موجودا ولكن ليس بهذه الحدة. واليوم أشعر أني عامل رغم تقاعدي لأني مجبَر على مرافقة حفيدتي يوميا إلى المدرسة؛ بحكم أن والديها يعملان، ولا أعود أدراجي إلى المنزل إلا بعد خروجها"، في حين أفاد سعيد، أب لطفلين متمدرسين بالطور الابتدائي، بأنه اضطر للتعاقد مع شاب، ليتكفل بنقل ابنيه وبعض أبناء الحي يوميا إلى المدرسة ليضع حدا لهذا الإشكال، حيث يدفع عن كل طفل 3000دج في الشهر، ليشتري راحة باله ويكفّ عن التفكير فيهم. ويعلّق: "راحة البال لا تعادلها كنوز الدنيا، وأنا أشعر بالكثير من الرضا رغم كثرة التكاليف؛ لأن المهم بالنسبة لي أن يكون أبنائي في أمان".