الباحث في التاريخ عبد الرحمن خليفة لـ«المساء»:

الأولوية للتكوين والتقشف لا يمنعنا من تثمين تراثنا

الأولوية للتكوين والتقشف لا يمنعنا من تثمين تراثنا
  • القراءات: 2373
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

اتصلت "المساء" بالباحث في التاريخ عبد الرحمن خليفة، وطرحت عليه عدة أسئلة حول واقع قصبة الجزائر وكذا حال القصبات الأخرى، إضافة إلى أهمية استغلال التراث في السياحة، فكان هذا الموضوع.

- ترميم القصبة أصبح بين يدي ولاية الجزائر، منذ الصيف الفارط، بعدما كان تحت وصاية وزارة الثقافة، ما قولك في هذا؟

— نقل ملف ترميم القصبة من وزارة الثقافة إلى ولاية الجزائر مرده عجز الوزارة على التكفل بترميم وتثمين هذا المعلم التاريخي، المصنف كمعلم وطني، ثم عالمي من طرف "اليونسكو". وقد أودع ملف القصبة في سنوات الستينات إلى رئاسة (كوميدور)، ثم أصبحت كيانا مستقلا (ورشة القصبة) لتنتقل إلى محافظة الجزائر الكبرى، ومنه تعود إلى وصاية وزارة الثقافة، فولاية الجزائر، مع التذكير أنها حينما كانت تحت وصاية وزارة الثقافة، أُوكل تسيير ترميمها إلى الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية سنة 2000، لكن الأمور لم تتغير وما وضعية قلعة الجزائر التي كان من المفروض أن ترمم في خمس سنوات، إلا دليل على ذلك، وهنا أتوقف وأتساءل؛ هل اعتقدت الدولة حقا أن وزارة الثقافة قادرة على إنقاذ هذه المدينة الأثرية بفعل البحبوحة المالية التي عاشتها البلاد؟ خاصة أن مسؤولين تحدثوا عن ملايير الدينارات التي استنزفت لتحقيق هذه المهمة، في المقابل، اعتقدنا أنه حينما يٌوقع على مخطط حفظ القصبة، ستسير الأمور على أحسن وجه. كما أن المسؤولين أكدوا أن ترميم القصبة سيمسها كليا ولن يهتم ببعض الأحياء فقط، لكن حدث عكس ذلك، بل أن الأمور بقيت راكدة أو بالكاد تحركت بعد أن وقعت الحكومة على المخطط الاستعجالي للقصبة. وأبعد من ذلك، فالمباني تتساقط الواحدة تلو الأخرى بدون أن يتحرك المسؤولون، أما بالنسبة للمهتمين بالتراث فيعترفون بـ«مرض القصبة"، لكن إلى حد الآن نرى حظائر تبنى بهذه المنطقة المصنفة عالميا.

- ذكرت أن ملايير الدينارات صرفت على القصبة، لكن لماذا كل هذه التعقيدات في عملية ترميمها؟ 

— صحيح أن الدولة صرفت أموالا ضخمة لإنقاذ القصبة، لكن لا حياة لمن تنادي. الترميم في أصوله يخضع لعدة شروط، من بينها أن يكون المهندس المسؤول عن الترميم في الورشة بشكل دائم حتى يتابع هذه العملية، وكذا بالنسبة للمختص في الآثار الذي يدرك الخبايا الأثرية والتاريخية لكل بناية، لكن سبق أن زرت العديد من الورشات وعاينت طمس التراث من طرف العمال الذين يشتغلون بدون مراقبة ولا حتى توجيهات. والمشكل هنا في تكوين المشرفين على هذه العملية، لهذا أطلب الاهتمام بالإنسان وليس بإنشاء مؤسسات كبرى، مثل المركز العربي للآثار بتيبازة، في حين أننا لا نتوفر على مختصين في الآثار ولا تقنيين في التراث، فكيف يمكن تسييرها إذن؟ أعتقد أنها بدون مشرفين، وعليه ستتحول إلى قوقعة فارغة لا فائدة منها.

- نتحدث دائما عن قصبة الجزائر، ماذا عن القصبات الأخرى؟

— ما يحدث في العاصمة يمكن تضخيمه بأكثر من عشر مرات في القصبات الأخرى، شاهدي ما يحدث في تلمسان وقسنطينة اللتين استفادتا من تمويل خاص، مثل العاصمة، في إطار تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية 2011 بالنسبة لتلمسان، وتظاهرة عاصمة الثقافة العربية بالنسبة لقسنطينة سنة 2015، لكن الترميم بها يتوقف باختتام هذه الفعاليات، هل لاحظت أيضا ما حدث في حي باب زير بتلمسان أو حتى المدينة العتيقة في قسنطينة، حيث توقفت بهما أشغال الترميم؟ وأيضا بالنسبة لقصبة دلس وغرداية وعنابة ومدن أخرى، وماذا عن القرى التقليدية للأوراس والقبائل وبوسعادة وبسكرة؟ بدون أن أتحدث عن مئات القصور في توات قورارة التي تنهار الواحدة تلو الأخرى.

- هل تعتقد أن الجزائري في زمن التقشف لا يهتم بتراثه أم أنه يفتقر إلى وعي خاص بهذه القضية؟— 

صحيح أننا نعاني من عجز كبير فيما يخص الاهتمام بالتراث والتاريخ والدليل تجاهل الكثيرين، خاصة الشباب، لتاريخ بلدهم. أعترف بأن الحياة اليومية للمواطن الجزائري ليست سهلة، إضافة إلى كل الضغوطات العائلية وغيرها من المشاكل التي تعترض حياته، لهذا أؤكد أن البداية يجب أن تكون في المدرسة، من خلال التعريف بتاريخ البلد وتحسيس الأطفال والشباب بأهمية، بل وإلزامية حماية تراثهم للحفاظ على ذاكرة البلد.

- تمر الجزائر بأزمة اقتصادية مثل نظيراتها من الدول، لماذا لا يتم استغلال التراث سياحيا؟— 

يجب أن نثمن تراثنا وننقذه وألا نتخذ من التقشف حجة، لأننا لم نقم بالشيء الكبير حينما كانت لدينا أموال طائلة، لهذا أدعو إلى أن تكون الثقافة بجانبيها الروحي والمادي وعاء للتنمية، لأن تراثنا الثقافي ثروة حقيقية يجب استغلالها أحسن استغلال، وهكذا يمكننا أن نقوم بالسياحة الثقافية، فلدينا الكثير من المعالم الأثرية المهمة مثل التجانية وسيدي بومدين والقديس أوغسطين، إضافة إلى السياحة البيئية، مثل حظيرة جرجرة، وتاريخية مثل حظيرة الطاسيلي، لكن علينا أن نغير العقليات بطريقة جذرية، ولا أن نعتبر السائح عدوا، أيضا يجب تزويد البلد بمنشآت استقبال ملائمة، فجيراننا يستقبلون مئات الآلاف من السياح، مما يعود بالفائدة العظيمة على بلدانهم.