بعد سنوات الحصار والفرار.. وماراطون بوتفليقة

ازدحام المستثمرين في الجزائر

ازدحام المستثمرين في الجزائر
  • القراءات: 3130
العربي ونوغي العربي ونوغي

تقود الأحد القادم السيدة كريستين كابو وهرال (الرئيسة التنفيذية لميناء مارسيليا فوس) وفدا  هاما من مسؤولي الميناء والفاعلين في هذه المؤسسة التجارية والاقتصادية الاستراتيجية، في زيارة عملية إلى الجزائر، تتم بشراكة مع الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة بفرنسا، هذا ما أوردته جريدة "المساء" في عددها الصادر بتاريخ 10 جانفي الجاري.

السيدة كريستين ووفد المتعاملين والخبراء المرافقين لها سيعرضون تجربتهم و«إغراءاتهم" التجارية والتعاملية أيضا على نظرائهم الجزائريين، في ملتقى تكشف فيه عن الفرص المتاحة للمتعاملين في البلدين من رجال المال والأعمال الجزائريين والفرنسيين على السواء، لبلوغ شراكة ندية (رابح/رابح) تضبط تفاصيل هذه الشراكة وأوجه التعاون القطاعية.

زيارة الرئيسة التنفيذية لميناء مارسيليا إلى الجزائر، وبقطع النظر عن أهدافها الاقتصادية والتجارية، تعكس الديناميكية الفعلية التي يشهدها الاقتصاد الجزائري (في مختلف قطاعاته) خلال الأشهر الأخيرة على الخصوص، حيث أصبحت الفضاءات والأسواق الجزائرية أكثر إغراء وجاذبية للمستثمرين الوطنيين والأجانب.

إغراءات في عز الأزمة

ويجب التأكيد -بفخر واعتزاز- أنه ليس من السهل إحداث ديناميكية إغراء وجذب للرأسمال الأجنبي في عز أزمة اقتصادية دولية انعكست سلبا على معظم اقتصاديات البلدان، لاسيما تلك التي يقوم اقتصادها وتضبط ميزانياتها على أسعار البترول، وعلى أسعار البترول دون سواها. إن التوجه الجديد للاقتصاد الجزائري وسياسة الحكومة الجزائرية، يقوم أساسا على بدائل لثروة النفط التي تشهد  اضطرابات واهتزازات في الأسواق العالمية موجعة ومؤثرة على برامج التنمية والأحوال الاجتماعية في عديد الدول بما فيها الجزائر. لذلك فإن قرار فتح المؤسسات الاقتصادية للرأسمال الأجنبي والشراكة متعددة الصيغ والأوجه، سواء من خلال قاعدة (51/ 49) أو من خلال صيغ أخرى، هو قرار  استراتيجي وليس اعتباطيا أو ظرفيا كما يعتقد بعض الذين ألفوا دفء وخيرات "الدولة المانحة للأرزاق" التي أغدقت أموالها على مؤسساتها (من خلال مسح الديون لمؤسسات اقتصادية عمومية وخاصة).

ومع ذلك، لم تخرج من دائرة المديونية والجمود والإفلاس  في نهاية المطاف بسبب منطق تسيير لا يعتمد البراغماتية وأساليب التسيير العلمي والعصري، ومنطق الفاعلية وفق أهداف وبرامج محددة، ولكن بمنطق (الجمعيات الخيرية). أو بإغداق الأموال فيما يعرف بالدعم الاجتماعي على كل المواطنين، الفقراء منهم والأثرياء، لقد ولد هذا المنطق في زمن الرخاء "عقلية البايلك" والانتظار وقتل قيم العمل وروح المبادرة. والنتيجة هي ما يعرفها الجميع، ويتخبط فيها الجميع، الدولة بمؤسساتها، والشعب الذي ألف أن كل شيء مجان، وأن الدولة هي التي تحيي وتميت اجتماعيا، وهي المانحة للأرزاق.

تغيير الذهنيات والقوانين لمرحلة ما بعد البترول

الانفتاح الاقتصادي، يقتضي مرافقته أو بالأحرى التحضير له بتسوية عدة ملفات، وتغيير عدة قوانين، وعصرنة أساليب التسيير والحكامة. ولعل في مقدمة "الإغراءات" التي يجب توفيرها لأي مستثمر، هو توفير العقار، وإصلاح وتبسيط إجراءات الاستثمار من خلال إخراج البنوك من واقعها السلبي الذي لا يمت بصلة إلى منطق الاقتصاد والتجارة، ومراجعة قوانين الجمارك والضرائب والجباية.

وفي النهاية إقرار وإخراج قانون استثمار أكثر إغراء وجاذبية يفتح شهية المستثمرين الوطنيين والأجانب، كل هذه الإصلاحات المنبثقة عن برنامج رئيس الجمهورية، والموكل تنفيذها إلى الوزير الأول عبد المالك سلال وحكومته، تصب في مراميها وأهدافها النهائية في خلق أقتصاد حر متفتح، يحقق البدائل المالية من خلال الاكتفاء الذاتي أولا بترشيد النفقات، والاعتماد على القدرات الوطنية لكل الفاعلين  الاقتصاديين والمتعاملين الجزائريين أي التنمية الشاملة والمتكاملة، أو برفع الصادرات وتنويعها، لجلب الأموال والمداخيل بالعملة الصعبة، التي تكون بدائل لثروة النفط التي رهنت الجزائر واقتصادها. مؤسف أن تظل صادرات النفط والغاز المورد الوحيد للجزائر بنسبة 98٪ في حين تتوفر الجزائر (التي تشبه القارة بمساحتها) على كل فرص النجاح والاقلاع التنموي. وهو رهان جدي لحكومة سلال ووزير اقتصادها بوشوارب. وكذا لمنتدى رجال الأعمال الذي يقوده حداد.

سلال: رجل هادئ في حكومة تواجه أزمة

يجب الإقرار رغم تحفظ الكثيرين الذين قد يختلفون معنا في هذا الاعتقاد، بأن حكومة سلال، رغم بعض الاختلالات وفي بعض الحالات المحدودة وفي بعض القطاعات تحديدا والمتعلقة أساسا بصعوبة التكيف مع التحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد الجزائري أو نتيجة اصطدام بعض الوزراء بعقليات وذهنيات في قطاعاتهم لم تتكيف بعد مع هذه التحولات ولم تندمج بفعالية مع التجدد السياسي والاقتصادي لمرحلة ما بعد البترول.

هؤلاء الوزراء عليهم أن يضاعفوا الجهود لتغيير واقع قطاعاتهم حتى لا يفهم بأنهم بمثابة مكابح تحول دون الانسجام داخل الطاقم الحكومي نفسه، أو حتى لا يتهموا صراحة بالعرقلة والعمل خارج التوقيت، وخارج ديناميكية الحكومة. وربما بسبب هذه الملاحظات ما فتئت وسائل الإعلام المستندة إلى تسريبات الظل تتحدث باستمرار عن  تعديل حكومي وشيك.

نقول يجب الإقرار بأن حكومة سلال أحدثت ديناميكية  جذب حقيقية للمستثمرين، سيما خلال الأشهر الأخيرة. المتعاملون الاقتصاديون الذين تحدثوا لـ«المساء" في أكثر من مناسبة، أكدوا أن فرص النجاح بدأت تلوح في الأفق وترتسم في كل ربوع الجزائر وفي مختلف القطاعات الصناعية والفلاحية والسياحية وفي مجالات النقل والخدمات وتكنولوجيات الإعلام والإتصال والطاقات المتجددة والتجارة، إضافة إلى عصرنة الإدارة التي بدأت تدخل مرحلة الرقمنة بديناميكية فعلية لا ينكرها إلا  حاجد.

المحافظون: رفض التغيير بحسابات قديمة

تحفظ الذين أشرنا إليهم سلفا، يتأتى سواء من أولئك الذين يستعجلون محصول البيدر قبل الزرع والحصاد وموسم الأمطار أو أولئك الذين لم يتخلصوا من عقم ويبس الأفكار والذهنيات المرتبطة بسوابق التسيير البيروقراطي والشعبوي، أو حتى بعض الذين لم يتخطوا منطق الأرض المحروقة لحسابات سياسوية وانتكاساتهم الشخصية.

حصاد ماراطون بوتفليقة

إن ما نحصده اليوم من تنافس وإقبال دولي على الاستثمار في الجزائر، لم يأت صدفة، فهو ثمرة رحلات الصيف والشتاء وماراطون الرئيس بوتفليقة شخصيا الذي جاب كل أنحاء العالم "لتلميع" صورة الجزائر، والمرافعة في كل المحافل والمنتديات الاقتصادية في مشارق الأرض ومغاربها، على أن الجزائر تغيرت و«انفتحت" وكسرت أبواب وسلوكات الانغلاق الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والاعلامي وكذا غيرت قوانينها وفتحت سبل التجدد وأبواب الشراكة على مصراعيها.

هذا "الزرع" لصالح الجزائر أولا، ولفائدة افريقيا من خلال النيباد، والعالم النامي يترجمه اليوم "موسم الحصاد"، من خلال تهافت دولي واسع على دخول الجزائر، بعد سنوات الحصار والفرار طوال التسعينات وما قبل التسعينات أيضا.

سلال يفتح الأبواب للجميع

الوزير الأول في مرافعاته الوطنية والدولية من خلال ماراطون متواصل وبتكليف من الرئيس بوتفليقة ومصحوبا بالمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، يواصل "رحلة الإغراءات" وجذب المستثمرين، داعيا المالطيين أمس الأول ومن قبل الفرنسيين والألمان والبريطانيين والخليجيين والروس والأتراك والإيرانيين والصينيين والإيطاليين والأشقاء المغاربة (المغرب العربي) والإسبان والبرتغاليين والفنلنديين والأفارقة والأمريكيين والمستثمرين أجمعين إلى اغتنام الفرص المتاحة في الجزائر من أجل شراكات تعامل جدية من منظور "رابح - رابح". 

الجيش: رفيقنا الدائم

لأن كل الظروف أصبحت متوفرة لاستثمار فاعل وناجح ومفيد لكل الأطراف، وهذا ينضاف إلى وضع أمني مستقر في محيط مضطرب، أكده الفريق قايد صالح قائد الأركان نائب وزير الدفاع في أكثر من مرة آخرها من ورقلة الذي أشاد بالمهنية العالية والكفاءة المشهود بها من طرف الأجانب والقوى العظمى على الخصوص، لجيشنا الوطني الشعبي ومختلف أسلاكنا الأمنية، يكفي أن نذكر بالتطمينات التي قدمتها الخارجية الأمريكية لمستثمريها ومواطنيها برفع الحظر عن تحفظاتها بدخول الجزائر، وهي البلد الأكثر حرصا على أمن مواطنيه بقوة القانون.

البريطانيون قادمون في ماي القادم

البريطانيون بادروا إلى تحديد مجالات تعاونهم يوم 12 جانفي الماضي، بالإعلان عن منتدى اقتصادي في ماي القادم بالجزائر، بتنقل وفد كبير من رجال المال والأعمال، سيما من قطاعات الطاقة والطاقات المتجددة، وقطاع البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، والصناعات الغذائية (على الخصوص إنتاج الحليب ومشتقاته)، وأشاد اللورد ريشارد ريسبي بتوفر فرص الاستثمار في الجزائر التي اعتبرها بلدا مستقرا في منطقة متحركة.

ميركل: نحن الأولى بالمعروف

تصريح اللورد من بريطانيا، لم يمر بعيدا عن الأضواء أو دون صدى فجاء تصريح المستشارة الألمانية ميركل التي أكدت عزم الألمان على إقامة شراكة متعددة الأبعاد سيما في مجال الصناعة وقطع الغيار وتطوير الفلاحة الصحراوية والطاقة الشمسية والبيئة والصناعات الغذائية وزراعة المساحات الكبرى، وراحت السيدة ميركل تذكر بتجذر العلاقات الثنائية الألمانية - الجزائرية (من باب نحن الأولى).

هولاند: نحن مع الجزائر في كل المعارك

لم يمر تصريح ميركل بدون ارتدادات. الرئيس الفرنسي هولاند سارع إلى استدراك إغراءات الألمان، ليكتب رسالة إلى الرئيس بوتفليقة يعلن فيها صراحة وبالحرف الواحد: "سندعم الجزائر في معارك التنمية والأمن"، وعجل بضبط تاريخ يومي 20 و21 فيفري القادم لانعقاد اللجنة الحكومية رفيعة المستوى، مع تنصيب فريق عمل لإنجاح اللقاء.

ماري بروكا تختار أقصر طرق الإغراء

لكن رئيسة مالطا، السيدة ماري لويز كاليرو بروكا، اختارت أقصر الطرق بالتنقل إلى الجزائر مباشرة في زيارة دامت يومين، لتعرض خبرة بلادها في قطاعات السياحة والرقمنة واللغة الإنجليزية، وهي ورشات مفتوحة حاليا في وزارات غول وبدوي وبن غبريط التي عادت أمس من بريطانيا. الرئيسة المالطية، التي "تجمدت" علاقات الجزائر مع بلادها منذ 1982 (؟) تعود بعقد منتديين في ظرف شهرين، واستجابة الحكومة الجزائرية كانت سريعة بإعلان أن أبواب الاستثمار المتنوع مفتوحة أمام كل الشركاء الجديين دون استثناء عربا، أفارقة، أوروبيين، أسيويين، أمريكيي الشمال والجنوب وغيرهم..

السفير الصيني: مستعدون بالمال.. والرجال

الصين حركت سفيرها بالجزائر، ودعمته بعروض شراكة متنوعة، بما فيها الدعم المالي، حيث صرح السفير يانغ غيونغيو (أمام "تدفق" الأوروبيين تباعا): "مستعدون لمرافقة الجزائر في تنويع اقتصادها.. وعرض خبرتنا على الجزائر التي شرعت في مسار تنويع اقتصادي، وتبذل جهودا كبيرة لتحسين مناخ الأعمال، لاسيما في قطاعات الصناعة ومناجم الحديد والميكانيك والفندقة والفلاحة وإنتاج الإسمنت والنقل البحري وصناعة السيارات والطاقات المتجددة، ليذهب بعيدا في "إغراءات التنافس" بالقول إن بلاده خصصت 60 مليار دولار لإنجاز 10 برامج في القارة الافريقية خلال الثلاث سنوات القادمة، وأن بعض هذه البرامج ستدرج في الجزائر، مذكرا بجودة وتميز العلاقات الجزائرية - الصينية التي تعود إلى عشريات من التفاعل والتعاون وتطابق المواقف. للتذكير، استفاد الصينيون من مشروع بناء أكبر ميناء في إفريقيا، ميناء شرشال، طبعا بشراكة جزائرية.ميناء شرشال سيكون إضافة إلى خدماته التجارية، بمثابة عنوان: جزائر مابعد البترول.

بولاشيك: نحن مع الجزائر

المتعاملون الأمريكان والروس والكوريون والبرتغاليون والبرازيليون والجنوب إفريقيين.. اختاروا مجالات استثماراتهم منذ سنوات ويسعون على الدوام إلى التذكير بأنهم شركاء جديون ودائمون بدون تحفظ أو تردد، وهو ما تؤكد عليه باستمرار على سبيل المثال السفيرة الأمريكية بولاشيك المتفاعلة بشكل لافت على صفحتها الالكترونية، آخرها تفاعلها مع مشروع الدستور الذي اعتبرته إيجابيا وخطوة نحو ديمقراطية حقيقية.