التظاهرة بعيون المثقفين:

اختلاف في التقيم، وقساوة بعض الأحكام

اختلاف في التقيم، وقساوة بعض الأحكام
  • القراءات: 884
ن. ج ن. ج

تباينت آراء المثقفين حول ما قد أضافت تظاهرة عاصمة الثقافة العربية للمدينة خصوصا، وللجزائر عموما، ففيما ثمّن البعض المبدأ تساءل آخرون عن جدوى تنظيم احتفالية بحجم عاصمة الثقافة العربية، ببرنامج عادي لا يرقى للمأمول، وما أضافته هذه التظاهرة لقسنطينة والجزائر وللمشهد الثقافي عموما. كما اتهم فريق آخر القائمين على التظاهرة بعدم إلمامهم بأبجديات العمل المحترف. "المساء" خاضت في الموضوع مع عدد من المثقفين. 

الدكتور فيصل الأحمر: الإنسان: العاصمة الوحيدة لكلّ ثقافة

أثار الدكتور فيصل الأحمر كثرة التعليقات حول تظاهرة "قسنطينة عاصمة للثقافة"، وأوضح أنّ الغالب هو توجيه انتقادات معيّنة لقطاع معيَّن أو حتى لأشخاص ممن لهم صلة بالموضوع. والحقيقة أن ما يمكن توجيهه من انتقادات يصب أصلا في المسألة الثقافية عموما، لمشاكل التخطيط الثقافي والإشكاليات المجتمعية التي تنتج فردا جزائريا، يبدو – بدون قصد منه – معاديا للأمر الثقافي، هكذا... لوجه الله...". وأضاف أنّ التظاهرة الثقافية التي تأتي بين حين وآخر كأنّها ضيف ثقيل، لا يمكن تأصيلها، تبقى غريبة مهما اجتهدنا؛ لأنّ جوهر الثقافي هو ما نتبناه بالقلب من خلال اختيار واع وفعل متكرّر يتحوّل إلى عرف أو عادة.. وليس هذا الجوهر مرتبطا بما يأتي من السماء فيسقط على الرأس، أو ما تأتي به القرارات الرسمية وتفرضه على الناس على أمل تبنّيه واحتضانه. وقال: "يبقى أنّ الثقافة تمتلك بعدا بيداغوجيا تربويا، وهي من هذا المنطلق، تخضع لقوّة الاقتراح ولضرورة استحداث برامج وإلزام الناس بها".

لقد جاءت التظاهرة ـ حسب محدّثنا ـ بكثير من الاحتكاك الجميل بين شرائح كثيرة. وقال: "شاركت شخصيا في بعضها كجمهور، وفي البعض الآخر كمحاضر أو شاعر. وأشهد على جوّ شعري حميمي مرت سنوات طويلة لم تعرفه قسنطينة، ولا يمكننا مهما كان هامشنا النقدي والانتقادي أيضا، أن نلغي الدور الإيجابي لهذا النوع من التظاهرات". وأشار الدكتور الأحمر إلى نقطة رآها من أهم ما حدث في قسنطينة وما يحدث في مثيلات هذه التظاهرات؛ والمقصود هو السماح للشباب الواردين حديثا على ميدان الثقافة وحتى الأطفال الصغار الذين لم يحالفهم الحظ فيما سلف، بأن يحضروا أو يروا أو يحتكوا بهذه الأجواء.. من هذا المنطلق ننتهي إلى الوظيفة الأساسية لهذه التظاهرات الثقافية، والتي هي خلق إمكانية للاحتكاك بين شرائح وأطياف يفترض أنّها متباعدة، وأنّ العقبات الطبيعية المعتادة تقف في وجهها.. بدون أن ننسى حصيلة المدن المستفيدة من التظاهرات من البنية والمنشآت القاعدية. وختم كلماته بملاحظة صميمية، مفادها أنّ التكوين الثقافي مهمة الجميع، وأنّ التظاهرات الرسمية ليست سوى خطوة واحدة في مسيرة الألف ميل.

الإعلامي والأديب رابح ظريف: من الصعب الحكم من الآن

من جهته، اعتبر الإعلامي والأديب رابح ظريف، أنّ من الصعب الحكم من الآن على أثر هذا الحدث الثقافي الهام على قسنطينة والجزائر عموما، لكن يمكنُ أن نرصدَ آثار "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية" على مدينة تلمسان مثلا، حتّى نتوقّع ما يمكنُ أن يقدّمه حدث كالذي نتحدّث عنه؛ سواء على قسنطينة أو الجزائر. وأشار إلى أنّ الأمر لا يتعلّق بالجانب الثقافي فقط، إنّما بالجانب الاقتصادي والحضاري والاجتماعي على مدينة شهدت تطوّرا كبيرا قبيل افتتاح الحدث بقليل، وإن كانت بعض المشاريع لم تنجَر بعد فإنّه من الصعب الحكم حاليا على الحدث من كلّ نواحيه. وقال: "علينا أن نتريّث قليلا وننتظر استكمال كلّ المشاريع، ننتظر أيضا اختتام الفعالية وعودة قسنطينة إلى يومياتها السابقة، حتى نكتشف أثر عاصمة الثقافة العربية". 

وأوضح أنّه تمّ تسطير برنامج ثريّ جدا، للأسف تزامن مع هبوط حاد لأسعار البترول؛ ما استدعى فرض سياسة التقشف، لكن القائمين على الحدث آثروا سياسة ترشيد النفقات وإعادة ضبط البرنامج بما يتواءم والوضع الاقتصادي العام؛ ما ساهم في استمرار البرنامج الثقافي بشكل عادي، وهو ما يُحسب لوزارة الثقافة ومحافظة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، فالأنشطة لم تتوقّف عن قسنطينة أبدا منذ انطلاق الحدث إلى غاية أيام قليلة قبيل اختتامه، مضيفا: "لكنني أؤكد أنّ منجزا ثقافيا كبيرا تحقّق لمدينة قسنطينة وللجزائر بصفة عامة من خلال هذا الحدث، في مجالات السينما، الأدب، الكتاب، المرافق، الترميمات وغيرها من المنجزات التي لمسناها في الواقع".

سليمان جوادي: سنة ثقافية عادية

لم يُخف الشاعر والأديب سليمان جوادي اعتقاده السابق بأن تكون قسنطينة عاصمة الثقافة العربية أكثر نجاحا وثراء من التظاهرتين المماثلتين السابقتين لها، وهما "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" و"تلمسان  عاصمة الثقافة الإسلامية" وتظاهرات كبرى أخرى، كمهرجان الثقافة اﻹفريقية، وهذا بحكم تراكم التجربة أولا، وبحكم إقامتها في مدينة عريقة كسيرتا، وما أدراك ما سيرتا! وأضاف: "لكن مضت السنة عادية بنشاطات لا تختلف كثيرا عما تقدّمه وزارة الثقافة والمؤسّسات التابعة لها على مدار السنة، ولولا نشاطات مميزة مثل ليالي الشعر العربي، لما ميّزنا هذه السنة عن باقي السنوات". وتوقّف جوادي عند استفادة قسنطينة من مرافق جديدة وترميم وتهيئة أخرى ما كانت لتكون لولا هذه التظاهرة، موضحا: "لعل للمقاطعة المعلنة أو غير المعلنة لمثقفي قسنطينة وأدبائها، الأثر البالغ في التقليص من نجاح التظاهرة".

الأديب مرزاق بقطاش: تظاهرة مثل هذه تتطلّب تغطية إعلامية واسعة

الأديب، المترجم والإعلامي مرزاق بقطاش، أوضح، من جهته، أنّه لم يتابع، مع الأسف، وقائع سنة الثقافة العربية بقسنطينة، وتابع في أثناء الرسمي بالإنصات، الخطاب الذي ألقاه المستشار محمد بن عمر زرهوني نيابة عن السيد رئيس الجمهورية وكذلك خطاب السيد عز الدين ميهوبي وزير الثقافة. كما تسنّى له في بعض الأحيان، الاطلاع على بعض الحصص الإذاعية التي نشّطها بعض المختصين في الموسيقى الجزائرية. وأضاف: "من حيث المبدأ، كلّ تظاهرة ثقافية أيّا ما كان مستواها التنظيمي، تضيف شيئا جديدا يخدم الثقافة بصورة عامة ويجلب إليه كلّ من يبحث عن هذا النشاط الفكري أو الفني"، مشيرا إلى اعتقاده بأنّ تظاهرة مثل هذه تتطلّب تغطية إعلامية واسعة؛ من مرئية وإذاعية وصحافية. وفي هذا قال: "كنت أتمنى لو فكّر المنظمون في إنجازات إعلامية تلفزيونية في المقام الأول، تلفت إليها انتباه المشاهدين في الجزائر وفي الخارج؛ ذلك أجدر ألا يجعل من تظاهرة قسنطينة تظاهرة جهوية، بل تظاهرة وطنية عربية وإفريقية وعالمية".

الشاعر علاوة كوسة: الاحتفالية عادت بالخير الثقافي والفني والفكري

الشاعر علاوة كوسة، من جهته، طرح سؤالا وجيها حينما قال: "أيام قليلة تفصلنا عن اختتام تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية بعد عام مليئ بالنشاطات المكثفة والمتوزعة على فنون مختلفة، بين الآداب والمسرح والموسيقى والتراث وغيرها، غير أنّ السؤال الذي يشغل الرأي العام والنخبةَ على وجه الخصوص، هو: "ما الذي أضافته هذه التظاهرة لقسنطينة والجزائر وللمشهد الثقافي عموما؟". وهنا يوضّح أنّ التظاهرة انعكست كما بدا للعيان، على قسنطينة بوصفها المدينة المستضيفة للتظاهرة من حيث عمرانها ممثلا في المرافق الثقافية التي احتضنت النشاطات، وعلى معمار المدينة أيضا بعد ترميم العديد من التحف المعمارية التراثية. وكسبت المدينة مرافق جديدة ستعمّر طويلا بعد اختتام التظاهرة، وهو مكسب للمدينة ولكلّ المثقفين الجزائريين أيضا، والذين يرجون أن تستكمل الجهات الوصية أشغال البناء والترميم.

ومن المكاسب الثقافية أيضا بالنسبة للجزائر، ذكر الأستاذ كوسة الأجواء الثقافية الجميلة التي ميّزت التظاهرة، وخلقت كثيرا من الاحتكاك الفعّال المثمر بين مثقفي الجزائر ومثقفين عرب، وهذا يستوجب على الدوائر الرسمية ووزارة الثقافة بالخصوص، أن ترسّخ هذه التقاليد الثقافية، وتعمل على استمراريتها بعد اختتام التظاهرة. وتابع يقول: "أما عن "الكِتاب" وعملية الطبع التي كنا ننتظرها كبيرة كمّا ونوعا فإننا نقدّر الظروف المحيطة بالتقليل من عدد الكتب التي كان منتظرا طبعها، ولكن نظرا لقيمة هذه المؤلفات فإننا نأمل من وزارة الثقافة أن تستمر في طبعها؛ لأنّ البقاء للكتاب، ولأنّ أدباءنا ومثقفينا أحرقوا أعصابهم وأجهدوا أنفسهم في سبيل تصنيف هذه المؤلفات". وفي ختام القول اعتبر كوسة أنّ تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، عادت بالخير الثقافي والفني والفكري على قسنطينة وعلى الجزائر والجزائريين، وأكّدت فعلا أنّ الجزائر تبقى على الدوام منارة عربية وعالمية للثقافة والإبداع.

الدكتور عبد الله حمادي: عرس في غياب أهل العروسين

فتح الدكتور عبد اللّه حمادي النار على اللجنة التنفيذية للتظاهرة، وقال: "..أمّا سؤالكم فإنّ تظاهرة قسنطينة من سوء حظها، أُديرت من طرف أشخاص ليس لهم علاقة بقسنطينة، وليس لهم علاقة بالثقافة والمثقفين؛ وأعني محافظ قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، فيظهر أنه شخص ليس له علاقة بالثقافة، ولم يسبق له أن أشرف على عمل ثقافي بحجم قسنطينة عاصمة الثقافة العربية". وتساءل كيف لم تعثر السلطة المركزية في قسنطينة على شخصية لإدارة هذه المهمة، وقد انعكس هذا الخلل على مجريات مختلف النشاطات الثقافية؛ إذ غالبا ما لوحظ غياب هذا المحافظ. أما الخلل الثاني الذي أثاره الدكتور وترك أثرا سلبيا على سيْر تظاهرة قسنطينة، فهو تداول على وزارة الثقافة في مدة قصيرة، ثلاثة وزراء؛ مما انعكس سلبا على مجريات التظاهرة. أما الثالث فيتمثّل في المسؤول عن الملتقيات العلمية سليمان حاشي، الذي انفرد بانتقاء عناصر تشاطره الأفكار والجهوية المقيتة، وأشرف على ملتقيات تدار فعالياتها في فندق من خمس نجوم.

وأشار إلى أنّ الهدف منها هو تبرير المصاريف المهولة وليس القصد من ورائها الفائدة العلمية التي تعود على مدينة قسنطينة بالنفع ولا حتى الجزائر؛ فكلّ الملتقيات لا يحضرها إلاّ المدعوّون. وتابع: "أمّا الكارثة الأخرى فهي المنشورات التي كان يُفترض أن تهتم بالدراسات التي تناولت موضوع قسنطينة بالدراسة، لكن في آخر الأمر لاحظ الجميع نشر كتب المسؤولين على مستوى وزارة الثقافة أو مديري الثقافة والمقربين منهم، وبلغت الضحالة أن نُشرت كتب لا تصلح لأي مجال من مجالات الحياة". وتوقّف الدكتور حمادي عند وضع البلدان العربية والدمار الذي لحق باستقرارها؛ مما جعل غياب هذه الدول ينعكس سلبا على شعار "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"؛ فهي عاصمة في غياب الدول العربية. ولخّص هذه التظاهرة في أنّها كانت عرسا في غياب أهل العروسين.