عادة يلتفت إليها الجزائري مع كل احتفالية

إقبال شديد على «التراز»

إقبال شديد على «التراز»
  • القراءات: 5056
 نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تنتشر هذه الأيام عبر مختلف أسواق أحياء العاصمة والبلديات المجاورة لها، طاولات لبيع حلويات ومكسرات تفنن صانعوها في جعلها خاصة باحتفالية ينايز، وهي الظاهرة التي تتواصل منذ فترة ما قبل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث لا يزال البعض يعرض بضاعته بعدما اعتاد المواطن الاحتفال بمختلف الأعياد بنفس الشكل تقريبا.

حلوى «التراز» أو «القشقاش» هي بعض التسميات التي أطلقها الباعة والمستهلكون على بضاعتهم المتمثلة في كمية متراكمة من الحلوى والشكولاطة والمكسرات التي تكون عادة غير مغلفة، ممزوجة مع بعضها البعض يقتنيها المستهلك بالميزان، حيث يجمع له التاجر بطريقة عشوائية كمية يحددها المستهلك ويغلفها داخل أكياس بلاستيكية بأسعار تختلف باختلاف محتوى تلك «الخلطات» تتراوح بين 300 و400 دينار للكيلوغرام الواحد.

في جولة قادت «المساء» إلى سوق ساحة الشهداء، لمست مدى اهتمام المواطنين بهذه الاحتفالية التي أصبحت جزءا من العادات الراسخة لدى كافة الشعب الجزائري بتسميات تختلف من منطقة إلى أخرى وبتفاصيل صغيرة مختلفة في إحياء هذه المناسبة.

اقتربنا من البائع منتصر الذي أوضح أن الإقبال على هذا النوع من الحلويات يزداد من سنة إلى أخرى، ولعل ذلك راجع ـ حسبه - إلى توسع الفئة المجتمعية المحتفلة بهذه المناسبة، حيث قال إنه في سنوات مضت كان الاحتفال بيناير يقتصر على بعض المناطق فقط من الوطن، خصوصا المدن الشرقية، وكان يحتفل به «الأمازيغ» فقط واليوم انتشر ليمس مختلف الثقافات المحلية، وهذا أكبر دليل على الرابط والعلاقات القوية بين مختلف أفراد المجتمع، حيث أصبح الجزائريون يدافعون عن هويتهم المتمثلة في مختلف تقاليدهم وعاداتهم وثقافتهم بألوانها الفسيفسائية كفرد واحد.

توجهنا بعدها نحو البائع الذي عرض أنواعا مختلفة من تلك الحلويات المعروضة بطريقة عشوائية فوق طاولة بسيطة، منها قطع من الشكولاطة التي لا نجدها في سائر الأيام، الأمر الذي دفعنا إلى الاستفسار عن مصدرها، ورد علينا بأنها محلية الصنع بعضها يصنع بطريقة تقليدية داخل البيوت، حيث تصنعها النسوة بطريقة بسيطة على شكل حلوى «الرولي» وتحمل العديد من طبقات الحلوى الملونة وكذا الشكولاطة، في حين تحتوي «القشقشة» على أنواع مختلفة من الحلوى المستوردة بعضها من تركيا وأخرى من تونس وغيرها، تخلط فيما بينها ليحمل منها البائع بطريقة عشوائية كمية معينة ويزنها للزبون.

إلى جانب تلك الحلويات المعروضة من هنا وهناك، والتي تثير اهتمام المواطن الراغب في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، يعرض بنفس المناسبة تجار آخرون نوعا من المكسرات الخاص بيناير وهي «البلوط» وكذا الجوز، وهما النوعان المفضلان لهذه الاحتفالية، تقول صبرينة إحدى الزبونات التي كانت بصدد اقتناء كمية من «البلوط» لرأس السنة، حيث قالت بأنه أحد الأكلات «الشعبية» المفضلة لدى الجزائريين ويقتنيها العديدون للاحتفال برأس السنة، حيث يزينون بها طبق الحلوبات الذي يوضع على مائدة سهرة الاحتفالية، وتشير المتحدثة إلى طريقة طهيها البسيطة، حيث يتم شق فتحة صغيرة في كل حبة بلوط ويوضع في صينية الفرن ويطبخ لبضع دقائق، ثم يرفق مع «القشقشة» والشكولاطة وبعض الفواكه الموسمية ويتم تناولها مع الشاي. 

وهران  ...فرصة سانحة لتصالح الجزائريين مع تاريخهم

 أكد رئيس الجمعية الثقافية «نوميديا»، السيد سعيد زموش، يوم الثلاثاء، بوهران أن الاحتفال بعيد يناير «سيشكل فرصة سانحة لتصالح الجزائريين مع تاريخهم». 

وأوضح السيد زموش في  تصريح لـ«وأج» على هامش إشارة انطلاق مهرجان يناير الممتد من 10 إلى 13 يناير أن «هذا الموعد السنوى قد تمكن من مقاومة تقلبات الزمن  والتاريخ»، مؤكدا ضرورة «تكريس روح التضامن  والإنسانية للشعب الجزائري». 

وأشار إلى «أنه يتم إحياء هذا الحدث في الجزائر والمغرب العربي»، مبرزا «سحر ورمزية الاحتفال بهذا التقليد القديم». 

ويشارك حوالي 80 عارضا من عدة ولايات من الوطن منها وهران وورقلة والشلف ومعسكر وتيزي وزو وبومرداس وبجاية في هذا المهرجان الذي يتضمن أجنحة يناير الغنية بالمنتجات الثقافية المحلية والصناعة التقليدية. 

ويخصص هذا الحدث هذه السنة لرابح مترف ذي المائة سنة (1917-2016) وهو عضو نشيط بجمعية نوميديا الذي توفي في 2016. وحسب رئيس جمعية نوميديا فإن هذه الطبعة «تناضل من أجل ترسيم يناير كعيد وطني وعطلة مدفوعة الأجر». 

ويتضمن برنامج الاحتفال حفل الكسكسى الذي سيجري يوم الجمعة علي الساعة الثانية عشر بعد الظهر بقاعة الفتح ناهيك عن تنظيم سهرات موسيقية ومسرحية وشعرية وعرض لأفلام وورشات حول الأمازيغية.

المدية  ...الاحتفال عادة متجذرة عند السكان

يعدّ الاحتفال بيناير عادة متجذّرة في تقاليد سكان المدية، الذين اعتادوا استقبال السنة الأمازيغية الجديدة في جوّ من الفرح والبهجة. 

«العام» أو «الدراز» من بين التسميات التي يطلقها سكان المدية على السنة الأمازيغية الجديدة التي تنتظرها بفارغ الصبر العائلات، التي تفضل الاحتفال بهذا الحدث. ويُعتبر يناير احتفالا شعبيا بامتياز؛ حيث يواصل الجزائريون تفضيله على الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة التي تمر مرور الكرام بالنسبة لهم؛ بسبب ارتباطهم الكبير بالثقافة التي توحّد الجزائريين قاطبة. ويعكس الشعار الذي اختير هذه السنة «يناير إرث مشترك لجميع الجزائريين»، شعور الانتماء لثقافة السلف المشتركة، التي تتبلور في مختلف أشكال الاحتفالات بالمدية أو خارجها. 

وللاحتفال بسنة 2967 في الرزنامة الأمازيغية تم برمجة عدة تظاهرات اجتماعية وثقافية من طرف مديرية الثقافة، بالتعاون مع المحافظة السامية للأمازيغية ومتحف الفنون والتقاليد الشعبية وغرفة الصناعة التقليدية والحرف. وبالإضافة إلى المعارض التقليدية المنظّمة والمخصّصة للأطباق التقليدية التي تحضَّر خصيصا للاحتفال بـ «العام»، يتضمن البرنامج الذي تحتضنه دار الثقافة «حسن الحسني» إلى 15 يناير الجاري، استعراضات وحفلات غنائية فلكلورية تنشطها فرق جاءت من مختلف مناطق البلاد. 

ومن بين هذه الفرق إيواغنوسن (باتنة) وإيزلاون (غرداية) واهقار (تمنراست) والعيساوة (المدية) والسعادة (الجزائر العاصمة)؛ حيث ستضفي هذه الفرق طابعا مميزا على الحدث، وتجلب الدفء لا سيما في الجوّ البارد الذي تشهده المنطقة.  كما تحتفل باقي بلديات المدية بـ «العام» كحدث كبير ومميّز؛ في جوّ من التضامن بين العائلات ومع المعوزين، الذين يحق لهم بدورهم المشاركة في الأطباق التي تحضَّر بالمناسبة. ويأخذ الاحتفال بيناير منحى آخر لدى البعض الآخر؛ حيث يتم تنظيم سهرات للمديح الديني على مستوى الزوايا والأضرحة، كما كانت الحال قديما بالنسبة للسلف في بداية الموسم الفلاحي، راجين الله عز وجل أن يكون المحصول الفلاحي وفيرا وجيدا. 

وفي الوسط الحضري يتميز الاحتفال بيناير بالتركيز على الفنون المطبخية، المتمثلة في الأطباق التقليدية المخصصة للمناسبة، والتي تتكون أساسا من اللحم أو الدجاج والعجائن التقليدية المنزلية التي تختلف من منطقة لأخرى، والتي غالبا ما تكون إما الشخشوخة أو الكسكسي. 

ومن بين الأطباق الأخرى التي تحضَّر بالمناسبة نجد الحلويات التقليدية و«المعارك» أو «الرفيس»، وهي عبارة عن خليط بين دقيق القمح والتمر، يقدّم مع القهوة أو الشاي بالنعناع.

أدرار في الموعد  ...تكريس لوحدة المجتمع

يحتفل سكان أدرار على غرار باقي ولايات الوطن، بالسنة الأمازيغية أو ما يسمي بالناير بنشاطات متعددة ومختلفة، حسب كل منطقة؛ حيث يقصد سكان القصور الفلاحية قبل موعد الاحتفال، البساتين بغية جني وقطف ما تم إنتاجه من خضروات وأعشاب، وكلهم فرح وسرور بما أنتجت حقولهم من خيرات، آملين أن يكون الناير بداية السنة كله خير وبركة.

❊بوشريفي بلقاسم 

تتجذر هذه الصور منذ القدم؛ كون الإنسان الأمازيغي عايش هذه الأرض، والأدلة الواقعية اليوم هي أمازيغيةُ جلِّ أسماء مناطق القصور، خاصة منطقة توات الوسطى ومنطقة قرارة تميمون، كقصر أغزر وقصر ماسين. كما لايزال المواطنون يتكلمون اللهجة الزناتية؛ أي الأمازيغية؛ حيث ينظم بمنطقة تميمون كل سنة، مهرجان وطني يحاكي التراث الأمازيغي. بالمناسبة، تجد النسوة يحضّرن أطباقا تقليدية كلها مشتقة من المحاصيل الزراعية، منها طبق خبز القلة.. وخبز أنور.. بالإضافة إلى الكسكسى باللحم. كما تقوم بعض العائلات بشراء الدجاج حيا وذبحه تعبيرا عن الفرح، مع طبخ البقول الجافة كالفول والحمص لتوزيعها على الأطفال. ويزداد اهتمام سكان أدرار بيناير كل سنة نتيجة الترابط المشترك بين جميع مناطق الوطن، الذي أصبح واضحا جراء العلاقات الأسرية والمهنية والتربوية والثقافية نتيجة الممارسات اليومية لأفراد المجتمع في وحدتهم وآمالهم وتشبّعهم بالأصالة والتاريخ، خاصة أن  دستور ٢٠١٦ دستر اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، وأصبحت تدرَّس تدريجيا في المدارس، وهو ما زاد من ترابط وحدة الجزائريين، مما زاد من أهمية الاحتفال بالسنة الأمازيغية المتجذر عبر أزمنة التاريخ.

برنامج متنوع بالطارف

 تنظم المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، الشهيدة فرنسواز لويس، بولاية الطارف، بالتنسيق مع مديريرية الثقافة ودار الثقافة برنامجا ثقافيا متنوعا بمناسبة الاحتفال بالسنة الامازيغية، وذلك ابتداء من 12 جانفي حتى 14 من نفس الشهر ويتضمن هذا البرنامج الاحتفالي تنظيم معرض للكتاب الامازيغي الموجود بالرصيد الوثائقي للمكتبة وكذا تقديم عرض مسرحي للاطفال بعنوان «من جد وجد» لجمعية المنار للفن المسرحي لولاية الطارف كما يشمل هذا الاحتفال أيضا معرضا للموروث الأمازيغي ببهو المكتبة وكذا روشة رسم للجمهور للتعريف بالحروف والرموز الامازيغية وحصة تعليمية يؤطرها استاذ مختص للتعريف باللغة الأمازيغية.

❊ محمد صدوقي 

تمنراست  ...فرصة لجمع الشمل والنهل من التراث

استكملت العائلات بالهقار استعداداتها للاحتفال بمناسبة «يناير» 2967، حيث يتمّ تنظيف الشوارع ورفع الأعلام الوطنية وتزيين البيوت، وإلباس الأطفال خاصة اللباس التقليدي.

وحسب الجدة فاطمة، فإنّ المناسبة فرصة مواتية لاجتماع أفراد العائلة حول مائدة الغداء، حيث تتنوّع الأكلات التقليدية من الكسرة والخبز الرقيق والعصيدة، وسط سرد حكايات حول المناسبة على الأطفال، وسط أجواء من الفرح وصلة الرحم بين أفراد المجتمع.

المناسبة تُعتبر أيضا فرصة، يستغلها الفلاحون لإنعاش حملة الحرث والبذر، لأنّها فترة تنخفض فيها البرودة بالمنطقة، مما يساهم في نمو النباتات.

وفي سياق متصل، برمجت مديرية الثقافة بالولاية جملة من النشاطات احتفالا بالمناسبة، من أهمها معرض للصناعات التقليدية ينظم بدار الحرف، يتم من خلاله عرض المنتوجات الحرفية التقليدية. أما في الفترة المسائية فقد تمّ برمجة حفل غنائي بالمسرح البلدي، بمشاركة ألمع نجوم الأغنية التارقية والعصرية.

❊الشيخ بالعربيفرصة لجمع الشمل والنهل من التراث