خبراء يتحدثون عن قصبة الجزائر في آفاق المستقبل

إدراج القصبة ضمن مشروع التنمية المستدامة

إدراج القصبة ضمن مشروع التنمية المستدامة
  • القراءات: 1106
❊ مريم.ن  ❊ مريم.ن

تتطلع القصبة إلى آفاق مستقبلية تفتح فيها أبواب أسوارها على العالم، وتستعيد فيها زمنا مجيدا ولّى يحكي ما كان من تاريخ المحروسة، وتلقي على زائريها عناقيد الفل والياسمين وجواهر ودرر من تراث راق سيعود من أعماق أساسات مبانيها، والحكايات الشعبية التي جمعت البر والبحر، يرى الخبراء الذين حدثتهم «المساء»، أنّ قصبة المستقبل عليها أن تحفظ خصوصيتها المعمارية وهويتها الثقافية، ويلحون على دور سكانها في هذا التعمير، إذ بدونهم ستكون القصبة بنايات تسكنها الأشباح، والهدف من ذلك أن تدب الحياة فيها من جديد وأن تندمج في حياة عاصمة الجزائر.

مريم.ن 

عبد الوهاب زكاغ: احترام الخصوصية أولوية الأولويات

يرى السيد زكاغ، مدير الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، أن المشاركين في اللقاء الدولي للخبراء تحت شعار «حماية وتنشيط قصبة الجزائر، موقع من التراث العالمي»، بالتعاون مع «اليونسكو» الذي احتضنه فندق «الأوراسي» مؤخرا، يحمل رؤى وتجارب مختلفة، وكل واحد من الخبراء يمثّل قطعة من مدينته ويمثلها، فمثلا مدينة ريو دي جانيرو لها جانبها الاجتماعي كخصوصية، وهافانا متميزة بإعادة المباني القديمة إلى الحياة وتنشيطها في يوميات المدينة، نفس الحال بالنسبة للمدن التاريخية الإسبانية، ومدينة تونس التي تشبه الجزائر، لكنها ليست بنفس المحتوى ولها خصوصياتها وظروفها، غير أن قصبة تونس، كما قال محدث «المساء»، خضعت لترميم وأشغال بوتيرة أسرع، لذلك استعمل فيها الإسمنت المسلح وكانت بمثابة تجميل لأغراض سياحية، والخلاصة أن كل من هؤلاء يحمل شيئا من تجربة بلاده وعلى المعنيين في الجزائر المكلفين بملف القصبة أن يجمعوا كل ذلك وغربلته لاستعماله واستغلاله، فلا  مدينة في العالم تشبه القصبة مائة بالمائة.

تحدث السيد زكاغ عن مدينة باري بإيطاليا ذات الخصوصية الجغرافية (أرض مسطحة)، وقد شهدت بعض ما عرفته القصبة، أي أن السكان لم يندمجوا كليا في مشروع إعادة الترميم والتهيئة، فلجأت السلطات إلى العناية بالمساحات العمومية من ساحات وشوارع وغيرها، وعندما رأى الناس ذلك تحرّكوا وانخرطوا في المشروع.

من حيث التمويل، يرى المتحدث أن الاتكال لا ينبغي أن يكون على المواطن، بل تأتي المبادرة الأولى من الدولة، ثم من ملاك الدويرات أو المحلات أو غيرها بدعم من الدولة، يبقى مشكل الورثة مطروحا وهو غير موجود في الخارج. كما أن تجارب الدول الأجنبية تركز في الترميم على التمويل الخاص، أي عكسنا تماما.

من جهة أخرى، أوضح السيد زكاغ أن سكان القصبة رقم قار في مشروع الترميم والتأهيل، وأي استبدال للقصبويين بسكان آخرين ـ حسبه- هو خرق للطبيعة، إذ لا يعقل مثلا أن يخرج القصبويون ويستبدلوا بسكان حي راق بالعاصمة، حينها تتبدل العادات والثقافة وتنزع من القصبة روحها لتبقى مجرد جسم أجوف.

من بين التجارب العالمية التي حضرت إلى الجزائر، أعجب السيد زكاغ بمدينة باري الإيطالية، كونها الأقرب إلينا، كذلك تجربة برشلونة وتونس التي تمثل العمارة العربية والإسلامية.

عن مستقبل القصبة، أشار المتحدث إلى أنها تبقى تراثا وطنيا وعالميا مصنّفا ماديا (بنايات وقصور ومساجد وحمامات وأزقة)، وبالنسبة لتراثها غير المادي، فهو محفوظ في الذاكرة الجماعية للسكان، بالتالي ينبغي على هؤلاء أن يبقوا تماما كالمباني، فهم وحدهم -يشير المتحدث- من باستطاعتهم المحافظة على قصبتهم ويصونونها ولو بعملية التجيير (الجير)، كما كان أيام الماضي، فهذا التقليد جزء من العادات والتقاليد.

ألح زكاغ على جانب إدماج القصبة في حياة العاصمة الكبرى للجزائر، الأمر الذي يحتاج لوظائف ونشاطات تتماشى والعصر،  خاصة بالنسبة للشباب الذي لا يدخل قصبته إلا للنوم، ويتجولون أو يعيشون طيلة النهار بالأحياء العصرية، هؤلاء لهم نصيبهم المحفوظ في قصبتهم، ومن الضروري أن يتجاوز نشاطهم المتعلق بالقوت البيع في سوق «الدلالة»، كما لهم الحق في الترفيه وفي الحياة العصرية، من خلال توفير قاعات وفضاءات، منها تلك المتعلقة بالألعاب الإلكترونية مثلا.

بالنسبة للبعد السياحي، يرى السيد زكاغ أن القصبة تحمل التراث والهوية، بالتالي يقصدها السياح من كل حدب وصوب، لكن ليس معنى ذلك أن تكتظ بالسياح والوافدين، لأن ذلك سيقتل هذه المدينة القديمة، ولنا في مدينة برشلونة التي تستقبل سنويا 8 ملايين سائح عبرة، حيث أصيب سكانها بالضجر والاختناق.

بالنسبة للمنطقة العليا من القصبة فهي ـ حسب زكار- الأهدأ، مما يوحي بأن المدينة ميتة وتحتاج مستقبلا لعدة نشاطات تجارية، من فنادق ومقاهي ومحلات، ضمن استثمارات الخواص التي يضبطها دفتر شروط تتماشى والمعايير المطبقة في هذا الحي العتيق، حتى لا تكون ضد التهيئة، بل تكمل النشاط العام، وقال معلقا «ليس من المعقول أن نسمح ببناء أبراج بالقصبة فهذا يقتل خصوصيتها»، مضيفا أن القصبة تحتاج إلى أمور جديدة، شرط أن لا تمس بهويتها كي لا تتبدد، فكل تشويه أو تغيير معناه ضياع بعض من تراثها، بالتالي يضيع تصنيفها العالمي، ويكفي القصبة بعضا من الأوكسيجين كي تسترجع أنفاسها ولتربط بالعاصمة فهي الآن ـ حسبه- مفصولة عنها.

في الأخير، أكد السيد زكاغ على أن تكون القصبة في المستقبل هي نفسها، لا تضييع فيها لرائحتها وعبقها التاريخي المتميز، بعيدة عن أية مغالاة في وضع معالم العصرنة بداخلها لتبقى نفسها، وهنا يضيف «ليس من المحبذ أن نجد في أزقة القصبة محلات شيك تعرض أرقى الماركات العالمية، فذلك يبعد الجمهور والمتجولين من عموم الناس ويحل محله جمهور راق، مما قد يفقد القصبة شعبيتها».

م.ن

سفير تركيا بالجزائر محمد بوروي:التجربة التركية في الخدمة

ثمّن سفير تركيا بالجزائر السيد محمد بوروي، ما تحقق من تعاون في مجال ترميم المعالم التاريخية، وأشار خلال حديثه لـ»المساء»، إلى أن بلاده مستعدة لتقديم مساعدتها فيما يخص الخبرة التقنية، وقال «نحن على اتصال مع الحكومة الجزائرية وتقدمنا بملفات».

كما توقف السفير عند الرباط التاريخي المتين بين البلدين الممتد لأكثر من 3 قرون، مما يمثل تراثا تاريخيا وثقافيا مشتركا، معتبرا أنّ بداية التعاون كانت موفقة تمثّلت في ترميم جامع «كتشاوة»، وهو من المعالم المهمة في القصبة، وتقدم بشكره للحكومة، آملا في أن يتواصل هذا التعاون المثمر، علما أنه امتد إلى الباهية وهران من خلال ترميم عدة معالم، منها مسجد «حسن باشا».

أضاف المتحدث أن الشعب التركي يهتم بهذا التراث المشترك، لذلك توجد بعثات تركية تقصد الجزائر وستزداد مستقبلا.

م.ن