في استطلاع للرأي حول رأي الجزائري في العمل النقابي

إجماع على التقصير وخدمة المصالح الشخصية

إجماع على التقصير وخدمة المصالح الشخصية
  • القراءات: 1672
رشيدة بلال رشيدة بلال

كيف ينظر الجزائري إلى العمل النقابي؟ وهل يؤمن به كآلية قانونية دستورية وجدت لخدمته؟ وإلى أي مدى يسهم في تحصيل حقوق العمال المسلوبة؟ وهل حقق بعض المكاسب... أسئلة وأخرى حاولت ”المساء” في استطلاع للرأي الإجابة عليها من خلال الاحتكاك بعدد من الموظفين العاملين في قطاعات مختلفة عمومية وخاصة.

أولى الملاحظات التي تم رصدها من خلال أجوبة المواطنين بأن هناك وعيا كبيرا سواء لدى العاملين بالقطاع الخاص أو العمومي إلى أهمية وجود العمل النقابي في المؤسسات، بغض النظر إن كانت تقوم بدورها أولا، لأن وجودها كهيئة تبعث لدى العامل دائما الشعور بالاطمئنان والراحة إلى وجود هيئة في إمكانها الاحتكام إليها طلبا للمساعدة إن واجهه أي إشكال، لأنها ستكون اللسان النّاطق باسمه، غير أن درجة الرضا بالعمل الذي تؤديه هذه الهيئة ـ حسب ما جاء على لسان الأغلبية من الموطنين الذين مسهم الاستطلاع ـ تظل ضعيفة إن لم نقل بأنها تبعث على الخيبة وتثير الشعور بالاستياء، وهو ما جاء على لسان فوزية ”ن” موظفة في مؤسسة عمومية، التي أكدت في معرض حديثها إلى ”المساء” بأنها كانت تعتقد كغيرها من العمال بأن وجود نقابة في المؤسسة يؤمّن لها الحماية من تعسف الإدارة أو رب العمل، إلى أن واجهها إشكال مع رب العمل كاد يؤدي بها إلى الفصل لولا إن اعتمدت على بعض العارفين بالشؤون القانونية الذين ساعدوها وقدموا لها بعض التوجيه، في الوقت الذي اكتفت فيه النقابة بتكثيف اللقاءات الودية مع رب العمل والتي لم تؤد في نهاية المطاف إلى أي نتيجة”. وهو ذات الانطباع الذي لمسناه على لسان موظفة أخرى وصفت  العمل الذي تقوم به النقابة انطلاقا من تجربتها بغير المثمر وغير الجاد. وأكدت في معرض حديثها” بأن النقابة العمالية يفترض أن تكون قريبة من العمال، وتسعى إلى توعيتهم بحقوقهم حتى في غياب أي إشكال، ولكن ما يحدث تقول ”أنها بعد أن تتشكل بإرادة العمال  طبعا يقترب عملها من عمل الإداري الممثل في صياغة بيانات أو تصفية بعض الانشغالات المالية، بينما يظل  العامل في آخر اهتماماتها ولا تتدخل إلا إذا كان المشكل عويصا. وعادة ما يكون تدخلها دون جدوى وإنما يزيد الطين بلّة”.

في حين ذهب أمين ”ب” إعلامي  بمؤسسة خاصة إلى أبعد من ذلك، حيث أكد في معرض حديثه بأن  النقابات بعد أن يجري تأسيسها في أي مؤسسة تبدأ في إعطاء الانطباع بأنها مع العمال، وأن أبوابها مفتوحة لحل مشاكلهم، وبعد بضعة أشهر يتضح من خلال بعض الممارسات بأنها وجدت لخدمة النقابيين الذين يبادرون تحت صفة نقابي بحل مشاكلهم و  الدفاع عن المقربين إليهم، مشيرا في السياق إلى أنه لا ينفي على مستوى المؤسسة التي يعمل فيها   تحقيقهم كعمال لبعض المكاسب  البسيطة، ولكنها ـ يعلّق ـ ”تظل قليلة بالمقارنة مع الانشغالات الكثيرة التي يعانيها العمال  كالترقيات والمطالبة بالرفع في الأجور وتسوية الوضعية”. بينما أرجع وليد ”ق” عامل بمصنع لإنتاج العجائن، السبب الرئيسي  إلى كون النقابات لا تحسن الدفاع عن العمال إلى ضعف خبرتهم، وتدنّي ثقافتهم الأمر الذي يجعلهم يقول ”في كثير من الأحيان  يضيعون حقوق العامل، وهو ما يجهله بعض العمال الذين يبادرون إلى تزكية بعض الأسماء غير كفئة واختيارها لقيادة هذه الهيئة، فضلا عن أن بعض النقابيين عوض الحرص على خدمة العمال  يبادرون إلى تسوية مصالحهم  الشخصية، ويمنحون لأنفسهم الأولوية مستغلين في ذلك جهل العامل، بينما اختزلت إيمان، عاملة في مؤسسة خاصة رأيها في عبارة واحدة ”النقابي وجد لخدمة نفسه ومصالحه مستغلا صفته، وإن المكاسب التي يحققها للعمال قليلة جدا، تختصر في الرد على بعض  الإنذارات فحسب، في حين يظل العامل يكافح بنفسه لينتهي به المطاف في أروقة العدالة.    

رشيدة بلال


عيسى صديقي رئيس  التنسيقية  الوطنية للعمال المعاقين، أستاذ الفلسفة:

النقابات الجادة حققت الكثير من المكاسب للعمال

يرى الناشط الجمعوي، رئيس التنسيقية الوطنية للعمال المعاقين، عيسى صديقي  أستاذ الفلسفة، ردا على سؤال ”المساء” حول واقع العمل النقابي في الجزائر ”بأن العمل النقابي يعتبر مؤشرا مهما لحالة الديمقراطية داخل أي دولة، وأن الجزائر عرفت انتعاشا كبيرا في العمل النقابي منذ سنوات خاصة مع موجة الربيع العربي الأولى التي انطلقت في 2012 ، حيث شهدنا  ـ يقول ـ ”حراك كبير امتد إلى كافة الهياكل العمالية وتدرج في المطالبة بالحقوق والضغط المتكرر باللجوء للإضراب والاحتجاج في الشارع وهذا يدل  ـ حسبه  ـ على مستوى الوعي والنضج والتحرر لدى العامل الجزائري من دون أن ننكر بأن السلطة ظلت دائما تراوغ وتحاول أن تكسر هذا الحراك النقابي بعقلية الولاء للسلطة وهذا ما نلمسه في الإتحاد العام للعمال الجزائريين بالقطاع العام الذي كان دائما اليد التي  تحاول الدولة أن تكسر بها الحراك النقابي من خلال إدراجه في الثلاثية التي لها الحق في التشاور مع السلطة” .

وحول ما إذا كان العمل النقابي يدافع عن حقوق العمال فعليا، يجيب محدثنا بالقول ”أنه من الإجحاف أن نضع كل النقابات في سلة واحد سواء من ناحية المدح أو الذم خاصة وأننا شهدنا في أكثر من مرة لجوء السلطة إلى كسر العمل النقابي الجاد بخلق نقابات موازية، الأمر الذي نتج عنه وجود نقابات باعت قضية العامل وتاجرت بمشاكله للحصول على امتيازات خاصة، غير أن الأكيد ـ يوضح ـ

بأن بعض النقابات الجادة حققت الكثير من المكاسب للعمال وهذا ما نلمسه في نقابات التربية ونقابات الصحة اللذان عبرا بوضوح عن النضج لدى العامل الجزائري”.

من جهة أخرى، يرى محدثنا بأن العاملين في الحقل النقابي حتى يحسنوا الدفاع عن حقوق العمال ويسهموا في توعيتهم، بحاجة إلى التكوين بالدرجة الأولى لبلورة الشخصية النقابية، لأن الآليات التنظيمية التي تسير بها أي نقابة هي التي تضع العامل في الصورة وتجعله مدركا لما يحدث حوله، مشيرا إلى أنه في الآونة الأخيرة، أصبح الموظف يعتبر محور الحراك النقابي ومرجع ذلك ارتفاع مستوى الوعي الذي وصل إليه الموظف وتخلصه من عقدة الخوف التي كانت تسكنه قبل سنوات، فضلا عن الدور الكبير في التوعية الذي لعبته وسائل الإعلام المفتوحة والعالم الافتراضي الذي مكن الجميع من المعلومة في أي نقطة من هذا الوطن حيث أصبح النقاش جماعيا.

رشيدة بلال


يوسف حنطبلي مختص اجتماعي: العمل النقابي تحكمه عقلية الولاء

يعتقد المختص في علم الاجتماع الأستاذ يوسف حنطبلي بأن العمل النقابي في الجزائر بحاجة إلى أن يمسه التغيير والتعديل، بعدما تحولت النقابات إلى إدارات موازية يرتبط وجودها بمدى ولائها إلى الجهة التي تنتمي إليها ممثلة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين بالنسبة للقطاع العام أو حتى بالنسبة للنقابات المستقلة.

وحسب المختص الاجتماعي في تصريحه لـ«المساء”، فإن العمل النقابي أصبح يحكمه اليوم مبدأ ”الولاء” أكثر من الدفاع، الأمر الذي أضر بالعامل الذي بدأ يشعر في السنوات الأخيرة بسلبية العمل النقابي الذي تسبب له في تضييع عدد من حقوقه ودفعه مجبرا للاستنجاد بالمحاكم.

من جهة أخرى، يرى المختص الاجتماعي بأن العمل النقابي بالقطاعين العام والخاص من الناحية القانونية والتنظيمية هو مفهوم أخلاقي، يلتزم فيه النقابي بمساندة العمال وتوعيتهم لتحصيل حقوقهم المسلوبة من طرف أرباب العمل ولكن من الناحية السوسيولوجية غير ذلك، حيث نجد ـ يقول ـ حقوق العمال اليوم تقاس  بمدى ولائها، الأمر الذي جعلها تحيد عن أهدافها ويتحول بعضها إلى منظمات  مسيّسة وأخرى متحزبة وبالتالي المطلوب  ـ حسبه ـ خاصة في ظل الحراك الذي تعيشه الجزائر اليوم والذي يفسر بنظر اجتماعية بأنه نتاج تراكمات لسنوات عديدة، السير بصورة جادة نحو التغيير بما في ذلك كل ما يتعلق بالآليات التي تحكم العمل النقابي لضمان استقلاليته وحتى لا يحيد عن أهدافه الممثلة في حماية العامل وحسب”.

رشيدة بلال


الأستاذ محمد الصديق عبد العزيز، محام معتمد لدى المحكمة العليا:

العمل النقابي حاد عن الهدف وغرق في التسييس

يرى المختص في القانون، الأستاذ محمد الصديق عبد العزيز محامي معتمد لدى المحكمة العليا، بأن العمل النقابي في الجزائر خرج عن إطاره القانوني، ولم تعد مصلحة العامل من اهتماماته وذلك بالنظر ـ يوضح في تصريحه لـ«المساء” ـ كونه لم يعد ذلك العمل المستقل والحر، إذ يفترض أن يكون ”العمل النقابي عبارة عن هيئة مخولة للدفاع عن الحقوق الأساسية للعمال في كل المؤسسات كالحق في الراحة والحق في الأجر، غير أن الواقع المعاش اليوم يقدم لنا صورة مختلفة عن طبيعة العمل النقابي الذي أصبح يباشر بعض الأعمال التي تخرج عن نطاق تخصصه كتسييس العمل النقابي أو التدخل في قضايا لا تهم العامل، الأمر الذي جعله ”يحيد عن الهدف الذي أنشئت من أجله النقابات العمالية والمتمثلة في الدفاع عن حقوق العامل المشروعة قانونا. من جهة أخرى، أوضح المختص القانوني بأن من بين أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت العمل النقابي يحيد عن أهدافه هو عدم تحديد الشروط الواجب توفرها فيمن يمارس العمل النقابي غير كونه ينتمي للمؤسسة ومنتخب من طرف العمال، الأمر الذي جعل من يتولى مهمة الدفاع عن العمال لا يملك وعيا قانونيا كافيا وهذا ـ حسبه  ـ ما أثر على العامل الذي يفترض أنه يقصد هذه الهيئة لتوعيته وتحصيل حقوقه المهدورة من طرف رب العمل، ناهيك ـ يؤكد ـ عن انحياز النقابي إلى تسوية مصالحه الشخصية على حساب مصالح العمال، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص والدليل على ذلك ـ يوضح  ـ ”يظهر من خلال القضايا المعروضة على المحاكم والتي نجد فيها النقابي منحازا إلى رب العمل أو غائبا تماما، الأمر الذي يجعل العامل يكافح منفردا لتحصيل حقوقه”.

من جملة الأسباب التي دفعت هي الأخرى بالعمل النقابي للانحراف عن مهامه الرئيسية، افتقار بعض القائمين على العمل النقابي للشرف والأخلاق، ناهيك عن افتقارهم للثقافة القانونية كون من يتولى هذه المهمة عادة ليسوا من النخبة وإنما أشخاص يرغبون في التحلي ببعض الامتيازات التي يمنحها لهم العمل النقابي، فضلا عن الرغبة في تسوية مصالحهم الشخصية، ومن ثمة فانه يؤكد أن ”العمل النقابي الذي يفترض أن ننادي به اليوم هو ذلك الذي يعتمد على آليات قانونية ويكون عملا مهيكلا ومنظما وليس مجسدا في مجرد محفظة، أوراق وختم.

المطلوب اليوم لإعادة بناء عمل نقابي يحفظ للعمال حقوقهم حسب المختص القانوني، يتطلب أولا من العامل أن يكون واعيا بماهية العمل النقابي وأن يمارس نوعا من الرقابة عليه، ويكون على يقين أن في إمكانه اقتراح انتخاب نقابة أخرى  إن ثبت عدم نزاهته من تم انتخابهم هذا من جهة، ومن ناحية أخرى، لابد من  إعادة صياغة القوانين التي تحكم التأسيس للعمل النقابي حتى لا يظل تقليديا  وفي الإطار اقترح يقول ”تعديل القانون الخاص بإنشاء النقابات وإدراج ما يسمى  بالوكالات النقابية الممثلة في مجموعة من المكاتب التي تهتم بجوانب مختلفة من  انشغالات العمال كالتأسيس مثلا لمكتب محامي على مستوى النقابة يتولى مساعدة النقابي في تسوية وإرشاد وتوجيه العامل،  ـ موضحا في السياق ـ بأن التجربة الميدانية أوضحت أن المحامي في كثير من الأحيان عندما يقصده العامل في نزاع عمالي يقوم بالعمل الذي فترض أن يقوم به النقابي وهذا ما يعكس جهل النقابي أو عدم اهتمامه بما يعانيه العامل.

رشيدة بلال


حسين حنة أستاذ  بكلية علوم الإعلام والاتصال:

الهيئات النقابية ليست في المستوى

يرى حسين حنة، أستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر ”3”، ناشط جمعوي ردا عن سؤالنا حول تقييمه للعمل النقابي بالجزائر، بأن الممارسة النقابية تلعب دورا بالغ الأهمية في تحقيق التوازن المنشود في عالم الشغل، وإن كانت ممارسة الحق النقابي حقا من الحقوق العامة أو الدستورية التي كفلها المشرع لكل العمال والمستخدمين على حد سواء. مشيرا في السياق إلى ”أن فتح المجال للممارسة النقابية واعتماد التعددية النقابية بما يستجيب لتطلعات عالم الشغل وفئة العمال الأجراء وأرباب العمل على حد السواء، هو في حقيقة الأمر تكريس للتشاور والحوار المهني، ويؤدي إلى الاستقرار المنشود في عالم الشغل، والتزاما بالاتفاقية الدولية التي صادقت عليها الجزائر، ومهما كانت الإيجابيات والمحاسن التي عرفها مجال النشاط النقابي في الجزائر، من ناحية النصوص والمصادقة على الاتفاقيات الدولية، إلا أنه يقول ما يلي: أغلبية التنظيمات النقابية التي تأسست في بداية التعددية لم تكن في مستوى الدور المنوط بالنقابة كمنظمة مهنية هدفها الدفاع عن مصالح العمال المادية والمعنوية من جهة، ومن ناحية أخرى هناك ضعف تكوين الإطارات النقابية التي تحمّلت مسؤولية إنشاء نقابات أثر على أداء التنظيمات النقابية، ناهيك ـ يردف ـ ”عن التدخل الإداري في بعض الأحيان والتقييد من نشاط التنظيمات النقابية، وهو ما أثر على وضع التعددية في الجزائر حسب التقارير الموجهة للسلطة للالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية والأحكام الدستورية المكرسة للاستقلالية والحرية النقابية.

رشيدة بلال