عراقيل أدت إلى فشل 70٪ من المقاولات

إجراءات هامة لبعث المؤسسات الصغيرة

إجراءات هامة لبعث المؤسسات الصغيرة
  • القراءات: 3323
تحقيق: هدى. ن تحقيق: هدى. ن

يطرح في الوقت الراهن، ملف المؤسسات المصغرة للمعالجة، حيث يتم ذلك، في ظل اتحاذ إجراءات هامة  للنهوض بها، وإدماجها في النشاط  الاقتصادي للبلاد، منها إعادة جدولة ديون المتعثرة منها، وإلغاء المتابعات القضائية ضد المستفيدين٫ لكن ما يطرح في هذا الملف المهم، هو الأسباب التي أدت إلى فشل وتعثر ما نسبته 70 بالمائة من هذه المؤسسات. فيما نرصد في هذا التحقيق، أسباب تعثر المستفيدين، حيث ينتقد رئيس الجمعية الولائية لدعم المؤسسات المصغرة "كام" لولاية عين الدفلى، عدم إشراك الجمعيات في طرح ومعالجة خلفيات هذا المشكل العويص.    

استحدثت الدولة في سنة 1996، آلية إنشاء المؤسسات المصغرة، وكان ذلك في إطار السياسة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، واستحداث نشاطات اقتصادية، من شأنها امتصاص البطالة، وإنشاء مناصب شغل، بالتالي المساهمة في رفع القيمة المضافة.

حسب عدد من العينات وقفت "المساء" عليها، فإن من المستفيدين، من انطلق في تجسيد مشروعه بأريحية مالية ونجح فيه، ومنهم من انطلق وتعثر، ومنهم من حاول الاستثمار ولم يخطو أي خطوة، لأسباب موضوعية مختلفة سنتطرق إليها في هذا التحقيق.

وبين هذا وذاك، سُجل تباين في تعامل المستثمرين الشباب مع هذا الوضع، وحسب تصريح رئيس الجمعية الولائية لدعم المؤسسات المصغرة لولاية عين الدفلى "كام" جيلالي بن يحيي، في تصريح لـ"امساء"، فإن هناك من توقف عن النشاط مرغما، فيما لجأ آخرون  للإعلان عن إفلاسهم وسحب سجلاتهم التجارية، بينما باعت فئة أخرى عتادها، وهو ما أدى، حسبه، إلى ظهور مؤسسات مقاولاتية متعثرة وأخرى مفلسة، وثالثة متابعة قضائيا.

وبالنظر إلى ما هو مسجل في الميدان، فإن وتيرة النشاط الذي انطلقت فيه هذه المؤسسات منذ البداية، كان يشوبها الكثير من الاختلالات، وهو ما جعل منها آلية عاجزة عن تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. وتحولت بذلك، إلى مشكل مطروح، يعاني منه أغلبية المستفيدين، من جهة، وثقل مالي كبّد الخزينة العمومية خسائر مالية معتبرة. وهو الآن محل اهتمام بالغ من قبل السلطات العمومية، في إطار السياسة التي تعتمدها الدولة  للنهوض بالمؤسسات المتعثرة.   

70 بالمائة من المؤسسات متعثرة

كشفت مصالح الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول، المكلفة بالمؤسسات المصغرة والمتوسطة، في إطار دراسة المعطيات الإحصائية المصنفة لنشاط المؤسسات المقاولاتية، بين سنوات 1997 و2020، تصدر قطاع الخدمات لقائمة المشاريع المستحدثة من قبل الشباب، يليها على التوالي، قطاع الحرف، والفلاحة، ونقل البضائع بالتساوي، ثم قطاع البناء، والأشغال العمومية، والقطاع الصناعي، وقطاع نقل المسافرين، ثم الصيانة، والنقل بالتبريد، والنشاطات الحرة، والصيد البحري، وقطاع الري بنسب جد ضئيلة.

كما ركزت الدراسة الإحصائية المذكورة، على تحديد تمركز المشاريع، حسب الولايات، بالإضافة اإلى آليات التمويل الموجهة للمستفيدين، وأفضت إلى تسجيل نسبة 68 بالمائة من المشاريع في الشمال، وهي تمثل ما يقارب 262 ألف مؤسسة، وما يقارب 87 ألف أخرى في الهضاب العليا، بنسبة تقدر بـ 22 بالمائة، و37836 مؤسسة في الجنوب بنسبة 10 بالمائة، من مجموع المشاريع الممولة.

فيما يخص كيفيات التمويل، بلغ عدد المؤسسات المنشأة في إطار التمويل الثلاثي، والذي يشمل المستفيد، والبنوك، والوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية "أناد"، "أونساج" سابقا؛ 371528 مؤسسة، بنسبة 96 بالمئة من مجموع المشاريع المحصاة. 

استفاد 14752 مشروع من صيغة التمويل الثنائي، ويشمل الإسهام الشخصي للمستفيد والوكالة، كما تم في 2018 ، استحداث صيغة التمويل الشخصي للمستفيد، سمحت بدخول أكثر من 100 مؤسسة مقاولاتية مجال النشاط، كما يبلغ عدد المؤسسات المصغرة  المتعثرة، 200 ألف مؤسسة من مجموع 380 ألف مؤسسة مقاولاتية، وهو ما يمثل نسبة 70 بالمئة من المؤسسات.

إجراءات هامة للنهوض بالمؤسسات

انطلاقا من الأهمية التي تكتسيها المؤسسات المصغرة في الاقتصاد، وما يمكن أن تساهم به في التنمية المحلية، يتم حاليا، في إطار السياسة المعتمدة من قبل الدولة، التركيز بشكل واضح، على معالجة هذا الملف. 

أول ما تم الانطلاق فيه، لإحياء نشاط هذه المؤسسات؛ تخصيص منصة رقمية للمؤسسات المتعثرة، ويتم في هذا الإطار، تنظيم جلسات عمل، تضم ممثلين عن صندوق الكفالة المشتركة لضمان أخطار القروض الممنوحة للشباب ذوي المشاريع، فضلا عن الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، لدراسة الملفات المسجلة على مستوى المنصة، واتخاذ الإجراءات اللازمة، منها إعادة جدولة ديون المؤسسات، ومسح كل الغرامات المترتبة عن التأخير.

بهدف إشراك المؤسسات المصغرة في إنجاز المشاريع العمومية، تعمل مختلف القطاعات الوزارية، على تفعيل المادة 87 من قانون الصفقات العمومية، الذي يمنح ما نسبته 20 بالمائة من الطلب العمومي على المشاريع، للمؤسسات المصغرة، وما يؤكد هذا التوجه، هو توقيع الوكالة الوطنية لترقية المقاولاتية، وعقود شراكة مع كل من قطاع الفلاحة، والجماعات المحلية، والطاقات المتجددة، والبيئة، والموارد المائية.

أسباب تعثر المؤسسات المصغرة.. بيت القصيد

تفرض العوامل المتسببة في بروز مؤسسات فاشلة ومفلسة، وأخرى متعثرة نفسها  للطرح والمناقشة، بهدف معالجة هذا الملف من جذوره، ومنع وقوع مستثمرين آخرين جدد في نفس العثرات، التي كبدت الخزينة العمومية خسائر معتبرة، وهو ما يستدعي الاستماع إلى أصحاب المؤسسات المتعثرة، لرصد الاختلالات المسجلة في مراحل تكوين مؤسساتهم، وأخذ تجاربهم كمرجعية ومقياس، من أجل تفادي الوقوع في نفس المشاكل المطروحة في هذا الجانب، والتي أفرزت أكثر من 200 ألف مؤسسة متعثرة.

لرصد هذا الجانب، ونقل الانشغالات المرتبطة به، تقربت "المساء" من عدد من المستثمرين الشباب، وحسب العديد منهم، حتى لا نقول الجميع، فإن الاجراءات الإدارية والعراقيل البيروقراطية، تتصدر أسباب تعطل المشاريع وفشلها، وهي لا تخص ـ حسبهم-، ثقل الإجراءات، فحسب، وإنما مشاكل أخرى عديدة مرتبطة بها. 

في هذا الجانب، يلخص العديد من أصحاب المشاريع المتعثرة، المشاكل التي واجهتهم منذ انطلاقهم في تأسيس مؤسساتهم، في الآليات الإدارية منذ المراحل الأولى لتكوين الملف، وهي بالنسبة لهم، العثرة الأولى التي عملت وستعمل على كبح وتيرة الانطلاق في أي مشروع. ويطرح البعض، دور الوكالة في المرافقة، والذي يقتصر ـ حسبهم-، على الإجراءات المرتبطة بتكوين الملف الإداري لا غير، في ظل غياب أية جهة أخرى للتوجيه.

حسب أحد المستفيدين، فإنه اكتشف بمحض الصدفة، وجود إجراء لم يطلع عليه من قبل، يخص التصريح الشهري لنشاط المؤسسة المتعثرة، على مستوى مصلحة الضرائب، والذي يؤدي في حال عدم الالتزام به، إلى تراكم أعباء ضريبية إضافية تقدر بـ 500 دينار شهريا. 

تؤكد مستفيدة أخرى من ولاية الجزائر، في تصريح لـ"المساء"، أنها أسست في 2015، مؤسستها المصغرة لصناعة الزيوت الأساسية ومواد التجميل، لكنها لم تنطلق أبدا في النشاط، موضحة أن معانتها مع المشروع ظهرت منذ البداية. علما أن التكلفة المالية لمشروعها تبلغ مليار سنتيم، لكنها اصطدمت باستفادتها من 14 مليون سنتيم لتسيير المشروع، وهو ما أدى بها إلى الاستعانة بالعائلة والأصدقاء، لتغطية تكاليف تجهيز المحل، ودفع تكاليف إيجاره الإضافية، واقتناء المواد الأولية، وحسب اعتقادها، كان ذلك، على أمل تسديد الإعارات المالية التي تلقتها بعد نجاح مشرعها.

تضيف المتحدثة، أن المشكل الخطير الذي واجهته، هو عدم صلاحية العتاد والتجهيزات، فهو السبب الذي أدى إلى تعطل المشروع واستحالة انطلاقه، ففي أول انتاج لها، اكتشفت حسب ما صرحت به، عدم سلامة العتاد وهو الآن ومنذ 2017، يراوح مكانه دون تشغيل، ويكبدها منذ أكثر من 4 سنوات، تكاليف كراء المحل. وبحسب ما تضيف، فهي الآن غير قادرة على الالتزام بدفع مستحقات الكراء، ولا يمكنها تشغيل العتاد.   

يؤكد مستفيد آخر من العاصمة، استفادته من مبلغ 500 ألف دينار، لكراء محل تجاري، يسمح له بمزاولة نشاطه، وكان ذلك قبل حصوله على القرض، بسبب عدم اكتمال الإجراءات الادارية التي استغرقت سنتين، وانطلق بذلك سريان مفعول تكاليف الكراء، قبل انطلاق المشروع، والأكثر من ذلك -يضيف المعني- فإن المبلغ المخصص للكراء يغطي تكلفة سنة لا غير، في حين أن الوكالة تقر بأن المبلغ المذكور يغطي تكلفة إيجار سنتين، وعلى المستفيد تسديد الباقي من التكاليف.

"الكام" تطالب بإشراك الجمعيات

يطرح رئيس الجمعية الولائية لدعم المؤسسات المصغرة لولاية عين الدفلى "كام"، جيلالي بن يحيى ما وصفه بـ"التوزيع العشوائي لنشاط المؤسسات"، وحسبه، فإن نشاطها في الولاية، يقتصر على نقل البضائع ونقل المسافرين والخبازة، وهي نشاطات تفوق احتياجات السوق، ولا يستوعبها النشاط التجاري، يضاف إلى ذلك، غياب الخبرة لدى عدد كبير من الشباب، فمنهم من انطلق بشكل عشوائي في مشروعه دون معرفة مسبقة بمجال الاستثمار، في ظل غياب أية مرافقة تذكر، وعدم العمل بما يحمله دفتر الشروط الموقع بين المستثمر والوكالة.

يضيف المتحدث، أن الفترة الممتدة بين  2012 و2020 ، شهدت ضعف أداء المؤسسات، مقارنة بالفترة الممتدة بين 1997 و2012، حيث ارتكزت عملية قبول الملفات، على شراء السلم الاجتماعي، ولم يكن في إطار اقتصادي، ويتجلى هذا الأمر، من خلال شروط منح القروض التي لا تأخذ  فيها اللجنة المكلفة بدراسة الملفات، شرطي الخبرة والمستوى، وتمثل هذه النسبة 65 بالمائة.

وينتقد ممثل الجمعية الولائية المذكورة، التي تضم 1500 مؤسسة، عدم إشراك الجمعيات في معالجة الملفات المسجلة في المنصة الرقمية، وعدم اطلاعهم على مجريات العملية، على رغم تأكيد رئيس الجمهورية في جميع المناسبات، على ضرورة إشراك المجتمع المدني والشريك الاجتماعي في ذلك، ولم يتم إلى حد الآن معالجة أي ملف على مستوى الولاية. 

في المقابل، يقدم ممثل الجمعية، جملة من الاقتراحات للنهوض بالمؤسسات، وتتمثل في إدراج مصطلح- الإلزامية- في قانون الصفقات العمومية، وهذا في مادته التي تنص على استفادة المستثمرين الشباب من المشاريع العمومية بنسبة 20 بالمائة، كما يقترح رفع هذه النسبة إلى 40 بالمائة.

من جانب آخر، يقترح محدثنا إمكانية، السماح للمستثمرين الشباب بتسديد ديونهم، على المدى المتوسط، حتى يتمكنوا من تسديدها في أريحية. هذا بالإضافة إلى إنشاء صندوق مستقل بنسبة 100 بالمائة، لتمويل المشاريع وإبعاد البنوك عن تمويلها، للتقليل من أعباء الفوائد التي يفرضها البنك.

العتاد المغشوش.. أكبر المشاكل الكابحة للاستثمار

يكاد يتصدر مشكل العتاد، قائمة العوائق التي أدت إلى فشل مشاريع المؤسسات المصغرة، وهو مشكل مطروح بشدة. وحسب ما وقفنا عليه، فإن اكتشاف المستثمر لعدم سلامة، أو قدم، أو عدم استجابة التجهيزات والعتاد للمواصفات، التي يقدمها المورد، يكون بعد اقتنائها وفوات الأوان.

يقتصر الإجراء الوحيد الذي يتم فيه الوقوف على نوعية العتاد، وصلاحيته، أو سلامته من عدمه، على وثيقة واحدة، قد تكون لازمة كإجراء إضافي، وليس وحيد أو أساسي، وتتمثل في محضر معاينة يحرره مخصر قضائي بحضور إطار قانوني من الوكالة.    

وحسب نموذج من هذا المحضر، تحصلت "المساء" عليه، فإن محضر المعاينة، يفيد في مضمونه أن المعاينة هي مادية بحتة تخص، الإقرار بوجود العتاد من عدمه بالعنوان المحدد، ويتطلب لذلك، تقديم فاتورة العتاد من قبل المورد، الذي يكون حاضرا، مع تقديم نسخة من عقد الإيجار من قبل المستثمر.

ويغيب في العقد، الذي بربط المستثمر بالمورد، أي بند يضمن سلامة ما تم اقتناؤه، أو يحمل المسؤولية للمورد في حال توفيره عتادا قديما أو مغشوشا، أو مستعمل. وحسب دفتر الشروط الذي يربط الوكالة بالمستفيد، والذي اطلعنا على مواده، فإنه على الرغم من وجود الخلل المذكور، إلا أن المادة 10 من الدفتر، تدرج إلى جانب الشروط الأخرى المؤدية إلى فسخ العقد بين الطرفين، مسألة اقتناء تجهيزات ومعدات متجددة أو مستعملة، وهنا نطرح التساؤل: "كيف يمكن تحميل الشاب المستثمر، مسؤولية يفترض أن تقع على عاتق المصالح المختصة؟.

وتمثل الإشكالات والمشاكل المطروحة، أهم الأسباب التي أدت إلى فشل أو إفلاس المؤسسات المقاولاتية، ونخص هنا بالذكر، تلك التي انطلق أصحابها في الاستثمار بالنية والإرادة الجادة، وليس بالتلاعب.