الخدمة العمومية في عمق الثلوج وسوء الأحوال الجوية

«ملحمة جزائرية» تجري بعيدا عن الأضواء.. والطبول

«ملحمة جزائرية» تجري بعيدا عن الأضواء.. والطبول
  • القراءات: 22696
الجزء الأول / صحافيو ومراسلو «المساء» الجزء الأول / صحافيو ومراسلو «المساء»

تنشر «المساء» في هذا الجزء الأول (يُنشر على حلقتين) فعاليات وتفاصيل «ملحمة جزائرية» في التضامن والخدمة العمومية والتكافل الاجتماعي الواسع، يقودها الجيش والدرك والأمن والحماية المدنية والبلديات والجماعات المحلية؛ من إدارات ومديرين تنفيذيين والهلال الأحمر والجمعيات الخيرية والمساجد والكشافة والمجتمع المدني بفعالياته المختلفة والمواطنون البسطاء...

جميعهم يواصلون تدخلاتهم وتضحياتهم وإسعافاتهم وتضامنهم مع المنكوبين والمتضررين والمحاصَرين بالثلوج والأودية، الذين جرفت الأودية الغاضبة أقبية سكناتهم وأكواخهم وحتى قبورهم، وانقطعت بهم الطرق والمسالك لظروف مناخية تكاد تكون مفاجئة بحدتها، أو انقطعت عنهم الكهرباء والغاز وردمتهم الثلوج والأوحال...

«جزائريون بامتياز» يواصلون بدون انقطاع مجابهة مخلّفات «النّكبة المناخية»؛ في تكافل وتضامن واسع في «القارة الجزائرية» بدون أن يؤثر ذلك على استمرار أعمالهم ومهامهم اليومية الأخرى.

هبّة تضامنية تعطي وجها نيّرا عن الخدمة العمومية، لكنها تؤكد روحا جزائرية متميزة، تتجند تلقائيا (بدون أن تنتظر جزاء أو شكورا) أيام المحن والكوارث الطبيعية والأزمات الطارئة. هبّة تضامنية تبرز روحا جزائرية متميزة على أن التضامن بين الجزائريين متجذر في النفوس والسلوك، ونابع من بين الصلب والترائب، يسري في عروقهم ودمائهم وأجسادهم وقناعاتهم. لقد قدّم الجزائريون أروع صور التلاحم (بدون حساب أو مقابل) في نجدة المتضررين، وتقديم المساعدات عبر قوافل تضامنية وفردية، بل في تسابق منقطع النظير من التطوع والحضور المتواصل رغم متاعب وصعوبة الظروف المناخية التي تشهدها بلادنا منذ أسبوعين تقريبا.

صحافيو ومراسلو «المساء» واكبوا هذه التدخلات وعايشوا تفاصيل الهبّة التضامنية التي تعدت الخدمة العمومية إلى «ملحمة» مثيرة للإعجاب والتقدير. لم تعد هناك «فواصل» بين مهام الجيش والأمن والدرك والحماية المدنية والجمعيات الخيرية والمواطنين والهلال الأحمر والكشافة والمجتمع المدني بمختلف فعالياته. لقد انصهر الجميع في عمل تضامني متكامل. وحتى الإذاعات المحلية والوطنية لعبت دورا هاما في الاستشعار والتحسيس وتقديم تقارير ونشريات مناخية. المواطنون تدخلوا بالإطعام والإيواء والإكساء والدواء، ومصالح الصحة والفلاحة والوكالة الوطنية للطرق تجندت بقوة أيضا... جميعهم في جهود متضافرة ومتكاملة، أعطوا درسا في التضامن وفي الخدمة العمومية.

(ننشر اليوم الجزء الأول، على أن ننشر السبت القادم الجزء الثاني والأخير).

دفء المساعدات ينسي المتضرّرين برودة الطقس  .... الجيش يصنع أرقى صور التلاحم والتآزر

كعادته، رسم أفراد الجيش الوطني الشعبي أرقى صور التلاحم والتآزر خلال الاضطرابات الجوية الأخيرة، وزرع الأمان والاطمئنان بفضل روح التضامن التي يبديها مع أفراد الشعب في مختلف ولايات الوطن، خاصة بالمناطق النائية التي عزلتها الثلوج والسيول وتقطّعت بالساكنة السبل، وهي المهمة الإنسانية التي يضطلع بها الجيش الوطني، فضلا عن مهمته الأساسية، وهي حماية الوطن من أيّ اعتداء. 

رغم أنّنا لم نحصل على معلومات مفصّلة حول الإمكانيات المادية والبشرية التي سخّرها الجيش بأمر من القيادة العسكرية العليا للتضامن مع الشعب خلال هذه التقلّبات الجوية، إلاّ أنّ الأصداء التي جمعتها «المساء» من بعض الولايات التي مسّتها التقلبات، تحمل انطباعات جيدة من طرف المواطنين العالقين والمتضرّرين، الذين أحسوا بدفء المساعدات الإنسانية التي أنستهم برودة الطقس وصعوبة الوضعية حول تدخّل مفرزات الجيش.

 ومسّت تدخّلات قوات الجيش عشرين ولاية، منها 5 ولايات بالناحية العسكرية الأولى، وهي المدية، تيزي وزو، البليدة، بومرداس وعين الدفلى، و8 ولايات بالناحية العسكرية الثانية هي: تيارت، تيسمسيلت، معسكر، سيدي بلعباس، تلمسان، البيّض وغليزان، وكذا 4 ولايات بالناحية العسكرية الخامسة، تتمثل في قسنطينة وسطيف وعنابة وجيجل، حيث هبت قوات الجيش بما تملكه من أفراد وآليات ومعدات، لمواجهة هذه التقلّبات الجوية، منها كاسحات الثلج، وشاحنات لوضع الأملاح الخاصة بإذابة طبقات الثلوج والصقيع. كما أعادت حركة المرور للعديد من المناطق المتضرّرة. 

ويعترف المواطنون عبر الولايات بأنّ أفراد الجيش الوطني الشعبي زرعوا الأمن والطمأنينة في نفوس المتضررين من هذه الاضطرابات الجوية بعد إعادة فتح الطرقات المقطوعة، وتوزيع مواد غذائية ووجبات ساخنة وأفرشة وأغطية، وتزويد العائلات بالمناطق النائية بالوقود، وحتى إيواء المنكوبين داخل وحدات الجيش، وتقديم إسعافات طبية للمصابين، مثلما هي الحال بالنسبة لولاية المدية، التي ساهم بها الجيش الوطني الشعبي بما أوتي من إمكانيات، خاصة بالمحور الواقع بين عاصمة الولاية المدية ومدينة البرواقية مرورا بجبال بن شكاو بالطريق الوطني رقم 1، وكذا الذي توجد به أعلى قمة بـ 1225 مترا، والطريق الوطني رقم 64 الرابط بين بلدية العمارية وبلدية بوقرة بولاية البليدة، وكذا الطريق الوطني رقم 18 الرابط بين البرواقية وبني سليمان.

❊رشيد كعبوب

لفك العزلة ومساعدة المواطنين  ... الدرك حاضر في 15 ولاية 

لا تزال مصالح الدرك الوطني بمختلف فصائلها وتشكيلاتها، تساهم بقوّة في إطار تقديم الخدمة العمومية والإنسانية،  تزامنا مع التقلّبات الجوية الحالية المصحوبة بتساقط كبير للأمطار والثلوج، خاصة في الولايات الشرقية والغربية للوطن، حيث أكّدت حضورها إلى جانب أفراد الجيش الوطني الشعبي والشرطة، في سبيل فكّ الحصار الذي فرضته الثلوج على مستوى الطرق بأكثر من 15 ولاية، ناهيك عن إغاثة السكان وتقديمهم يد المساعدة، وإسعاف الركاب وتحسيسهم بخطورة حوادث المرور الناجمة عن مثل هذه الظروف.

تركزت تدخلات المصالح الأمنية بشبكة الطرق عبر 15 ولاية، حسبما أوضحته مصلحة الاتصال لقيادة الدرك الوطني العامة لـ»المساء»، وهي تلمسان وعين الدفلى والأغواط والبيّض وسطيف والبويرة وتيزي وزو وبجاية وبرج بوعريريج وباتنة ومستغانم والمدية وتيسمسيلت وتيارت وغليزان، بعدما تسببت الثلوج الكثيفة التي تساقطت بكثرة على مدن وقرى هذه الولايات في غلق بعض المقاطع على مستوى 18 طريقا وطنيا و20 طريقا ولائيا في وجه حركة المرور وسير المركبات.

وأكّدت المصلحة الأمنية في هذا الإطار، أنّ أفراد وأعوان الدرك الوطني بمختلف الرتب، بذلت ولا تزال تبذل جهودا جدّ معتبرة بالتنسيق مع الأسلاك الأمنية الأخرى، لإزالة الثلوج من الطرق والمسالك المذكورة باستخدام كاسحات ضخمة وشاحنات وكامل المعدّات الضرورية لذلك، بهدف إعادة فتحها لتسهيل حركة السير، وتمكين السائقين ومستعملي الطريق من بلوغ مقاصدهم المختلفة، وإعادة الحركة لشبكة النقل بمختلف أنواعه، علما أنه تم تسجيل تضرر 07 ولايات بشكل كبير من سوء أحوال الطقس، وهي الأغواط والبيّض وتلمسان وتيزي وزو وباتنة والبويرة وسطيف.

فيما سجّلت نفس المصالح تضرر عدة طرق وطنية بنسبة كبيرة جدا جراء كثافة الثلوج المتساقطة، منها الطريقين رقم 15 و33 العابرين لأقاليم ولاية البويرة وتيزي وزو، والطرق الوطني رقم 99 العابر لإقليم ولاية تلمسان والبيّض، والطريق الوطني رقم 47 العابر لإقليم ولاية الأغواط والبيّض، حيث لا تزال الجهود متواصلة من أجل فك الخناق عن هذه الطرق واستعادة حالتها الطبيعية.

تجند كامل لإسعاف ضحايا حوادث المرور

وفي سياق مواصلة تأدية مهام الخدمة العمومية إثر تقلّبات المناخ الحالية، تحرص وحدات أمن الطرق للدرك الوطني بمختلف طرق ومسالك الولايات المتضرّرة، على متابعة حركة السير ومرور المركبات، وتوعية السائقين بضرورة توخّي الحيطة والحذر والانتباه عند القيادة في حال تساقط الأمطار والثلوج وانتشار الضباب، قصد تفادي حوادث مرور مميتة جراء انزلاق الطريق بسبب الجليد.

وسجّلت وحدات الدرك الوطني عبر إقليم الاختصاص فيما يتعلق بحوادث المرور خلال الـ24 ساعة الماضية، على سبيل الذكر، 05 حوادث مرور أسفرت عن وفاة 03 أشخاص، وإصابة 08 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة استدعت نقلهم على جناح السرعة إلى المصالح الاستشفائية لتلقي الإسعافات والعلاج اللازم، مع التذكير أنّ الولاية التي سجّل بها أكبر عدد من هذه الحوادث هي سيدي بلعباس بحادثي مرور خطيرين. 

الاستعانة بالحوامات لتوزيع المؤونة 

تزامنا مع التساقط الكثيف والمتواصل للثلوج بمرتفعات عدة ولايات شرقية وغربية من الوطن التي يزيد علوّها عن 800 و900 متر، ومع الانسداد الكلي للطرق بعدد كبير من القرى والمداشر وصعوبة عملية إزالة الثلوج على مستواها، اضطرت وحدات الدرك الوطني بمحل إقليم الاختصاص إلى استخدام المروحيات والحوامات، بالتنسيق مع مصالح الجيش الوطني الشعبي، لنقل المؤونة والمواد الغذائية وتوزيعها على السكان والقاطنين، للتخفيف من حجم معاناتهم في التنقّل بهدف اقتناء المستلزمات الضرورية ومواجهة أحوال الطقس، إلى جانب المساهمة في إجلاء بعض الحالات المرضية المستعصية والنساء الحوامل..

تأتي هذه المبادرة في ظل صعوبة فك العزلة عن المسالك الرئيسية بعدّة مناطق ردمتها الثلوج، حيث كان لها الأثر الإيجابي في التدخّل في الوقت المناسب من أجل تفادي أي تأزّم لأوضاع السكان، خاصة في مثل هذه الظروف المناخية الصعبة.

تدخلات فورية بفضل «طريقي» و»1055»

فيما يتعلّق بالتبليغ عن أيّ طارئ أو انشغال بسبب مخلّفات التساقط الكبير للثلوج والبرد على مستوى الطرق الوطنية والولائية والمسالك الفرعية، إلى جانب ما يتعلّق بالنشاط الإجرامي، أحصت مصالح الدرك عبر خطها الأخضر المفتوح (1055)، وموقع الأنترنيت «TARIKI.DZ» الخاص بالشكاوى المسبقة والمعلومات عن بعد الذي وضع حيّز الخدمة منذ 06 أشهر، 722 شكوى مسبقة و1121 معلومة، كما عالجت المصالح المختصة بهذه الهيئة الأمنية 1843 قضية على مستوى 48 ولاية من الوطن، أي ما يعادل 307 قضايا شهريا. 

شملت القضايا المرسلة عبر هذا الموقع، إلى جانب التبليغ عن التضرّر من سوء الأحوال الجوية وتساقط الثلوج، عدة مجالات معظمها يخص الاعتداءات والنزاعات بين المواطنين وهتك العرض واستهلاك والمتاجرة بالمخدرات والرشوة والسرقة والإرهاب والجريمة المعلوماتية والتلوّث...، حيث سمح هذا الرابط الإلكتروني (البوابة الإلكترونية العمومية) بتوطيد العمل الجواري لوحدات الدرك الوطني اتجاه المواطنين والتكفّل بانشغالاتهم الأمنية والاستجابة لشكاويهم بطريقة سريعة وفعالة، وهو ما عزّز عامل الشعور بالأمن لدى هؤلاء المواطنين.

❊م.أجاوت

مسؤول المركز العملياتي لتسيير ومتابعة التقلّبات الجوية:  نتابع تطوّر الوضع باستمرار

جنّدت وزارة الداخلية والجماعات المحلية كافة إمكانيات الدولة لمواجهة الوضع الناجم عن التقلّبات الجوية التي تشهدها مناطق شمال الوطن منذ عدة أيام.

وفي هذا الشأن، أوضح السيد حسان قاسيمي مسؤول المركز العملياتي لتسيير ومتابعة التقلّبات الجوية على مستوى وزارة الداخلية والجماعات للقناة الثالثة للإذاعة الوطنية، أنّ الدولة جنّدت كافة الإمكانيات منذ بداية هذه التقلبات يوم 10 يناير الماضي، فيما دعا رئيس الجمهورية الجيش الوطني الشعبي للتدخّل بالولايات التي مسّتها هذه الاضطرابات، لفك العزلة عن بعض المناطق وتقديم المساعدة والدعم لسكانها». 

وأكّد المتحدّث أنّ جميع القطاعات المعنية تعمل على قدم وساق من أجل مواجهة الوضع مهما كانت الصعوبات، مشيرا إلى أنّ السلطات العمومية يتم إطلاعها في الوقت المناسب عن سير العمليات. وقال: «نتابع الوضع باستمرار على مستوى الوزارة لمتابعة تطوّر الوضع». وأضاف أنّ نتائج هذه التقلبات يتم إحصاؤها وتقييمها، فيما يتدخّل كلّ قطاع لإصلاح الاختلالات والنقائص المسجلة. 

❊ن.ج