رغم انتقادهم لبطء التأشير على الملفات والتدخل في أبسط الأمور

”أميار” العاصمة يشكون قلّة المراقبين الماليين وتسلّطهم

”أميار” العاصمة يشكون قلّة المراقبين الماليين وتسلّطهم
  • القراءات: 2989
 زهية.ش زهية.ش

يشتكي العديد من رؤساء البلديات بالعاصمة من تأخر انطلاق المشاريع التنموية المبرمجة، بسبب المراقب المالي الذي يستغرق وقتا طويلا في التأشير على المشاريع المقرر إنجازها، رغم الطابع الاستعجالي لبعضها، حيث اعتبر عدد من أميار العاصمة أن الرقابة المالية المسبقة التي تم اعتمادها قبل حوالي سنة من الآن لحمايتهم من أخطاء محتملة، تحولت من نعمة إلى نقمة بسبب تعطيل المشاريع التي تبقى حبيسة الأدراج لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات، خاصة في ظل العجز الذي تسجله ولاية الجزائر فيما يخص المراقبين الماليين الذين يتولى الواحد منهم مراقبة 14 بلدية في آن واحد، الأمر الذي انعكس على التنمية بالبلديات، التي قال بعض رؤسائها أن المراقب المالي أصبح هو ”المير” بسبب تدخله في كل شيء، رغم أنه عضو في لجنة الصفقات.

رغم أهمية الرقابة المالية المسبقة التي تم تعميم تطبيقها على بلديات العاصمة في الفاتح أفريل2013، من خلال تنصيب المراقب المالي لتولي متابعة تسيير ميزانية الجماعات المحلية والتأشير على المشاريع قبل الانطلاق في إنجازها، فإن العديد من رؤساء البلديات يحملون المراقب المالي مسؤولية تأخر انطلاق المشاريع التنموية في مختلف المجالات، خاصة ما تعلق منها بالتهيئة التي أصبحت الشغل الشاغل بالنسبة للكثير من المسؤولين المحليين، بسبب ما تثيره من سخط وسط المواطنين الذين يتهمون الأميار بالتهاون والتقاعس في تهيئة أحيائهم وإعطائها نصيبها من المشاريع المبرمجة.

 المراقب المالي، حصانة للأميار ولكن...

وكشف الاستطلاع الذي قمنا به حول دور المراقب المالي أن هذا الأخير يقوم بعمل هام يكمن في مراجعة النفقات والتدقيق فيها قبل التأشير عليها، وهو ما يعد ضمانا للمسؤول الأول عن البلدية الذي كثيرا ما يدخل أروقة المحاكم بسبب أخطاء ارتكبها عن غير قصد، حيث تعرض الكثير من ”أميار” العهدات السابقة إلى متابعات قضائية، فضلا عن مشكل المديونية الذي تراكم آنذاك عند الكثير من البلديات بسبب جهل رؤسائها بالقوانين الخاصة بالصفقات العمومية، غير أنه وبعد استحداث منصب المراقب المالي تم تحصين ”الأميار” ووقايتهم من الأخطاء الفادحة التي يمكن أن يقعوا فيها، من خلال الرقابة المسبقة على النفقات التي أثنى عليها أغلب الذين تحدثنا إليهم، مؤكدين أن منصب المراقب المالي له أهمية بالغة في تصحيح ما يمكن أن تقع فيه البلديات من أخطاء بسبب عدم الفهم الجيد للقوانين، غير أن المراقب المالي أصبح يعيق سير عمل الجماعات المحلية نتيجة التحفظات الكثيرة التي يرفعها، وتدخله في أبسط الأمور، مثلما أوضح لـ”المساء” رئيس بلدية المرادية السيد مراد سامر، مشيرا إلى أن بلديته تواجه عدة مشاكل مع المراقب المالي، الذي أصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، معرقلا بذلك السير الحسن لشؤون البلدية، مستدلا على ما قاله برفض الأخير دفع فواتير الكهرباء لشركة سونلغاز التي تهدد بقطعها عن البلدية وعن المؤسسات التربوية التابعة لها، كما يرفض التكفل بفواتير الهاتف النقال الخاص بنواب الرئيس، فضلا عن مشكل العجز في المراقبين الماليين الذي أدى إلى تكليف مراقب واحد يغطي 9 بلديات من بينها المرادية، حيث اقترح المسؤول الأول عن هذه البلدية أن يطبق الأخير التعليمات ولا يتدخل في الأمور البسيطة التي تنعكس سلبا على أداء المنتخبين.

من جهته، ثمّن رئيس بلدية الجزائر الوسطى، السيد عبد الحكيم بطاش عمل المراقب المالي، الذي اعتبره المستشار والمرافق للآمر بالصرف المتمثل في رئيس البلدية، وضمانا له من الأخطاء التي ارتكبت في السابق بالمجالس الشعبية البلدية التي تعرض الكثير من رؤسائها للسجن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا على علم بكل شيء، وأنهم يوقّعون على المشاريع دون أن يكون لهم علم بكل التفاصيل، مضيفا أن المراقب المالي، الذي تتعامل معه بلدية الجزائر الوسطى، كان يسيّر 14 بلدية، مما يعرقل عملية تسوية الملفات التي تتم ببطء حيث لا يمكنه معالجة ملف في 15 أو 20 يوما، خاصة عندما يتغيب المراقب المالي وينوب عنه مراقب آخر، والذي لا يرغب في تحمل المسؤولية ويفضل الانتظار إلى غاية استئناف زميله العمل، وهذا ما يؤدي إلى تراكم الملفات، مما ينعكس سلبا على تحقيق التنمية بالبلدية بسبب المراقب المالي والإجراءات القانونية الثقيلة، فبدلا من تجسيد مشروع في سنة واحدة تمتد هذه الفترة إلى 3 سنوات -يقول بطاش- الذي أوضح أن بلديته تتعامل حاليا مع مراقب مالي يسير 8 بلديات عوض 14بلدية، التي استفادت من تخفيف قليل من الضغط الذي كان في بداية تنصيب المراقبين الماليين، الذين لا يزال عددهم غير كاف، مضيفا أن هناك ملفات درست في لجنة الصفقات، لكن المراقب المالي يرفضها بسبب تدقيقه في أمور بسيطة جدا ”كما أنه يتغيب أحيانا عن اجتماع لجنة الصفقات العمومية ”ما يضطرني إلى تمرير الملف”، بينما في بعض البلديات فإن المراقب المالي أصبح هو ”المير”، حيث أصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة رغم أنه عضو في لجنة الصفقات، مستدلا على ذلك برفضه دفع فواتير الهواتف النقالة لنواب الرئيس لأن الوصاية لم تكلفه بذلك حيث بقي نائب الرئيس بدون هاتف منذ تنصيبه.

وفي هذا الصدد، اقترح المتحدث أن يتم تخصيص مراقب مالي في كل بلدية ”لأن هناك قابضا في كل بلدية”، كما يفترض أن يكون -حسبه- تنسيق ما بين الجماعات المحلية ووزير المالية حتى يعرف كل واحد مهمته ”لأن المراقب المالي تابع لوزارة المالية ويخضع لقوانينها”، وهو ما يستدعي وجود تنسيق وملتقيات يحضرها رئيس البلدية، أمينها العام، أمين الخزينة والمراقب المالي، فضلا عن وضع لجنة مشتركة لتحديد المهام من قبل وزارة المالية، لأن القوانين المعمول بها عند المراقب المالي هي قوانين وزارة المالية التي تطبقها على البلديات التي تخضع لقوانين وزارة الداخلية والجماعات المحلية وليس لوزارة المالية، ”وهذا مشكل كبير ناتج عن غياب التنسيق وعدم تحديد المهام من طرف وزيري الداخلية والمالية، اللذين يجب أن يقدما خريطة طريق لرئيس البلدية والمراقب المالي وكذا مراجعة القوانين الغامضة التي تحكم بين الطرفين”.

 مراقب واحد يغطي 13بلدية.. أمر غير معقول

من جهته استغل رئيس بلدية القبة، السيد زهير بوسنينة، زيارة والي العاصمة لبلديته لرفع قضية التحفظات التي يضعها المراقب المالي قبل التأشير على الملفات، معتبرا وجود مراقب مالي واحد لتغطية 13 بلدية أمرا غير معقول، خاصة وأنه بطيء في مراجعـة الميزانية، الأمر الذي انعكس على تجسيد المشاريع والتنمية في البلديات، وهو المشكل الذي دعا إلى حله في أقرب الآجال للتكفل باحتياجات المواطن، كوّن كل المشاريع تبقى رهينة التأشير عليها من قبل المراقب المالي الذي قد يستغرق عدة أشهر رغم الطابع الاستعجالي لبعضها، كما انتقد رئيس بلدية عين البنيان، السيد عبد المجيد عمارنية، الدور الكبير الذي أعطي للمراقب المالي وكثرة أشغاله، معتبرا أن إجراءات المراقبة المالية أحد العوائق الكبرى في تجسيد مشاريع في غاية الحيوية، التي تبقى معطلة رغم أن المواطن ينتظر تجسيدها ليتحقق حلمه، خاصة أنه يجهل هذه المسائل ويوجه دائما أصابع الاتهام إلى رئيس البلدية ويحمّله مسؤولية بطء إنجاز وتسوية الملفات، مطالبا بإجراءات بديلة للمراقبة المالية تكون أكثر ديناميكية ومرونة.

وعلى العكس، من ذلك فإن المشكل لا يطرح بالنسبة لبلدية سيدي موسى، التي أوضح رئيسها السيد بوثلجة علال لـ”المساء” أن المراقب المالي هو محام لـ”لأميار”، لأنه يراجع جميع الأخطاء التي قد تتسبب في متابعات جزائية تتعلق بسوء التسيير وإهدار المال العام، كما أنه يعطي مصداقية وتوضيح أكثر للصفقات العمومية، ويساعد رئيس البلدية، من خلال الاستشارة التي تتم قبل إبرام الصفقات، حيث يؤشر المراقب المالي، الذي تتعامل معه البلدية والذي يعتبر عضوا في 39 لجنة صفقة، على النفقات. غير أن المتحدث يقترح أن يتم تخفيف الرقابة المالية وعدم استعمالها في النفقات الاستعجالية التي لا تتطلب أموالا كبيرة، كما يؤكد المتحدث أن البلدية تتلقى مشاكل كبيرة مع أمين الخزينة بسبب تأخره في منح الأغلفة المالية الضرورية لتجسيد المشاريع وليس مع المراقب المالي، الذي لا يجد رئيسا بلديتي رايس حميدو والمعالمة مشكلا في التعامل معه، حسبما أكد المتحدثان لـ”المساء”.

بدوره أرجع مدير الإدارة المحلية لولاية الجزائر هذا الإشكال إلى كون الرقابة المالية جديدة على البلديات والعدد المحدود للمراقبين الماليين الذي لا يغطي كل بلديات العاصمة الـ57، مشيرا في رده على هذا الانشغال، الذي طرحه عدد من رؤساء البلديات في الخرجات الميدانية لوالي ولاية الجزائر، إلى أن الرقابة المالية إجراء ضروري وأنه سيتم إنهاء هذا الانشغال خلال السنة الجارية، بعد التحاق عدد من الإطارات بهذا المنصب، واتصلنا بمديرية الإدارة المحلية لمعرفة تفاصيل أكثر عن العدد الحالي للمراقبين الماليين وعدد الذين سيتم توظيفهم لحل المشكل نهائيا، غير أننا لم نتمكن من الحصول على موعد.