سلسلة تفاوض... حلقتها الأخيرة إفريقيا

“البيع بالتخفيض”.. احتيال مقنع

“البيع بالتخفيض”.. احتيال مقنع
  • القراءات: 802
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

أدى تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري خلال الأشهر الأخيرة، إلى تبنّي عدد من السلوكات الاستهلاكية الجديدة، لا سيما في ظل اتجاه الأوضاع المالية للفرد إلى الأسوأ؛ بسبب استمرار ركود الآلة الاقتصادية، وتراجع أسعار النفط وتداعيات الأزمة الصحية، مقابل ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية، وتهاوي العملة المحلية بشكل يجعل الحد الأدنى للأجور لا يغطي احتياجات قابضها، ليبقى المواطن البسيط غير قادر على مواجهة الوضع المعيشي المتدني.

ومن أهم السلوكات التوجه نحو سوق التخفيضات والأسعار الترويجية.. لا بأس حين يتعلق الأمر بالملابس الجاهزة، أو المعدات المنزلية وغيرها، لكن ما ترددات ذلك إذا ما تعلقت بمنتجات غذائية ذات استهلاك واسع، والتي لا تعرف التخفيض إلا إذا أشرفت تواريخ صلاحيتها على الانتهاء؟.. كيف لمنتجات عادة ما تكون مستوردة وغير معروضة في أسواقنا في الأيام العادية، نجدها في مداخل محلاتنا بأسعار منخفضة جدا؟  وفي هذا الصدد اقتربت المساء من الدكتورة بن ثابت حورية خبيرة اقتصادية، التي أشارت إلى أن العديد منا سبق أن مر بسيناريو مألوف، متمثل في حمل منتج طال تخزينه في البيت أو تم نسيانه تماما، لحمله وقراءة تاريخ انتهاء صلاحيته، وإن لم نكتف بذلك حتى نَقنع من صلاحيته أو من عدمها؛ لأن نواصل تحقيقنا في المنتج؛ بفتح وتفحص لونه، أو شم رائحته ما إن نطمئن إذا ما تمكنا من تناوله، أو نلقيه في القمامة بعدما أصبح غير صالح تماما للاستهلاك.

وقالت إن هذا السيناريو، اليوم، لم يبق مجرد سلوك نقوم به عندما نقع على منتج نسيناه على رفوفنا بالبيت أو بالثلاجة، بل بات الاقتصاد، اليوم، يتفتح على بعض تلك المنتجات، والتي التحقت الجزائر بها، مشيرة إلى أن ذلك ما هو إلا امتداد لسلسلة من سوق أوروبية باتت تعتمد تلك السياسة، خصوصا بعدما أقر قانونها بمنع التبذير في سوق المنتجات الغذائية، ومنع جعل مصيرها القمامة، بعدما سجلت تلك السوق أطنانا من المأكولات التي تُلقى في القمامة، والتي تجعل الدولة تتحمل أعباء تلك الخسارة؛ ما دفع بالمنتجين وكذا محلات التسوق الكبيرة إلى البحث عن بدائل لتسويق منتجاتها، في سلسلة تجعل من المنتج يجد حياة ثانية، ومنها اعتماد التخفيضات. هذه السوق التي باتت تمثل مكسبا بمتعاملين اقتصاديين، يترصدون المنتجات التي تقترب تواريخ انتهاء صلاحيتها لشرائها في المزاد، وإعادة عرضها على مستهلكين بميزانيات أقل بكثير، تصل أحيانا إلى تخفيضات بـ 80 بالمائة من السعر في رفوف المحلات العادية، لتنتهي عادة تلك التعاملات بالمزاد إلى متعاملين من أسواق إفريقية، ومنها سوق الجزائر. وأضافت أن تلك السوق مربحة جدا؛ إذ إن متعامليها يترصدون المنتجات التي تقترب تواريخ انتهاء صلاحيتها في عدد من المحلات.

وباعتبار أن هؤلاء يتعاملون، بشكل خاص، مع فرنسا، تجد أغلب تلك المنتجات من أصل فرنسي، ليتفاوضوا في سعر كمية كبيرة من تلك المنتجات، تصل أحيانا إلى أقل من تكلفتها بأربع أو خمس مرات، ليحدد، بعدها، المتعامل عند إعادة بيعه لذات المنتجات بالوحدة، وهذا ما يجعل أرباحها تتراكم، لا سيما العديد من المستهلكين، اليوم، يتفتحون على ذلك النوع من السلع، التي تبقى سالمة إلى حين تاريخ انتهاء صلاحيتها؛ إذ إنها تُعرض قبل انتهاء تلك الصلاحية بأربعة أيام على الأقل قبل الانتهاء، ليروّجها البعض الآخر حتى بعد تلك التواريخ، لكن هل ذلك سليم أم لا؟ ويبقى الحديث مع خبراء الصحة أمرا ضروريا، تضيف الدكتورة، وإنما ما الداعي وراء تحديد تاريخ انتهاء الصلاحية؟.

===========

دفعتاه إلى التخلي عن بعض حقوقه الاستهلاكية ... أزمتا الصحة والاقتصاد تضربان القدرة الشرائية

لايزال الطرف الآخر لنفق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر على غرار كل الدول لم يظهر بعد، والتي زادت من حدتها الأزمة الصحية، التي ضربت العالم بدون استثناء. وفي ظل الأرقام الصادرة التي تكشف بلوغ معدلات تضخم مقلقة أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما نتج عنه ضعف في القدرة الشرائية للمواطن، الذي بات، اليوم، يبحث عن حلول وبدائل للخروج من الضيق المالي الذي يعيشه. هذا الوضع دفعه نحو البحث عن منتجات أقل سعرا، وتتماشى مع ميزانيته. وكان السقوط حتميا في اقتناء منتجات، أشرفت تواريخ صلاحيتها على الانقضاء.

هي تجارة مربحة، على حد تعبير عدد من التجار الذين مسهم استطلاعنا، والذين يُعدون من معتمدي هذا النوع من التجارة؛ إذ تعمل على استقطاب، بشكل كبير، الزبائن داخل المحل بصفة يومية، للبحث عن ذلك النوع من الفرص، و"رحمة لجيوبهم، هذا ما وقفت عليه المساء في أحد المحلات الكبيرة للمواد الغذائية بالقبة، والتي تعمدت وضع تلك المنتجات في منطقتين استراتيجيتين؛ أولهما في مداخل المحل، حتى يكون أول ما يراه الزبون ويعمل على اقتنائه بفضل سعره المغري، إلى جانب منتجات أخرى من نفس النوع، وُضعت أمام صناديق الدفع، وهي المكان الذي يمكث فيه الزبون مطولا في طوابير، منتظرا دوره للدفع، وهي فرصة أخرى لعرض تلك المنتجات التي قد تثير اهتمامه. وحسب هؤلاء الباعة، فإن ارتفاع أسعار السلع المعروضة راجع إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الطازجة؛ ما أدى إلى ارتفاع طفيف في أسعار المنتجات الغذائية الصناعية، فضلا عن المواد نصف المصنّعة، فيما تميزت أسعار الخدمات بالركود، وهي تثقل كاهل المواطن البسيط، وهذا ما يدفعه إلى التوجه نحو السلع التي تكلفه أقل، ومنها السلع المشرفة تواريخها على الانتهاء.

ومن جهة أخرى، اقتربت المساء من بعض الزبائن الذين يعتمدون بصفة كبيرة في مشترياتهم، على السلع منتهية الصلاحية، التي تعد تجارة مثمرة، لا سيما بعدما عرفت القدرة الشرائية للمواطن تراجعا خلال الأشهر الأخيرة، بعد توقعات الخبراء بأن الوضعية ستزيد سوءاً وتعقيدا مع رفع أسعار الوقود؛ ما سيؤدي إلى ازدياد كلفة النقل وأسعار الخضر والفواكه وغيرها من السلع، إلى جانب تراجع سعر الدينار، وتداعيات الأزمة الصحية لفيروس كورونا، التي عطلت نشاط آلاف المستخدمين. وحسب هؤلاء، فإن تلك السوق تسمح باقتناء سلع مستوردة ذات أسعار مرجعية مرتفعة جدا، وهذا ما يجعلها في غير متناول الجميع، وأن ما يمسها من تخفيضات عند اقتراب انتهاء تاريخ صلاحيتها، يجعل اقتناءها ممكنا، وأحيانا أسعارها يمكن أن تنافس أسعار السلع المعروضة في السوق. وأشار هؤلاء إلى أن الممارسات الاحتكارية لبعض التجار والمتعاملين الاقتصادين مازالت متواصلة في ظل انهيار أسعار النفط والأزمة الصحية، بالإضافة إلى المعطيات المتعلقة بالسوق الموازية التي تسيطر على 50 في المائة من الاقتصاد، وهو ما زاد من معاناة المستهلك البسيط، الذي بات يندفع وراء السلع المعروضة بخصومات، أو المشرفة تواريخها على الانتهاء. وفي هذا الصدد، وجّه عدد من المواطنين نداء إلى السلطات للتدخل؛ بهدف تسقيف سعر السلع والخدمات الأساسية التي باتت تنغّص حياتهم وتعكر صفوها؛ إذ إن البعض بات يتخلى عن الكثير من حقوقه الاستهلاكية؛ لا سيما اقتناء منتجات سليمة لا تهدد صحته أو حياته.