المجاهد محمد سبخي ينقل شهادته عن ثورة نوفمبر

وعينا بالثورة وطعم الحرية كان مبكرا

وعينا بالثورة وطعم الحرية كان مبكرا
  • القراءات: 1286
رشيدة بلال رشيدة بلال
ثورة الجزائر ثورة عظيمة، جاءت وليدة كفاح رجال أحسنوا التخطيط لطرد المستعمر، ومن ثمة وضعت هذه الثورة حدا للاستعمار ليس بالجزائر فقط وإنما بالعالم كله لقداستها وشرعيتها.. بهذه الكلمات بدأ المجاهد محمد سبخي، 76 سنة من مواليد 1938 حديثه لـ"المساء" عن دوره خلال الثورة التحريرية بجبال القبائل جنبا إلى جنب مع الشهيد العقيد عميروش، مركزا على بعض الجزئيات الحياتية التي رأى بأنها مهمة للكشف عن خبايا ثورة نوفمبر المجيدة.
حكايتي مع الثورة ـ يقول المجاهد سبخي ـ لم تأت بالصدفة وإنما جاءت وليدة وعي شبابي تمتعت به على غرار أقراني، فشباب الجزائر أدركوا مبكرا مرارة المستعمر الغاشم على الرغم من حالة الجهل والفقر التي كنا نعيشها على مستوى القرى والمداشر، ولعلي واحد من هؤلاء يكفي فقط أن أقول أني أدركت في سن التسع سنوات أن ما يحدث في الدشرة التي أعيش فيها ببلاد القبائل، وتحديدا بالقرب من المكان الذي انعقد فيه مؤتمر الصومام فيه نوع من التناقض، حيث كنت كثيرا ما أتساؤل عن سبب الفقر والجوع الذي كنا نعيشه بعد أن تبين لي أن الوجود الاستعماري في بلادنا هو السبب الذي جعلنا كمجتمع نعاني من هذه الوضعية المزرية، وأذكر وقتها انتشار وباء كان يسمى" التيفيس" أتى على عدد كبير من الجزائريين ورغم وجود التلقيحات إلا ان المستعمر الفرنسي كان يصر على أن يهلك الجزائريون لتوسع استيطانهم في بلادنا التي لطالما اعتبروها قطعة فرنسية.
ذقت ـ يقول المجاهد سبخي ـ مرارة الذل وقهر المستعمر خاصة بعدما تبين لي أن هنالك لا عدل يحدث في مجتمعنا، وكنت أطرح على نفسي الكثير من الأسئلة منها: لم كان المستعمر يسمينا نصف إنسان ونصف حيوان؟ أي أنهم كانوا ينظرون إلينا نظرة لا إنسانية؟ ولم "الكولون" هو من لديه الأحقية في اكتساب الحقول والأراضي الخصبة؟ وشيئا فشيئا أدركت ان وطنيتي هي التي كانت تدفع بي إلى أن أكون فردا واعيا ينبغي أن يعرف ما الذي يحيط به من أحداث، ولعل ما زاد من قناعتي في أن بلادنا تعيش وضعا غريبا هو زيارتي رفقة عمي المجاهد أمقران، إلى إحدى القرى التي استوطن فيها المستعمر، حيث اكتشفت الطرقات المعبّدة والسيارات والمحلات والمقاهي، في الوقت الذي كنت أظن أن العالم ينتهي في حدود دشرتي، مما يعني أن المستعمر كان يعمد على إبقائنا بالدشور حتى لا نعرف شيئا مما يحدث حولنا، ورحت أيضا أتساءل لماذا يعيشون حياة الرفاهية ونحن نعيش بمنازل تشبه الأوكار وسط الخوف والرعب من كل مكان.
كثرة الأسئلة التي كانت تتردد على عقل المجاهد سبخي، جعلته تائها ويبحث عن أجوبة في كل مكان، وشاءت الأقدار أن يقول "أخذني عمي سبخي الطيب، أول شهيد بدشرتنا معه إلى فرنسا، حيث كان يعمل وكانت لديه اتصالات مع المجاهدين، وفي سبتمبر 1952 كان عمري وقتها 13 سنة، آنذاك كانت الحركة الوطنية تنشط بالأراضي الفرنسية في سرية تامة، وكما هو معلوم الجزائر كانت سباقة لإنشاء الحركة الوطنية للتخطيط لمحاربة المستعمر في شمال إفريقيا وهو ما ميز أيضا ثورة نوفمبر المجيدة.
كان لاحتكاكي ـ يقول المجاهد سبخي ـ بنشطاء الحركة الوطنية من الذين كانوا يجتمعون في بعض البيوت القصديرية بالأراضي الفرنسية فائدة كبيرة، حيث تلقيت أجوبة على كل الأسئلة التي لم أجد لها أجوبة، فالفضول الذي كنت أتمتع به جعلني اقترب من بعض النشطاء بالحركة الوطنية، حيث كنت أسمع عبارات عن الاستعمار، ووحشية الجرائم التي يرتكبها ضد مدنين عزّل، والحديث أيضا على ضرورة التجند لمكافحة المستعمر لانتزاع الاستقلال في تلك الأثناء يردف محدثنا "فهمت ما يحث في الجزائر وقررت العودة إلى أرض الوطن وبعد تقريبا شهر و21 يوما من عودتي من فرنسا اندلعت الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر.
ما تبين لي أيضا ويعتبر من الجزئيات المهمة بالثورة، أن الإعلان عن اندلاع الثورة لم يشمل بعض القرى التي ظل فيها المستعمر يشوه صورة المجاهدين على أنهم صعاليك ومخربون مستغلين في ذلك جهل الشعب وفقره -حسب المجاهد سبخي- ويضيف ولأني ابن الدشرة رحت أبلّغ أقراني من الشباب عن أن ما يحدث في البلاد هو بداية للتخلص من المستعمر الغاشم بإخراجه من الجزائر، وبعد بضع أيام عن اندلاع الثورة تفرق المجاهدون بالقرى لنشر الوعي ولحث الشعب على تنظيم أنفسهم، حيث تم التأسيس لنظام الثورة بتعين المسؤولين على جمع وإخفاء الأسلحة والغذاء، ووقتها كان عدد المجاهدين قليلا وكان السلاح شحيحا لأن الثورة كانت في بدايتها وكانت بحاجة إلى دعم كبير، ومما أذكره أني كنت رفقة بعض الشباب بمنزل عمي نستقبل المجاهدين بالليل لدعمهم بالسلاح والغذاء، وكان يتم تكليفنا من المجاهدين ببعض أعمال التخريب، حيث أذكر أني قمت بتخريب العديد من كوابل الكهرباء والهاتف وحتى ممرات السكة الحديدة، في تلك الأثناء ذقت حلاوة الثورة فقررت الالتحاق بالمجاهدين بالجبل.
التحاقي بالمجاهدين كان بعد حادثة وقعت بقريتي، حيث قتل المستعمر أبرياء فقط لأنهم فزعوا وهربوا عند رؤيتهم للجنود يحيطون بالقرية، فقررت ترك القرية والالتحاق بدشرة أخرى علّني أحصل على فرصة للالتحاق بالمجاهدين، فقررت أن أسبّل نفسي في سبيل الوطن، ودخلت دشرة أخرى وبالنظر للحالة السرية التي كانت سائدة بالمداشر بعد اندلاع الثورة خاطرت بنفسي وتمكنت من الالتقاء ببعض المجاهدين من الذين كانوا يقصدون القرية، وحدث ـ يسترسل المجاهد سبخي ـ، أن اقترب منّي المجاهد ميرة الذي استفسر عن سبب وجودي وطلب مني العودة إلى قريتي غير أني رفضت لألتقي من جديد بالشهيد صالح غربي، الذي بعد أن تبين له أني أريد الالتحاق بالمجاهدين ما كان منه إلا أن حرر رسالة وطلب مني الذهاب إلى دشرة أخرى، حيث التقيت مسؤولا آخر وتم تدريبي على حمل السلاح، وأذكر وقتها أنه كان عبارة عن بندقية صيد. وفي أكتوبر 1956 تم تعييني في مجال الاتصالات بالنظر إلى ما كنت أتمتع به من فطنة ونباهة وهدوء، حيث كنت تابعا لمنطقة اوزلاڤن، حيث انعقد مؤتمر الصومام وكلفت بنقل الرسائل وكل ما يخص الاتصالات الخاصة بالثورة بين القادة والمجاهدين، يقول المجاهد سبخي.
ومن بين ما ظل عالقا بذاكرة المجاهد سبخي، ما أسماه بمكيدة الأزرق في سنة 1958، حيث شاركت ـ يقول محدثنا في معركة ببرج بوعريرج،  كطرف بكتيبة الجيش كقائد عام والتي استمرت طوال اليوم بمنطقة "بني وقاق" المنطقة الرابعة وأصبت بطلقات رصاص وبعد خضوعي للعلاج تغيرت مهمتي من جديد، حيث كلفتني الكتيبة بوظيفة أخرى تحت قيادة الولاية الثالثة آيت حمودة عميروش ـ رحمه الله ـ الذي اعتبر أنا ومجاهد أخر لا يزال على قيد الحياة الوحيدين اللذين عملنا تحت قيادته من الأحياء، ولأنه على علم بخبرتي في معرفة المناطق بأرض القبائل وما جاورها طلب منّي أن أعمل برفقته، حيث كلّفني بكل رسائله وخطاباته وكل أسرار المنطقة الثالثة، تنقلت حتى إلى علي كافي ـ رحمه الله ـ في اجتماع الشمال القسنطيني 1959، وأبلغته ببعض المعلومات واعتبر الوحيد الذي أملك صورا للعقيد عميروش، وحتى تظل بعض الأحداث حاضرة عن تاريخ نوفمبر ألفت كتابا يصدر هذه الأيام حول علاقتي بالعقيد عميروش ـ رحمه الله ـ.