"المساء" تعود إلى ملف حظائر السيارات

هل يزيل القانون الجديد سطوة "قُطّاع الطرق"؟

هل يزيل القانون الجديد سطوة "قُطّاع الطرق"؟
  • القراءات: 4010
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

ينتظر المواطنون أصحاب المركبات، بفارغ الصبر، تطبيق المرسوم الجديد الخاص بتنظيم حظائر ركن السيارات، لإزالة حالة الفوضى التي تسود شوارع وطرقات مدننا، وما يتبعها من تجاوزات واعتداءات على حق المواطن، من طرف "قُطّاع الطرق" الذين شكلوا "عصابات" احتلت الأماكن العمومية وفرضت سيطرتها، في غياب قوانين صارمة تحمي حقوق المواطن. يؤكد من سألناهم عن قرار الحكومة، بوضع حد لظاهرة الحظائر العشوائية التي تجذرت ورمت بأذرعها في أغلب الطرق والمسالك، أنهم ينتظرون على أحر من الجمر، الشروع في تطبيق هذه القرارات الجريئة التي، رغم تأخر صدورها، فإنها ستغير سلوكات آلاف الأشخاص الذين لا يتورعون عن الدوس على القوانين العامة، وستكون العقوبات الثقيلة المنصوص عليها في القانون الجديد، الفيصل الذي يعيد للنظام هيبته ويقضي على عقلية "البايلك" وغياب الدولة، مثلما يُخيل للبعض. 

يبدو من خلال شكاوى المواطنين والاعتداءات، التي كان مسرحها الحظائر العشوائية، ودخلت أروقة المحاكم، أن المواطنين، وبخاصة أصحاب المركبات، سيتنفسون الصعداء عندما تسود سلطة القانون وتمحو آثار الإهمال واللامبالاة. ووصف "علي. د"، أحد الموظفين بإدارة عمومية بمنطقة الحميز، أن ما وصفهم بـ"قُطّاع الطرق" عاثوا في المجتمع فسادا، وشكلوا عصابات صارت تفرض "الجباية" على كل شخص يسير بمركبته في الطريق العمومي، وكأنهم يملكون ترخيصا على ذلك، مشيرا إلى أنه حان الوقت لإعادة هيبة الدولة وسلطة القانون، من خلال توقيف مثل هذه الابتزازات السافرة. ولا أحد ينكر حالة الفوضى التي صارت عليها مدننا وشوارعنا وحاراتنا، منذ سنوات طويلة، حيث استشرت ظاهرة حراسة المركبات، كالنار في الهشيم، وأصبح كل من هب ودب ينصب نفسه حارسا، بل "مكاسا" يبتز المواطنين ويفرض عليهم دفع إتاوات، نظير ركن سياراتهم بأماكن عمومية، صارت بفعل فاعل، وفي غياب السلطات العمومية، ملكا خاصا بدون وجه حق. ولم يهضم المواطنون عموما، هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير، في الأعوام الأخيرة، ولم تخل منها لا المدن الكبرى ولا الصغيرة، وصارت مصدر تجاوزات واعتداءات، أدخلت العديد ممن دخلوا في دوامتها أروقة المحاكم، فيما قبل بعض المواطنين الأمر الواقع على مضض، لكنهم يدركون أن أصحاب الحظائر العشوائية يمارسون نشطا خارج الأطر القانونية.

المواطنون يشتكون سطوة المستولين على الشوارع

ذكر "عبد الرحمان. م" قاطن ببوزريعة ويعمل في إحدى المؤسسات وسط العاصمة، أنه لم يهضم تأخر السلطات العمومية في تطبيق القانون العام الذي يحمى المواطن من ابتزازات أصحاب الحظائر العشوائية، الذين سطوا على كل شبر من الأرصفة وضفاف الطرق، وحولوها إلى أملاك خاصة، يفرضون فيها منطقهم و"قانونهم الخاص"، بسبب غياب سلطة القانون الحقيقي، مشيرا إلى أنه صار ينهض باكرا ليصل إلى مقر عمله قبل الموعد، فيجد مكانا لسيارته بإحدى شوارع الجزائر الوسطى، التي ينتشر بشوارعها وحاراتها شباب امتهنوا حراسة السيارات وفرض منطقهم. 

أكدت "حياة. س" العاملة بإحدى إدارات ولاية الجزائر، أن ركن سيارة بالقرب من مقر عملها في قلب العاصمة، صار بالنسبة لها هاجسا كبيرا، لأنها لم تعد تجد مكانا شاغرا، حتى ولو وصلت إلى مقر عملها باكرا، مما جعلها تلجأ إلى ركن مركبتها بالقرب من إحدى محطات الميترو في حسين داي، من أجل تفادي الزحمة والبحث عن مكان لتوقيف السيارة.

ولم ينف "أحمد. ع" القاطن ببلدية الرويبة، أن بلديات العاصمة، على غرار مدن الولايات الأخرى، لم تخل من ظاهرة الحظائر العشوائية، مؤكدا أن عندما أرهقته يوميات العمل بباب الوادي، بسبب مشكل ركن السيارة، فلجأ إلى ركنها بإحدى شوارع بلدية الحراش، ليسهل عليه ركوب الميترو نحو ساحة الشهداء، لكنه وجد أن شوارع المدينة تكاد تكون كلها محتلة من طرف الحراس، مما أخلط أوراقه وجعله يقبل بالأمر الواقع، كونه لم يعد ترهقه الزحمة الدائمة عندما يلج إلى قلب العاصمة.

البلديات تغض الطرف...

أمام تفشي هذه الظاهرة غير الحضرية، تقف الجماعات المحلية مكتوفة الأيدي، لا تحرك ساكنا، وفي أحسن الأحوال، تمنح ترخيصا لبعض الشباب البطال، باستغلال مساحات عمومية قد تكون تابعة لها أو لأملاك الدولة، مثلما لا حظنا ذلك في بلدية الحراش أو الدار البيضاء وغيرهما، لكن يبقى حجم هذه التراخيص الممنوحة من طرف البلديات للشباب البطال قليلا جدا، مقارنة بما دون ذلك من حظائر لا شرعية يفرضها أصحابها في شوارع وحارات ومسالك ومساحات مجاورة لمؤسسات عمومية تستقطب مرتاديها.

إذا أخذنا بلديات الحراش كعينة، نجد أنها تحتوي على العديد من الحظائر غير المقننة، لاسيما داخل سوق بومعطي وعلى ضفافه، حيث أصبح هذا النشاط مهنة قارة لعشرات الأشخاص، الذين اقتسموا الشوارع والطرق بينهم، وجعلوها مصدر رزق لهم، خارج الأطر القانونية، مثلما يفعل التجار الفوضويون، الذين يقومون بالتصرف نفسه. يفسر بعض الإداريين، بإحدى بلديات العاصمة، تساهل البلديات في ترك هذا النشاط الفوضوي قائما ومتجذرا، بكونها تعتبره حلا لمشكل البطالة، لاسيما في أوساط الشباب، الذين يطالبون البلديات باستغلال مساحات تابعة لها، قصد تحويلها إلى حظائر. 

فيما يخص دور مصالح الأمن لمجابهة هذا النشاط، ينص القانون الجديد على تحديد الأطراف المسؤولة عن متابعة الظاهرة وتأطيرها من طرف المصالح البلدية، بالتعاون مع مصالح الأمن، التي قد تتدخل بعد تكرار البلاغات على الخط الأخضر المجاني 48-15، التي يكشف من خلالها المواطن عن تجاوزات واعتداءات أصحاب الحظائر غير الشرعية، لكن هذا لا ينفع في كل الأحوال، لأن الأمر يتطلب عددا هائلا من أعوان الأمن لمراقبة هذا النشاط ومحاصرته، خاصة إذا كانت أغلبية الشوارع والطرقات تتحكم فيها عصابات "قطاع الطرق"، مثلما يصفهم البعض.

وحسب ما أكده لنا بعض المواطنين، فإنهم لا يلمسون تدخلا لمصالح الأمن، قصد صد مثل هذه الظاهرة ومنع نشاطها غير القانوني، كون مصالح البلديات صارت لا تجرؤ على تكليف مصالح الأمن، حسبما ينص عليه القانون، لإزالة مثل هذه النشاطات ومنع ممارسيها، ولعل أحسن مثال على ذلك، أن رؤساء البلديات فشلوا حتى في القضاء على الأسواق الفوضوية، التي من المفروض

الحكومة تعترف بتجذر الظاهرة وتقرر الحل

كانت الحكومة قد أعلنت في نوفمبر الماضي "الحرب" على الحظائر العشوائية أو "الباركينغ"، الذين استولوا على الطرق والمساحات العمومية وتحويلها إلى مواقف للمركبات، حيث طالبت البلديات بتنظيم نفسها لاحتواء الظاهرة، مؤكدة أن ممارسي هذا النشاط غير الشرعي صاروا، وفق القانون الجديد، معرضين لعقوبة تتراوح بين 6 أشهر وعامين حبسا، مع غرامة مالية من 25 ألفا إلى 200 ألف دينار، مع مصادرة الأموال الصادرة عن النشاط. كان وزير العدل حافظ الأختام، عبد الرشيد طبي أكد، حينها، خلال مناقشته مشروعي قانونين يعدل الأول ويتمم الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات أمام نواب البرلمان، أن استغلال الطرق والمساحات العمومية دون رخصة كمواقف للمركبات، تترتب عنه أحكام قضائية.

كما أبرز الوزير خلال المناقشة، أن 70 بالمائة من الشباب البطال يتوجهون لإقامة حظائر عشوائية، بحثا عن الربح السهل والسريع، من خلال الاستيلاء على جهة معينة من الطرقات وفرض منطقهم بتهديد الناس وزرع الرعب في نفوس أصحاب المركبات. وقد صنف القانون الجديد النشاط المذكور في خانة الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات، بغية القضاء على هذه الظاهرة التي استفحلت وصارت ضربا من ضروب الاعتداء على الأملاك العمومية، وابتزاز المواطنين، مع سبق الإصرار والترصد، مما يؤدي في كثير من الأحيان، إلى شجارات تمس بالنظام العام.