مدير التعمير اعتبرها أراضي فلاحية غزاها القصدير

هل تراجعت الولاية عن مشروع "الدوبلاكس" في أحواش العاصمة؟

هل تراجعت الولاية عن مشروع "الدوبلاكس" في أحواش العاصمة؟
  • القراءات: 4506
زهية. ش زهية. ش

لا تزال العائلات القاطنة بالأحواش المتواجدة بمختلف ضواحي العاصمة، تنتظر تجسيد مشروع إعادة التهيئة أو "الدوبلاكس"الذي أعلن عنه والي العاصمة، السيد  عبد القادر زوخ خلال السنة الماضية، لتحسين ظروف معيشة هؤلاء الذين يقطنون في بنايات يعود تاريخ إنشائها إلى الحقبة الاستعمارية، والتي كانت آنذاك عبارة عن قصور كولونيالية ومزارع شاسعة للكروم والحمضيات، استغلّها المعمّرون واشتغل بها الفلاحون الجزائريون الذين آلت ملكية تلك الفيلات والأراضي إليهم، دون أن يستفيدوا من تسوية وضعيتهم القانونية إلى حد الآن، كما يواجهون مشكل غياب أدنى المرافق وانعدام التهيئة الحضرية، مما جعلهم يستحسنون قرار الولاية القاضي بالتكفل بوضعيتهم، على غرار العائلات القاطنة بالأحياء القصديرية والأقبية والأسطح، فأين وصل مشروع "الدوبلاكس"؟ وهل يتحقق حلم آلاف القاطنين بالأحواش والمزارع؟ ولماذا تأخر تجسيده إلى حد الآن؟

ففي الوقت الذي تتواصل عملية ترحيل العائلات القاطنة بالأحياء القصدرية إلى سكنات جديدة، من أجل القضاء على الأحياء الفوضوية وإعادة الوجه المشرف للعاصمة، يبقى سكان الأحواش ينتظرون دورهم في تجسيد مشروع تسوية الوضعية ومنحهم عقود الملكية أو بناء شبه فيلات في الأحواش التي تتوسط أغلبها بيوتا قصديرية، أنجزت بعد أن أصبحت البنايات القديمة وبعض الاصطبلات التي حوّلت إلى مساكن، لا تستوعب عدد أفراد العائلات الذي ارتفع كثيرا.

سكان الأحواش.. الورثة غير الشرعيين للمعمرين

"المساء" قامت بجولة استطلاعية في بعض أحواش العاصمة؛ الرويبة، هراوة، سيدي موسى، السحاولة الخرايسية وغيرها من البلديات التي يقطنها عدد كبير من السكان الذين عبروا عن قلقهم لتأخر تجسيد مشروع الولاية الذي جعلهم يحلمون بسكنات لائقة بعد أن وجدوا أنفسهم بعد الاستقلال، الورثة غير الشرعيين للمعمرين الأوروبيّين الذين استوطنوا في الجزائر، فمعظم الأحواش ما تزال تحتفظ بأسمائها الفرنسية إلى يومنا هذا، نسبة إلى ملاّكها المعمرين آنذاك، حيث تبقى معاناة قاطنيها متواصلة، خاصة في بعض المزارع التي بها اصطبلات تحولت إلى مساكن، وأخرى بيوت قصديرية محيطة بما تبقى من أجزاء لفيلات وقصور أصبحت تشكل خطرا على قاطنيها بسبب هشاشتها، وتفتقد لظروف العيش الكريم كون المجالس الشعبية البلدية السابقة والحالية استثنتها من البرامج التنموية، خاصة بعد إعلان والي العاصمة التكفل بها من خلال برنامج خاص، مما جعل بعض السكان يؤكدون خلال جولتنا الاستطلاعية، على أنهم يعيشون التهميش واللامبالاة، خاصة أنهم لا يستطيعون ترميم سكناتهم وتجديدها، لأنّها ليس ملكهم ولازالت تابعة لأملاك الدولة، بالتالي لا يمكن أن يتصرّفوا فيها حتى وإن كانوا يقطنون فيها منذ عهد الاستعمار.

وتعد بلدية سيدي موسى واحدة من البلديات التي تضم عددا معتبرا من الأحواش يبلغ 17 حوشا؛ هدمت ثلاثة منها خلال العشرية السوداء، وسكانها المشتتون يطالبون بالعودة، أما بقية الأحواش فموزعة عبر مختلف الجهات بحوالي 700 عائلة أحصيت سنة 2013، تعيش في ظروف صعبة جدا، مثلما لاحظناه بأحواش سي بلعيد، علي بن النعيمي، الشهيد بودومي،  الشهيد لعقاب وسي جعفر، حيث يعانون بسبب شبكة الصرف الصحي غير اللائقة، وقامت الولاية سنة 2008 بعملية مستعجلة تمثلت في وضع حفر لجمع مياه الصرف، الأمر الذي طرح، حسب رئيس البلدية، السيد  بوثلجة علال، مشكلا آخر كون هذه الحفر لم تعد تستوعب المياه الملوثة التي أصبحت تتدفق فوق سطح الأرض مشكلة خطرا على صحة السكان، فضلا عن مشكل شبكة المياه الصالحة للشرب التي لا تلبي الطلب حاليا، كونها صغيرة ومهترئة، وتحتاج إلى تجديد، بينما لم يستفد سكان هذه الاحواش من برنامج الغاز الطبيعي، لأن سكناتهم لا تتوفر على شروط السلامة، حيث راسلت سلطات العاصمة في بداية عام 2014 المجلس الشعبي البلدي، تدعوه إلى عدم برمجة أية  أشغال على مستوى هذه الأحواش حتى ينتهي برنامج التهيئة، حسب رئيس المجلس الذي أكد لـ"المساء"، أنه في مارس 2014 جاءت مكاتب دراسات تابعة لمديرية البناء والتعمير لولاية الجزائر، كي تقوم بالدراسة حول إمكانية تهيئة هذه الأحواش، وتم تذكير الوالي بهذا المشروع في العديد من المناسبات "لكن لم تتضح الصورة إلى حد الآن بخصوص هذا المشروع"، فلا جديد يذكر بالنسبة لبلدية سيدي موسى، ولم يتقدم المشروع بأية خطوة، وهو ما زاد علينا الضغط وحيرنا، يقول بوثلجة علال، "لأن سكان هذه الأحواش تم استثناؤهم من السكن الاجتماعي والبيوت القصديرية والهشة، وهم ينتظرون التهيئة، لكن صبرهم طال"، إذ يجب تفعيل العملية وتسريعها، لأن سكان الأحواش يعيشون في ظروف جد متدنية، وأغلبيتهم يفضلون البقاء في أماكنهم مع تحسين وضعهم المعيشي، فهم ورثة المعمرين ومن السكان القدامى، العاملين ضمن المجموعات الفلاحية.

التسوية وعقود الملكية.. مطلب الأغلبية

من جهتها، تعرف بلدية السحاولة الواقعة غرب العاصمة، والمعروفة بطابعها الفلاحي، انتشار العديد من الأحواش بها، بلغ عددها، حسبما أوضحه رئيس البلدية السيد عازم محفوظ لـ"المساء"، 39 حوشا، تضم حوالي 800 عائلة تعيش أوضعا صعبة وتطالب من الجهات المعنية بإيجاد حلول استعجالية لمشاكلها، وتجسيد مشروع إنجاز السكنات اللائقة الذي تم الإعلان عنه على مستوى مختلف الأحواش، على غرار حوش الطرشة، حوش الطيب، حوش الحاج، حوش لورا، حوش فانسا، ومزرعة عثمان بلحاج وغيرها، حيث قامت لجنة تابعة لمديرية التعمير والبناء، حسبما ذكره رئيس بلدية السحاولة، السيد محفوظ عازم لـ"المساء"، بمعاينتها لبناء سكنات لائقة للمقيمين بها، حسب نمط ومحيط كل حوش، حسبما وعد به هؤلاء الذين ينتظرون تجسيد ذلك على أرض الواقع بفارغ الصبر لتوديع المتاعب التي لا تزال تلاحقهم منذ سنين، مثلهم مثل سكان الأحواش بالخرايسية، الذين قال بعضهم لـ"المساء" بأنهم بحاجة إلى وثائق تثبت ملكيتهم للأراضي التي يقطنون بها منذ عهد المعمرين، فهم ليسوا بحاجة إلى بناء سكنات من قبل سلطات ولاية الجزائر، لأن الكثير منهم أنجز سكنه بإمكانياته الخاصة بهذه البلدية التي تضم 42 حوشا، إذ تساءل الكثير من السكان الذين التقتهم "المساء" عن مصيرهم، معبّرين عن رغبتهم في الحصول على عقود ملكية، ومساعدة البقية على تهيئة سكناتهم وإعادة بنائها بالنسبة للبعض الآخر، حيث أكّدوا أنهم رفعوا انشغالاتهم للمجلس الشعبي البلدي، الذي طمأنهم بأن المصالح الولائية ستتكفل بالملف، لكن لا جديد يذكر في هذه العملية إلى حد الآن.

الأحواش بالرويبة.. غياب مشاريع التهيئة

أما بالنسبة لأحواش الرويبة، فإن زائرها سيتفاجأ حتما بواقع التنمية المحلية بها، رغم أن هذه الأخيرة تعود فترة تشيّيد أغلبها إلى الحقبة الاستعمارية، على غرار حوش لاكادات الذي عبّر سكانه لـ"المساء"، عن قلقهم بشأن الوضع الذي يعيشونه ولا مبالاة السلطات المحلية بالانشغالات التي طرحوها عدة مرات، في مقدمتها وضعية الطرق والمسالك الترابية التي لم يتم تزفيتها إلى حد الآن، وأخرى بحاجة إلى عملية التهيئة والتزفيت من جديد، خاصة أن بعضها يقع بالقرب من الطريق السريع، بالإضافة إلى مشكل الإنارة العمومية التي تنعدم بشتى الأحواش، نتيجة الأعطاب التي مسّتها منذ فترة دون إصلاحها، حيث يضطر السكان إلى الخروج باكرا وقطع مسافات طويلة في الظلام من أجل الالتحاق بمدارسهم ومقرات عملهم، كما لا تزال معظم الأحواش تعاني من قدم قنوات الصرف الصحي، وأخرى تنعدم بها نهائيا، مما يؤدي إلى تسرب المياه الملوثة وانتشار الروائح الكريهة، مثلما أكده لنا رئيس حوش تيري علي مشتة لـ"المساء"، مشيرا إلى أنه رغم هذا الوضع المتردي، لم يظهر أي جديد منذ الإعلان عن مشروع تهيئة الأحواش، حيث سبق لممثلي أحواش العاصمة، حسب المتحدث، أن حضروا اجتماعا مع الأمين العام للولاية قبل شهر رمضان الماضي، لاطلاعهم على مخطط إعادة تهيئة الأحواش الذي تنتظره 106 عائلات تقطن في هذا الحوش منذ عهد الاستعمار، "نحن ورثة المعمرين الذين كانوا يقيمون بهذه الأراضي الفلاحية، لكن لا أحد يملك وثائق الأرض التي يقطن بها"، مضيفا أنهم يطالبون بتسوية الوضعية ومنحهم وثائق ملكية الأراضي، ولا يطالبون بدعم مادي "لأننا قادرين على إنجاز سكناتنا بإمكانياتنا، أو إنجاز سكنات من نوع "دوبلاكس"، مثلما وعدت بذلك الوصاية، خاصة أن المقيمين في هذا الحوش يفضلون البقاء في الحي عوضا من ترحيلهم، بعد أن قضوا سنين طويلة في هذا المكان الذي يواجهون فيه متاعب غياب شبكة الصرف الصحي بالنسبة للعديد من العائلات.

وحسب المتحدث، فإن المخططات الخاصة بتهيئة الأحواش جاهزة، حسبما ذكره المعنيون، لكننا، يقول رئيس الحي؛ "لم نراها إلى حد اليوم، نريد أن ينطلق المشروع ونطلع على المخططات وكل ما له صلة بهذا الملف، خاصة أننا نعيش وضعا صعبا نتيجة اهتراء الطريق الذي نتكفل نحن بتهيئته بإمكانياتنا الخاصة"، وهو الوضع الذي تعرفه أحواش أخرى، على غرار احمد مدغري، حوش ميرة، سكيفة، قاسطو وغيرها..

سكان أحواش هراوة.. ما مصير "دوبلاكس" 185 مترا؟

من جهتهم، ينتظر سكان أحواش بلدية هراوة، تسوية الوضعية على مستوى 36 حوشا، يعيش أغلبهم وضعا صعبا بسبب تردي السكنات القديمة وتحول معظمها إلى بيوت قصديرية، فبعد ترحيل سكان حوش "الكاريير" وحوش "روا" بسبب وقوعهما داخل المحيط العمراني وهشاشتهما الكبيرة، إلى سكنات جديدة، لا زال المقيمون في باقي الأحواش ينتظرون برنامج إنجاز الفيلات المصغرة التي أعلن عنها والي العاصمة في  السنة الماضية، حيث سبق للوالي أن أوضح خلال زيارة للمنطقة في مارس 2014، أن هذا المشروع سيمس كمرحلة أولى سبعة أحواش، ليتم تعميمه على باقي مزارع البلدية، كما حدد حوش "انقلاط" وحوش "كواط 3" للانطلاق في تجسيد ما يعرف بالمشروع النموذجي، الذي سيتم من خلاله إنشاء سكنات مساحتها 185 مترا مربعا، إلا أنه وبعد زيارة أخرى للوالي في ماي 2014، أعطى تعليمات بعدم إنجاز سكنات من ثلاث غرف، بأحواش هراوة على غرار "الجنود"، "كواط1" و"2"،"لونبير" ،"بريطام"، "بوظهر"، بالإضافة إلى "انقلاط"، حيث بلغ عدد العائلات التي تم إحصاؤها في عام 2013 أكثر من 1300 عائلة، تنتظر التسوية، حيث يتساءل هؤلاء عن مصير مشروع "الدوبلاكس"، خاصة بعد أن بلغتهم معلومات تشير إلى أن مكتب الدراسات المكلف بإعداد نمط السكن الخاص بهذه الأحواش حول مساحة السكن الذي سينجز من 185 مترا مربعا إلى 69 مترا مربعا، مما يجعله سكنا اجتماعيا ليس له صلة بالسكن الفردي الذي يرغب سكان الأحواش الذين يمارس عدد كبير منهم نشاطا فلاحيا إنجازه، بعد حصوله على عقود الملكية، حيث يرفض هؤلاء التنازل عن أرضهم الفلاحية، مثلما حدث مع أحدهم بحوش "انقلاط" الذي انسحبت الشركة المكلفة بالإنجاز، بعد أن رفض استقرارها فوق أرضه الفلاحية ورفع دعوى قضائية ضدها، غير أن رئيسة البلدية حورية عزوني أعابت في تصريح لـ"المساء"، على سلطات ولاية الجزائر عدم إشراكها في الاجتماعات الخاصة بتجسيد هذا المشروع، للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، خاصة أن المسؤولين المحليين يدركون حقيقة كل حوش تضمه البلدية.

كما يطالب سكان أحواش بلدية المرسى، بتسوية وضعية الأراضي والحصول على عقود الملكية والتكفل بمختلف الانشغالات المتمثلة في تدهور المحيط، خاصة الطرق غير المهيأة التي تمتلئ بالأوحال وبرك المياه في فصل الشتاء، حيث سبق للسلطات المحلية على مستوى البلدية، أن قامت بإرسال البطاقة التقنية الخاصة بأحواش الولاية، من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة التي ينتظرها السكان المتواجدون في نفس الوضعية وفي كل أحواش العاصمة، التي شهدت هي الأخرى توسعا عمرانيا ملفتا للانتباه في السنوات الأخيرة، والتي ينتظر سكانها حلا لمشاكلهم، خاصة أن السلطات الولائية أعطتهم الأمل وكلفت مكاتب دراسات بإحصاء ومعاينة وضعية السكنات التي تحولت إلى أحياء قصديرية وسط المزارع، وأصبحت أكبر عددا من الأحواش، وتشكل خطرا على الأراضي الفلاحية، فبعد أن عزمت السلطات المعنية على القضاء على فوضى البيوت القصديرية التي شوهت وجه العاصمة وطابعها العمراني، يبقى مشكل الأحواش التي غزاها القصدير قائما، كونها مرتبطة بالقطاع الفلاحي، نظرا لغياب الآلية القانونية المسيرة لها.

مدير التعمير.. التسوية تبدأ من المصالح الفلاحية

وفي هذا الصدد، أوضح مدير التعمير لولاية الجزائر السيد يزيد قواوي لـ"المساء"، أنه وبالنظر إلى الطابع الفلاحي لهذه الأحواش، "ارتأينا تسوية مشكلتها مع مديرية الفلاحة"، مشيرا إلى أن هناك لجنة وزارية مكونة من مصالح البناء والتعمير وزارتي الداخلية والفلاحة للنظر في وضعية الأحواش على المستوى الوطني، وليس العاصمة فقط، ففي الوقت الذي سبق لوالي ولاية العاصمة، السيد عبد القادر زوخ، أن أعلن عن تسوية وضعية الأحواش، من خلال بناء سكنات فردية في شكل "دوبلاكس"، اعتبر مدير التعمير الجديد يزيد قواوي أن الكرة توجد في مرمى مديرية الفلاحة لولاية الجزائر، المطالبة بتصنيف هذه الأراضي" لتتمكن الولاية من إعادة تهيئتها، لأنها عبارة عن أراض فلاحية تابعة لمجموعات فلاحية"، مضيفا أن وزير الفلاحة الحالي، السيد سيد احمد فروخي تفهم الوضع، وأنه من الممكن أن يجتمع في الأيام المقبلة بالمصالح المعنية وهي ولاية الجزائر، للشروع في دراسة هذا الملف الذي يبدو معقدا كون الأحواش عبارة عن أراض فلاحية بها سكنات فوضوية، إذ يجب -حسب المتحدث- تسوية مشكل العقار الذي تقع فيه هذه الأحواش مع الفلاحين، "لأن الوالي ورئيس البلدية لا يمكنهم أن يتصرّفوا فيها".