"المقاهي بدون تدخين" تنتشر بالعاصمة

نماذج حضرية تؤسس لثقافة صحية واعدة

نماذج حضرية تؤسس لثقافة صحية واعدة
  • 1552
❊❊ رشيد كعبوب ❊❊ رشيد كعبوب

بدأت ظاهرة انتشار المقاهي بدون تدخين، تتعمم شيئا فشيئا بالعاصمة، على غرار ولايات أخرى، وهو ما شد انتباه العديد من المواطنين، ونالت إعجابهم، معتبرين ذلك إضافة جميلة، حسبما ذكره لـ«المساء"، بعض من وجدناهم في زيارتنا لبعض المقاهي "النموذجية" بولاية الجزائر، التي لاحظنا بها جوا مختلفا، تطبعه طهارة المكان ونقاوة الهواء، وهدوء مخيم، يغيب في المقاهي العادية، وهي الوضعية التي يجب أن تكون عليها مثل هذه المحلات، حسب الأخصائيين في الصحة، الذين يطالبون بالإسراع في تطبيق غرامة التلويث، وتشجيع مثل هذه المبادرات التي تؤسس لثقافة صحية واعدة.

يُجمِع من التقينا بهم من المواطنين ببلديات العاصمة، الذين طلبنا رأيهم في أن هذه المبادرة ممتازة، وأنها إضافة رائعة للمدينة، تستحق التشجيع، وصارت عادية وتقبلها الزبائن، رغم أن أصحاب المقاهي كانوا متخوفين من تطبيقها، خشية هروب الزبائن إلى مقاه أخرى، ورغم صعوبة تكيف الناس مع الوضعية الجديدة، إلا أن ما حدث أن من أصحاب المقاهي الذين طبقوا هذه المبادرة، حسب شهاداتهم لـ«المساء"، فإنها كانت سببا في تحقيق أرباح أفضل، مما بدد مخاوفهم، وجعل الزبائن يتعودون على احترام المكان.

المواطنون مرتاحون ويطالبون بالتعميم

ذكر لـ«المساء"، أحد الشبان ببلدية الكاليتوس، الذي قال إنه قرر بعد سنوات الإقلاع عن التدخين، أن فكرة "مقاهي بدون تدخين" تعد رائعة، لأنها تساعد الناس الذين لا يدخنون على الحفاظ على صحتهم، وتفادي الدخان المنبعث من المدخنين، كما يشجع كثيرا أولئك الذين توقفوا عن التدخين، لأنهم يجدون المكان الملائم، بعيدا عن المدخنين، الذين يمكن أن يعيدوهم إلى عادة التعاطي.

كما اعتبر أحد التجار، وجدناه بمقهى الساحة بوسط بلدية بئر خادم، هذه الفكرة مبادرة حسنة، وعملا يحتاج الشكر والتثمين، مضيفا بالقول "هذا ما كان ينقصنا فعلا، أنا أتحاشى الجلوس في المقاهي هربا من رائحة الدخان المنبعث من السجائر، والآن يمكننا الجلوس دون أي إزعاج". يطالب محدثونا بتعميم مثل هذه المبادرات، لأنها عنوان للتحضر واحترام حقوق الغير.

من جهتهم، يؤكد الأخصائيون في الصحة أن هذا الأمر يفترض أن يعمم بقوة القانون، ولا يترك لينتشر حسب المزاج، لأن المدخنين يشكلون خطرا كبيرا على صحتهم وصحة من يطالهم دخان سجائرهم، التي تحوى عشرات المواد الكيماوية المسرطنة.

خدمات أفضل لغير المدخنين

يلاحظ الزائر لمدينة بئر خادم، أن مقهيي "الساحة" و"المسجد" الكائنين بالقرب من مقر البلدية، اللذين يشهدان إقبالا كبيرا من طرف الزبائن، صارا نموذجا حيا لهذا النوع من المقاهي، لاسيما أن صاحبي المحلين خصصا القاعة الداخلية المكيفة لغير المدخنين، أما الساحتان المغطاتان خارج المقهيين، فخصصتا للمدخنين، لذلك يستقطب مثل هذا النوع من المقاهي أعدادا كبيرة من الزبائن، كونها لا تستثني أحدا، وتنشر ثقافة جديدة، تتمثل في احترام الأماكن وحقوق الناس في استنشاق هواء نقي.

قال لنا أحد العاملين بمقهى الساحة، إن الأمور تسير بشكل عادي، وأن الزبائن تعودوا على المكان، ولم تعد هناك مشكلة في إفهام الناس، لأن لوحات التنبيه المعلقة في الجدران (ممنوع التدخين)، تؤكد طبيعة المكان.

في مقهى "المسجد" اللصيق بمقهى "الساحة"، وجدنا الأجواء نفسها، حيث امتلأت القاعة الداخلية بزبائن، أكثرهم يفضلون تناول مشروبات ومرطبات، وخارج المقهى ترى شبه سُحَيبات وأعمدة من الدخان تتصاعد فوق رؤوس الجالسين، ويدفعها الهواء يمينا ويسارا، في مشهد لا يبعث على الارتياح.

منع التدخين يبعد الشبهات عن المقهى

في باب الزوار، زرنا مقهى "الفرقان" الواقع قبالة مسجد "الفرقان" بحي "رابية الطاهر"، ورغم أنه صغير، إلا أن صاحبه فضل المحافظة على نقاوة المكان، ولاحظنا أن الطاولات لا تحتوي على مِنفَضات سجائر.   

لما طلبت من صاحب المقهى أن أدخن داخل المقهى (على أساس أنني زبون مدخن)، رفض وقال لي "أنظر إلى اللوحة؛ ممنوع التدخين" وحينها، قاطعته، قائلا "حتى ولو كنت مضطرا"، ليرد بأن الأمر متاح خارج المقهى، لأن الزبائن يتأثرون بالدخان، وكصاحب مقهى، أقتنع بأنه لن يسمح بذلك، لأنه أحس بالتقصير في حق زبائنه غير المدخنين، وأن الكثير من الزبائن شكروه على هذه المبادرة، بل وذكر لي بعد أن عرف أنني صحافي، وأريد أن أعرف الأمور على حقيقتها، أنه بهذا التصرف سيبعد الكثير من الشبهات عن محله، مفصلا ذلك بأن بعض المتعاطين للمخدرات يمكن أن يفعلوا فعلتهم داخل المقهى، وبذلك يدخلونه في أمور هو في غنى عنها، ودعانا محدثنا إلى زيارة مقهى آخر مملوك لهم على بعد أقل من عشرة أمتار، انطلقت بنفس الفكرة، وهي تشهد إقبالا كبيرا، ونشاطا عاديا جدا.

النظافة والاحترام مضمونان بدون سجائر

يؤكد صاحب مقهى "الإخوة عبري" ببلدية الكاليتوس، أنه اقتنع بفكرة منع التدخين لعدة أسباب، ولم يكن يهمه قبل أن يطبقها، أن يمتعض المدخنون أو يقاطعوا خدماته، لأنه وجد أن هذا التصرف  يرضي الله، حسبما ذكر لنا، والله هو من يبارك في التجارة والرزق، وفي هذا المقام، ذكر لنا جمال عبري أن العديد من المواطنين من غير المتعودين على محله، صاروا يقصدون مقهاه، لأسباب أخرى، وهي أن فئة غير المدخنين تعد أقل قلقا ونرفزة وأكثر هدوء من أولئك المدخنين، وقال محدثنا، إن محله صار لا يقصده من يتجرؤون على رفع أصواتهم، والجهر بالكلام الفاحش، مثلما يحدث في بعض المقاهي الأخرى، مؤكدا أنه، بالإضافة إلى نظافة المكان وخلوه من مناظر مؤخرات ورماد السجائر و«رفعات الشمة"، فإن هذه القاعة أصبحت عائلية، يجلس فيها الناس مع ذويهم، ولا يخشون أي تصرف غير لائق أو كلمات نابية من أحد.

البداية صعبة لكن تحسين الوضعية واجب

أما ببلدية القبة، فلاحظنا أن صاحب مقهى يقع بالقرب من مركز البريد، لجأ إلى تخصيص جزء من القاعة للمدخنين، وترك الجزء الأكبر من المقهى لغير المدخنين، واضعا لوحات تنبيهية في مختلف أرجاء القاعة، وأكد صاحب المقهى الذي خصص في البداية قاعة تتوفر على خدمات الأنترنت لما يسمى بـ«الأشخاص المهمين جدا" VIP وبأسعار أكثر من غيرها، أنه وجد في البداية صعوبة في منع التدخين بالمقهى، وأن بعض الزبائن لم يعجبهم الأمر، لأنهم لم يجدوا ضالتهم، وصاروا محاصرين في مكان عمومي، كانوا يتصرفون فيه كما يحلو لهم، ملوثين المحيط وعير عابئين بمن حولهم، لكنهم بعد ذلك، تعودوا على الوضعية وصاروا من بين زبائنه، مشيرا إلى أنه أقدم على هذه المبادرة، لأنه لاحظ مثل هذه المقاهي في دول أجنبية تحترم حقوق الناس في مختلف المجالات.

مديرية الصحةكل الأماكن العمومية معنية بمنع التدخين

في هذا السياق، أكد مدير الوقاية بمديرية الصحة لولاية الجزائر، الدكتور بوجمعة آيت أوراس لـ«المساء"، أن هذا الحس الحضري  مهم جدا، وأن التطبيق الطوعي في توفير مقاه بدون تدخين ظاهرة صحية محمودة، مشيرا إلى أن ذلك نتيجة التأثر ببعض ما هو معمول به في الدول المتطورة، التي تقدمت في هذا المجال، وقطعت أشواطا كبيرة في مجال المحافظة على الصحة العمومية، حيث تم تطبيقها على جميع المرافق والأماكن العمومية، خاصة تلك التي يتواجد بها الأطفال والحوامل.

يضيف محدثنا أنه في بلادنا، ليست المقاهي وحدها المعنية بالأمر، بل كل مرافق الإطعام والأماكن العمومية المغلقة، التي يصير بها التدخين على غير المدخنين كبيرا وأخطر، وأنه حان الوقت للشروع  في تطبيق القوانين ضد الملوثين، إذ تقع هذه المهمة على عدة قطاعات، على رأسها مديرية التجارة، ومصالح الأمن، التي يجب أن تطبق مثل هذه القوانين، بمنع التدخين، وتقوم بتغريم كل المتجاوزين، وأن الولاة المنتدبين و«الأميار" ملزمون بتطبيق هذه القوانين من أجل الحفاظ على الصحة العمومية.

أكد الدكتور آيت أوراس أن المنظمة العالمية لم تكتف بالتحذير من مخاطر التدخين فحسب، بل اعتبرت التبغ من المخدرات الحقيقية، كباقي الأنواع الأخرى، بالنظر إلى أضراره، بسبب المواد المسرطنة التي يحتويها، كالنيكوتين وغيرها، متأسفا عن انتشار ظاهرة التدخين في المؤسسات التربوية بشكل مقلق.